خارطة طريق لدرس الشخص
الشخص والشخصية، المنهاج والكتب المدرسية
الدرس الأول: درس عن الشخص أم عن الشخصية؟
ستكون خارطة الطريق التي اقترحها لدرس الشخص عبارة عن محاولة إلقاء الضوء على اللبس الذي يشوب طبيعة العلاقة القائمة بين مفهومي الشخص والشخصية، لأن فهمنا لعلاقة المفهومين من حيث تجاورها أو تمايزهما، تداخلهما أو استقلالهما عن بعضهما سيؤثر على طبيعة المرجعيات التي سنستدعيها لمعالجة إشكال الهوية أو القيمة أو الحرية، وبعد فحص العلاقة بين المفهومين، سأعرض لبناء الدرس كما افترضه المنهاج وكما طبقته الكتب الدرسية الثلاث قبل أن أفضي في النهاية إلى تصوري الخاص !!
1/ ضرورة التمييز بين المفهومين:
بين مفهومي “الشخص” والشخصية” -لغويا واصطلاحيا- فروقا دقيقة لطيفة من جهة ووشائج عميقة من جهة ثانية… ومن الواضح أن مقاربتنا لدرس “الشخص” ستتباين تبعا لقدرتنا على التقاط هذه الفروق الدقيقة من جهة أومدى تقديرنا لأهمية هذه الوشائج من جهة أخرى.
وهكذا سيدعو الفريق الأول إلى التمييز بين المفهومين ويحذر من مخاطر الخلط بينهما، بينما سيتجه الفريق الثاني إلى الانتقال بكل حرية بين السجلين أثناء تناوله للمفهوم …
مما يسترعي الملاحظة أن مفهوم الشخص ينتمي بالدرجة الأولى إلى السجل الفلسفي وقد نشأ وعولج داخل هذا السجل، بدءا من سقراط وصولا إلى برغسون ومونييه مرورا بالتجريبيين الإنجليز، وذلك في إطار الاهتمام الأصيل للفلسفة بالجوهر والنفس، والمبدأ الأول للظواهر والموجودات ورد الكثرة إلى الواحد… وبهذا المعنى الأخير وضع كانط النفس كأحد الأفكار الثلاثة للعقل الخالص بجانب الله والعالم. ويشير مفهوم الشخص بشكل عام إلى الأنا لا من حيث هو مضمون محدد، وإنما بوصفه وحدة صورية (التعبير من الكتاب المدرسي، ، في رحاب الفلسفة) وغالبا مايقترن هذا المفهوم بمعاني الذات والوعي والإرادة والمسؤولية والحرية والاستقلالية…، ولذلك فالشخص لا الشخصية هي موضوع القانون بسبب افتقاده للتحديدات الإمبريقية المختلفة والخاصة التي تلغي معيار المساواة والعمومية التي تتسم بها القواعد القانونية ، صحيح أننا في اللغة العربية نقول شخصية طبيعية وشخصية معنوية لكننا في الواقع نقصد شخصا طبيعيا وشخصا معنويا كترجمة للمصطلحين الأجنبيين: personne physique, personne morale ،
في حين أن مفهوم “الشخصية”، يشير إلى بنية سيكوفيزيولوجية محددة ومتفاعلة مع محيطها الطبيعي والسوسيوثقافي، وهي خاصة بفرد معين، يختص بها وحده مثلما يختص ببصمة إبهامه! ويمكن إخضاعها لاختبارات وروائز من أجل تصنيفها ضمن أنماط… وبذلك فالمفهوم ينتمي إلى السجل العلمي (نسبة إلى العلوم الإنسانية، وبالضبط إلى علم النفس) وضمن هذا السجل تلقى المفهوم مضمونه وتعاريفه الإجرائية،
2/تداخل المفهومين، مشكلة موروثة أو نظرة على المقرر السابق… !
