أرشيف التصنيف: كتابات التلاميذ

الكتابة الإنشائية لتلامذتنا في الامتحان الوطني: العود الأبدي لنفس الأخطاء ! !

الكتابة الإنشائية لتلامذتنا في الامتحان الوطني: العود الأبدي لنفس الأخطاء ! !

مالذي يمنع التلميذ من التفكير الفلسفي يوم الامتحان: الجهل أم الرعب أم الكسل المعرفي؟؟
   تجرأ على استعمال عقلك

أقدم بين أيديكم زملائي المدرسين أعزائي التلاميذ لائحة غير حصرية بالأخطاء التي ألفتها لكثرة ما صادفتها في كتابات التلاميذ!!! والتي يمكن تجاوزها بالقليل من التركيز وإعمال العقل عوض الاستسلام لرد فعل الفزع والاحتماء وراء الأمان الموهوم للملخص المكدس في الذهن أو في… الجيب!!ء

الهفوة الأولى
الإهمال التام للنص أو السؤال أو القولة والاحتماء وراء الأمان الموهوم للملخص:

في امتحان هذه السنة – كما في سابقاتها- لم تدم علاقة بعض المترشحين بورقة أسئلة الإمتحان – فيما يبدو – سوى بضع لحظات، اعتبرت كافية لتخمين “الدرس” أو “المحور” المقصود، ثم نحيت جانبا!!! وهكذا استنتج من اختار السؤال الأول أنه يدور حول علاقة الحقيقة بالواقع وبما ان هناك محورا في الملخص يحمل عنوانا مماثلا،فقد هرع إليه مستظهرا إياه دون ان يكلف نفسه من حين لآخر عناء الإحالة على السؤال سواء في الخلاصات المرحلية في آخر كل فقرة أو عند الخلاصة النهائية في آخر الموضوع
لم أقرأ ورقة التقط صاحبها أنفاسه في منتصف العرض ليقول : يتين مما سبق أن الحقيقي هو الواقعي ولكن… أو يقول فبي الختام: إنطلاقا من مجموع المواقف التي أتينا على ذكرها بشأن علاقة الحقيقي بالواقعي ومنزلة الواقع نخلص غلى أن..
أما من اختار النص فقد استخلص منه سريعا أنه يناقش موضوع الشخصية ، العوامل المساهمة في بنائها أو دور الشخص في بناء شخصيته ثم هرع إلى محور في الملخص يحمل عنوانا مشابها وانطلق لا يلوي على شيء حتى أدرك نهاية الموضوع…
وكان النص لايضيف إلى معرفتنا أي جديد! وكأن النص لايتضمن إشكالية أصيلة ربما لم تطرق في الملخص بشكل مقصود وهي” وحدة او تعدد الشخصية” وكأن النص لا يثير الانتباه إلى ” البعد الزمني للشخصية” وكيف أن الشخصية هي إمكانيات أو مشروع يعاش في المستقبل أكثر مما يعاش في الحاضر… وكأن النص لا ينتقد ضمنيا مقاربة العلوم الإنسانية التي تتناول الشخصية في بعدها الحاضر مثلما يتناول العلم الطبيعي موضوعاته، وكأن النص لا يتضمن مثالا عن الطالب الذي هو أنا!!! والذي و إن كان تلميذا اليوم أي في الحاضر، لكن مايفعله وهو يجتاز الامتحان الآن يلغي حقيقته كتلميذ لأنه لا يتصرف بوحي من وضعية التلمذة بل بوحي من الامكانيات المستقبلية التي يضعها نصب عينيه وكأن وكأن…
هذه كلها معطيات غنية وجديدة، أنا نفسي كمصحح أستكشفها لأول مرة في النص ، مركبة ومصاغة على هذا النحو..!! وكأني بالمترشح يخاطب النص قائلا: اخرس مكانك أيها النص المراوغ! ألا تتحدث عن الشخصية ؟ طيب، لدي الكثير في ملخصي مما أقوله عنها…بحيث يغنيني عنك !!
وكأني بالمترشح يختزل النص إلى سؤال مباشر مفاده: ” استعرض ما تعرفه عن الشخصية أو عن دور الشخص في بناء شخصيته؟!!!ء

الهفوة الثانية:
مقدمة جاهزة مسبقا: المقدمة الصالحة لجميع المواضيع لاتصلح في الواقع لأي موضوع!!

هي تلك المقدمات التي تشبه المفاتيح التي تفتح كل الأبواب pass-partout وكأن المقدمة تنتمي إلى فئة الملابس الجاهزة. وكأنها معدة قبليا ولايوحي بها النص أو السؤال بعديا، وكأنني عندما أقصد أحدهم لأقترض منه بعض المال، أقصده مسلحا بمقدمة جاهزة، عوض أن استوحي المقدمة من سياق الحديث الذي لايمكنني التنبؤ به قبليا!!ء مقدمات مثل هذه تتكرر بشكل يدعو إلى الملل بل و ” تنوم” يقظة المصحح واهتمامه بالموضوع: ” أثار موضوع …كذا وكذا… جدلا واسعا بين الفلاسفة الذين تناوله كل واحد منهم من وجهة نظره الخاصة، ترى ما هي…؟…”
للمقدمة غاية عملية وظيفية لا زخرفية: هي التمهيد للموضوع وابراز أهميته أو إثارة بعض الالتباسات أو المفارقات لتبرير طرحنا للأسئلة التي نصوغها في آخر هذه المقدمة نفسها

الهفوة الثالثة:
التغييب التام للواقع والأمثلة الحية

هل سقط المترشحون ضحية التمثل المشترك الذي يتهم الفلسفة بكونها فكرا مجردا يحلق في سماء النظريات بعيدا عن هموم الناس الحياتية؟ هذا ما ألمسه باستمرار: لا أحد من المترشحين تقريبا غامر إلقاء نظرة من نافذة قاعة الامتحان، فيضرب أمثلة من الواقع! ، لاأحد تقريبا يغامر بفتح نافذة عالمه الداخلي لكي يمزج جفاف الفكر المجرد بطراوة التجربة الذاتية الحية!!ء التي لا يعادلها في حجيتها أحيانا أي برهان أو استدلال منطقي ولا يكافئها في قوتها أي اشتشهاد من أي كتاب كما نرى عند برغسون او الفينومنلوجيين
في جوابهم على سؤال: ” هل الحقيقي هو الواقعي؟” لم يخطر ببال المترشح ذكر القاضي الذي يحث الشاهد على قول الحقيقة أي وصف الواقع كما عاينه فعلا!! لم يخطر ببالهم أيضا السراب وباقي أشكال الوهم التي وإن كانت تتمتع بكل صفات الواقعي من وجهة نظر الانطباعات الحسية الذاتية او من وجهة نظر الرغبة إلا أنها ليست حقيقية مع ذلك ولم يخطر ببالهم … ولم يخطر ببالهم…ْ

