كل مقالات شفيق اكّريكّر

مفهوم “الحق”في درس الفلسفة-عشر سنوات من الالتباس4

مفهوم “الحق”في درس الفلسفة:عشر سنوات من الالتباس
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع

الجزء الرابع: رغم الاختلاف في التفاصيل، فإن أغلب نظريات الحق الطبيعي تنتهي إلى النظرية التعاقدية

سعينا في الأجزاء الثلاثة السابقة من هذا الموضوع إلى كشف الإلتباسات التي شابت الطرح الإشكالي وكذا البناء الإشكالي لمفهوم الحق في الكتاب المدرسي المقرر، ونحاول في هذا الجزء الرابع والأخير ان نقدم افكار الفلاسفة الثلاث : هوبز-اسبينوزا-روسو بشكل يتجاوز الالتباس وينسجم مع المعنى المتداول على اوسع نطاق لمفهوم الحق الطبيعي في أدبيات الفلسفة السياسية وبعض الكتب المدرسية الأجنبية (الفرنسية تحديدا)

اسبينوزا: الحق الطبيعي بين الطبيعة الشاملة والطبيعة الخاصة للإنسان
لو اكتفينا بنص اسبينوزا الوارد في الكتاب المدرسي نفسه: من يقرأ حديثه عن حق السمك في العوم في الماء والاستمتاع به، وعن حق كبيرها في التهام صغيرها بموجب حق طبيعي مطلق وبموجب طبيعة هذه الكائنات نفسها، سيخلص بشكل مشروع إلى أن “الحق الطبيعي” مرادف لحق القوة ولا يمكن لغير هذا الحق أن يسود بالنسبة للموجودات الطبيعية في سعيها للبقاء على وضعها بالنظر إلى نفسها فقط دون أي اعتبار لأي شيء أخر – وهو سعي منقوش في طبيعتها أيضا. ومن العبث مطالبة الموجودات الطبيعية بالعيش وفق نظام آخر، لأنها لم تختر هذا النظام المشتق حتميا من وجودها نفسه، ولذلك فمن العبث – كما يقول اسبينوزا- مطالبة القط بالعيش وفقا لطبيعة الأسد، لأن هذه المطالبة تعني انتفاءه كقط بكل بساطة!
هل يعني ذلك أن اسبينوزا يدعو البشر إلى العيش وفق هذا القانون الطبيعي، باعتبارهم موجودات طبيعية بدورهم؟
في سلسلة مقالات عن المرجعية الفلسفية لحقوق الإنسان على صفحات مجلة “فكر ونقد”، طرح محمد عابد الجابري نفس هذا السؤال وأجاب عنه كالتالي:

وهذا لا يعني أن سبينوزا يدعو الناس إلى العيش حسب طبيعتهم وحدها دون اعتبار لما تمليه عليهم عقولهم. كلا، إنه يؤكد: “أنه يظل من الصحيح دون شك أن من الأنفع للناس أن يعيشوا طبقا لقوانين عقولهم ومعاييرها اليقينية لأنها، كما قلنا، لا تتجه إلا إلى تحقيق ما فيه نفع حقيقي للبشر. وفضلا عن ذلك فإن كل إنسان يود العيش في أمان من كل خوف بقدر الإمكان. ولكن ذلك مستحيل ما دام كل فرد يستطيع أن يفعل ما يشاء وما دام العقل لا يعطي حقوقا تعلو على حقوق الكراهية والغضب. والواقع أنه لا يوجد إنسان واحد يعيش دون قلق وسط العداء والكراهية والغضب والمخادعة، ومن ثم لا يوجد إنسان واحد لا يحاول الخلاص من ذلك بقدر استطاعته”.