لا أدعي إضافة الجديد لمن خبر المقرر السابق، ولكن يمكنني النأكيد لزملائي الجدد أن “الإشتباك” كان قائما بين المفهومين في صلب المقرر القديم
ولقد اضطررت في ملخصي لدرس الشخصية وفق المقرر السابق ومنذ مدة طويلة أن أفتتح الدرس بهذه التوضيحات التي حاولت فيها أن الاجتهاد لرسم الحدود الفاصلة بين المفهومين دفعا لكل خلط محتمل بينهما، وفيما يلي فقرة من مقدمة الملخص
دلالات: الشخص والشخصية
عند استعراضنا لدلالات مفهوم الشخصية نعثر على نمطين من التعاريف: نمط أول تتخد فيه الشخصية معنى مجردا و عاما يجعلها خاصية كائن يكون شخصا اخلاقيا وقانونيا مسؤولا (كقولنا: لكل شخص الحق في …)ومنه حديث القانونيين عن شخصية طبيعية أو معنوية؛ ونمط ثان يتخد فيه المفهوم معنى محسوسا يركز على خصوصية الفرد باعتبارها تنظيما فريدا لمجموعة من الوظائف الجسمية، النفسية والإجتماعية ويتجلى هذاالتنظيم من خلال اسلوب الفرد في الحياة و يرتبط بسيرته و تاريخه ( كقولنا شخصية عمرو او شخصية زيد مثلا )
ينتمي النمط الاول من التعاريف الى المجال الفلسفي وينزاح مفهوم الشخصية نحو مفهوم الشخص دلالة على الطابع التجريدي الكوني فكانط يرى “ان الشخص هو الذات التى يمكن ان تنسب اليها مسؤولية افعالها وهي قدرة الشخص على الوعي بما هو ثابت خلف الحالات المتغيرة لوجوده “؛ أما هيجل فيعتبر ان الشخصية لا تبدأ إلا حين تعي الذات نفسها لا كمجرد أنا محسوسة محددة كيفما اتفق و إنما باعتبارها أنا مجردة تجريدا خالصا”.
أما النمط الثاني من تعاريف الشخصية فينتمي الى مجال العلوم الانسانية كما عبر عنه “البورت” في قوله: ” الشخصية هي التنظيم الدينامي للانظمة السيكوفيزيولوجية التي تحدد تكيف الفرد بشكل أصيل مع محيطه”. هنا تصبح الشخصية بناءا أو نموذجا نظريا وعلميا يسمح بفهم كل ما يتميز به شخص معين من خصائص؛ و يستنتج من تعريف البورت أيضا بأن الفرد عبارة عن أنظمة او أجهزة نفسية و فيزيولوجية متداخلة تسعى الى التكيف و التفاعل مع محيطها الطبيعي و الإجتماعي، وعليه ينبغي البحث عن سر تمايز شخصيات الافراد في تمايز أشكال انتظام و تكيف أنظمتهم السيكوفيزيولوجية مع المحيطين الطبيعي و الاجتماعي.
وللإنتقال من مقاربة تتخد مفهوم الشخص موضوعا لها (المحور الأول: نظام الشخص) إلى مقاربة العلوم الإنسانية التي لايمكنها أن تتناول سوى مفهوم محدد تحديدا إجرائيا بشكل دقيق وهو مفهوم الشخصية
فقد اضطررت لوضع الفقرة الإنتقالية التالية نظرا لإختلاف السجلين:
من الواضح أن المقاربة الفلسفية تركز على البعد العام المجرد والمشترك في الشخصية، بل في كل شخصية. وذلك لتأسيس نتائج أنطلوجية وأخلاقية لاحقة. بيد أن هذه المقاربة لاتسمح لنا بأن نفهم سبب اختلاف وتنوع الشخصيات بتنوع الأفراد. لابد إذن من الإنفتاح على مقاربة العلوم الإنسانية.
3/ترحال المفاهيم…
سنرى الآن كيف أن كل واحد من المفهومين يحيل على الآخر ويستدعيه، فرغم انتماء المفهومين إلى سجلين معرفيين مختلفين، فإن ذلك لم يمنع(في الممقرر السابق) ولن يمنع ( في المقرر الجديد) من تسلل أحد المفهومين إلى حيث نعتقد اننا لانعالج سوى المفهوم الآخر، وما ذلك إلا لكون الفلسفة تتخد الإنسان، وهو وحدة مركبة، موضوعا لها !
