أرشيف التصنيف: خرائط طريق

خارطة طريق لدرس الواجب

خارطة طريق لدرس الواجب
(ملاحظة أولية: كل إشكال إنما هو سؤال حول العلاقة بين مفهومين او أكثر، ومن ثم فكل أطروحة إنما هي إثبات لعلاقة ما بينهما )

-المحور الأول الواجب والإكراه:
لحسن الحظ فالعنوان يتضمن أصلا مفهومين! بخلاف عنوان المحور الثاني الذي لايتضمن غير مفهوم واحد وهو الوعي الأخلاقي!
لنتأمل مليا هذا العنوان: “الواجب والإكراه”! ولنسأل أنفسنا: ماوجه الإشكال في علاقة الواجب والإكراه؟
أكتفي بالاجتهاد الوارد في الللكتاب المدرسي مباهج الفلسفة، لأنه الأقرب إلى المعقولية” في نظري: يؤشكل كتاب المباهج العلاقة كالتالي: هل الواجب يصدر عن إرادة فاعلة وحرة أم هو فعل تحكمه الضرورة والإكراه؟
بما أن صياغة الإشكال تتضمن في ثناياها أحيانا إمكانيات الجواب، فقد يعتقد المرء بوجود إمكانية للقول بأن الواجب فعل صادر عن إرادة فاعلة وحرة بشكل يستيعد الإكراه، وإمكانية لقول ثان يقف بالواجب عن عتبة الإكراه
بيد أننا عندما نتأمل المواقف الفلسفية التي تناولت الواجب أو نستشير المعاجم، نجد أن الواجب لايخلو من إكراه ! فهو ليس رد فعل أو فعلا من أفعال الغريزة، وليس بفعل عفوي تلقائي (من هنا الفرق بين الضرروة والوجوب والإمكان)
إذا ثبتت علاقة المحايثة بين الواجب والإكراه، عندها سينحصر وجه الإشكال في: كيف نجمع بين الإكراه الذي ينطوي عليه الواجب من جهة والحرية بما هي شرط الواجب والفعل أو الأمر الأخلاقي من جهة أخرى (ليس على الشمس واجبات، بل تحكمها ضرورة وحتمية طبيعية تتنافى والحرية!)
يظهر ذلك جيدا في نص كانط الوارد في كتاب الرحاب-أدبي ص 185 الذي مُنح عنوانا دالا وهو: “الواجب إكراه حر”
الموقف الأول، ويتلخص في جواب كانط الذي نصوغه كالتالي: الواجب إكراه حر ! يمارسه العقل العملي على الإرادة، ليخلصها من ضغوط الميول والحساسية والمنفعة، فتتحقق بذلك استقلالية الإرادة. وهذا هو الموقف الأول، وهو موجود أيضا في نص آخر لكانط في كتاب المباهج-أدبي ص 175
أما الموقف الثاني فيجسده في كتاب المباهج-أدبي ص 177 نص إميل دوركايم، هذا النص الذي يتضمن إشارة صريحة إلى كانط ونقدا لموقفه، بيد أن أصحاب المباهج حذفوا المقطع المذكور !!
يتلخص جواب دوركايم في مايلي: لايخلو الواجب من إكراه (تتميز الوقائع الاجتماعية بالخارجية والقسر) ولكن التحليل السوسيولوجي والسيكلوجي الفاحص يظهر أن الواجب يتصف أيضا بالمرغوبية، وهو مايجعلنا نمارس الواجب وفق القاعدة الأخلاقية المطلوبة منا بنوع من الرضى والإغراء. وأننا نشعر بلذة لامثيل لها عن ممارستنا للواجب

المحور الثاني: الوعي الأخلاقي
لنحدق في العنوان جيدا مرة ومرتين! :sorry: مفهوم واحد لاغير ! فكيف يمكن ان ينتج عنه إشكال ما !؟
بدا لي أن أحد إمكانيات أشكلة الوعي الأخلاقي هي التساؤل عن أصله ومصدره: يبدو الوعي الأخلاقي حسا داخليا عميقا على شكل ضمير أخلاقي أو صوت داخلي يأمر وينهى، يؤنب و ويرضى.. هل يعني ذلك أن الحس الأخلاقي غريزة منقوشة في حبلة الإنسان ومن ثمة خالدة ولازمنية، ام أن ظاهرة إنسانية كباقي الظواهر لها نشأة وتاريخ؟

نجد جوابا أو موقفا أولا في نص لروسو في كتاب رحاب الفلسفة-أدبي ص187 يتلخص مضمونه في أول جملة منه: “يوجد في أعماق النفس البشرية مبدأ فطري للعدال والفضيل، تقوم عليه، رغم مبادئئنا الشخصية، أحكامنا التي نصدرها على أفعالنا وأفعال الغير فنصفها بالخيرة او الشريرة”
بإزاء هذا التصور، وظفت كموقف ثان، تصورا مزدوجا لكل فرويد وأنجلز
فرويد:تتمثل الصورة الداخلية للوعي الأخلاقي في الأنا الأعلى. ونمو الأول رهين بالميكانيزمات النفسية الشعورية واللاشعورية التي تصاحب نمو الثاني
في نفس السياق،وظفت موقفا لأنجلز من كتاب منار الفلسفة-أدبي ص 194 يتلخص في هذه العبارة : ” لانقبل بأي رأي مزعوم يريد أن يفرض علينا نظاما أخلاقا دوغمائيا باعتباره قانونا خالدا ونهائيا وثابتا يعلو فوق التاريخ” وذلك لأن تطور الأخلاق بوصفها جزءا من البنية الفوقية ليس سوى انعكاس للتطور الأقتصادي أي البنية التحتية

المحور الثالث: الأخلاق والمجتمع
لو حدقنا جيدا :icon_eek: في المفهومين المتشكل منهما عنوان المحور، ولو “ضربناهما ببعضهما البعض :icon_smile: فماذا يمكن أن يتولد عن ذلك؟! هل يمكن أن تنقدح شرارة تساؤل ما !؟ :icon_rolleyes:
يكاد الجميع يتفق، فلاسفة وحسا مشتركا، أن المجتمع هو مصدر المعايير الأخلاقية (ربما، باستثناء روسو، وكذا كانط الذي ورث منه جزءا من نظريته الأخلاقية)! وبالتالي فالتأكيد على هذه الحقيقة شبيه بخلع باب مفتوح أصلا ! :icon_smile:
ولكن، بالمقابل، ماذا يعني المصدر الاجتماعي للواجب؟ ماذا يترتب عنه؟ هذا مثال لسؤال قد لايخطر ببال الحس المشترك!
حسب اجتهادي المتواضع، فإن المصدر الاجتماعي أو بالأحرى المصدر المجتمعي للواجب يضعنا أمام مفارقة:
مادام المجتمع هو مصدر الواجبات، ألا يؤدي ذلك إلى نوع من المفارقة تتمثل في أن واجباتنا تكاد تنحصر عمليا تجاه أفراد المجتمع أو الجماعة التي لقنتنا الواجب ( العائلة، القبيلة، العشيرة، الوطن، الأمة.. مثلا الأمر الأخلاقي القائل: لا تقتل! يستثني غالبا من لا ينتمون إلى نفس الجماعة)؟ هل هناك واجبات نحو الإنسانية او نحو النوع الإنساني او-لنمضي أبعد- نحو كوكب الأرض والأجيال المقبلة؟ وكيف نسوغ مثل هذه الواجبات؟
كموقف أول: استثمرت نصا لدوركايم منار -أدبي ص192 لا يخرج عن التصور الدوركايمي الذي يضع القواعد الاجتماعية/الأخلاقية خارج وعي الفرد ويرجعها إلى المجتمع كسلطة أخلاقية
كما استثمرت قولة لداروين بالغة الدلالة في هذا الصدد
أما في الموقف الثاني، فقد استثمرت نصا لجون راولز من كتاب مباهج-أدبي ص 185 يتحدث عن واجب التضامن الذي يتجاوز المجمتع والأجيال الحالية ليتجه نحو الأجيال القادمة

Facebooktwitterredditmailby feather

خارطة طريق لدرس العنف

خارطة طريق لدرس العنف

و لأننا بصدد درس حول العنف، فلا مفر من أن يمارس الدرس قدرا من العنف على المدرس! ما لم يبادر هذا الأخير بممارسته على الدرس ! وقد اخترت الاحتمال الثاني
وفي ما يلي خواطر حول الطرح والبناء الإشكاليين للمحور الأول انطلاقا من قراءة تحليلية ونقدية في الكتب المدرسية الثلاث: رحاب، مباهج ومنار.