الهفوة الرابعة:
استعادة “ببغاوية” ركيكية لجمل النص

وهي أهون الهفوات: يقع فيها بعض المترشحين الذين نحمد لهم وعيهم فعلا ضرورة الاشتغال على النص ولكنهم لسبب او لآخر يعجزون عن إنتاج أي قيمة مضافة أثناء حوارهم مع النص، أقصد انهم يستعيدون جمل النص مع بعض التحوير الركيك في العبارة أحيانا؛ وعند الفراغ من هذا الواجب الإلزامي الثقيل، تطل فقرات الملخص واحدة بعد أخرة دون أي جسور أو وشائج مع ما قيل من قبل. بحيث يصبح القارئ أمام جزئين منفصلين تمام الإنفصال، لكل منهما حياته الخاصة!! بحيث يمكن حذف أحدهما او قراءته منفردا دون حرج
لقد اكتفيت بالوصف في عرضي لهذه الهفوات، أما تشخيص الأسباب واستشراف الحلول فذاك موضوع آخر سيأتي مجال تفصيله مستقلا
هذه أهم الهفوات التي استطاع نظري المتواضع ان يرصدها أضعها بين يدي زملائي للتعليق عليها أو غلإضافة إليها ولكني بالدرجة الأولى أضعها بين يديكم أعزائي المتعلمين لتجاوزها

Facebooktwitterredditmailby feather

إنشاء فلسفي من إنجاز تلميذة لتحليل ومناقشة نص مع ملاحظات “المصحح”

إنشاء فلسفي من إنجاز تلميذة لتحليل ومناقشة نص مع ملاحظات "المصحح"

أقدم لكم في مايلي إنشاءا فلسفيا من إنجاز تلميذة يدرّسها صديقي وزميلي الأستاذ الشبة محمد، كان قد عرض إنشاء هذه التلميذة في منتدى الحجاج ، وبادرت بالتعليق عليه وإبداء بعض الملاحظات
وحيث ان ملاحظاتي لم تتوقف عند مجرد إصدار أحكام بشأن قيمة إنشاء التلميذة، بل تضمنت في الحقيقة تصوري المفصل لممقتضيات الإنشاء الفلسفي والمعايير التي أعتمدها في تصحيح إنجازات المتعلمين وتنقيطها، فقد ارتأيت نشرها هنا على موقعي الشخصي تعميما للفائدة
وغني عن البيان أننا أحوج ما نكون إلى أن ننشر على الملأ تفاصيل هذه العملية الغامضة المسماة تصحيحا، بحيث يخرج المصحح من عزلته الأنطلوجية ليقاسم الغير /المصحح الآخر تجربته، خصوصا وأن التصحيح في مادة الفلسفة يشكل مصدر قلق التلاميذ واوليائهم.. فحري بنا إذن أن ننشر تفاصيل هذه العملية "الخيمائية" العجيبة كما نمارسها، ونناقش بعضنا البعض في وجاهة طريقة التصحيح والتقويم المتبعة، وبدون هذا النشر وبدون ذلك النقاش ستظل قواعد الإنشاء الفلسفي ومعايير التصحيح عرضة للذاتية بل ولــ "السيبة" حيث كل واحد يغني على ليلاه..
أتمنى أن يجد التلاميذ في تفوق هذه التلميذة وفي أخطائها عبرة يستخلصونها، وأن يجد زملائي في ملاحظاتي مادة يستلهمونها أو ينتقدونها (الأمران سيّان) ولمن شاء الانخراط في النقاش، هاهو عنوان الموضوع في منتدى الحجاج: اضغط هنــــــــــا

إليكم الآن النص:

« إننا نكن الاحترام للأشخاص فقط ، وليس للأشياء. فالأشياء قد تثير فينا الميل نحوها بل الحب إن تعلق الأمر بالحيوانات (مثل الخيل والكلاب وغيرها)، كما قد تثير فينا الخوف كما هو الحال حيال البحر أو بركان أو حيوان مفترس، لكنها لا تثير فينا الاحترام أبدا. وهناك أمر يقترب كثيرا من الشعور بالاحترام وهو الإعجاب، والإعجاب بوصفه انفعالا أي دهشة قد يحمل أيضا للأشياء، من قبيل الجبال الشامخة أو الأشياء العظيمة أو الكثيرة أو المسافات الهائلة التي تفصلنا عن الأجرام السماوية أو قوة وسرعة بعض الحيوانات…الخ، إلا أن كل هذه الأشياء ليست من الاحترام في شيء.
وقد يكون فرد ما موضوع حب أو خوف أو إعجاب قد يبلغ حد الدهشة، إلا أنه قد لا يكون مع ذلك موضوع احترام، فمزاجه المداعب أو شجاعته وقوته ومكانته بين غيره من الناس، قد تجعلني أشعر بعواطف من قبيل الحب والخوف والإعجاب. إلا أن ما يظل غائبا هنا هو الاحترام الذي أكنه له. يقول أحد المفكرين: " أنحني أمام سيد كبير، إلا أن عقلي لا ينحني"، وأنا أضيف: " إن عقلي ينحني أمام إنسان ينتمي إلى طبقة دنيا، أجد فيه استقامة الطبع تبلغ حدا لا أجده في نفسي، وعقلي ينحني له سواء سواء أردت أو كرهت.»