طيلة عشر سنوات التي هي عمر المقرر السابق، مارس مفهوم الشخص داخل درس الشخصية مايسمى في العلاقات الدولية بحق التدخل droit d’ingérence
فهل يحق لمفهوم الشخصية ممارسة نفس هذا الحق في درس الشخص؟
رآى مسطرو البرنامج القديم ان للشخصية ثلاثة أنظمة: سيكلوجية وسوسيولوجية ونظاما ثالثا مجردا سموه “نظام الشخص” هو الذي أصبح الموضوع المفترض للدرس الجديد الذي نحن بصدده
ماهي مشروعية مثل هذا الإقحام؟ ألم يعمل سوى على زرع التشويش في أذهان المتعلمين؟ على كل حال لابد من الاعتراف بأن دراسة الشخصية كنظام سيكوفيزيولوجي وسوسيوثقافي تظل دراسة وضعية ولايمكن أن تكون دراسة فلسفية تتصف بالنقد والمساءلة دون استحضار بعد الوعي الذي يشير إليه مفهوم الشخص، وإلا استحال الكلام على الشخصية إلى كلام على الإنسان بما هو آلة تحرك لوالبها ونوابضها محددات وإشراطات سيكوفيزيولولجية أو سوسيوثقافية ! ( أنظر على الخصوص المحور الأخير في المقرر القديم: الشخصية بين الحتمية والحرية )
ينطبق ذلك على مفهوم الشخص أيضا…
فمفهوم الهوية ( محور الهوية الشخصية) يمكن مقاريته من زاويتين: زاوية فلسفية خالصة أو قل زاوية ميتافيزيقية، بؤرتها الوعي : ديكارت ، لوك ، هيوم ، لايبنتز، آلان، برغسون…
مثلما يمكن مقاربته من زاوية علمية صرفة (نسبة إلى العلوم الإنسانية )كأن نعكف على دراسة نشوء الهوية الجنسية عند الأطفال (علم النفس)، أو الهوية المهنية لرجال التعليم (علم النفس الاجتماعي) أو الهوية الثقافية لشعب او طائفة أو أقلية (علم الاجتماع والأنثربلوجيا) …
لأية مقاربة انتصر المنهاج ؟
3/عودة إلى المنهاج، الملزم وطنياا
قبل الانطلاق إلى استعراض المقاربة الخاصة التي انتهجها هذا الكتاب المدرسي أو ذاك، لابأس بل لابد من إلقاء نظرة على المنهاج (توجيهات نونبر2006) لأنه المرجع الوحيد الملزم وطنيا والذي ينبغي الاحتكام إليه عند الاختلاف وتعذر التوفيق
التأطير الإشكالي الوارد في المنهاج والذي لاحظت أن الكثير من الزملاء يتجاهلونه مكتفين بما ورد في هذا الكتاب المدرسي او ذاك. وقد او ضحت في هذا الشريط ، أولوية المنهاج وحجيته وطنيا- لا من الناحية الفلسفية-المعرفية وإنما من الناحية الإجرائية-النظامية)
يقول المنهاج:
3 . تأطير إشكالي لمفاهيم المجزوءات •
يدل مفهوم الشخص على الإنسان بما هو ذات واعية وعاقلة قادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الصدق والكذب وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها. ويحيل مفهوم الشخص على وحدة وهوية ومطابقة مع الذات تستمر رغم تعدد الحالات التي يمر منها الشخص واختلافها غير أن هذه الوحدة التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك أسفلة يمكن صياغتها على الوجه التالي
إن كل شخص يدرك نفسه بوصفه ´أنا´لكن كيف نحدد هذا “الأنا” ؟ فالشخص جسد أولا، لكن الجسد يخضع لتغيرات لا تمس استمرارية الشعور بالهوية، والشخص ثانيا يتحدد بمجموعة من السمات السيكولوجية ء غير أن هذه السمات تتغير أيضا دون أن يتفير الوعي بالهوية. ألا يمكن تحديد الشخص بوصفه ذلك المبدأ الذي يضمن تماسك وانسجام الذات دون اختزاله إلى جوهر ثابت؟
