خارطة طريق لدرس الواجب
(ملاحظة أولية: كل إشكال إنما هو سؤال حول العلاقة بين مفهومين او أكثر، ومن ثم فكل أطروحة إنما هي إثبات لعلاقة ما بينهما )
-المحور الأول الواجب والإكراه:
لحسن الحظ فالعنوان يتضمن أصلا مفهومين! بخلاف عنوان المحور الثاني الذي لايتضمن غير مفهوم واحد وهو الوعي الأخلاقي!
لنتأمل مليا هذا العنوان: “الواجب والإكراه”! ولنسأل أنفسنا: ماوجه الإشكال في علاقة الواجب والإكراه؟
أكتفي بالاجتهاد الوارد في الللكتاب المدرسي مباهج الفلسفة، لأنه الأقرب إلى المعقولية” في نظري: يؤشكل كتاب المباهج العلاقة كالتالي: هل الواجب يصدر عن إرادة فاعلة وحرة أم هو فعل تحكمه الضرورة والإكراه؟
بما أن صياغة الإشكال تتضمن في ثناياها أحيانا إمكانيات الجواب، فقد يعتقد المرء بوجود إمكانية للقول بأن الواجب فعل صادر عن إرادة فاعلة وحرة بشكل يستيعد الإكراه، وإمكانية لقول ثان يقف بالواجب عن عتبة الإكراه
بيد أننا عندما نتأمل المواقف الفلسفية التي تناولت الواجب أو نستشير المعاجم، نجد أن الواجب لايخلو من إكراه ! فهو ليس رد فعل أو فعلا من أفعال الغريزة، وليس بفعل عفوي تلقائي (من هنا الفرق بين الضرروة والوجوب والإمكان)
إذا ثبتت علاقة المحايثة بين الواجب والإكراه، عندها سينحصر وجه الإشكال في: كيف نجمع بين الإكراه الذي ينطوي عليه الواجب من جهة والحرية بما هي شرط الواجب والفعل أو الأمر الأخلاقي من جهة أخرى (ليس على الشمس واجبات، بل تحكمها ضرورة وحتمية طبيعية تتنافى والحرية!)
يظهر ذلك جيدا في نص كانط الوارد في كتاب الرحاب-أدبي ص 185 الذي مُنح عنوانا دالا وهو: “الواجب إكراه حر”
الموقف الأول، ويتلخص في جواب كانط الذي نصوغه كالتالي: الواجب إكراه حر ! يمارسه العقل العملي على الإرادة، ليخلصها من ضغوط الميول والحساسية والمنفعة، فتتحقق بذلك استقلالية الإرادة. وهذا هو الموقف الأول، وهو موجود أيضا في نص آخر لكانط في كتاب المباهج-أدبي ص 175
أما الموقف الثاني فيجسده في كتاب المباهج-أدبي ص 177 نص إميل دوركايم، هذا النص الذي يتضمن إشارة صريحة إلى كانط ونقدا لموقفه، بيد أن أصحاب المباهج حذفوا المقطع المذكور !!