حلل وناقش

• إجابة التلميذة:وقد قمت بترقيم فقرات إنشائها تسهيلا للإحالة عليها عند إبداء ملاحظاتي

[1] في حياتنا اليومية العادية نصادف ونتعرف على أشكال مجتمعية وفكرية مختلفة من الناس، فرغم تباين معتقداتهم وأعراقهم ومكانتهم يتساوون في كونهم أناس. فهل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ وهل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟ وهل أفعالنا وأفكارنا تتطابق مع بعضها البعض في علاقتها مع الآخر أم لكل منهما عمل منعزل عن الآخر ؟
إن صاحب النص ينطلق من فكرة رئيسية وهي كون الاحترام مخصص للأشخاص فقط. فماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
هذا ما سنبرزه من خلال تحليلنا للنص الذي بين أيدينا.
[2] إن ميلنا للأشياء وحبنا لها أو الخوف منها، كالحيوانات الأليفة أو المناظر الطبيعية، لا يحتم علينا احترامها في نظر صاحب النص. وقد رأى أن للاحترام رفيقا وهو الإعجاب، ورغم ذلك فإن هذا لا يعني أن كل ما نعجب به نحترمه، لأن الإعجاب ناتج عن انفعال ودهشة أما الاحترام فهو قيمة أخلاقية نابعة من الهبة في النفس. وقد ميز صاحب النص بين صنفين من الأشخاص؛ الصنف الأول ليس له في الاحترام شيئا أما الصنف الثاني فهو جدير بالاحترام.
[3] إن الصنف الأول يكون في فرد ذي مكانة اجتماعية – كأحد الملوك أو المشاهير في عصرنا الحالي – أو ذي مزاج مداعب وشجاعة وقوة، فهذا الشخص يلقى منا الحب والإقبال عليه بإعجاب ودهشة، غير أنه يبقى بعيدا عن الاحترام إذ يمكن لنا انتقاده واستبداله في أي وقت.
[4] أما الصنف الآخر، قد لا يكون بارزا داخل المجتمع ولا معروفا بين الناس لا بمكانته ولا بشخصيته لكن مع ذلك ينال منا كل أشكال الاحترام والتقدير، لأننا نجد فيه استقامة في الطبع لا نجدها في أنفسنا، كما جاء ذكره في النص على لسان أحد المفكرين الذي عزز به صاحب النص أفكاره ولخصها في هذه القولة: « إن عقلي ينحني أمام إنسان ينتمي إلى طبقة دنيا أجد فيه استقامة الطبع تبلغ حدا لا أجده في نفسي، وعقلي ينحني له سواء أردت أو كرهت ».
[5] من خلال تحليل النص نرى أن صاحبه يبرز لنا قيمة الشخص الجديرة بالاحترام، فهو يميز الشخص عن باقي الأشياء لأن الأشياء قد تكون محط إعجابنا كسيارة اشتريتها أو قطة أمتلكها، لكن قيمتها تقدر بثمن ويمكننا بيعها أو التخلص منها في أي وقت واستبدالها. لكن قيمة الإنسان تبقى ثابتة لا تقدر بثمن وهي التي تمنحه الاحترام والتقدير بغض النظر عن المكانة والشخصية. ومن هنا نرى كانط يتفق مع ما جاء به صاحب النص، فهو أيضا يرى أن قيمة الشخص لا تقدر بثمن عكس الأشياء، فهو يربط قيمة الشخص بالذات الأخلاقية أو ما سماه العقل الأخلاقي العملي. فبهذا المفهوم حثنا كانط على عدم النظر إلى الشخص كمجرد شيء يباع ويشترى في الأسواق، بل يجب تغيير نظرنا إليه لأنه ذات تملك عقلا أخلاقيا يستحق الاحترام، وعلى هذا الشخص أن يجعل لنفسه هبة وكرامة يميز بها نفسه عن غيره، فتنحني له العقول سواء أرادت أو كرهت.
[6] ولكن نرى اختلافا بسيطا بين كانط وصاحب النص يتمثل في كون صاحب النص صنف الفرد حسب ما يكنه له الآخرون، أما كانط فتكلم على أن كل من يملك عقلا واعيا أخلاقيا يجب أن يلقى الاحترام. وهذا ما جعل طوم ريغان يعيب النقص الذي جاء به كانط وذلك بإقصائه لفئات اجتماعية أخرى، وقد أعطى أمثلة: كالبويضة المخصبة والمواليد بدون دماغ والمجانين …الخ. فجاء طوم ريغان بمعيار بديل يحدد قيمة الشخص وهو ما سماه " الذات التي تستشعر حياتها".ويمكن أن أستخلص ما يعنيه في هذه العبارة في كون أن هذه الذات تمتلك وعيا مرتبطا بالزمان والمكان تستشعر به الحياة وتتطلع إلى المستقبل. فالأشخاص الغائبون عن الوعي لا يزالون متمسكين بالحياة ويتطلعون إلى مستقبل أفضل ويسترجعون الماضي. فهل هذه الفئة غير جديرة بالاحترام ؟
[7] من خلال هذا السؤال يتبين لنا نقص ما جاء به كانط ، وبهذا يجعلنا نتطلع إلى البديل الذي جاء به طوم ريغان. لكن هذا الأخير اعترف أن ما جاء به يعاني أيضا من نقص الشمولية لأنه أيضا يقصي بعض الفئات الاجتماعية، ويبقى لنا المجال مفتوحا للبحث عن بديل آخر.
[8] ومن ناحية أخرى نجد بعض الفلسفات تربط قيمة الشخص بمدى الدور الإيجابي الذي يقوم به في المجتمع، حيث نجد مثلا الفيلسوف غوسدورف يحدد قيمة الشخص في مدى تأثيره في المجتمع إذ عليه أن ينفتح على الكون وعلى الغير، وهو لا يوجد ولا يكتمل إلا بالمشاركة والتضامن والأخذ والعطاء. وفي نفس السياق ذهب راولز إلى أن قيمة الشخص تتحدد في علاقته مع الآخرين وبالتزامه بالغايات القصوى لتحقيق العدالة ونشر المبادئ المميزة لها.
[9] هكذا يربط كل من غوسدورف وراولز قيمة الشخص باندماجه في المجتمع وطبيعة علاقته بالآخرين، وهذا يجعل قيمة الشخص نسبية وعلائقية. اما كانط وطوم ريغان فهما يتحدثان عن قيمة مطلقة يمتلكها الشخص بغض النظر عن طبيعة علاقته بالآخرين.
[10] من هنا يبدو أن إشكال قيمة الشخص أثار العديد من النقاشات التي تعددت بشأنها الآراء والتصورات، لكن يبقى أكيد أن الإنسان كشخص يمتلك قيمة عليه أن يزكيها ويحافظ عليها وهي لا تخرج في نظري عن المقومات الأساسية لهوية الشخص كالإرادة والوعي والأخلاق والمسؤولية والحرية، إذ كيف يمكن أن نتحدث مثلا عن قيمة لإنسان ما لا يمتلك حريته أو لا يلتزم بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟؟

انتهى موضوع التلميذة.