هل تكفي الذاكرة في ضمان استمرارية الوعي بالمطابقة مع الذات أم إن الغير يلعب دورا رنيسيا في هذا الشعور بالهوية والاستمرارية ؟
وما الذي يؤسس البعد القيمي- الأخلاقي للشخص وما علاقة ذلك بمسؤوليته والتزامه كذات ى عاقلة وحرة تنسب إليها أفعالها ؟
يمكن معالجة هذه الإشكالية من خلال المحاور التالية :
– الشخص والهوية
- الشخص بوصفه قيمة
- الشخص بين الضرورة والحرية
من المفيد أن نقوم باستقراء لمفاهيم هذا التأطير الإشكالي، وهي:
الذات، الوعي، الخير، الشر، المسؤولية، الاختيار، الوحدة، الهوية، المطابقة، الثبات، الأنا، الجسد، الشعور، المبدا، الانسجام، التماسك الجوهر، الذاكرة، الغير، البعد القيمي، الأخلاقي، الالتزام، العقل، الحرية، الضرورة
من السهل أن نلاحظ ان هذه المفاهيم تنتمي إلى الحقل الدلالي الفلسفي (الأنطلوجيا والأكسيولوجيا)، بل إنها تنحاز إلى التصور الفلسفي “التقليدي” أي فلسفة الوعي والماهية، والفلسفة الأخلاقية التي تتأسس على مقولة حرية الإرادة لذات واعية حاضرة إزاء ذاتها بشكل شفاف ودائم…وعليه، ربما ينبغي مقاربة المفهوم ضمن السجل الفلسفي بالدرجة الأولى، مما يعني بالمقابل دعوة للإبتعاد عن مفهوم الشخصية ومقاربة العلوم الإنسانية: هذه خلاصة اولى
نتوصل إلى الخلاصة الثانية عند النظر في المحاور المقترحة لمعالجة المفهوم ، وخصوصا المحور الأخير مع ملاحظة عبارة “يمكن” الواردة في آواخر الفقرة المستشهد بها من المنهاج!
الشخص والهوية:
رأينا أن مفهوم الهوية قابل لمقاربتين فلسفية وعلمية كما أسلفنا أعلاه. لكن المفاهيم التي احصيناها في تأطير المنهاج ترجح المقاربة الأولى؛
- الشخص بوصفه قيمة :
بما أن سؤال القيمة والقيم سؤال فلسفي بامتياز ومنطقة محجوزة لا “تصطاد” فيها العلوم الإنسانية ! فربما أمكن تناول إشكالية الشخص بوصف قيمة ضمن السجل الفلسفي، دونما انزياح نحو مفهوم الشخصية
- الشخص بين الضرورة والحرية:
الأمر هنا مختلف تماما عن المحور السابق، فمنذ أن عرف مونتيسكيو القانون بأنه العلاقات الثابثة بين الظواهر ومنذ ان أعلن دوركايم أن الظواهرالإجتماعية خارجية وقسرية ومستقلة عن وعي الأفراد، لم يعد بإمكان الفلسفة أن تتناول حرية الذات دون أن تساجل باستمرار التصورات الحتمية deterministes التي مافتئت العلوم الإنسانية تحشد لها الدلائل والمعطيات الإمبريقية
هل يمكن إذن تناول حرية الشخص او موقعه بين الحرية والضرورة مع تجاهل تام للضرورات التي كشفت عنها علوم الإنسان !؟
نعم يمكن ذلك، لأن تاريخ الفلسفة (الساابق على نِاة علوم الإنسان) يمدنا بتصورات فلسفية خالصة تدافع عن الضرورة بل عن نوع من الحتمية الكونية الشاملة مثل فلسفة اسبينوزا ! وهذا ما يفسر الاختيار الفلسفي الذي تميز به كتاب المباهج، وسيأتي بيانه بعد قليل
4/وماذا عن الكتب المدرسية؟ حيرة الاختيار !