وبعبارة أخرى، فبجانب الطبيعة العامة للبشر التي تجمعهم ببقية الموجودات، يتوفر البشر على طبيعة ثانية تخصهم وهي الطبيعة العاقلة !
فالعقل كالشهوة والقوة كلاهما مبدآن طبيعيان أي مستمدان من طبيعة الكائن، ويمليان قواعدهما الخاصة على الكائنات، كل بحسب طبيعته.
ألم يطلق فلاسفة القرنيين 17 و 18 تعبير “النور الطبيعي” على العقل تمييزا له عن النور الإلاهي الذي تحتويه الكتب السماوية Ecritures
يقوا اسبينوزا:

” نستنتج من ذلك أن الحق و التنظيم الطبيعيين اللذين ينشأ فيهما جميع الناس ويعيشون بموجبهما طوال الجزء الأكبر من حياتهم، لا يحظران إلا ما لا يرغب فيه أو ما لا يستطيعه أحد؛ فهما لا يمنعان النزوع و لا الكراهية و لا الغضب و لا الخداع و لا أي شيء تدفع إليه الشهوة، ولا عجب في ذلك ؛ إذ أن الطبيعة لا تقتصر على قوانين العقل الإنساني الذي يعد هدفه الوحيد هو المنفعة الحقيقية و المحافظة على البشر، بل إنها تشمل على ما لا نهاية له من القوانين الأخرى المتعلقة بالنظام الأزلي للطبيعة بأكملها، التي لا يمثل الإنسان إلا جزءا ضئيلا منها”

يتضح مما سلف أن قوانين العقل الإنساني قوانين طبيعية لأنها جنس من قوانين الطبيعة التي تضم بطبيعة الحال ما لانهاية له من أجناس القوانين الأخرى. ولقد مثلت المطابقة بين قوانين العقل وقوانين الطبيعة الثورة المعرفية للقرن السابع عشر بامتياز كما يقول الجابري:

مع القرن السابع عشر أخذت الأمور تتغير: لقد قطع العلم الحديث وعلى رأسه علوم الطبيعة أشواطا جديدة تماما من التقدم والازدهار. وأصبح لفكرة “القانون الطبيعي” معنى آخر: لم تعد تعني، كما كان الشأن عند اليونان، مجرد النظام والترتيب الذين يسودان العالم، بل صار القانون الطبيعي وسيلة العقل البشري للسيطرة على الطبيعة: الإنسان هو الذي يكتشفه وهو الذي يستثمره لصالحه. العقل هو واضع القوانين، وقوانين العقل متطابقة مع قوانين الطبيعة، لأن الأمر يتعلق في الحقيقة بقانون واحد. لقد كانت الفكرة السائدة هي أن : “القانون كما هو في العقل الإلهي، يظهر في الطبيعة وفي العقل البشري معا، ولا تناقض بين الاثنين”. العقل البشري هو واضع القوانين والقيم، يكتشف قوانين الطبيعة بعقله، أو لنقل في عقله، ويحدد القيم التي يجب أن يعمل بها الإنسان وفقا لطبيعة الإنسان نفسه