المحور الأول: أشكال العنف
لجأ كل من الرحاب والمنار إلى صياغة المحور بالشكل الذي يوحي به العنوان أي استعراض أشكال العنف فعلا !! ، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء أشكلة موضوع/عنوان المحور

1- الرحاب: نصوص غنية بإشكالات حقيقية لكن يصعب إداراجها تحت عنوان المحور
قدم الرحاب نصا للمختص في السلوك الحيواني كونراد لورنتز يقارن فيه بين عدوانية الإنسان وعدوانية باقي الحيوانات، ملاحظا – إنطلاقا من نظرية التطور- كيف أن هذه الأخيرة قد طورت خلال مسيرتها التطورية الطويلة ميكانيزمات فطرية كابحة تمنع من انتهاء العنف الموجه ضد أفراد نفس النوع بالقتل، الذي يهدد بانقراض النوع، بينما لم يطور الإنسان مثل هذا الميكانيزم الكابح لذلك أفضت وتفضي عدوانية الإنسان إلى قتل الإنسان! ولايخفي كونراد تشككه في مزاعم الفلاسفة بشأن قدرة العقل والأخلاق (حس المسؤولية والواجب ) في تعويض هذا الميكانيزم الطبيعي الغائب
ولكن أين هو وجه الإشكال فيما يقوله كونراد !؟ الواقع أن الرحاب لم يبن إطارا إشكاليا كفيلا بــ “استقبال” موقف كونراد الذي لايخلو من عمق فلسفي. أغلب الظن أن مقولة كونراد قابلة للإندراج ضمن إشكالية العنف بين الطبيعة والثقافة، بين الجينات والميمات ( أي المورثات الثقافية بتعبير بيتر هوبكنز)
ولكن أنى لنا تناول نص كونراد ضمن هذا الإشكال إذا كان النص الموالي لكلوزفيتش يعالج إشكالا مغايرا هو الآخر: فهو يقدم مقاربة للحرب انطلاقا من نموذج المواجهة بين فردين ليخلص إلى أن الحرب فعل من أفعال القوة هدفه تحطيم مفاومة الخصم، إلى هذا الحد لايبدو في الأمر أي إشكال ! ولكن هاهو الإشكال ينبثق عندما يصرح كلوزفيتش بأنه لاحدود لهذه القوة المستخدمة سوى مايسمى بحقوق الإنسان والعلاقات الدولية وتقاليد وقيم الشعوب المتحضرة. وهذا ما دفع كلوزفيتش إلى القول بأن “حروب الشعوب المتحضرة أقل عنفا من حروب الشعوب المتوحشة”
إنها إذن إشكالية حقيقة : هل يجتمع التحضر (على المستوى الأخلاقي بالخصوص) والحرب؟ إذا كنت أسعى في الحرب إلى إبادة خصمي بأسرع الوسائل وأشدها فتكا، فهل يمكن الحديث عن معاملة إنسانية بين المتحاربين ؟ عن أنسنة الحرب بما هي عنف جماعي ممنهج ( وهذا ما حاولت تقنينه معاهدة جنيف حول الحروب وبالخصوص الأسرى ) ؟
ولكن أتى للمدرس أن يعالج هذه الإشكالات !!؟

2-المنار: مواقف متجاورة تجيب على سؤال غير معروف ولم يطرح أصلا!!

كتاب المنار حالة خاصة بكل المعايير !! فهاهو الطرح الإشكالي الذي جادت به قريحة مؤلفي المنار في الصفحة125 : “كيف نفسر أسباب العنف والعدوانية التي ما تزال مظاهرها مسيطرة على مسار التاريخ البشري؟ وكيف يمكن التمييز بين العنف المادي والعنف الرمزي ؟”
فالسؤال الأول سؤال جامع لمحورين : أشكال العنف والعنف في التاريخ.
أما السؤال الثاني فإنه يسيل لعاب القارئ ولكنه يتركه على جوعه !! إذ أنه لن يجد أثرا لهذا التمييز أبدا في أي مكان من الدرس!!
وهكذا وبدون أي طرح إشكالي، شرع المنار في تقديم النصوص: نص أول لــ “إريك فروم” يشكك فيه في الأطروحة القائلة بالأصل الغريزي للعدوانية ويشدد بالمقابل على أهمية العوامل الثقافية في إثارة العنف الكامن مشيرا إلى نوع خاص من العنف ذي الجذور الثقافية وهو العنف المقدس الذي يتمظهر في الطقوس والشعائر الدينية (تقديم القرابين والأضاحي)
مقابل فروم استدعى المنار فرويد الذي يثبت أن العدواينة نزوع فطري متأصل في غرائز الإنسان ، لذلك تحشد الحضارة كل الوسائل المادية والأخلاقية لمحاصرة هذا العنف وتحييده وإعادة توجيهه ضمن قنوات …
وكأن الإشكال والتقابل غير غامض بما فيه الكفاية، فقد أضاف الرحاب نصا لــ “بودريار” يدعو فيه إلى مقاربة النزاعات الحالية (11شتنبر نموذجا) خارج المنطق المانوي لثنائية الخير والشر لأن هذا الأخير غدا منتشرا ومبثوثا في كل مكان

3- المباهج: التقابل الموجه للمحور وجيه ولكن السؤال باهت إشكاليا

وحده مباهج الفلسفة قدم تصورا إشكاليا أكثر إقناعا عندما بنى مضمون المحور ومعالجة موضوعة أشكال العنف إنطلاقا من ثنائية العنف المادي والعنف الرمزي. بيد أن صياغة السؤال جاءت باهتة من الناحية الإشكالية . فقد تساءلوا: ما هي طبيعة العنف وماهي أشكاله ومظاهره ؟
وتم توظيف نص لــ “إيف ميشو” حول مظاهر العنف المادي يقابله نص لصاحب مقولة العنف الرمزي نفسه بيير بورديو !!

4- والخلاصة من كل هذا !!؟
في ما يخصني، فقد تبنيت الثنائية (عنف مادي/ عنف رمزي) بيد أنني حاولت على مستوى الصياغة أن أجتهد قليلا فتساءلت:
هل تقتصر أشكال العنف على العنف المادي الفيزيائي العضلي كما يظهر للوهلة الأولى أم تشمل أيضا أشكالا من العنف الخفي الرمزي و اللطيف؟ ولكن كيف للعنف أن يكون خفيا لطيفا دون أن يفقد صفته كعنف والحال أن سمة العنف هو القوة التي تكسر كل مقاومة !؟ هل العنف محتاج للتخفي والتنكر ؟

المحور الثالث: العنف والمشروعية
أنتقل الآن إلى المحور الأخير من درس العنف لأن المحور الثاني ، العنف في التاريخ، لايكاد يطرح مشكلة من حيث إمكانية أشكلته
سأفاجئ قارئ خارطة الطريق الحالية لأقول له إنني تخليت نهائيا عن المحور الثالث من درس العنف، أي العنف والمشروعية ! 😉 ، لأنني أزعم أن المحور الثالث في درس العنف مجرد تكرار مقنع (بفتح القاف) وغير مقنع (بتسكين القاف) للمحور الثالث من درس الدولة: الدولة بين الحق والعنف
لماذا؟
أولا- لم يستطع الكثير من الزملاء-المدرسين تجنب هذا التكرار، فعادوا مجددا إلى موقف ماكس فيبر، الذي سبق لهم توظيفه في المحور الثالث من درس الدولة، وأقصد ذلك الموقف الذي يعرّف الدولة بكونها جهاز يحتكر الاستعمال المشروع للعنف ولكن في حين وضعوا إزاءه موقف ريس هناك، فقد وضعوا إزاءه موقف غاندي هنا

ثانيا- أعتقد أن كل حديث عن مشروعية العنف يستدعي الحديث عن الدولة بشكل لا مناص منه بالإضافة إلى مفاهيم أخرى كالقانون والسلطة… اللهم إلا إذا تعلق الأمر بالعنف المعزول للأفراد تجاه بعضهم البعض
وحتى اللاعنف الذي يبشر به الماهاتما هو موقف ضد سلطة ضد دولة تحمل سيفا لايريد غاندي أن يستل سيفا أكثر منه مضاءا ليفله !!

ثالثا- الكتب المدرسية الثلاثة وقعت في تخبط، إن دل على شيء فإنما يدل على عدم تمايز المحور الثالث في درس الدولة والمحور الثالث في درس العنف!!
لقد قدم لنا الرحاب نصا لكانط لايجيز فيه العصيان والتمرد على ما يسميه مرة بــ” السلطة التشريعية العليا” ومرة بــ ” رئيس الدولة”، ( لاحظ حضور الدولة كطرف !!)
وقد جعلوا مقابله نصا لإريك فايل يدور حول فكرة مفادها أن الفلسفة رفض للعنف باستخدام العنف للوصول إلى حالة اللاعنف
أما المباهج فقد استعمل نصا ماكس فيبر وهو نفسه المستعمل من قبل المنار في المحور الثالث من درس الدولة
وعلى ذكر المنار ، فقد اضطروا لتوظيف نص لماكس فيبر مرة أخرى من كتابه السياسي والعالم يدور حول الأنماط الثلاثة للمشروعية !! هذا تخبط مابعده تخبط !! وماذلك إلا لأنهم وجدوا أنفسهم قد استعملوا نص فيبر الملائم في درس الدولة فراعهم أن يقوموا بتكراره
ووضعوا قبالته نصل لجويليان فراند مترجم فيبر في الفرنسية وهذا النص لايعدو كونه نصا شارحا لنص فيبر الذي سبق تقديمه في درس الدولة !!
وختم المنار المحور بنص لرالف لينتون هو مختلف ردود الفعل التي تقابل بها جماعة ما العنف الداخلي الذي ينشببين أفرادها: اللامبالاة، التقنين ، الرفض الطلق.