من إيجابيات التنوع الحالي للكتب المدرسية أنها وضعت المدرس، طوعا أو كرها، أمام حيرة الاختيار والمقارنة وتحدي الفهم، ونقصد بذلك فهم السبب الذي جعل هذا الكتاب يوظف نصا لاسبينوزا بينما استعاض عنه الآخر بنص لفرويد مثلا، أو المبرر لترجمة conscience بكلمة « إحساس » في هذا الكتاب، بينما وضع لها الكتاب الآخر « الشعور » كمرادف…
سنقوم هنا بنفس العملية وهي محاولة استكناه التصور أو الاختيار الفلسفي الذي يقف وراء بنية الدرس في هذا الكتاب أو ذاك
كتاب “في رحاب الفلسفة” (سأحيل دائما على كتاب الأدبيين)
الشخص والهوية : الاقتصار على السجل الفلسفي: نصوص: باسكال، لوك، شوبنهاور
- الشخص بوصفه قيمة : الاقتصار على السجل الفلسفي
- الشخص بين الضرورة والحرية: الاقتصار على السجل الفلسفي
كتاب ” منار الفلسفة”
– الشخص والهوية : نفس الملاحظة مع ملاحظة بسيطة وهي استدعاء نص للإيمانويل مونييه تنتمي إشكاليه – ربما- إلى مجال المحور الأخير
- الشخص بوصفه قيمة : الاقتصار على السجل الفلسفي
- الشخص بين الضرورة والحرية: تم الانفتاح على السجل العلمي أثناء بناء المواقف الفلسفية الداعمة لمقولة الضرورة السيكلو فيزيولوجية) مع فرويد ، دون إغفال السجل الفلسفي الذي يظل باروخ اسبينوزا ممثله الأشهر ، واستدعاء ثان لــ “مونييه” كموقف نقيض
كتاب ” مباهج الفلسفة
الشخص والهوية: التقط كتاب المباهج مفهوم “الذاكرة” التي أومأنا إليها أثناء استقرائنا أو إحصائنا لمفاهيم التأطير الإشكالي الوارد في المنهاج، فجاءنا بنص لــ ” جون لاشولييه” فهم منه البعض انزياحا إلى السجل العلمي -السيكلوجي…,
وربما قدرالمؤلفن أن من العبث الاستمرار في تجاهل مكتشفات التحليل النفسي أثناء مقاربة مفهوم الشخص وبالضبط عند الحديث عن الوعي، فجاؤونا بنص لفرويد، مع تسويغ في تقديم النص يقول إن وحدة الشخص وحدة دينامية عسيرة ولامتناهية التحقيق ( اجتهاد يستحق المناقشة !)
- الشخص بوصفه قيمة: الاقتصار على السجل الفلسفي
- الشخص بين الضرورة والحرية: الاقتصار على السجل الفلسفي
5/إلام خلصت من كل هذا وكيف بنيت درسي…
إشكالية الهوية
اقتصرت في تناولها على السجل الفلسفي، ولم أطرح السؤال: هل الهوية واحدة أم متعددة، قابتة أم متغيرة، بل طرحت سؤالا أحسبه أكثر جذرية وهو فيم تكمن هوية الشخص؟ وعلام تحيل وفيم تتقوم؟
حيث ان كل إشكالية تنبثق من مفارقة، فقد بدالي أن إشكالية الهوية تنبثق المفارقة الكامنة بين ما يستشعره الشخص من ثبات إنيته وبين ما يحصل له من ضروب التغير في جسمه وهيئته وألإكاره ومعتقداته…
بعبارة أخرى، إذا كانت الهوية هي ما يجعل الشيء مطابقا لنفسه أي هو هو يستدعي مفهوم الهوية فكرة التعدد على خلفية البعد الزمني، وهو تعدد في المستوى السانكروني : هل أنا الآن “شيء” واحد أم متعدد بحكم تعددية مايجيش بداخلي المتعددات والمتناقضات؟ والتعدد على المستوى الدياكروني: هل أنا اليوم هو نفسه الذي كان قبل عشرين سنة؟
إذا كان الجواب بنعم فما هذا “الواحد فيّ”؟ وماهذا الذي يظل تابثا رغم التغيرات؟ وإذا كان لا، فما هي هذه الهويات أو الكيانات التي تسكنني !؟ وإن وجدت فما مصدر هذا الاعتقاد أو الوهم الذي أرى إنيتي بحسبه كيانا واحدا !؟