• ملاحظاتي كــ "مصحح"

وسأحاول فيما يلي أن أبسط مكامن القوة في موضوع التلميذة وأظهرها أشد ما يكون الاظهار حتى تنجلي واضحة ليستلهمها تلامذتنا الآخرون، ووسأشفع كل تعليق بالتنبيه إلى بعض أوجه القصور التي هي نصيب كل عمل بشري مندرج في إطار التعلم، أملا في أن تتجاوزها هذه التلميذة مستقبلا وأن يتفطن إليه غيرها فلايقع فيها.

بصفة عامة:
تمتلك التلميذة كفايات لغوية وبلاغية لافتة للأنظار، فلغتها سليمة نحويا وتركيبيا إلا فيما نذر، وقد تجلت هذه الكفاية في سلاسة العبارة، وفي المرونة التي انتقلت بواسطتها بين الجمل والفقرات، وكذا في غياب التكرار..
كذلك يتسم موضوعها بالتنامي وبوجود خيط ناظم عصم الموضوع من التشتت والتيه والدوران ليس في حلقة بل في حلقات مفرغة..

بالنسبة للطرح الإشكالي/المقدمة/الفهم:
نأت هذه التلميذة عن تلك المقدمات المكرورة البئيسة (بندرج النص ضمن.. أو أثار مفهوم كذا جدلا..)، كتبت التلميذة:

 

في حياتنا اليومية العادية نصادف ونتعرف على أشكال مجتمعية وفكرية مختلفة من الناس، فرغم تباين معتقداتهم وأعراقهم ومكانتهم يتساوون في كونهم أناس. فهل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ وهل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟ وهل أفعالنا وأفكارنا تتطابق مع بعضها البعض في علاقتها مع الآخر أم لكل منهما عمل منعزل عن الآخر ؟
إن صاحب النص ينطلق من فكرة رئيسية وهي كون الاحترام مخصص للأشخاص فقط. فماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
هذا ما سنبرزه من خلال تحليلنا للنص الذي بين أيدينا.

– لقد انطلقت أولا من الواقع، لأن الموضوع يتيح هذه الإمكانية، وليس هناك أفضل من بدء التفلسف انطلاقا من الواقع
– اجتهدت في خلق تقابل وتوتر مشرعن لطرح الإشكال وهو التقابل بين: تمايز وتباين صفات الناس ومراتبهم ومقاماتهم، وبين واجب الاحترام الذي يفترض أن يشملهم دون تمييز !
يظهر التوتر جيدا من الناحية اللغوية في استعمالها لكلمة : "فرغم"
طرحت التلميذة الأسئلة التالية:
-هل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ و
– هل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟
– ماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
الجميل في هذه الأسئلة أنها أسئلة النص لا أسئلة الملخص ! وهذا أمر محمود، لأن أغلب التلاميذ يعتقدون ان أسئلة الملخص هي نفسها أسئلة النص، فيفرضون على النص أسئلة الملخص، أو لنقل إنم يطمسون إشكالات النص تحت ركام إشكالات الملخص.. متناسين أن علينا أن نطرح بالضبط الأسئلة المفترض أن النص يجيب عليها، وأن تحليلنا للنص يمثل بسطا لهذه الإجابة قبل محاكمتها في لحظة المناقشة..
ولا يراودني أدنى شك في أن إفلات التلميذة من هذا المنزلق البنيوي الخطير، ونجاحها في طرح أسئلة-النص عوض أسئلة-الملخص يعود إلى سلامة المنهجية التي لقنت لها، أي إلى مجهودات مدرسها !!
بيد أن السؤال المطروح في منتصف المقدمة، كان أقل توفيقا من إخوته! وقد عمدتُ إلى كتابته بلون أحمر ! جاءت صياغة السؤال غامضة، ولم توَفق التلميذة في التعبير. صحيح أنني حدست مرادها، لكن لا أنصحها بالمراهنة على قدرة المصحح على فهم مقاصد الغير!!

بالنسبة للتحليل:
لابد أولا من ملحوظة: يطلب منا كمصححين أن ننقط التحليل من 0 إلى 5 وكذلك المناقشة، ولكن كيف يعرف المصحح نهاية التحليل وبداية المناقشة !؟ يعلم كل مصحح أنه يقوم بعمل "اعتباطي" إلى حد ما وهو رسم خط وهمي يفصل بين التحليل والمناقشة داخل مايسمى بالعرض (مادام التلميذ لا يقول هذا تحليل وهذه مناقشة !)
شخصيا، ومن أجل تقويم منصف، سأعتبر الفقرات: 2، 3، 4 و 5 في موضوع التلميذة بمثابة تحليل! أما احتساب الفقرة 5 كمناقشة فسيقزم التحليل لصالح المناقشة!. صحيح أنها استدعت في الفقرة الخامسة بعض مكتسباتها المعرفية حول كانط، بيد أنها إنما فعلت ذلك في معرض تحليل النص وشرحه وتوضيح أفكاره! وهذا ما جعلها تختم الفقرة المذكورة بالإحالة مجددا على آخر جملة في النص، حيث كتبت التلميذة:

 

وعلى هذا الشخص أن يجعل لنفسه هبة وكرامة يميز بها نفسه عن غيره، فتنحني له العقول سواء أرادت أو كرهت

إن لم نعتبرها جزءا من التحليل، فلا أقل من أن نعتبرها جزءا مشتركا بين التحليل والمناقشة، أي كفقرة انتقالية، تلخص التحليل وتمهد للمناقشة
بعد هذا التنويه، أقول إن التلميذة نجحت إلى حد بعيد في فهم النص، وهو عموما نص في المتناول، وتجلى ذلك في إعادة عرض وتنظيم للمادة المعرفية للنص كما تجلت في بنيته المفاهمية، وفي مايلي أهم التمفصلات التي رصدتها في موضوعها:
إن ميلنا للأشياء وحبنا لها …وقد رأى أن للاحترام رفيقا وهو الإعجاب …وقد ميز صاحب النص بين صنفين … إن الصنف الأول … أما الصنف الآخر … من خلال تحليل النص نرى أن صاحبه… ومن هنا نرى كانط يتفق مع ما جاء به صاحب النص…
إلى جانب ذلك، تجرأت التلميذة على ضرب أمثلة من الواقع للبرهنة على فهمها للنص، حين كتبت التلميذة:

 

إن الصنف الأول يكون في فرد ذي مكانة اجتماعية – كأحد الملوك أو المشاهير في عصرنا الحالي

أو، حين كتبت:

 

لأن الأشياء قد تكون محط إعجابنا كسيارة اشتريتها أو قطة أمتلكها، لكن قيمتها تقدر بثمن ويمكننا بيعها أو التخلص منها

بصفة عامة، أعتقد أنها قالت أغلب مايمكن لتلميذ باكالوريا في الثامنة عشر من عمره أن يقوله عن مثل هذا النص، خصوصا وأن التلميذة لا تملك مفتاح النص وهو أن " شيء واحد خيّر بذاته بغض النظر عن نتائجه، يستحق الاحترام لذاته، ألا وهو الإرادة الطيبة.. وأن القانون الأخلاقي بداخل الإنسان هو الذي يرفعه فوق مرتبة الشيء أو مملكة الطبيعة"
إنما أؤاخدها لأنها لم تقف بما يكفي عند مفاهيم: الحب، الخوف، الميل، الإعجاب، الاحترام (لأن النص ليس شيئا آخر غير بنية من المفاهيم)
أحمد لها وقوفها عند مفهوم "الشيء" وقابليته للاستبدال والبيع.. وكذا وقوفها نسبيا عند مفهوم الاحترام، كتبت التلميذة:

 

أما الاحترام فهو قيمة أخلاقية نابعة من الهبة في النفس

لكن رشاقة العبارة خانتها :icon_biggrin: ، فلم تفصح عن شيء !! وكان بمقدورها أن تشرح الآحترام سياقيا داخل النص بوصفه ذلك التقدير الضروري (شئت أم أبيت) الصادر من العقل والمتجه إلى أخلاقية المرء.
لقد كفاها صاحب النص مؤونة شرح مفهوم الإعجاب، وقد اكتفت هي باستعادة شرحه حيث كتبت التلميذة:

 

لأن الإعجاب ناتج عن انفعال ودهشة

ولكن ألم يكن بمقدروها أن تحفر قليلا في مفهوم الخوف، بوصفه انفعالا ينتابنا عندما نستشعر خطرا محدقا بنا، كأن الذات مهددة بالتلاشي امام الخطر الصادر عن الموضوع المخيف أو عظمته التي قد تسحق الإنسان أحيانا كالبركان..
كذلك الأمر بالنسبة للميل والحب الذي لايعدو أن يكون هوى يجتاح النفس ويستبد بها، قد يتلاشى ذات يوم كاهتمام المرء بكلاب مدربة أو خيول أصيلة، ثم إن مانميل إليه لايحظى بتقدير وإعجاب كوني.. الكثيرون لا يميلون إلى الخيول ويكرهون الكلاب.. :icon_eek:
أما عن الإعجاب فكان حريا بها أن تتأمل فقط الأمثلة لترى أن الإعجاب شعور أمام ماهو هائل: مسافات سحيقة، كواكب، جبال شامخة… يتجاوز الذات لكنه بخلاف المخيف لايهدد بقاءنا !!
أظن أن التلاميذ، وهذه التلميذة بالضبط قادرة على مثل هذه المفهمة، لو تم لفت انتباهها إلى ذلك بشكل يجعلها تعي المطلب

المناقشة:
يمكن القول أن المناقشة هي الدابة السوداء La bete noire التي تتربص بالتلاميذ في المنعطف الثاني من إنشائهم، والواقع أنني أعذرهم: إذ كيف يمكن للمرء ان يناقش فيلسوفا يقول: الشخص البشري وحده -دون الأشياء والحيوان- جدير بالاحترام بسبب أخلاقيته !!؟
ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن للتلاميذ أحيانا بعض الحدوس واللُمع الرائعة، منها قول هذه التلميذة:

 

ولكن نرى اختلافا بسيطا بين كانط وصاحب النص يتمثل في كون صاحب النص صنف الفرد حسب ما يكنه له الآخرون، أما كانط فتكلم على أن كل من يملك عقلا واعيا أخلاقيا يجب أن يلقى الاحترام

لقد خُيّل للتلميذة أن كانط-الملخص يجعل قيمة الشخص كامنة في صفة ذاتية في الشخص، في حين ان كانط-النص يجعلها متوقفة على موقف أو شعور الغير نحو الشخص ! طبعا لقد فاتها أن القيمة تعني أصلا: "مايجعل الشيء موضوع رغبة أو تفضيل أو ..احترام من طرف غيره، تبعا لنوع القيمة !!
لقد كانت هذه التلميذة مبدعة وذكية حتى وهي تخطئ ! :icon_biggrin: سيعتبر البعض حكمي هذا متناقضا، لكن بعض الأخطاء كهذه إنما تعبر في نظري عن ذكاء وعن محاولة جدية وحريئة للفهم أو التأويل رغم غياب عناصر معرفية كافية، بسبب محدودية اطلاع التلاميذ على المتن الفلسفي.
أما ما تبقى من المناقشة، فلم تخرج فيه التلميذة عن المعهود التلاميذي، وإن كانت زلتها أهون لأنها اعتمدت سردا خفيفا مختصرا، ولم "تنزل على" فقرات الملخص بكاملها.
وهكذا، ففي ما يخص احتجاجها بطوم ريغان، كان بإمكانها أن تذكّرنا أولا أن مبرر احترام الشخص حسب النص كامن في "استقامة الطبع"، وأن تتساءل بعد ذلك، هل كل الناس يملكون استقامة الطبع، ويحق لها تبعا ذلك أن تجادل صاحب النص محتجة بمثال الأطفال والرضع والمعتوهين والبويضة.. عندها يكون استدعاء ريغان مشروعا
كان عليها لو ركزت قليلا أن تثير إحراجات كثيرة ننتهي إليها فيما لو تبنينا موقف صاحب النص، من قبيل كيفية التعامل مع المجرم الذين لم يظهر أبدا أي استقامة في الطبع !! هل يظل جديرا بالاحترام رغم ذلك!؟
ولكن مهلا !! لماذا سنحاجج دائما بإسم الفلاسفة :icon_scratch: ! لم لانجادل صاحب النص بشأن قصْره الاحترام على الشخص دون الكلاب والخيول؟! ألا نجد كلابا أوفى من البشر وخيولا أنفع من بعض بني آدم !!؟ ألا تستحق شيئا م نالاحترام بسبب ذلك !؟ لماذا سنستمر في قصر الاحترام على الكائن البشري..!؟
لهذا ألفت انتباه تلامذتي دائما إلى أن المناقشة تعني من بين ما تعني:
– إبراز أهمية النص: مالجديد الذي يعلمنا إياه !؟ وهل يسمح لنا بتناول قضايا ووقائع على نحو أفضل ؟
– الإفصاح عن النتائج المترتبة عن تبني اطروحة النص: ماذا نكسب؟ ماذا نخسر؟ ماذا يحصل لو مضينا مع صاحب النص إلى أقصى الشوط !؟