بناءا عليه قرت حذف ذلك المحور وتخصيص تلك الحصة لمراجعة المحور الثالث من درس الدولة، الدولة بين الحق والعنف وختمت الحصة بالاستمتاع ( نعم ! الاستمتاع!) بقراءة نص غاندي حول اللاعنف من المباهج-ص:151 ( ومادام التلاميذ لايتوفرون رسميا سوى على المنار، فقد كنت أقرأ و هم منصتون، لأن الإنصات أحد الأهداف التواصلية الأربع في منهاج الفلسفة ، ويقصد به الإنصات اليقظ والنقدي.)
وقد استخرجنا من نص غاندي:
– تعريفا للعنف، قام التلاميذ بإضافته إلى مالديم من تعاريف. يقول غاندي: “السمة الأساسية للعنف هي وجود نية وراء الفكر والكلام والفعل، أي رغبة في إلحاق الأذى والألم بذاك الذي يعتبر خصما”
– وتأملنا في مقولة المقاومة الروحية والذهنية وجدواها في عالم يطور كل يوم وسائل عنف أكثر فتكا وتدميرا، وحالولنا تطبيق الأمر على حالة الفلسطينيين !
– حاولنا فهم موقف اللاعنف الذي ينهجه عاندي تجاه كل ما يحيي بمافي ذلك الحيوان ( كان غاندي نباتيا، وقد ربط التلاميذ احترام غاندي لكل مايحيى بعقيدته الهندوسية)
– تذوقنا جمال أسلوب هذه العبارة: ” أسعى لأن أفل سيف المستبد، ليس بمواجهته بسيف أكثر مضاءا وحدة، بل بمفاجأته بأن أخيب أمله في أن يراني أواجهه بمقاومة فيزيائية”

Facebooktwitterredditmailby feather

خارطة طريق لدرس النظرية والتجربة

خارطة طريق لدرس النظرية والتجربة

المحور الأول: التجربة والتجريب

ماالاشكال المطروح هنا؟ مالقضية التي يتعين معالجتها ومالسؤال أو الأسئلة التي ينبغي الجواب عليها؟
مالم نطرح هذه الأسئلة بشكل دقيق وواضح، فإن كل شيء يصبح ممكنا! وكل النصوص والأطروحات يمكن استدعاؤها وحشرها وتكديسها في ذهن التلميذ المسكين
أعتقد أن المستهدف في هذا المحور هو الوقوف عند خصوصية الممارسة العلمية من حيث هي ممارسة إنسانية-معرفية إي التعرف على الموقف العلمي إزاء العالم atitude scientifique
يقول المنهاج:

‏يتم التساؤل فى هذه الوحدة حول طبيعة المعرفة الحاصلة لدى الإنسان وحول كيفية بلوغها وإذا ما حصرنا هذا التساؤل فى مجال المعرفة العلمية، أصبحت المشكلة ….

لقد تم تجاهل الإشارة إلى “طبيعة المعرفة الحاصلة عند الإنسان”، وبدأت جميع الكتب المدرسية بالمعرفة العلمية رأسا !! والحال أن المطلوب هو إبراز أوجه الاستمرارية أو القطيعة بين المعرفة العلمية بما هي نمط خاص من المعرفة التجريبية والمعرفة الإنسانية عموما التي يقال عنها أيضا أنه ثمرة للتجربة (تجارب الحياة)
إن هذا التوجه يستمد أيضا مبرره من دواع بيداغوجية: إذ ينبغي ينبغي دائما الارتقاء بالتلميذ من ما يعرف إلى مالايعرف. لأن المعرفة الجديدة المكتسبة تحتاج دائما إلى أن تدمج في بنيات معرفية سابقة يتم تعديلها باستمرار (بياجي)

لتلمس الإشكال سنبدأ من هذه الفقرة لألبير جاكار نقلا عن مباهج الفلسفة، الشعبة الأدبية ص 71 :
“علينا أن نميز بين التجربة بما هي جماع ملاحظاتنا للظواهر التي تعطانا من قبل الطبيعة على نحو مباشر، وبين التجريب الذي هو ملاحظة لاستجابات معطيات العالم الواقعي ، حينما نخضعها لشروط منظورة وموجهة من طرف فكرنا”
وهذه العبارة لورنيه طوم:
“لاننكر وجود ممارسة تجريبية لها أصول سابقة على تكون العلم ذاته” (روني طوم-نقلا عن المباهج ص 69)
حسنا
إذا كان فرنسيس بيكون يرى أن العلم هو خروج الفكر من ذاته واتجاهه نحو الواقع لاكتتشاف العلاقات بين ظواهره، فإن الفكر الإنساني كان دائما متجها نحو الواقع منصتا بانبهار حينا وبخشوع حينا آخر للعالم الخارجي
بعبارة أخرى، إذا كان العلم منذ غاليليو وبيكون علما تجريبيا، إذا كانت الممارسة التجريبية سابقة على نشوء العلم نفسه، فمالذي يشكل بالضبط خصوصية الممارسة التجريبية العلمية؟
أحد أشكال تمييز الممارسة التجريبية الخاصة بالعلم عن باقي الممارسات التجريبية ومن ثم إدراك خصوصيات التجريب في العلم هو موضعة التجربة العلمية (التي سنسميها تجريبا) إزاء مختلف التجارب من روحية وجمالية وعاطفية…ء

أين يكمن التقابل أو التوتر الذي يسكن المحور الأول؟
إنه قائم بين موقف تجريبي منفعل وموقف تجريبي فاعل (التجريب)، بين صدمة الفكر أمام العالم الخارجي وإنصاته له وبين “محاصرة” الفكر لهذا الواقع واستنطاقه إياه
تناقض قائم قائم بين تجربة تحدث لنا وتجريب يحدثه العالم
بعبارة أخرى، أتصور أن التجربة أو الخبرة الجمالية والروحية والعاطفية … هي نماذج لتجربة منفعلة في حين أن التجريب العلمي هو تجربة فاعلة

لمعالجة هذا الإشكال، نقترح نصين الأول لفردناند ألكيي Ferdinand Alquié من كتابه “التجربة”
يتناول هذا النص مغهوم التجربة بصفة عامة، التجربة في معناها الإنساني
ي مكن أن نعنون هذا النص كالتالي: التجربة صدمة وخضوع وانفعال بغرابة المعطى الخارجي
على أن نقابله بنص لكلود برنارد يستعرض فيه هذا الأخير تجربة “بول الأرانب”، لكي نظهر للتلميذ أن التجريب العلمي موقف فاعل لا منفعل
موقف لايكتفي بالانصات للطبيعة لكنها يستنطقها انطلاقا من سؤال أو فرضية ويحدث في منظوماتها اختلالات ليرغمها على أن تجيب على أسئلته.
لماذا نص لكلود برنار؟
انسجاما مع مبدأ التعلم الذاتي، يستحسن أن نعرض على التلميذ نصا لعالم يتحدث فيه يضمير المتكلم عن تجربة علمية أجراها على أن نعرفه على نص لابستملوجي منظر يتحدث عن ممارسة العالم بصيغة الغائب !
في الحالة الأولى سندعو التلميذ إلى أن يستخلص بنفسه استقرائيا خصائص التجريب العلمي
في حين أننا في الحالة الثانية نقدم له هذه الخصائص مستخلصة وجاهزة

وسنختم ذلك بنص لــ إليا بريغوجين وإيزابيل ستانجر من كتابهما “العهد الجديد، تحولات العلم”
la nouvelle alliance , les metamorphose de la science
يمكن أن نعنونه كالتالي
التجريب استنطاق لواقع مبنى

المحور الثاني: العقلانية العلمية

يحتمل هذا العنوان عدة تأويلات خصوصا وأن المنهاج لم يقدم أية توضيحات بخصوص هذا المحور. إذ لايبدو أن أحد هذه الأسئلة الواردة فيه يطابق الإشكالية المفترضة لهذا المحور:

‏(1) هل تقوم على جمع المعطيات الحسية وتنظيمها وفقا لقوانين، أم أن الوقانع الحسية لا تكون ذات دلالة إلا إذا صاحبتها أسئلة نظرية ؟
‏(2) ما هو دور المعطيات الحسية والتأطيرات النظرية في بلورة المعرفة العلمية ؟
‏(3) ما هى النظرية العلمية “الصحيحة” وكيف تتيح تفسير الواقع
يمكن تناول الإشكال المطروح من خلال المحاور التالية:

– هل نفهم من عبارة “العقلانية العلمية” أن المطلوب هو مقارنة تصور العلم لوظيفة العقل مقابل تصور هذه الوظيفة من طرف ما يعرف في تاريخ الفلسفة بــ “المذهب العقلاني” ؟
– هل نفهم منه سؤالا حول طبيعة العقل العلمي بما هو عقل منفتح لم يعد يقبل بفكرة المقولات القبلية؟
– هل نفهم منه ضرورة التساؤل عن وظيفة العقل (الاستدلال، البناء الرياضي الأكسيومي) مقابل وظائف الحواس والملاحظة؟
– هل نفهم منها أيضا تقابل العقلانية العلمية مع الايمان أو الفكر اللاهوتي أو أنماط التفكير الأخرى ؟

كلها احتمالات واردة ومتكافئة الأدلة، سنختار منها الاحتمال الأول لأن الاحتمالات الأخرى ستكون إلى حد ما بمثابة تكرار لما سيعالجه المحور الأول أو الأخير
نقترح تأثيت هذا المحور بنص أينشتاين الذي اشتغلنا عليه في الكتاب المدرسي السابق والذي يمكن عنونته كالتالي:
الفكر (العقل) الخالص قادر على فهم الواقع من خلال البناء الرياضي
على أن نقابله بنص هانز رايشنباخ (كتاب المباهج /ص72)الذي يبدو نقدا شبه مباشر لموقف إينشتاين إذ يرفض كل خلط بين المعقولية العلمية والعقلانية بمعناها الفلسفي، رافضا في نفس الوقت إمكانية وجود أحكام تركيبية قبلية

المحور الثالث: معيار علمية النظرية
لايكاد هذا المحور يطرح مشكلة في ما يخص صياغته الاشكالية : إذ يتعلق الأمر على مايبدو بالسؤال: متى تكون نظرية ما علمية؟ هل معيار التحقق التجريبي كاف؟ كيف يمكن التحقق من قضية كلية هي القانون العلمي بناءا على استقراءات غير تامة؟
لاأعتقد أن علينا أن نضع التحقق التجريبي كمقابل للإتساق المنطقي، كما درجنا على ذلك في المقرر القديم
لسبب بسيط هو أن من يقول بالتحقق التجريبي مثل “بيير دوهيم” أو “موريتز شليك” لاينفيان أبدا بل بالعكس يؤكدان على أهمية الاتساق المنطقي في مرحلة الصياغة الرياضية للنظرية
المشكلة إذن هي مشكلة الاستقراء والتي أثارها دافيد هيوم لأول مرة عندما بين الاستحالة المنطقية للتعميمات الاستقرائية
إذن يبدو لي من المفيد أن يتعرف التلميذ على التصور الوضعي الاختباري عند بيير دوهيم مثلا
(أقترح نصه الموجود في الكتاب المدرسي السابق)
ثم يتعرف على الصعوبات التي يطرحها التحقق التجريبي والحل الذي اقترحه “كارل بوبر” لهذه الصعوبات من خلال معيار قابلية التزييف ( النص موجود، مع اختلاف في الفقرات المقتبسة، في الكتب المدرسية الثلاث كما في الكتاب المدرسي السابق)

Facebooktwitterredditmailby feather

خارطة طريق لدرس التاريخ

خارطة طريق لدرس التاريخ
 

يعتمد هذه الدرس على المبادئ التالية:
-أولا/ البساطة وصدق المشاكل المطروحة بالنسبة للتلميذ
هذا المبدأ الثمين الذي وفق منهاج 1996 ص 11
في التعبير عنها بشكل ممتاز قائلا:
يتم تقريب الفكر الفلسفي من التلميذ من خلال احترام مطالب التفكير الفلسفي وهي مطالب تقوم على إدراك صدق المشكل المطروح بالنسبة للإنسان؛ ووضوح تفريعاته وقيادة الفكر قيادة سليم، منطقية و نزيهة، فبعل هذه السيرورة تقرب الأفكار الفلسفية من التلميذ، لإذا ماكانت سيرورة منطقية وواضحة تدعو الفرد إلى الإنخراط فيها انخراطا طبيعيا

– ثانيا / لايمكن لدرس التاريخ أن يهم المتعلم المغربي إلا إذا كان درسا حول تاريخه هو كفرد في مجتمع عربي إسلامي، درسا يقدم للتلميذ فرصة ناذرة ليتيفلسف ويسائل تاريخ مجتمعه ليفهم وضع مجتمعه الحالي إزاء المجتمعات الآخرى…
لقد درس التلميذ في مادة الاجتماعيات تاريخ المسلمين في فترات مجده وانحطاطه ودرس تاريخ أوروبا منذ العصور الوسطى ودرس تاريخ اليابان…
ولكن لم تتح له الفرصة أبدا ليعرف العوائق التي واجهها المؤرخ الذي قدم له مادة هذه الدروس، لم تتح له الفرصة ليعرف منطق كل هذه التواريخ وغايتها ومعنى صيرورتها، ولم تتح له الفرصة أخيرا ليتساءل حول دور الإنسان داخل كل هذه التواريخ: الإنسان الذي هو ، الناس الذين هم أجداده، الإنسان الذي هو الياباني أو الأوروربي…
وفي كل هذه الأسئلة، فهو يضع نفسه كفرد ينتمي تاريخيا إلى أمة ليت هي اليابان وليست هي أوروربا …
بذلك يحقق الدرس الكفايات الاسترتيجية ( فهم الذات…)؛

– ثالثا/ بالنسبة لصياغة إشكالات المحاور الثلاث:
أ- فهمنا إشكالية المعرفة التاريخية على أنها إشكالية إبستملوجية تتناول علمية هذا العلم والعوائق التي يواجهها في تناول موضوعه، وعلى رأسها لإشكالية الذاتية والموضوعية. وكل من استأنس بإشكاليات المنهج في علم الإجتماع يستذكر جيدا الثنائية الشهيرة: التفسير / الفهم…؛

ب- بالنسبة لإشكالية التقدم، فقد فهمت على أنها تساؤل حول المنطق الذي بموجبه تتعاقب الأحداث والحقب والعصور والأنظمة أي باختصار المنطق الذي تجري وفقه السيرورة التاريخية، وكذا الغاية التي تمضي نحوها.. وفي هذا الإطارارتأينا إدراج موقف "مؤيد" لفكرة التقدم وثان "معارض" وآخر منتقد. أما الموقف المؤيد فيمثله هيغل الذي لم يفعل سوى التعبير عن الفكرة الكبرى لعصر الأنوار برمته : ونقصد بها فكرة التقدم والإيمان بقدرة الجنس البشري عل ىالاتقاء نحو مزيد من العلم والمعرفة والحرية..، الموقف المعارض تمثله فكرة التاريخ الدوري عند ابن خلدون ( أو العود الأبدي كما يحب نيتشه أن يقول!)؛
أما المنتقد فكان نصا لريمون أرون الذي اشتغل على هذه الفكرة في أكثر من كتاب من كتبه ليس فقط في فصل من كتابه "المجتمع الصناعي" الذي عربه فكتور باسل، بل وأيضا وبشكل كامل في كتابه "الفلسفة النقدية للتاريخ"؛

ج- أما إشكالية دور الإنسان في التاريخ، فقد فهمناها على أنها مناسبة أخرى لطرح إشكالية الشخص بين الحتمية والحرية، وتذكير المتعلم بالترابط بين مفاهيم المجزوءة، و قد عدنا فيها مرة أخرى إلى هيغل الذي يجعل من التاريخ مجرد مراحل لتجلي الفكر المطلق في سعيه إلى وعي ذاته وإلى الحرية، فيغدو الأفراد مجرد أدوات تنفذ إرادة الروح المطلق ضد إرادتها الخاصة ( لهذا السبب انتقد كيركجارد الطابع اللاشخصي للتصور الهيغيلي الذي يذيب الفرد الشخص لصالح النسق والفكرة…) وبعد نص لماركس ناقدا التصور المثالي للتاريخ عند هيغل، ولم نجد مفرا من مقابلته بالنص الشهير لسارتر في "نقد العقل الجدلي"

– رابعا/ فيما يخص اختيار المواقف الفلسفية وانتقاء النصوص في البناء الإشكالي:
أ-الأولوية للمؤرخ على إبستملوجي التاريخ، في هذا الإطار تأتي الأولوية التي منحت لإبن خلدون ومارك بلوخ، ولم نستطع للأسف الوصول إلى نصوص المؤرخين الإنجليز امثال توينبي أو كولينجوود أو الألمان أمثال شبلنجر!؛