علينا إذن أن نميز بين معنيين للحق الطبيعي: الأول مستنبطة مبادئه من قانون القوة السائد في الطبيعة وهو ليس شيئا آخر غير القوة بالمفهوم الذي تدرسه الفيزياء. ولعل المتأمل في عبارة اسبينوزا : ” كل شيء يحاول على قدر استطاعته البقاء على وضعه” لن يفوته أن يلاحظ بأن “البقاء على وضعه” ليست سوى تعبير آخر عن مبدأ العطالة الفيزيائي!! ؛ أما الحق الطبيعي في معناه الثاني فمستنبطة مبادؤه من قوانين العقل التي لا تأمر إلا بما فيه نفع حقيقي للبشر
ومن شأن عدم القيام بهذا التمييز أن يقودنا إلى التقابل الكاريكاتوري بين اسبينوزا (حق طبيعي=القوة) و روسو(حق ثقافي=التعاقد) وإلى عدم فهم كيف يوضع اسبينوزا بين منظري مقولة الحق الطبيعي وفكرة التعاقد التي قامت عليهما منذ العصور الحديثة فكرة حقوق الإنسان!
ومن المهم أن نلاحظ ان البشر باختيارهم العيش وفق قوانين العقل ومبادئه، فإنهم في الواقع يستمرون في العيش تحت مظلة الحق الطبيعي، ولكن بالمعنى الثاني. وفي هذه الحالة يفهم من الحق الطبيعي ذلك الحق المستمدة مبادؤه من العقل، وهو نفس المعنى الذي نجده عند كانط أيضا
لكن، ماذا يعني العيش وفق قوانين العقل؟ لايعني شيئا آخر غير تأسيس الحياة الاجتماعية على التعاقد والاتفاق على مبدأ عقلي بسيط لايمكن لأحد ان يتنصل من الوفاء به دون الوقوع في التناقض، أودون أن يبدو فاقدا للحس السليم بتعبير اسبينوزا، ومفاد هذا المبدأ العقلي: “عامل الآخرين بمثل ما تحب أن تعامل به” هذا المبدأ الذي يجعل وحده العيش المشترك ممكنا.
ومرة اخرى نكتشف تهافت التصور الذي يجعل روسو المفكر الوحيد الممثل للنظرية التعاقدية في درس الحق دون هوبز واسبينوزا !
لنلاحظ عند اسبينوز أن وصف حالة الطبيعة والحق السائد فيها يؤدي وظيفة منهجية أي أنه ليس سوى مقدمة منطقية لإعلان ضرورة التعاقد في ما يشبه الإستنباط العقلي والاستلزام المنطقي. يقول فيلسوف أمستردام:

” لنلحظ أيضا أن الناس يعيشون في شقاء عظيم إذا لم يتعاونوا، و يظلون عبيدا لضرورات الحياة إن لم ينموا عقولهم. و من ثم يظهر لنا بوضوح تام أنه لكي يعيش الناس في أمان و على أفضل نحو ممكن، كان لزاما عليهم أن يسعوا إلى التوحيد في نظام واحد، و كان من نتيجة ذلك أن الحق الذي كان لدى كل منهم، بحكم الطبيعة، على الأشياء جميعا، أصبح ينتمي إلى الجماعة”

ألا يتأسس الحق هنا في نهاية المطاف على ماهو ثقافي؟ إذا فهم من “الثقافي” تلك المبادئ والقيم التي تسفر عنها المواضعة والاتفاق داخل جماعة ما ويتواتر العمل بها واحترامها كقاعدة (ليفي شتراوس)
ولكننا قررنا كذلك سابقا أن العقل نور طبيعي ومن ثم تكون مبادئ الحق المؤسس عليه طبيعية بمعنى من المعاني؟ أليس ذلك وقوعا في التناقض؟ كلا، إذ ليس لهذا التناقض الظاهري سوى أن التقابل أو الزوج المفاهيمي: “طبيعي / ثقافي” هو تقابل مصطنع، أو لنقل بأنه قدم به في الكتاب المدرسي بشكل غير ملائم وغير وجيه (impertinent) ولا يسمح ببناء الأطروحات الفلسفية – التي يمدنا بها تاريخ الفلسفة – ضمن تصورات منسجمة ومتماسكة ،تتحاشى السقوط في الالتباس وفي التلبيس على المتعلمين !

هوبز والتمييز بين الحق الطبيعي والقانون الطبيعي
لنتأمل حالة هوبز والذي لايختلف عن فيلسوف امستردام إلا قليلا في مسعاه المنهجي لأنهما ينتميان إلى نفس الباراديغم السائد في القرن السابع عشر:
يقول هوبز:

“إن الحق الطبيعي، الذي يسميه الكتاب عادة بالعدل الطبيعي Jus Naturals معناه: حرية كل واحد في العمل بكامل قوته، وكما يحلو له، من أجل الحفاظ على طبيعته الخاصة، وبعبارة أخرى على حياته الخاصة، وبالتالي القيام بكل ما يبدو له، حسب تقديره الخاص وعقله الخاص، أنه أنسب وسيلة لتحقيق هذا الغرض”.

