كيف أختار موضوعا من المواضيع الثلاثة يوم الامتحان الوطني؟
أعزائي التلاميذ
زملائي الكرام
أنجزت مع تلامذتي حصة خاصة عنوانها: كيف أختار موضوعا من المواضيع الثلاثة يوم الامتحان الوطني؟
لماذا؟
لأن النجاح في الامتحان يتوقف -كما هو معروف- على عاملين: الإعداد المعرفي والإعداد النفسي، أو بلغة الكفايات على نوعين من الكفايات: كفايات معرفية-منهجية وكفايات استراتيجية
لن نتحدث عن الإعداد المعرفي والكفايات المعرفية-المنهجية (مراجعة الدروس والملخصات، توسيع دائرة الاطلاع على كتب ومجلات، التمرن على إنجاز إنشاءات..)، بقدر ما سنقتصر على الإعداد النفسي والكفايات الاستراتيجية
لئلا تكون حرية الاختيار حرية عمياء:
يحظى تلميذ الباكالوريا في الفلسفة بفرصة ربما لايحظى بمثلها في مواد أخرى، وهي اختيار موضوع واحد من بين ثلاثة مواضيع تعرض عليه في الامتحان الوطني: سؤال إشكالي، قولة مذيلة بسرال ونص للتحليل والمناقشة.
لكن كيف يمكن لتلميذ أن يحسن الاختيار!؟
ألاحظ أحيانا أن بعض تلامذتي يخرجون من قاعة الامتحان، فأسأله عما صنع، ويلخص لي ما كتب، فأجد جوابه متواضعا وأنه اختار موضوعا ما كان ينبغي له اختياره؟ وأناقشه في الموضوع الآخر لأكتشف -دون إخباره حتى لا أحبطه- بأنه كان قادرا على الكتابة فيه بشكل جيد أفضل من ذاك الذي اختاره!!
هناك إذن اختيارات سيئة ! وأخطاء بسيطة ما كان لها أن تؤثر على سنة كاملة من الإعداد المعرفي.
رأينا في درس الحرية نوعا من الحرية يمكن تسميته الحرية العمياء: وهي حرية الاختيار دون علم! اختيار نلقيه على عاتق الصدفة والحظ ، مثل من يطلب منه أن يقول هل العملة النقدية ستسقط على الوجه أم الظهر pile ou face !!؟ إنه حر في أن يختار “وجه” أو “ظهر” ولكن هناك حقا سبب وجيه لاختيار هذا أو ذاك !!؟
لكي لاتكون حرية الاختيار يوم الامتحان حرية عمياء، ينبغي الالتزام ببعض القواعد:
القاعدة الأولى: لا تكبل نفسك.
لا أدخل قاعة الامتحان وقد قررت مسبقا وقبليا أن أكتب في القولة أو النص أو السؤال، لأن هذه أسهل من تلك كما يشاع.. بهذا القرار،إنما تُضيق الخناق على نفسك وتحرمها من حرية الاختيار؛
القاعدة الثانية: لا لرد الفعل القطيعي:
صحيح ان لدى الإنسان شيئا من “غريزة القطيع” بحيث يستشعر الأمان كلما وجد نفسه مع الجماعة: يمضي حيث يمضي الآخرون ويختار ما يختاره الآخرون. إذ حتى لو كان القرار خاطئا وأصاب اجماعة البلاء، فإن البلاء إذا عم هان! لكن هذا الانحياز إلى الجماعة لا يكون موقفا حكيما دائما! ولا يعقل أن اختار موضوعا من المواضيع الثلاثة وليكن النص أو السؤال أو القولة فقط لأن كل رفاقي في قاعة الامتحان قد اختاروا الكتابة فيه !!.