ب- الأولية للفلاسفة الذين يمثلون الموقف قبل شراحهم أو منتقديهم أو "متجاوزيهم" في هذا السياق اخترنا هيغل ممثلا لفكرة التقدم؛

– خامسا وأخيرا/ لم نستخدم الصور لمجرد التزويق أو تأثيت البياض
استعملنا حوالي خمس صور، كل واحدة منها مرفقة بمفتاح يوضح مضمونها أولا ويقابله ثانيا تعليق يجعل من الصورة – بما هي دال يخاطب الحس – مرتكزا آخر للتفكير الإشكالي في المفهوم أو في القضية الخاصة بالمحور

Facebooktwitterredditmailby feather

خارطة طريق لدرس الغير

خارطة طريق لدرس الغير

يعتمد هذه الدرس على المبادئ التالية
قبل الدرس:

مع احترامي – وأحيانا – إعجابي بالفلسفة المعاصرة وفلسفات ما بعد الحداثة، إلا أني أميل فيما يخص الفلسفة المدرسية الموجهة للمتعلمين إلى الفلسفة الكلاسيكية إذا صحت هذه التسمية، وأقصد بها الفلسفة ما قبل نيتشه
ولازلت أذكر كلمات أحد أساتذتي بالمدرسة العليا : “إذا كان عليك أن تختار لدرسك بين نص لهيدغر وآخر لأفلاطون ، فاختر الثاني !”
لماذا ؟ لأن نيتشه وهيدغر ودريدا و -بدرجة أقل – ميرلوبونتي وهوسيرل … يراجعون ويفككون تاريخ الفلسفة والميتافيزيقا والحال أن متعلمنا المسكين لم يتعرف بعد على هذا المسمى “تاريخ الفلسفة أو الميتافيزيقا” ..!

قبل طرح أي صيغة لدرس ما، لابد أن نكون قد حددنا سابقا – بأكبر قدر ممكن من الوضوح- الإشكالات التي سنعكف على معالجتها طيلة اشتغالنا على المحاور المقررة
لن نجد تحديدا للإشكال في هذا الكتاب المدرسي أو ذاك بل في وثيقة إسمها المنهاج أصدرتها الوزارة بتاريخ نونبر2006

المحور الأول: وجود الغير

يقول المنهاج عن إشكالية المحور الأول:
كيف يمكنني إدراك الغير بوصفه وعيا؟ إذا كان الوعي بالضرورة تجربة داخلية والغير ممثلا لوعي خارج عني؟
كيف يتحدد وعيي من خلال الغير؟

لمعالجة هذا الإشكال، لا مفر من المرور بلحظتين أساسيتين في تاريخ الفلسفة: اللحظة الديكارتية واللحظة الهيغيلية
للأسف الشديد فقد وقع في الكتب المدرسية الثلاث تجاوز هاتين اللحظتين تماشيا ربما مع “موضة فكرية” ما !!
بيد أني أميل إلى اعتماد نصوص الفلسفة الكلاسيكية كلما كانت نصوصها متوفرة قبل أية فلسفة أخرى ولو كانت آخر صيحة !
ما يميز النص الديكارتي والنص الهيغيلي هو أنهما يقدمان إشكالية وجود الوعي الآخر /الغير بأسط شكل ممكن بما يتناسب والمستوى المعرفي لمتعلمينا

على هذا الأساس، أقترح النصوص التالية للمحور الأول:

1/ نص ديكارت الشهير جدا والوارد ضمن الفقرات الأخيرة من التأمل الثالث والتي تبدأ هكذا” “أنظر من النافذة، فأشاهد بالمصادفة رجالا….”
ولو ألقينا سريعة نظرة على نص ميرلوبونتي الوارد بالصفحة 28 من كتاب “منار الفلسفة” لأدركنا إستحالة فهم السطر التاسع وما حوله دون المرور عبر النص الديكارتي الذي يساجله ميرلوبونتي نفسه!!
—-> الموقف: الأنا وحدوية solipsisme : إستحالة إدراك وجود الغير بوصفه وعيا

2/ نص هيغل الور دفي الكتاب المدرسي السابق مع إرفاقه بتلعيقات Jean Hyppolite والذي يعتبر مرجعا في الدراسات الهيغيلية و عميد مترجمي هيغل إلى الفرنسية !!
—-> الموقف: تجاوز اللحظة الديكارتية: ليس وجود الغير وجوديا عرضيا بل وجود مكون لوجود الأنا/الوعي نفسه

المحور الثاني: معرفة الغير
.
لايرد في المنهاج عن إشكالية هذا المحور غير السؤال التالي !: هل يمكن معرفة الغير؟
ولذلك أقترح النصوص/المواقف التالية، مع الإشارة إلى ضرورة عدم تجاهل إشكالية أساليب معرفة الغير وخصوصا مشكلة الإستدلال بالمماثلة
1/ نص غاستون بيرجي الذي ورد ضمن الامتحان الوطني لسنة 2003 والذي جرت استعادته في كتاب المنار
—> الموقف: الوعي الآخر عبارة عن حميمية أو قلعة حصينة، استحالة معرفة الغير والنفاذ إلى عالمه الداخلي
2/ نص ميرلوبونتي الوارد أيضا في الكتاب المدرسي السابق مع التميد له بعرض مختصر للتصور السارتري
—> الموقف: معرفة الغير ممكنة من خلال تجربة التواصل، والتخلي عن تعالي الذات المفكرة

المحور الثالث : العلاقة مع الغير

اكتفى المنهاج بالسؤال التالي: ” ماهي العلاقة التي تربطني به (أي الغير)؟

وهنا لابد من ملاحظة وهي ان الفلسفة وإن كانت مادة دراسية مؤهلة أكثر من غيرها للإضطلاع بدور التربية على القيم خصصوا قيم التسامح وتثمين الاختلاف والحوار، فإنها لاينبغي أن تتحول إلى تربية إسلامية أو تربية وطنية
وبالتالي لايكفي أن نردد ويردد وراءنا المتعلمون يجب إحترام الغير ولو كان غريبا !
ينبغي أن نؤشكل هذه العلاقة: لماذا لا نتصرف عادة تجاه الغير باحترام رغم أنه شبيهي وقريبي؟
على هذا السؤال يجيب نص مستفز لفرويد !
إذن اقترح النصوص/المواقف التالية:

1/ نص جوليا كريستيفا الوارد أيضا ضمن الكتاب المدرسي السابق وقد جرت استعادته حرفيا في كتاب المنار
—> الموقف: ينبغي مساءلة علاقتنا بالغبر/الغربب لأنه أقرب إلينا مما نتصور ، إنه يسكن ويقيم في قلب الذات؛
2/ نص لفرويد من كتابه قلق في الحضارة
—> الموقف: نقد غير مباشر لموقف كريستيفا وكل المواقف المشابهة، لأنه يحاول إثبات استحالة محبة الجار والقريب فما بالك بالغريب

كما تلاحظون، فإن هناك الكثير من الموارد المعرفية الوارد في الكتاب المدرسي السابق يمكن إعادة استعمالها recyclage
لأن المادة المعرفية الفلسفية لا تتقادم 😉 ، ثم إن الجكمة ضالة المؤمن اينما وجدها !
وفي الحقيقة فلم يوفق الكتاب المدرسي السابق في بناء درس جيد مثلما وفق في رس الغير !!

Facebooktwitterredditmailby feather

خارطة طريق لدرس الشخص

خارطة طريق لدرس الشخص

الشخص والشخصية، المنهاج والكتب المدرسية
الدرس الأول: درس عن الشخص أم عن الشخصية؟

ستكون خارطة الطريق التي اقترحها لدرس الشخص عبارة عن محاولة إلقاء الضوء على اللبس الذي يشوب طبيعة العلاقة القائمة بين مفهومي الشخص والشخصية، لأن فهمنا لعلاقة المفهومين من حيث تجاورها أو تمايزهما، تداخلهما أو استقلالهما عن بعضهما سيؤثر على طبيعة المرجعيات التي سنستدعيها لمعالجة إشكال الهوية أو القيمة أو الحرية، وبعد فحص العلاقة بين المفهومين، سأعرض لبناء الدرس كما افترضه المنهاج وكما طبقته الكتب الدرسية الثلاث قبل أن أفضي في النهاية إلى تصوري الخاص !!