عند هذا الحد، سيكون هوبز فعلا منظرا ومدافعا عن التصور الطبيعي للحق باعتباره حق القوة، لو لم يكن يحرص على التمييز بين مفهومي ” الحق الطبيعي” بالمعنى السابق ذكره و ” القانون الطبيعي” الذي يعرفه كالتالي:

“القانون الطبيعي هو قانون، بمعنى قاعدة من صميم العقل البشري، يمنع الناس من القيام بما يقودهم إلى الهلاك الذي لابد أن يجرهم إليه تمسك كل منهم بحقوقه كاملة”

ويعلق الجابري على هذا التمييز المفاهيمي بالقول:

“الحق الطبيعي”، الذي تعطيه الطبيعة، يعطي الإنسان كل شيء. أما “القانون الطبيعي”، الذي يصدر من طبيعة عقل الإنسان نفسه فهو يعين ويحدد الطريقة الأكثر ملاءمة للحفاظ على الحقوق الطبيعية وعلى رأسها حق البقاء. إن العقل يملي على الإنسان فكرة على درجة كبيرة من الأهمية، فكرة التنازل عن حقه الطبيعي، الذي يعني حرية التصرف بدون قيود، والدخول مع الآخرين في حال من السلم، قوامها الكف عن الاقتتال والتحرر من الخوف. هذا التنازل عن “الحق الطبيعي” هو أساس الدولة وهو العقد الاجتماعي

هكذا، وبعد وصفه لحالة الطبيعة و” أهوالها” ينتهي هوبز إلى ضرورة التعاقد والاتفاق على “شيء ما” بدونه لاتقوم للحياة الاجتماعية الآمنة أية قائمة. نقول “شيء ما” لأن مضمون التعاقد يختلف باختلاف الفلاسفة وباختلاف تاويلات مؤرخي الفلسفة لفكر هؤلاء الفلاسفة: هناك اتفاق على صورة “التعاقد” دون “مادته”.
يقول هوبز في الفصل السابع عشر من الليفياتان:”

أتخلى لهذا الرجل او لهذه الجماعة من الرجال عن حقي في أن أفعل بنفسي ما أشاء، شريطة أن تفعل أنت الشيء نفسه. بهذه الوسيلة يكون الأفراد شخصا أو كيانا واحدا هو الدولة او الجماعة community ، ويخرج إلى الوجود هذا الليفياتان او الإله الفاني الذين ندين له بالسلام والحماية”

—-
هناك إذن عند هوبز كما عند اسبينوزا استخدام مزدوج لمفهوم الحق الطبيعي: يوضع المعنى الأول كمعطى بدئي تستنبط نتائجه الكارثية (حالة حرب الكل ضد الكل) ليحل محله المعنى الثاني كشرط لتجاوز حالة الحرب وقيام الحياة الاجتماعية
وقد أرجع الجابري هذه الإزدواجية إلى أن أوربا القرن السابع عشر شهدت تيارين في موضوع الحق الطبيعي : تيار يتخذ الطبيعة الإنسانية، وبالتالي العقل البشري نفسه، مرجعية له، وتيار يتمسك بالطبيعة بمعنى نظام الكون وقوانينه.

هل يصح بعد هذا أن نضع هوبز ضمن ” التصور الطبيعي” للحق -المختزل إلى حق القوة- ضد فلاسفة التعاقد والتأسيس الثقافي للحق؟
صحيح أن هناك من يرى في أفكار هوبز تبريرا وشرعنة وتنظيرا للحكم المطلق، ولكن حتى في هذه الحالة ألم ينجم هذا الحكم المطلق عن تعاقد؟ هل هو استمرار يستنسخ حرفيا مبدأ القوة المعمول به في حالة الطبيعة الافتراضية؟
ثم الا نعثر عند هوبز نفسه عما يمكن اعتبارها تأسيسا لفكرة المساواة الطبيعية المبدئية بين البشر، التي سيطورها مواطنه جون لوك بشكل خاص، تلك المساواة التي تحجبها المواضعات والأعراف الاجتماعية:
يقول هوبز في الفصل الثالث عشر من الليفياتان:

“لقد خلقت الطبيعة البشر متساوين إلى أبعد الحدود فيما يتعلق بقدراتهم الجسمانية والعقلية. قد نعثر أحيانا على رجل أقوى جسما من الآخرين أو أسرع بديهة وأكثر ذكاءا منهم، ولكن هذا الفرق لا يبلغ درجة تجوز له ان يدعي لنفسه امتيازا لا يحق للآخرين إدعاء مثله”

في جميع الأحوال، وكيفما كان تأويلنا للفلسفة السياسية لطوماس هوبز، فإن من الصعب أن نضع هوبز بجانب السوفسطائي غلوكون الذي يجعل سيطرة القادر على غير القادر واستئثار القوي بنصيب أكبر من نصيب الضعيف هو عين العدالة الطبيعية؛ وليس من اليسير كذلك أن ننسب له تصورا فلسفيا يتأسس الحق بموجبه على ماهو طبيعي بيولوجي، في الوقت الذي يثبت فيه إستحالة هذا التأسيس ولا يتردد في وصف وضعية الإنسان في حالة الطبيعة بالحياة البائسة، بل إن وصف حالة الطبيعة والحق الطبيعي السائد فيها إنما يقصد منه البرهنة – عند هوبز كما عند اسبينوزا – بأنه لاوجود لخير او عدالة في ذاتهما وبشكل طبيعي، وأن أفعال الإنسان لاتخضع للتقويم الأخلاقي ولايمكن ان توصف بالخير او الشر، بالفضيلة او الرذيلة إلا بعد التعاقد والاتفاق على مبادئ ومعايير التصرف والسلوك بين أفراد الجماعة
لمزيد من الاطلاع أنظر نص هوبز هنا: نص طوماس هوبز: الإنسان ذئب للإنسان

كما انه من قبيل التبسيط مقابلة حق طبيعي قائم على حق القوة بحق ثقافي قائم على قوة الحق، لسبب بسيط أن ما سمي في الكتاب المدرسي “حقا ثقافيا” يفرزه التعاقد نظريا ومثاليا وتصونه الدولة والمؤسسات عمليا ، قد لايكون سوى إحتكار للإستعمال المشروع للعنف حسب تعريف “فيبر” للدولة. وللأسف الشديد فقد ترسخ عند غالبية المتعلمين تصور تبسيطي يقضي بأن الحق الطبيعي مرادف للقوة في حين أن احترام الطبيعة النوعية الأخلاقية للإنسان لايتأتى إلا في ظل “الحق الثقافي” !!

مقولة “الحق الطبيعي” عند روسو
بقي لنا الآن ان ننظر في الفلسفة السياسية عند روسو وفي موقفه من مقولة الحق الطبيعي.
قُدِم روسو في الكتاب المدرسي في فقرة بُدأت بإعلان ” إفلاس الحق الطبيعي” والذي استنتج منه

استحالة تأسيس الحق بكيفية قبلية (؟) وتجذيره في الطبيعة وأنه لايستقيم إلا باعتبار الغايات التي يخدمها من تعايش وتعاقد وانطلاقا من الميزة النوعية للإنسان والمتمثلة في كونه حيوانا عاقلا واجتماعيا وثقافيا.

إن إدراج الطرح الروسوي بعد هذه العبارات يوحي بانه من أنصار التأسيس الثقافي للحق تأسيسا يتجاوز ما سمي “إفلاس الحق الطبيعي”.
إذا كان دفاع روسو عن فكرة العقد الاجتماعي والتعاقد كأصل للجسم الاجتماعي وللسلطة السياسية ليس موضوع خلاف، فإن وضعه خارج نظرية الحق الطبيعي يثير أكثر من علامة استفهام، خصوصا وأن روسو يصف في الكثير من نصوصه بعض حقوق الإنسان الحرية بكونها حقا طبيعيا.
كيف يمكن ان نفهم هذه العبارة الواردة في مؤلف موازي موجه للمتعلمين هو كتاب ” الكتابة الفلسفية في الامتحان الوطني للباكالوريا”، في الصفحة 45:

“أكد روسو على فكرة التعاقد رافضا كل تأسيس للحق على القوة والعنف، مثلما رفض الحديث عن حقوق طبيعية مستمدة من العقل”

إذا كان مضمون الشق الأول من العبارة غير مختلف حوله، فإن الشق الثاني لايمكن ألا يثير الإندهاش: كيف يرفض روسو الحديث عن حقوق طبيعية مستمدة من العقل؟
إذا لم تستمد من العقل، فمن أين تستمد إذن؟ من التعاقد؟ ولكن مالذي يبرر التنصيص في بنود التعاقد على حق الحرية عوض العبودية؟ مالذي يبرر التنصيص أثناء التعاقد على المساواة عوض نظام تراتبي من النوع الأرستقراطي؟ وباختصار، مم تستمد مبادئ الحق المنصوص عليها في التعاقد؟ ألم تظهر مقولة الحق الطبيعي وحالة الطبيعة المفترضة لحل هذه المعضلة الفلسفية بامتياز أي معضلة الأسس؟ والتي انتبهت إلى أهميتها مؤخرا توجيهات نونبر2006 فجعلتها الإشكالية المحورية لدرس الحق العدالة
سأكتفي بإيراد هذا الاقتباس من كتاب روسو ” أصل التفاوت بين الناس” تاركا للقارئ مهمة الاستنتاج، لأن لاشيء يمكن أن يفصح عن فكر الفيلسوف أفضل من نصوصه:

“لن أقف قط عند البحث في أن الحرية إذا كانت أشرف خصائص الإنسان، فإنه من باب تشويه الطبيعة والانحطاط إلى مستوى البهائم عبيد الغريزة، والإهانة لباري وجوده، أن يتنازل هذا الإنسان دون تحفظ عن أثمن نعم ربه ليطيع سيدا ضاريا أحمق (…)
يقول “بوفندورف” إنه كما ينقل الإنسان ملكية ماله إلى الآخرين بموجب عقود وعهود، كذلك يمكنه ان يجرد نفسه من حريته لمصلحة غيره؛ ويلوح لي ان هذا قياس فاسد، وذلك لأن المال الذي اتنازل عنه يصبح غريبا عني ويغدو سوء استعماله أمرا لايعنيني، ولكن مما يهمني ألا يساء استعمال حريتي، ولايكمنني أن أكون أداة لجريمة أرغم على اقترافها وأنا عبد مملوك دون ان أتحمل وزر ذلك. وزد على ذلك : فإنه لما كان حق الملكية ليس سوى نتيجة عهود ومما أنشأه الناس، فإن كل إنسان يمكنه ان يتصرف فيما يحوزه كما يطيب له، ولكن الأمر مختلف في ما يتعلق بهبات الطبيعة الجوهرية مثل الحياة والحرية اللتين يباح لكل إنسان التمتع بهما (…) لأن التنازل عن أحدهما أيا كان الثمن هو إهانة للطبيعة والعقل. ولكن على افتراض إمكان تصرف الإنسان في حريته كما يتصرف في ماله، فإن الفرق يظل بينا جدا في ما يتعلق بالأولاد الذين لايتمتعون بمال أبيهم إلا بانتقال حقه إليهم، بينما أن الحرية لما كانت هبة من الطبيعة قد وهبت لهم لكونهم بشرا، فليس لآبائهم أي حق في تجريدهم منها (عن طريق بيعهم)… والفقهاء الذين قضوا بكل وقار بأن ولد العبد يولد عبدا، كأنهم قضوا بأن الإنسان لايولد إنسانا !”