أما الفقرة رقم 8 من موضوعها، فمجرد كونها تبدأ ب " اما من جهة أخرى" وتتضمن "وفي نفس السياق.." فذلك دليل أن التلميذة قد انساقت وراء المعهود التلاميذي وأمسك الملخص بتلابييها فلم يعد الحوار قائما بين النص ومواقف أخرى، بل استحال الحوار إلى جدل بين المواقف نفسها بعيدا عن النص.
ولكنني لا أحاسبها رغم ذلك على هذه الزلة،إذ كيف يمكن للمرْ ان يجعل غوسدورف أو راولز محاورين لصاحب النص، اللهم إلا إذا فطن التلميذ -وهذا فوق طاقته- أن "استقامة الطبع" التي تحدث عنها النص تعضّد قيمة الشخص وتوجب احترامه لأنها رأس الفضائل الأخلاقية وستنعكس لامحالة على علاقته الإيجابية بالأغيار من خلال: المشاركة والتضامن والعطاء..
أو إذا فطن إلى أن بإمكاننا أن نعطي لاستقامة الطبع مضمونا سياسيا، ونخرج بها من دائرة الأخلاق إلى مجال السياسة، فتتحول إلى صفات مواطن داخل مدينة.. راولز..
ولكن هل من المعقول توقع كل هذه البهلوانيات Acrobaties الفكرية :icon_bounce: من تلميذ البكالوريا !!.

التركيب/الخاتمة:
من خلال تجربتي كمصحح، أستطيع الجزم ان قيمة الخلاصة أو التركيب تتوقف على قيمة المناقشة وليس التحليل،
جاءت خلاصة موضوعها تقليدية امتثالية conformiste لكنها مقبولة في نظري ، لأنها تدخل ضمن المعهود التلاميذي الذي نجده حتى لدى أكثرهم نجابة وتباهة، وهنا يتمثل دورنا في مدهم بنماذج يستلهمون من خلالها إمكانيات أخرى للتركيب والخلاصة..
ما كان لها أن تخلص إلى غير ذلك، مادامت لم تجادل صاحب النص بشكل جدي، ومادامت لم تحاكم أطروحته بشكل يظهر محدودية تصوره او إمكانيات تجاوزه…
ومن الطريف أن السؤال الذي ختمت به موضوعها:

 

إذ كيف يمكن أن نتحدث مثلا عن قيمة لإنسان ما لا يمتلك حريته أو لا يلتزم بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟؟

كان أولى به أن يتخد مكانه في المناقشة، في إطار تطوير أفكار النص أي استكشاف امتداداتها داخل مجالات أخرى أو تقاطعها مع إشكاليات قريبة .. وهي شكل آخر من أشكال المناقشة
وعوض أن تكتفي بطرحه في الخاتمة ليظل مفتوحا، كان حريا أن تستل قوته الاستفهامية لتفتح جبهات جديدة لمناقشة صاحب النص..

والآن وباختصار، ماهي النقطة التي يستحقها هذا الموضوع؟ ء :icon_scratch:
باختصار، ورغم كل القصور والهفوات التي سجلتها بصدد موضوع التلميذة ، إلا أن حكمي النهائي هو أن الموضوع جيد، ويستحق نقطة جيدة، ومبرري في ذلك أن كل تقويم للإنجاز التلاميذي لابد أن يراعي "الممكن التلاميذي"، والموقع النسبي للموضوع داخل مجموعة الأوراق، وحيث ان تجربتي كمصحح علمتني أن من بين 100 ورقة أصححها، أعثر في المتوسط على 8 أوراق جيدة من بينها واحدة ممتازة،فإني شبه متيقن أن ورقة هذه التلميذة ستكون من بين السبعة وربما كانت هي الورقة الثامنة المتميزة!! :icon_biggrin:

 

Facebooktwitterredditmailby feather

نماذج رائعة من كتابات التلاميذ الفلسفية

نماذج رائعة من كتابات التلاميذ الفلسفية! !

هناك شبه اجماع بين المهتمين بأن المستوى المعرفي والكفايات الثقافية والمنهجية واللغوية للتلاميذ في تدهور مستمر، ولكن من قال بأن تلميذ التعليم الثانوي اليوم قد افتقد كل أثر للحس الفلسفي؟؟
وأنا أقوم بتصحيح مواضيع المترشحين في الامتحان الوطني للباكلوريا (مادة الفلسفة) لفتت انتباهي إنشاءات فلسفية تخرج إلى حد كبير عن المستوى المألوف: أسلوبا، أفكارا ومنهجية، تعيد إلينا بعض الأمل في مستقبل الفكر الفلسفي بين الناشئة، يبدو لي أنه من حق مدرس مثل هؤلاء التلاميذ ان يفخر بهم، كما يحق علينا نحن قراءهم ان نحتفي بهم
وتقديرا مني لهذه الكتابات المجهول أصحابها، ولهذه الابداعات الغفل من التوقيع، أقترح عليكم استنساخا أمينا لأربعة او خمسة نماذج منها، تاركا لكم صلاحية الحكم والتعليق

النموذج الأول:

لقد نقلت موضوع المترشح كما هو بهفواته وزلاته إذا وجدت، والتي أخشى أن تنضاف إليها أو تختلط بها أخطاء الكيبورد التي ريما ارتكبتها عند مسك الموضوع وادخاله إلى الحاسوب!! وعلى كل، فقد عمدت هنا إلى وضع علامة (؟) أمام أي خطأ أو لبس في إجابة المترشح

أما اللون الأخضر فقد أضفته لأبرز المقاطع المضيئة في الموضوع والتي سأعود  للتعليق عليها لاحقا، وللتذكير فالمترشح ينتمي إلى الشعبة العلمية التي تدرس الفلسفة بواقع ساعتين أسبوعيا

أولا نص الموضوع الذي امتحن فيه المترشحون :

الشخصية هي المنتهى المشترك لظاهرات تتعلق بالسيكولوجيا الفردية وبالسيكولوجيا المجتمعية، داخل مجموعة من الشروط اللازمة للسلوك، إزاء المواقف الحالية
ينطبق هذا التعريف على الجانب من الأنا الذي له، من بعض الوجوه، وحدة واستقرار يشبهان الوحدة والاستقرار اللذين نطلقهما على الموضوعات، ويصبح هذا التعريف غير صالح بمجرد ما نريد أن ندخل فيه ما ليس هنا-الآن، ويجاوز :” الحاضر:”، أي كل ما لا يمكن أن يتصف “بالحضور” ( حالا أو استقبالا) لأنه دائما يحيا، سابقا على حاضره، أي أنه يحيا في المستقبل. فللطالب مثلا، شخصية حالية هي الشخصية المحددة في ورقة هويته، والتي تملأ حقل وعيه في  “الآن”. بيد أن ائطالب يشعر بتوتر داخلي، أي بقوة تدفعه إلى “الشخصية” التي يرمي لأن يصبحها، وهذه الشخصية – النزوع ليست حدا نهائيا؛ من الممكن تجاوزها، لأن إمكانيات الطالب لا تعطى، برمتها، دفعة واحدة، إنها تبرز حسب تتابع تصاعدي، كسلسلة من الشخصيات يمكن تصورها. من الجائز أن تنضب إمكانيات الطالب، فيبقى دون ما كان يصبو إليه، على أن الشخصية التي يرمي إليها غاية، بالنسبة للوضع الحالي، ولو استحال تحقيقها في المستقبل. إن صح ما تقدم، جاز أن نقول بأن الشخص ليس بشخصية واحدة بل هو عدة شخصيات

حلل النص وتاقشه

يعتبر موضوع الشخصية من أهم المواضيع التي استرعت اهتمام الفلاسفة والعلوم الانسانية منذ القدم، فبدأ الخوض فيها وفي مكوناتها باعتبارها بنية دينامية تخضع لعدة تأثيرات سيكلوجية واجتماعية

والنص الذي بين أيدينا يندرج ضمن موضوع الشخصية وبالخصوص ضمن الشخصية بين الحتمية والحرية. ويطرح هذا الموضوع إشكالا هاما يمكن صياغته كالتالي: هل الإنسان كائن فاعل أم عنصر منفعل؟”

ويجيب عليه صاحب النص بالأطروحة التالية:”رغم أن الإنسان يخضع لعدة إكراهات نفسية واجتماعية، فإنه وباعتباره كائنا حرا ذا إرادة، يستطيع أن يتخلص من هذه الإكراهات”
إن اشكالية “الإنسان بين الحرية والحتمية” أفرزت العديد من التساؤلات التي يمكن صياغتها كالتالي: ” هل للإنسان دور في بناء شخصيته؟ أم أنه يخضع لعدة حتميات سيكلوجية وسوسيو ثقافية لايمكنه التخلص منها؟ وإلى أي حد يمكن الإتفاق مع هذين الموقفين؟

من أجل تحليل هذا النص سيكون من المنهجي، تفكيكه اولا إلى وحداته الأساسية، ويمكن الاكتفاء فقط بوحدتين أساسيتين حيث ان الوحدة الأولى يبرز فيها صاحب النص بأن الإنسان يعيش تحت ضغط إكراهات سيكلوجية واجتماعية، والوحدة الثانية، يتم نقد الموقف الذي تم عرضه في الوحدة الأولى مع إبراز مدى حدوديته (؟)ء وعدم صلاحيته في بعض الحالات

يبدأ صاحب النص بتقديم تعريف لمفهوم الشخصية حيث يعتبرهاتنظيما مركبا وبنية دينامية يتدخل في تكوينها مجموعة من العوامل السوسيو ثقافية والسيكلوجية. فالنظام النفسي والاجتماعي يؤثران بشكل كبير على شخصية الإنسان، فالانسان في مرحلة طفولته يمر عبر مراحل تلعب دورا كبيرا في تكوين شخصيته، كما أن الإنسان وباعتباره كائنا اجتماعيا بالطبع، يعيش وسط هذا المجتمع ويكتسب ثقافة هذا المجتمع ولهذا فمن الطبيعي أن يؤثر كل ذلك في بناء شخصيته.

ولكن صاحب النص ورغم تقديمه لهذا التعريف إلا انه يبرز بعد ذلك حدوديته (؟)ء حيث ان هذا التعريف لاينطبق إلا على جانب من الأنا الذي يتميز بعض وجوهه بالوحدة والاستقرار. ومن هنا يبدأ صاحب النص بانتقاد الموقف الذي يقر على أن الإنسان يخع لعدة حتميات وإكراهات سوسيوثقافية وسيكلوجية، وان الإنسان لا دخل له في تكوين شخصيته، فيؤكد صاحب النص ان هذا التعريف جد محدود، والتعريف الذي بدأ به صاحب النص غير صالح عندما يتم تجاوز الحاضر. فنحن نعلم ان الإنسان كائن ذات (؟) إرادة وحرية وأنه قادر على أن يغير حاضره ومستقبله إذا أراد ذلك فالإنسان يحيا وكله طموح وأمل في أن يغير شخصيته ويحسن منها. وعند هذا الحد يفقد مفهوم الحتمية قيمته ويصبح غير صالح لآي شيء.

ولقد اتبع صاحب النص مسارا منطقيا، مترابطا حيث انطلق من منطلق نقدي، فقام في البداية بابراز الموقف الذي يؤكد أن الإنسان كائن منفعل لادخل له في تكوين شخصيته فقام بعد ذلك صاحب النص بدحض هذا الموقف من خلال إبراز حدوديته (؟) وعدم صلاحيته، لأن الإنسان كائن ذات إرادة وحرية تصبو دائما نحو التغيير.