بالعكس، الامتحان شأن فردي، فيه يتقرر مصير الفرد وليس مصير الجماعة، لذا ينبغي أن اختار الموضوع الذي أراه الأسهل بالنسبة لي والملائم لكفاءاتي وقدراتي ومراجعاتي، لا ما يعتقده رفاقي سهلا وملائما
القاعدة الثالثة: قراءة المواضيع االثلاثة:
بالنسبة للمسالك الأدبية مثلا، يمنح المترشحون ثلاث ساعة، فلا بأس من تخصيص ربع ساعة الأولى لاستكشاف المواضع الثلاثة. 5 دقائق لكل موضوع
أقرأ السؤال الإشكالي، أتمعن في مفاهيميه، وأفكر في إمكانيات الجواب وما إذا كنت أملك معطيات معرفية تسمح لي بتقديم هذه الإمكانيات (مواقف فلسفية، استشهادات، امثلة..) وأدون كل ذلك على شكل إشارات مقتضبة في المسودة
أقرأ القولة ، أتمعن في مفاهيمها، والتقابلات التي تستدعيها وأحدد أطروحتها، وأسأل نفسي: هل أملك معطيات معرفية (مواقف فلسفية، استشهادات، امثلة..) تسمح لي بشرح القولة وتبرير موقفها ثم مناقشته وفحصه وأدون كل ذلك على شكل إشارات مقتضبة في المسودة
أقرأ النص وهذه هي المهمة الأصعب، أحدد المفاهيم الأساسية، وأضع افتراضا أوليا حول أطروحته، وأحسب جيدا عدد جمل النص التي أستطيع فعلا فهمها وتلك الذي لم أفهم منها شيئا. وأسأل نفسي: هل أملك معطيات معرفية (مواقف فلسفية، استشهادات، امثلة..) تسمح لي بشرح جمل النص وأفكاره وأدون كل ذلك على شكل إشارات مقتضبة في المسودة
القاعدة الرابعة: لكل صيغة ما لها وما عليها
اعلم أنه لا توجد صيغة سهلة! ليس صحيحا أن النص أسهل من القولة أو أن السؤال أسهل من النص..كلا. فلكل واحدة من الصيغ الثلاثة جوانب سهولة وصعوبة. بمعنى أن كل صيغة تمنحني شيئا وتطالبني بأشياء
ما يقدمه السؤال المفتوح: الإشكالية واضحة تقريبا وهي نفسها التي يعبر عنها السؤال
ما لا يقدمه السؤال المفتوح: لا وجود لمعارف في السؤال، عليّ بناء الأجوبة الممكنة على السؤال
ما تقدمه القولة: الأطروحة واضحة تقريبا، والمفاهيم محدودة العدد
ما لاتقدمه القولة: لا تتضمن حجاجا ولاتقدم لي معطيات معرفية لتبريرها أو مناقشتها ونقدها،
ما يقدمه النص: معطيات معرفية غنية يمثل الاشتغال عليها وشرحها نصف العرض تقريبا
ما لايقدمه النص: لايتضمن النص إعلانا صريحا عن الأطروحة، بل ينبغي استنباطها من خلال تحديد شبكة المفاهيم الأساسية في النص.
القاعدة الخامسة: الاختيار عن علم
اعود إلى الإشارات والتخطيطات السريعة التي كتبتها أثناء تمعني في المواضيع الثلاث، لأحددها لموضوع الذي أحس أنني قد فهمته جيدا ولدي معطيات معرفية كافية لمعالجته (مواقف فلسفية، استشهادات، امثلة..)
مع العلم أن تفاصيل وأفكارا أخرى لن تحضر إلى الذهن إلا بعد الشروع في الكتابة في المسودة
نصائح أخيرة: موضوع سهل وموضوع ضعب . كيف !!؟
نعلم جيدا -كمدرسين- أن أول سؤال يطرحه التلميذ على نفسه عند قراءته لنص الموضوع يوم الامتحان هو: في أي درس وربما في أي محور يتحدث الموضوع؟
لذلك نستطيع أيضا كمدرسين أن نقول
بالنسبة للنص
الموضوع الأسهل هو:
– عندما يعالج النص بشكل مباشر إشكالية سبق تناولها في الملخص، ويتضمن تقريبا فكرة واحدة يقوم يتكرارها طوال النص. (نقول عنه إنه نص يتضمن وحدة إشكالية)
وأصعب نص هو الذي يتضمن مفاهيما كثيرة متنوعة يعجز معها الذهن عن التقاط الخيط الناظم أو الفكرة العامة (مثال: أنظر النص الثاني في المسابقة الوطنية للإنشاء 2010،) أو يتضمن جملا وتعابير كثيرة نعجز عن فهمها وشرحها بأسلوبنا شخصي وضرب أمثلة لتوضيحها
بالنسبة للسؤال:
– عندما يعالج السؤال بشكل مباشر إشكالية سبق تناولها في الملخص (مثال: هل القيام بالواجب نفي للحرية؟) محور الواجب والإكراه، أليس كذلك !؟
وان أصعب سؤال هو الذي يتطلب من التلميذ:
– تفكيرا شخصيا (مثال سؤال: هل تنحصر هوية الشخص وقيمته في الجسد؟)
– التركيب بين معطيات متفرقة في عدة دروس ومجزوءات (مثال: هل يقود تطور العلوم إلى إنكار قيام حقيقة نهائية؟)
بالنسبة للقولة:
أصعب قولة هي تلك التي لا نعرف بالضبط الإشكال أو التقابل الذي يحيل عليه (مثال: “إننا لانرى العالم بأعيننا بل ننظر إليه بمفاهيمنا”)
أسهل قولة هي تلك تعالج بشكل مباشر إشكالية سبق تناوله في الملخص (مثال: لايصنع التاريخ بمعزل عن إرادة الإنسان، ومع ذلك فإنه يصنع في جزء كبير منه خارج هذه الإرادة وضدها.”) دور الإنسان في التاريخ ألس كذلك !؟
مع متمنياتي لأعزائي التلاميذ بالتوفيق
by