يتبين إذن أن القول برفض روسو الحديث عن حقوق طبيعية مستمدة من العقل هو قول يصعب الدفاع عنه أمام ما تنطق به نصوص فيلسوف جنيف نفسه
كما يتبين أيضا أن معارضة هوبز واسبينوزا بروسو على محور طبيعي/ثقافي تبدو معارضة فيها الكثير من التكلف والاصطناع، الذي حاول البرنامج الجديد نونبر2006 التخلص منه. وذلك لأن التعارض الأساسي في إشكالية الحق لايقوم بين الأساس الطبيعي (القوة) والأساس الثقافي(التعاقد) بل بين مقولتي الحق الطبيعي والحق الوضعي، من حيث ان الأولى تؤسس الحق على ماهية او طبيعة إنسانية كونية او مبادئ عقلية سابقة على ظهور المجتمع ومستقلة عن الخصوصيات الثقافية، بينما ترفض الثانية -كما عند هتنز كيلسن – هذا التأسيس بدعوى ميتافيزيقيته لتجعل من الملابسات التاريخية وموازين القوى داخل تشكيلة اجتماعية معينة الأصل الموضوعي والنسبي والقابل للمعاينة لكل مبادئ الحق
وبعبارة أخرى، فالتقابل، عند النظر في إشكالية الحق، لا يقوم بين الطبيعة والثقافة أو بين الهمجية والحضارة، بل يقع التقابل في قلب الثقافة والحضارة نفسها: فهذه المؤسسات ، مم تستمد شرعيتها؟ وهذه والقوانين المكتوب منها وغير المكتوب مم استنبطت ؟ علام أعتمد المشرعون في وضعها؟ هل يمكن أن تشرعن القوانين الوضعية ذاتها بذاتها؟ وتؤازر بعضها بعضا أو تحيل على نفسها بشكل دائري؟ وفي هذه الحالة كيف يمكن المقارنة والمفاضلة بين الأنظمة القانونية كما تساءل كل من هانز كيلسن وليو ستراوس؟ أوليست الحق السائد في ظل الثقافة وحالة الاجتماع مجرد استمرار للهمجية والعنف والقوة بشكل مقنع ومقنن codifié

Facebooktwitterredditmailby feather

مفهوم “الحق”في درس الفلسفة-عشر سنوات من الالتباس3

مفهوم “الحق”في درس الفلسفة:عشر سنوات من الالتباس
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع

الجزء الثالث: المعنى الغائب لمقولة ” الحق الطبيعي”

لابد من التنويه بداية بأن التصور الجديد لدرس الحق كما هو وارد في التوجيهات التربوية الجديدة الخصة بالسنة الثانية (نونبر2006) قد تدارك الأمر ورفع الالتباس جزئيا بأن جعل المحاور المقترحة كالتالي:
– الحق بين الطبيعي والوضعي
-العدالة كأساس للحق
– العدالة بين المساواة والانصاف
كما أن الإشكالية الأساسية أصبحت هي:
مشروعية قواعد الحق التي تنظم الحياة داخل مجتمع ما

لكننا الآن بصدد المقرر “القديم”…
قبل أن يفسح الكتاب المدرسي المجال للوضعية القانونية لتنتقد فكرة الحق الطبيعي، كانت هذه الأخيرة قد جردت فعليا من أية قيمة عند مقابلتها سابقا بمقولة “الحق الثقافي”!!ء
وهناك مفارقة صارخة. تتمثل في ان الكتاب المدرسي اورد بالفعل نصوصا تقدم تصورا واضحا لمقولة الحق الطبيعي ، ويتعلق الأمر تحديدا بنص لـــ شيشرون ص185 و آخر لــــ ستراوس ص193، ولكن العرض المؤطر للدرس تجاهل هذين النصين وأغرق مقولة الحق الطبيعي في جدال عقيم مصطنع مبني حول التعارض حق طبيعي/حق ثقافي. والأدهى من ذلك ان يتم توظيف النصين المذكورين بعد ذلك ضمن محور/إشكالية ” الحق بين الإلزام والالتزام”!!ء