ولقد استند صاحب النص على مجموعة من البراهين والحجج حيث قام بتقديم مثال أبرز من خلاله عدم صلاحية موقف الحتمية، فاعتبر أن الطالب يمتلك شخصية حالية أي الشخصية التي كونتها تلك الضغوطات النفسية والاجتماعية، ولكن هذا الطالب وباعتباره كائنا بشريا يمتلك العقل، فإنه سيشعر دائما بقوة تدفعه للتغيير واالوصول إلى الشخصية التي يرمي إليها باعتبار أن امكانيات الطالب كثيرة ومتعددة، كما أن تلك الشخصية التي سيصبح عليها غير قارة، فقد يتم تغيرها أو التحسين منها هي الأخرى، لأن امكانيات الطالب جزئية |أي انها لاتعطى دفعة واحدة، بل تعطى شئا فشيئا، كما أن من الجائز أن تفشل إمكانيات الطالب فلا يصل إلى مايصبو إليه

إذن يتبين لنا من خلال هذا المثال أننا لانتكلم عن شخصية واحدة قارة وثابتة، بل إننا نتحدث عن عدة شخصيات يلحقها التغيير بفضل الإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها الإنسان
وهكذا توصل صاحب النص إلى أن الشخصية رغم انها تتعرض لعدة ضغوطات، فإنه من الجائز ان يلحقها التغيير بفضل إمكانيات الإنسان غير المحدودة باعتبار هذا الأخير ذاتا واعية ومفكرة تأمل في التغيير وتصبو إلى النجاح
إذن انطلاقا من تحليل هذا النص يتضح لنا أن الإنسان كائن فاعل يلعب دورا كبيرا في بناء شخصيته وتغييرها

ولمناقشة هذا النص يجب علينا اولا أن نبين قيمته وبعد ذلك، نبيتن المواقف المؤيدة والمواقف المعارضة له. إن النص الذي بين أيدينا حاول اقناعنا بالموقف الذي يعرضه من خلال مجموغة من الحجج. لقد قدم لنا تصورا واضحا عن دور الإنسان في بناء شخصيته وذلك بدون نسيان الضغوطات التي يتعرض لها الإنسان فيحاول صاحب النص إقناعنا بأن هذه الضغوطات تقد قيمتها بمجرد شعور الإنسان بالرغبة في التغيير نحو الأفضل والتخلص من جميع تلك القيود

لقد تعزز موقف صاحب النص بموقف سارتر الذي اعتبر أن ” الوجود سابق على الماهية” فالإنسان يولد أولا ثم بعد ذلك تتحدد ماهيته يؤكد هنا سارتر أن وجود الإنسان يعني حريته وتحمل مسؤولية اختياراته، فهو يتحدد من خلال ماسيصنعه في المستقبل أي من خلال إنجازاته المستقبلية

الفيلسوف سارتر يحمل نفس الفكرة التي يريد صاحب النص أن يبلغها أي أن الإنسان سيظل كائنا فاعلا في تكوين شخصيته لأنه بكل بساطة كائن حر ذات إرادة ورغبة في التغيير

لكن من جهة أخرى تظهر مواقف العلوم الإنسانية التي أبدت اهتماما كبيرا في طرحها لمسالة الشخصية، فهي تؤكد ان الإنسان يعيش عدة ضغوطات نفسية وسوسيوثقافية
أما النفسية، فيمثلها فرويد الذي يؤكد ان منطقة الشعور هي أهم منطقة سكلوجية توجد عند الإنسان ولقد شبه الشخصية كجبل جليد أي ان الجزء الخفي والمغمور في الماء أضخم بكثير مما هو مكشوف ويظهرفوق الماء. ولقد اعتبر ان مرحلة الطفولة مرحلة حاسمة في تكوين شخصية الإنسان، ابتداءا من المرحلة الفمية، ثم الشرجية فالقضيبية كما ان النظام النفسي يتكون من عدة مكونات وهي ثلاثة: الهو- الأنا- الأنا الأعلى
أما الهو فهو الفطري في الإنسان، يتحكم فيه مبدأ اللذة أو ما اصطلح فرويد على تسميته: مبدأ الليبيدو، هائج ولا يعرف معنى الأخلاق
الأنا: هو جزء من الهو الذي تم تعديله، وهو الذي يتحكم في تكزين الشخصية سواء كانت سوية او شاذة
الأنا الأعلى أي الضمير والأخلاق

فالإنسان إذن يتعرض لهذه الضغوطات النفسية، إذا نجح الأنا في التوفيق بين متطلبات الهو والواقع، والواقع والأنا الأعلى كانت الشخصية سوية أما إذا لم ينجح في ذلك كانت الشخصية شاذة

كما أن الإنسان وباعتباره كائن اجتماعي يتأثر بمجتمعه وثقافته من خلال التنشئة الاجتماعية أي من خلال المؤسسات الإجتماعية التي يمر بها ابتداءا من الأسرة فالشلرع والمدرسة وغير ذلك
وانطلاقا من مناقشة النص يظهر لنا أنه لايكمن إخفاء تلك الضغوطات والحتميات التي يتعرض لها الإنسان أي أنه كائن منفعل
وانطلاقا من تحليل ومناقشة النص يتبين لنا أن الصراع لا زال قائما في إشكالية الشخصية بين الحتمية والحرية، فهناك موقفان أساسيان موقف يؤكد أن الإنسان حر وفاعل في تكوين الشخصية وموقف يؤكد على أن الإنسان يتعرض لضغوطات وحتميات تجعله إنسان منفعل

وكإبداء لرأي شخصي يظهر لي أن الإنسان ورغم أنه يتعرض لتلك الحتميات فإنه كائن ذات إرادة وحرية، يستطيع ان يغير شخصيته تغييرا كاملا، والواقع هو الدليل القاطع على ذلك فكم هم الأشخاص الذين ينشئون في بيئة تتميز بصفات معينة ويحاول  التخلص من تلك الضغوطات ليكتسيوا شخصية مختلفة تماما عن الشخصية الحالية. إذن فأنا أتفق مع صاحب النص وأؤيد رأيه تماما

Facebooktwitterredditmailby feather