الجواب الأول لديكارت نعم، الأنا تحيل على وحدة على “شيء” واحد هو الذات المفكرة، و وحدتي متأتية من وحدة “الأنا أفكر”، إنها وحدة جوهر بسيط لا امتداد له هو النفس او الروح ملاحظة: أعترف هنا أنني قمت بتعنيف نص ديكارت وتطويعه لجعله يجيب على الإشكال لأنه في الواقع لايجيب على سؤال هوية الشخص بقدر يجيب على سؤال آخر متعلق بهوية أو بالأحرى ماهية الإنسان
الجواب الثاني لجون لوك: نعم هناك وحدة ولكنها ليست وحدة جوهر مادي (جسم) او غير مادي (روح) بل وحدة الوعي المتصل بالذاكرة
الجواب الثالث لدافيد هيوم: يمثل موقف دافيد هيوم تجذيرا لموقف مواطنه لوك: يذهب هيوم إلى حد إنكار وجود جوهر يسند هذه الهوية ! لاوجود لشيء إسمه الأنا كل ماهناك ركام وتيار لايتوقف من الانطباعات الحسية الخارجية والباطنية المتنوعة والمختلفة، وهكذا ينسف هيوم مفهوم هوية الإنية
إشكالية قيمة الشخص
خلافا لكتاب الرحاب وكتب وملخصات أخرى، لم أطرح السؤال بصدد قيمة الشخص بصيغة: “هل تكمن قيمة الشخص في كونه غاية أم وسيلة؟!” لأنني لم أجد بين الفلاسفة من زعم أن قيمة الشخص البشري تكمن في كونه وسيلة!! هناك شبه إجماع بكون قيمة الكائن البشري تعلو على كل القيم الأخرى، التي منه تستمد قيمتها. ولكن السؤال المحرج هو : مم يستمد الكائن البشري هذه القيمة السامية؟ قدم كانط الخاصية الأخلاقية كتبرير للقيمة المطلقة للكائن البشري، لدرجة ان يختزل في شخصه الإنسانية جمعاء ، وهل تنطبق على البويضة المخصبة والأجنة وإلى حدود أي سن؟ ماذا عن القتل الرحيم؟ هل يتناقض وهذه القيمة؟ وهل يمكن أن نمتح الحيوان أو البيئة قيمة فوق القيمة الإستعمالية وإن كانت لا تبلغ القيمة المطلقة المفترضة للإنسان بوصفه غاية لا مجرد وسيلة؟…
هذا وإن قارئ النص الأساسي لكانط، والذي يستلهم بشكل مباشر أو غير مباشر فلسفة كل من لوك وروسو في هذا المجال، يلاجظ بأن قيمة الشخص البشري مطروحة على النحو التالي: ” تحيل القيمة على السعر وقابلية المبادلة والإستعمال ( القيمة الإستعمالية للأشياء)، فهل قية الشخص البشري من نفس النمط؟ وإلا ففيم تختلف وبم يستقل الكائن البشري وكيف نبرر قيمته الخاصة؟
هنا قدم كانط أهم مساهمة فلسفية حقوقية: مفهوم “القيمة المطلقة” التي تجعل الكائن البشري غاية وليس مجرد وسيلة أبدا .
ولكن الأطروحة الكانطية – مثلها مثل أي أطروحة فلسفية أساسية – تثير من الإشكالات والصعوبات بقدر ماتقدم من أجوبة، وهذه بعض الإشكالات:
– ماهو أساس هذه القيمة المطلقة؟ أو كما يقول طوم ريغان (أنظر النص في القسم الخاص بالنصوص في هذا الموقع): مالذي ينطوي عليه الكائن البشري حتى نشير إليه ونقول : لهذا ينبغي معاملته على الدوام كغاية؟ هل هو العقل مثلا؟ كفاءته الأخلاقية كما يقول راولز ؟ أم لأنه كائن “حاس”، يشعر بلذة وألم، ويحيا حياة لايعني سواه أمرها كما يقول طوم ريغان ؟ -هل من حدود لهذه القيمة المطلقة؟ خصوصا عندما تتعارض مع مصالح الجماعة: هل قيمة الفرد تبز على الدوام مصالح الجماعة إلا في حالات ناذرة وماهي هذه الحالات؟ ( أنظر نص طوم ريغان)
– متى يمكن الحديث عن شخص حتى ننسب إليه قيمة مطلقة ؟ الجنين؟ ولكن في أي سن؟ هل يمكن أجهاض جنين لدينا دلائل أكيدة على أنه يحمل تشوهات عضوية وعقلية جسيمة؟ الموتى سريريا ومتى يجوز القتل الرحيم في حقهم؟
by