1/ ضرورة التمييز بين المفهومين:

بين مفهومي “الشخص” والشخصية” -لغويا واصطلاحيا- فروقا دقيقة لطيفة من جهة ووشائج عميقة من جهة ثانية… ومن الواضح أن مقاربتنا لدرس “الشخص” ستتباين تبعا لقدرتنا على التقاط هذه الفروق الدقيقة من جهة أومدى تقديرنا لأهمية هذه الوشائج من جهة أخرى.
وهكذا سيدعو الفريق الأول إلى التمييز بين المفهومين ويحذر من مخاطر الخلط بينهما، بينما سيتجه الفريق الثاني إلى الانتقال بكل حرية بين السجلين أثناء تناوله للمفهوم …

مما يسترعي الملاحظة أن مفهوم الشخص ينتمي بالدرجة الأولى إلى السجل الفلسفي وقد نشأ وعولج داخل هذا السجل، بدءا من سقراط وصولا إلى برغسون ومونييه مرورا بالتجريبيين الإنجليز، وذلك في إطار الاهتمام الأصيل للفلسفة بالجوهر والنفس، والمبدأ الأول للظواهر والموجودات ورد الكثرة إلى الواحد… وبهذا المعنى الأخير وضع كانط النفس كأحد الأفكار الثلاثة للعقل الخالص بجانب الله والعالم. ويشير مفهوم الشخص بشكل عام إلى الأنا لا من حيث هو مضمون محدد، وإنما بوصفه وحدة صورية (التعبير من الكتاب المدرسي، ، في رحاب الفلسفة) وغالبا مايقترن هذا المفهوم بمعاني الذات والوعي والإرادة والمسؤولية والحرية والاستقلالية…، ولذلك فالشخص لا الشخصية هي موضوع القانون بسبب افتقاده للتحديدات الإمبريقية المختلفة والخاصة التي تلغي معيار المساواة والعمومية التي تتسم بها القواعد القانونية ، صحيح أننا في اللغة العربية نقول شخصية طبيعية وشخصية معنوية لكننا في الواقع نقصد شخصا طبيعيا وشخصا معنويا كترجمة للمصطلحين الأجنبيين: personne physique, personne morale ،

في حين أن مفهوم “الشخصية”، يشير إلى بنية سيكوفيزيولوجية محددة ومتفاعلة مع محيطها الطبيعي والسوسيوثقافي، وهي خاصة بفرد معين، يختص بها وحده مثلما يختص ببصمة إبهامه! ويمكن إخضاعها لاختبارات وروائز من أجل تصنيفها ضمن أنماط… وبذلك فالمفهوم ينتمي إلى السجل العلمي (نسبة إلى العلوم الإنسانية، وبالضبط إلى علم النفس) وضمن هذا السجل تلقى المفهوم مضمونه وتعاريفه الإجرائية،

2/تداخل المفهومين، مشكلة موروثة أو نظرة على المقرر السابق… !

لا أدعي إضافة الجديد لمن خبر المقرر السابق، ولكن يمكنني النأكيد لزملائي الجدد أن “الإشتباك” كان قائما بين المفهومين في صلب المقرر القديم
ولقد اضطررت في ملخصي لدرس الشخصية وفق المقرر السابق ومنذ مدة طويلة أن أفتتح الدرس بهذه التوضيحات التي حاولت فيها أن الاجتهاد لرسم الحدود الفاصلة بين المفهومين دفعا لكل خلط محتمل بينهما، وفيما يلي فقرة من مقدمة الملخص

دلالات: الشخص والشخصية

عند استعراضنا لدلالات مفهوم الشخصية نعثر على نمطين من التعاريف: نمط أول تتخد فيه الشخصية معنى مجردا و عاما يجعلها خاصية كائن يكون شخصا اخلاقيا وقانونيا مسؤولا (كقولنا: لكل شخص الحق في …)ومنه حديث القانونيين عن شخصية طبيعية أو معنوية؛ ونمط ثان يتخد فيه المفهوم معنى محسوسا يركز على خصوصية الفرد باعتبارها تنظيما فريدا لمجموعة من الوظائف الجسمية، النفسية والإجتماعية ويتجلى هذاالتنظيم من خلال اسلوب الفرد في الحياة و يرتبط بسيرته و تاريخه ( كقولنا شخصية عمرو او شخصية زيد مثلا )

ينتمي النمط الاول من التعاريف الى المجال الفلسفي وينزاح مفهوم الشخصية نحو مفهوم الشخص دلالة على الطابع التجريدي الكوني فكانط يرى “ان الشخص هو الذات التى يمكن ان تنسب اليها مسؤولية افعالها وهي قدرة الشخص على الوعي بما هو ثابت خلف الحالات المتغيرة لوجوده “؛ أما هيجل فيعتبر ان الشخصية لا تبدأ إلا حين تعي الذات نفسها لا كمجرد أنا محسوسة محددة كيفما اتفق و إنما باعتبارها أنا مجردة تجريدا خالصا”.
أما النمط الثاني من تعاريف الشخصية فينتمي الى مجال العلوم الانسانية كما عبر عنه “البورت” في قوله: ” الشخصية هي التنظيم الدينامي للانظمة السيكوفيزيولوجية التي تحدد تكيف الفرد بشكل أصيل مع محيطه”. هنا تصبح الشخصية بناءا أو نموذجا نظريا وعلميا يسمح بفهم كل ما يتميز به شخص معين من خصائص؛ و يستنتج من تعريف البورت أيضا بأن الفرد عبارة عن أنظمة او أجهزة نفسية و فيزيولوجية متداخلة تسعى الى التكيف و التفاعل مع محيطها الطبيعي و الإجتماعي، وعليه ينبغي البحث عن سر تمايز شخصيات الافراد في تمايز أشكال انتظام و تكيف أنظمتهم السيكوفيزيولوجية مع المحيطين الطبيعي و الاجتماعي.

وللإنتقال من مقاربة تتخد مفهوم الشخص موضوعا لها (المحور الأول: نظام الشخص) إلى مقاربة العلوم الإنسانية التي لايمكنها أن تتناول سوى مفهوم محدد تحديدا إجرائيا بشكل دقيق وهو مفهوم الشخصية
فقد اضطررت لوضع الفقرة الإنتقالية التالية نظرا لإختلاف السجلين:

من الواضح أن المقاربة الفلسفية تركز على البعد العام المجرد والمشترك في الشخصية، بل في كل شخصية. وذلك لتأسيس نتائج أنطلوجية وأخلاقية لاحقة. بيد أن هذه المقاربة لاتسمح لنا بأن نفهم سبب اختلاف وتنوع الشخصيات بتنوع الأفراد. لابد إذن من الإنفتاح على مقاربة العلوم الإنسانية.

3/ترحال المفاهيم…

سنرى الآن كيف أن كل واحد من المفهومين يحيل على الآخر ويستدعيه، فرغم انتماء المفهومين إلى سجلين معرفيين مختلفين، فإن ذلك لم يمنع(في الممقرر السابق) ولن يمنع ( في المقرر الجديد) من تسلل أحد المفهومين إلى حيث نعتقد اننا لانعالج سوى المفهوم الآخر، وما ذلك إلا لكون الفلسفة تتخد الإنسان، وهو وحدة مركبة، موضوعا لها !
طيلة عشر سنوات التي هي عمر المقرر السابق، مارس مفهوم الشخص داخل درس الشخصية مايسمى في العلاقات الدولية بحق التدخل droit d’ingérence
فهل يحق لمفهوم الشخصية ممارسة نفس هذا الحق في درس الشخص؟
رآى مسطرو البرنامج القديم ان للشخصية ثلاثة أنظمة: سيكلوجية وسوسيولوجية ونظاما ثالثا مجردا سموه “نظام الشخص” هو الذي أصبح الموضوع المفترض للدرس الجديد الذي نحن بصدده
ماهي مشروعية مثل هذا الإقحام؟ ألم يعمل سوى على زرع التشويش في أذهان المتعلمين؟ على كل حال لابد من الاعتراف بأن دراسة الشخصية كنظام سيكوفيزيولوجي وسوسيوثقافي تظل دراسة وضعية ولايمكن أن تكون دراسة فلسفية تتصف بالنقد والمساءلة دون استحضار بعد الوعي الذي يشير إليه مفهوم الشخص، وإلا استحال الكلام على الشخصية إلى كلام على الإنسان بما هو آلة تحرك لوالبها ونوابضها محددات وإشراطات سيكوفيزيولولجية أو سوسيوثقافية ! ( أنظر على الخصوص المحور الأخير في المقرر القديم: الشخصية بين الحتمية والحرية )

ينطبق ذلك على مفهوم الشخص أيضا…
فمفهوم الهوية ( محور الهوية الشخصية) يمكن مقاريته من زاويتين: زاوية فلسفية خالصة أو قل زاوية ميتافيزيقية، بؤرتها الوعي : ديكارت ، لوك ، هيوم ، لايبنتز، آلان، برغسون…
مثلما يمكن مقاربته من زاوية علمية صرفة (نسبة إلى العلوم الإنسانية )كأن نعكف على دراسة نشوء الهوية الجنسية عند الأطفال (علم النفس)، أو الهوية المهنية لرجال التعليم (علم النفس الاجتماعي) أو الهوية الثقافية لشعب او طائفة أو أقلية (علم الاجتماع والأنثربلوجيا) …