يتلخص جواب دوركايم في مايلي: لايخلو الواجب من إكراه (تتميز الوقائع الاجتماعية بالخارجية والقسر) ولكن التحليل السوسيولوجي والسيكلوجي الفاحص يظهر أن الواجب يتصف أيضا بالمرغوبية، وهو مايجعلنا نمارس الواجب وفق القاعدة الأخلاقية المطلوبة منا بنوع من الرضى والإغراء. وأننا نشعر بلذة لامثيل لها عن ممارستنا للواجب
المحور الثاني: الوعي الأخلاقي
لنحدق في العنوان جيدا مرة ومرتين! مفهوم واحد لاغير ! فكيف يمكن ان ينتج عنه إشكال ما !؟
بدا لي أن أحد إمكانيات أشكلة الوعي الأخلاقي هي التساؤل عن أصله ومصدره: يبدو الوعي الأخلاقي حسا داخليا عميقا على شكل ضمير أخلاقي أو صوت داخلي يأمر وينهى، يؤنب و ويرضى.. هل يعني ذلك أن الحس الأخلاقي غريزة منقوشة في حبلة الإنسان ومن ثمة خالدة ولازمنية، ام أن ظاهرة إنسانية كباقي الظواهر لها نشأة وتاريخ؟
نجد جوابا أو موقفا أولا في نص لروسو في كتاب رحاب الفلسفة-أدبي ص187 يتلخص مضمونه في أول جملة منه: “يوجد في أعماق النفس البشرية مبدأ فطري للعدال والفضيل، تقوم عليه، رغم مبادئئنا الشخصية، أحكامنا التي نصدرها على أفعالنا وأفعال الغير فنصفها بالخيرة او الشريرة”
بإزاء هذا التصور، وظفت كموقف ثان، تصورا مزدوجا لكل فرويد وأنجلز
فرويد:تتمثل الصورة الداخلية للوعي الأخلاقي في الأنا الأعلى. ونمو الأول رهين بالميكانيزمات النفسية الشعورية واللاشعورية التي تصاحب نمو الثاني
في نفس السياق،وظفت موقفا لأنجلز من كتاب منار الفلسفة-أدبي ص 194 يتلخص في هذه العبارة : ” لانقبل بأي رأي مزعوم يريد أن يفرض علينا نظاما أخلاقا دوغمائيا باعتباره قانونا خالدا ونهائيا وثابتا يعلو فوق التاريخ” وذلك لأن تطور الأخلاق بوصفها جزءا من البنية الفوقية ليس سوى انعكاس للتطور الأقتصادي أي البنية التحتية
المحور الثالث: الأخلاق والمجتمع
لو حدقنا جيدا في المفهومين المتشكل منهما عنوان المحور، ولو “ضربناهما ببعضهما البعض فماذا يمكن أن يتولد عن ذلك؟! هل يمكن أن تنقدح شرارة تساؤل ما !؟
يكاد الجميع يتفق، فلاسفة وحسا مشتركا، أن المجتمع هو مصدر المعايير الأخلاقية (ربما، باستثناء روسو، وكذا كانط الذي ورث منه جزءا من نظريته الأخلاقية)! وبالتالي فالتأكيد على هذه الحقيقة شبيه بخلع باب مفتوح أصلا !
ولكن، بالمقابل، ماذا يعني المصدر الاجتماعي للواجب؟ ماذا يترتب عنه؟ هذا مثال لسؤال قد لايخطر ببال الحس المشترك!
حسب اجتهادي المتواضع، فإن المصدر الاجتماعي أو بالأحرى المصدر المجتمعي للواجب يضعنا أمام مفارقة:
مادام المجتمع هو مصدر الواجبات، ألا يؤدي ذلك إلى نوع من المفارقة تتمثل في أن واجباتنا تكاد تنحصر عمليا تجاه أفراد المجتمع أو الجماعة التي لقنتنا الواجب ( العائلة، القبيلة، العشيرة، الوطن، الأمة.. مثلا الأمر الأخلاقي القائل: لا تقتل! يستثني غالبا من لا ينتمون إلى نفس الجماعة)؟ هل هناك واجبات نحو الإنسانية او نحو النوع الإنساني او-لنمضي أبعد- نحو كوكب الأرض والأجيال المقبلة؟ وكيف نسوغ مثل هذه الواجبات؟
كموقف أول: استثمرت نصا لدوركايم منار -أدبي ص192 لا يخرج عن التصور الدوركايمي الذي يضع القواعد الاجتماعية/الأخلاقية خارج وعي الفرد ويرجعها إلى المجتمع كسلطة أخلاقية
كما استثمرت قولة لداروين بالغة الدلالة في هذا الصدد
أما في الموقف الثاني، فقد استثمرت نصا لجون راولز من كتاب مباهج-أدبي ص 185 يتحدث عن واجب التضامن الذي يتجاوز المجمتع والأجيال الحالية ليتجه نحو الأجيال القادمة
شكرا لكم أتمنى أن تنشروا موضوع الواجب ولاكراه هدا المحور فقط مع مناقشته و استفساره
موضوع غني جزاك عنا الله كل خير
الفرد يملك الإرادة لكي يغير المجتمع ،حتى وإن كان المجتمع هو أساس القيم ،فإن الفرد منتج لها .فإدا كان المجتمع فاسدا ،فإن القاعدة الأخلاقية تنبثق من الفرد شريطة أن يكون واعي