لأية مقاربة انتصر المنهاج ؟

3/عودة إلى المنهاج، الملزم وطنياا

قبل الانطلاق إلى استعراض المقاربة الخاصة التي انتهجها هذا الكتاب المدرسي أو ذاك، لابأس بل لابد من إلقاء نظرة على المنهاج (توجيهات نونبر2006) لأنه المرجع الوحيد الملزم وطنيا والذي ينبغي الاحتكام إليه عند الاختلاف وتعذر التوفيق
التأطير الإشكالي الوارد في المنهاج والذي لاحظت أن الكثير من الزملاء يتجاهلونه مكتفين بما ورد في هذا الكتاب المدرسي او ذاك. وقد او ضحت في هذا الشريط ، أولوية المنهاج وحجيته وطنيا- لا من الناحية الفلسفية-المعرفية وإنما من الناحية الإجرائية-النظامية)

يقول المنهاج:

3 ‏. تأطير إشكالي لمفاهيم المجزوءات •
‏يدل مفهوم الشخص على الإنسان بما هو ذات واعية وعاقلة قادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الصدق والكذب وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها. ويحيل مفهوم الشخص على وحدة وهوية ومطابقة مع الذات تستمر رغم تعدد الحالات التي يمر منها الشخص واختلافها غير أن هذه الوحدة التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك أسفلة يمكن صياغتها على الوجه التالي
‏إن كل شخص يدرك نفسه بوصفه ´أنا´لكن كيف نحدد هذا “الأنا” ؟ فالشخص جسد أولا، لكن الجسد يخضع لتغيرات لا تمس استمرارية الشعور بالهوية، والشخص ثانيا يتحدد بمجموعة من السمات السيكولوجية ء غير أن هذه السمات تتغير أيضا دون أن يتفير الوعي بالهوية. ألا يمكن تحديد الشخص بوصفه ذلك المبدأ الذي يضمن تماسك وانسجام الذات دون اختزاله إلى جوهر ثابت؟
هل تكفي الذاكرة في ضمان استمرارية الوعي بالمطابقة مع الذات أم إن الغير يلعب دورا رنيسيا في هذا الشعور بالهوية والاستمرارية ؟
‏وما الذي يؤسس البعد القيمي- الأخلاقي للشخص وما علاقة ذلك بمسؤوليته والتزامه كذات ى عاقلة وحرة تنسب إليها أفعالها ؟
‏يمكن معالجة هذه الإشكالية من خلال المحاور التالية :
– الشخص والهوية
‏- الشخص بوصفه قيمة
‏- الشخص بين الضرورة والحرية

من المفيد أن نقوم باستقراء لمفاهيم هذا التأطير الإشكالي، وهي:
الذات، الوعي، الخير، الشر، المسؤولية، الاختيار، الوحدة، الهوية، المطابقة، الثبات، الأنا، الجسد، الشعور، المبدا، الانسجام، التماسك الجوهر، الذاكرة، الغير، البعد القيمي، الأخلاقي، الالتزام، العقل، الحرية، الضرورة

من السهل أن نلاحظ ان هذه المفاهيم تنتمي إلى الحقل الدلالي الفلسفي (الأنطلوجيا والأكسيولوجيا)، بل إنها تنحاز إلى التصور الفلسفي “التقليدي” أي فلسفة الوعي والماهية، والفلسفة الأخلاقية التي تتأسس على مقولة حرية الإرادة لذات واعية حاضرة إزاء ذاتها بشكل شفاف ودائم…وعليه، ربما ينبغي مقاربة المفهوم ضمن السجل الفلسفي بالدرجة الأولى، مما يعني بالمقابل دعوة للإبتعاد عن مفهوم الشخصية ومقاربة العلوم الإنسانية: هذه خلاصة اولى
نتوصل إلى الخلاصة الثانية عند النظر في المحاور المقترحة لمعالجة المفهوم ، وخصوصا المحور الأخير مع ملاحظة عبارة “يمكن” الواردة في آواخر الفقرة المستشهد بها من المنهاج!

الشخص والهوية:
رأينا أن مفهوم الهوية قابل لمقاربتين فلسفية وعلمية كما أسلفنا أعلاه. لكن المفاهيم التي احصيناها في تأطير المنهاج ترجح المقاربة الأولى؛
‏- الشخص بوصفه قيمة :
بما أن سؤال القيمة والقيم سؤال فلسفي بامتياز ومنطقة محجوزة لا “تصطاد” فيها العلوم الإنسانية ! فربما أمكن تناول إشكالية الشخص بوصف قيمة ضمن السجل الفلسفي، دونما انزياح نحو مفهوم الشخصية
‏- الشخص بين الضرورة والحرية:
الأمر هنا مختلف تماما عن المحور السابق، فمنذ أن عرف مونتيسكيو القانون بأنه العلاقات الثابثة بين الظواهر ومنذ ان أعلن دوركايم أن الظواهرالإجتماعية خارجية وقسرية ومستقلة عن وعي الأفراد، لم يعد بإمكان الفلسفة أن تتناول حرية الذات دون أن تساجل باستمرار التصورات الحتمية deterministes التي مافتئت العلوم الإنسانية تحشد لها الدلائل والمعطيات الإمبريقية
هل يمكن إذن تناول حرية الشخص او موقعه بين الحرية والضرورة مع تجاهل تام للضرورات التي كشفت عنها علوم الإنسان !؟
نعم يمكن ذلك، لأن تاريخ الفلسفة (الساابق على نِاة علوم الإنسان) يمدنا بتصورات فلسفية خالصة تدافع عن الضرورة بل عن نوع من الحتمية الكونية الشاملة مثل فلسفة اسبينوزا ! وهذا ما يفسر الاختيار الفلسفي الذي تميز به كتاب المباهج، وسيأتي بيانه بعد قليل

4/وماذا عن الكتب المدرسية؟ حيرة الاختيار !

من إيجابيات التنوع الحالي للكتب المدرسية أنها وضعت المدرس، طوعا أو كرها، أمام حيرة الاختيار والمقارنة وتحدي الفهم، ونقصد بذلك فهم السبب الذي جعل هذا الكتاب يوظف نصا لاسبينوزا بينما استعاض عنه الآخر بنص لفرويد مثلا، أو المبرر لترجمة conscience بكلمة « إحساس » في هذا الكتاب، بينما وضع لها الكتاب الآخر « الشعور » كمرادف…
سنقوم هنا بنفس العملية وهي محاولة استكناه التصور أو الاختيار الفلسفي الذي يقف وراء بنية الدرس في هذا الكتاب أو ذاك

كتاب “في رحاب الفلسفة” (سأحيل دائما على كتاب الأدبيين)

الشخص والهوية : الاقتصار على السجل الفلسفي: نصوص: باسكال، لوك، شوبنهاور
‏- الشخص بوصفه قيمة : الاقتصار على السجل الفلسفي
‏- الشخص بين الضرورة والحرية: الاقتصار على السجل الفلسفي

كتاب ” منار الفلسفة”

– الشخص والهوية : نفس الملاحظة مع ملاحظة بسيطة وهي استدعاء نص للإيمانويل مونييه تنتمي إشكاليه – ربما- إلى مجال المحور الأخير
‏- الشخص بوصفه قيمة : الاقتصار على السجل الفلسفي
‏- الشخص بين الضرورة والحرية: تم الانفتاح على السجل العلمي أثناء بناء المواقف الفلسفية الداعمة لمقولة الضرورة السيكلو فيزيولوجية) مع فرويد ، دون إغفال السجل الفلسفي الذي يظل باروخ اسبينوزا ممثله الأشهر ، واستدعاء ثان لــ “مونييه” كموقف نقيض

كتاب ” مباهج الفلسفة

الشخص والهوية: التقط كتاب المباهج مفهوم “الذاكرة” التي أومأنا إليها أثناء استقرائنا أو إحصائنا لمفاهيم التأطير الإشكالي الوارد في المنهاج، فجاءنا بنص لــ ” جون لاشولييه” فهم منه البعض انزياحا إلى السجل العلمي -السيكلوجي…,
وربما قدرالمؤلفن أن من العبث الاستمرار في تجاهل مكتشفات التحليل النفسي أثناء مقاربة مفهوم الشخص وبالضبط عند الحديث عن الوعي، فجاؤونا بنص لفرويد، مع تسويغ في تقديم النص يقول إن وحدة الشخص وحدة دينامية عسيرة ولامتناهية التحقيق ( اجتهاد يستحق المناقشة !)
‏- الشخص بوصفه قيمة: الاقتصار على السجل الفلسفي
‏- الشخص بين الضرورة والحرية: الاقتصار على السجل الفلسفي

5/إلام خلصت من كل هذا وكيف بنيت درسي…

إشكالية الهوية
اقتصرت في تناولها على السجل الفلسفي، ولم أطرح السؤال: هل الهوية واحدة أم متعددة، قابتة أم متغيرة، بل طرحت سؤالا أحسبه أكثر جذرية وهو فيم تكمن هوية الشخص؟ وعلام تحيل وفيم تتقوم؟

حيث ان كل إشكالية تنبثق من مفارقة، فقد بدالي أن إشكالية الهوية تنبثق المفارقة الكامنة بين ما يستشعره الشخص من ثبات إنيته وبين ما يحصل له من ضروب التغير في جسمه وهيئته وألإكاره ومعتقداته…
بعبارة أخرى، إذا كانت الهوية هي ما يجعل الشيء مطابقا لنفسه أي هو هو يستدعي مفهوم الهوية فكرة التعدد على خلفية البعد الزمني، وهو تعدد في المستوى السانكروني : هل أنا الآن “شيء” واحد أم متعدد بحكم تعددية مايجيش بداخلي المتعددات والمتناقضات؟ والتعدد على المستوى الدياكروني: هل أنا اليوم هو نفسه الذي كان قبل عشرين سنة؟
إذا كان الجواب بنعم فما هذا “الواحد فيّ”؟ وماهذا الذي يظل تابثا رغم التغيرات؟ وإذا كان لا، فما هي هذه الهويات أو الكيانات التي تسكنني !؟ وإن وجدت فما مصدر هذا الاعتقاد أو الوهم الذي أرى إنيتي بحسبه كيانا واحدا !؟
الجواب الأول لديكارت نعم، الأنا تحيل على وحدة على “شيء” واحد هو الذات المفكرة، و وحدتي متأتية من وحدة “الأنا أفكر”، إنها وحدة جوهر بسيط لا امتداد له هو النفس او الروح ملاحظة: أعترف هنا أنني قمت بتعنيف نص ديكارت وتطويعه لجعله يجيب على الإشكال لأنه في الواقع لايجيب على سؤال هوية الشخص بقدر يجيب على سؤال آخر متعلق بهوية أو بالأحرى ماهية الإنسان
الجواب الثاني لجون لوك: نعم هناك وحدة ولكنها ليست وحدة جوهر مادي (جسم) او غير مادي (روح) بل وحدة الوعي المتصل بالذاكرة
الجواب الثالث لدافيد هيوم: يمثل موقف دافيد هيوم تجذيرا لموقف مواطنه لوك: يذهب هيوم إلى حد إنكار وجود جوهر يسند هذه الهوية ! لاوجود لشيء إسمه الأنا كل ماهناك ركام وتيار لايتوقف من الانطباعات الحسية الخارجية والباطنية المتنوعة والمختلفة، وهكذا ينسف هيوم مفهوم هوية الإنية

إشكالية قيمة الشخص
خلافا لكتاب الرحاب وكتب وملخصات أخرى، لم أطرح السؤال بصدد قيمة الشخص بصيغة: “هل تكمن قيمة الشخص في كونه غاية أم وسيلة؟!” لأنني لم أجد بين الفلاسفة من زعم أن قيمة الشخص البشري تكمن في كونه وسيلة!! هناك شبه إجماع بكون قيمة الكائن البشري تعلو على كل القيم الأخرى، التي منه تستمد قيمتها. ولكن السؤال المحرج هو : مم يستمد الكائن البشري هذه القيمة السامية؟ قدم كانط الخاصية الأخلاقية كتبرير للقيمة المطلقة للكائن البشري، لدرجة ان يختزل في شخصه الإنسانية جمعاء ، وهل تنطبق على البويضة المخصبة والأجنة وإلى حدود أي سن؟ ماذا عن القتل الرحيم؟ هل يتناقض وهذه القيمة؟ وهل يمكن أن نمتح الحيوان أو البيئة قيمة فوق القيمة الإستعمالية وإن كانت لا تبلغ القيمة المطلقة المفترضة للإنسان بوصفه غاية لا مجرد وسيلة؟…
هذا وإن قارئ النص الأساسي لكانط، والذي يستلهم بشكل مباشر أو غير مباشر فلسفة كل من لوك وروسو في هذا المجال، يلاجظ بأن قيمة الشخص البشري مطروحة على النحو التالي: ” تحيل القيمة على السعر وقابلية المبادلة والإستعمال ( القيمة الإستعمالية للأشياء)، فهل قية الشخص البشري من نفس النمط؟ وإلا ففيم تختلف وبم يستقل الكائن البشري وكيف نبرر قيمته الخاصة؟
هنا قدم كانط أهم مساهمة فلسفية حقوقية: مفهوم “القيمة المطلقة” التي تجعل الكائن البشري غاية وليس مجرد وسيلة أبدا .
ولكن الأطروحة الكانطية – مثلها مثل أي أطروحة فلسفية أساسية – تثير من الإشكالات والصعوبات بقدر ماتقدم من أجوبة، وهذه بعض الإشكالات:
– ماهو أساس هذه القيمة المطلقة؟ أو كما يقول طوم ريغان (أنظر النص في القسم الخاص بالنصوص في هذا الموقع): مالذي ينطوي عليه الكائن البشري حتى نشير إليه ونقول : لهذا ينبغي معاملته على الدوام كغاية؟ هل هو العقل مثلا؟ كفاءته الأخلاقية كما يقول راولز ؟ أم لأنه كائن “حاس”، يشعر بلذة وألم، ويحيا حياة لايعني سواه أمرها كما يقول طوم ريغان ؟ -هل من حدود لهذه القيمة المطلقة؟ خصوصا عندما تتعارض مع مصالح الجماعة: هل قيمة الفرد تبز على الدوام مصالح الجماعة إلا في حالات ناذرة وماهي هذه الحالات؟ ( أنظر نص طوم ريغان)
– متى يمكن الحديث عن شخص حتى ننسب إليه قيمة مطلقة ؟ الجنين؟ ولكن في أي سن؟ هل يمكن أجهاض جنين لدينا دلائل أكيدة على أنه يحمل تشوهات عضوية وعقلية جسيمة؟ الموتى سريريا ومتى يجوز القتل الرحيم في حقهم؟

Facebooktwitterredditmailby feather

ما المقصود بخارطة طريق الدرس!؟

ما المقصود بخارطة طريق الدرس!؟

ما هي خارطة الطريق؟
إنها عبارة عن التصور الناظم للدرس الذي تمت بموجبه صياغة إشكالية كل محور على نحو معين، واستحضار تقابلات دون أخرى، وإستدعاء مواقف وانتقاء نصوص دون سواها.
بعبارة أخرى، ولأن الدرس الفلسفي يمتح مواده من المتن الفلسفي الشاسع الذي يقدمه لنا تاريخ الفلسفة، فإن كل درس يتحول لامحالة إلى عملية انتقاء اعتباطية أو مبررة، واعية أو لاواعية بذاتها، وهنا تسعفنا خارطة الطريق بالمسوغات التي تبرر لماذا بُني الدرس على هذا النحو وليس على نحو آخر؟ لماذا طرحت إشكالات المحاور بهذه الصيغة وليس بصيغ أخرى؟ ولماذا وظفت مواقف/نصوص فلسفية دون سواها؟ وكيف تم تأويل مضامينها على هذا النحو دون غيره..
إنها أشبه بكتيب الإرشادات المرفق بالأجهزة المنزلية لفهم وظائف الجهاز وحسن استغلاله، أو بكتيب الإرشادات الذي يوضح فيه الطباخ كي طبخ الوجبة، وماهي المواد التي تدخل في تكوينها ولماذا اختار هذه دون تلك ولماذا وضع هذه فوق أو تحت تلك، ولماذا أفرط في هذه ونسي تلك…
إذا كانت تلك أهم عناصر ووظائف خارطة الطريق، فمافائدة خارطة الطريق؟
أولا بالنسبة لمن يريد تبني أو استلهام أو "إنجاز" درس من الدروس المعروضة من طرف الغير، فإن خارطة طريق الدرس المعني تتيح له حسن فهم الدرس وحسن إنجازه لأنه وبفعل خارطة الطريق يرافق صاحب الدرس فكأنه لايستعمل محركا جاهزا، بل يعرف جيدا ميكانيزمات عمله؛
ثانيا-بالنسبة لمن يريد تقييم الدرس أو نقده، تساعده خارطة الطريق على تبين المسوغات والخلفيات والمقاصد التي تحكمت في بناء الدرس وانتقاء الإشكالات والتقابلات والمواقف والنصوص..، فتتاح له إمكانيات النقد الموضوعي ليس فقط للمنتوج النهائي بل للخطة اوالمنطق الذي تحكم في إنتاجه/ ونحن نعلم جيدا أن هذا مجرد نتيجة لازمة عن ذاك

Facebooktwitterredditmailby feather