يحدد الكتاب المدرسي الدلالة الأولى “للطبيعة” و ” الطبيعي” من حيث هي مكون لماهية الإنسان كعضوية يشترك فيها مع سائر الحيوانات، وتبعا لذلك كمجموعة من القوى العمياء: غرائز ونزوات..”ء
ومن المنطقي أن يخلص الكتاب المدرسي إنطلاقا من مثل هذا التعريف وبعد صفحتين من التحليل إلى حدود وتناقض فكرة الحق الطبيعي، وإلى إفلاس القول بــ “الحق الطبيعي” القائم على المقومات الجسدية للفرد
وأن الحديث عن الحق لايستقيم إلا انطلاقا من الميزة النوعية للإنسان والمتمثلة في كونه حيوانا عاقلا واجتماعيا.. وثقافيا
ليس هناك اعتراض على التعريف أو الفهم السابق للطبيعة، وصحيح أن الكتاب المدرسي يذكر مرتين أن في أساس كل حق مدني يوجد حق طبيعي محايث لذات الإنسان…، ولكن كيف تم التوصل إلى هذه الخلاصة انطلاقا من التحليل السابق الذي اختزل الطبيعي في البيولوجي؟ و هل يحتاج الأمر فعلا إلى ثلاث او أربع صفحات لإتثبات استحالة تأسيس الحق على الطبيعة بمعنى القوة والعنف والاندفاع؟ ألم نهمش الدلالة الأخرى، الدلالة الأهم لمفهوم “الطبيعي” في عبارة ” الحق الطبيعي” ألا وهي الطبيعي بمعنى المستقل والسابق على الثقافة والمواضعة، ماهو كوني، مايشتق من طبيعة الشيء، ما ينبغي أن يتمتع به الإنسان لمجرد كونه إنسانا بغض النظر عن ملابسات المواضعة الثقافية

ذلك هو المعنى الذي عبر عن منذ القديم شيشرون ، و الذي يمكن ان نقرأه واضحا في النص النص المذكور أعلاه. يقول شيشرون:

لايوجد عبث أكبر من الاعتقاد بأن كل ماهو منظم بواسطة المؤسسات أو قوانين الشعوب عادل (…)ولو كانت إرادة الشعوب ومراسيم الرؤساء وأحكام القضلاة تحدد الحق ، لكان كافيا التصويت على إعطاء المشروعية للزنا واللصوصية وتزوير الوصايا وقبولها من قبل الجمهور لتصبح حقا(…) فلكي نميز قانونا حسنا عن آخر قبيح، لانتوفر على قاعدة غير الطبيعة

ذلك أيضا هو المعنى الذي يشدد عليه – في الفلسفة المعاصرة – ليو ستراوس في كتابه “الحق الطبيعي والتاريخ”. يقول ستراوس في نصه المذكور أعلاه:

“إن رفض الحق الطبيعي يعني ان كل حق فهو وضعي، وبعبارة أخرى أن الحق من وضع المشرعين ومحاكم مختلف البلدان دون سواهم. ومن البدييهي ان يكون معقولا تماما وأحيانا من الضروري الحديث عن قوانين وقرارات جائرة, وإقرار مثل هذه الأحكام يلزمنا بإقرار وجود معيار لما هو عادل ولما هو ظالم يكون مستقلا عن الحق الوضعي ويسمو عليه: معيار يمكن بواسطته تقييم الحق الوضعي”

ومن المهازل التي ترسخت بالتقادم وانتشرت بسبب الكسل المعرفي، أن تصدر رغم هذا النص الصريح مجموعة من المؤلفات الموازية الموجهة للمتعلمين تنسب إلى ليو ستراوس رفضه لمقولة الحق الطبيعي!!!وربما صنف ضمن التيار الوضعي..

نقرأ في “Encyclopedia Britanica” مايقلي:

“يشير الحق الطبيعي في الفلسفة إلى الحق والعدالة التي لاتستثني أي فرد من النوع البشري والمشتقة من الطبيعة لا من قواعد المجتمع أو القانون الوضعي”

.
وتبدأ هذه الموسوعة البريطانية في عرضها لمقولة الحق الطبيعي بالفلسفة اليوناننية، مرورا بآباء الكنيسة وصولا إلى تعريف Grotius الأب الفعلي للنظرية في شكلها المعاصر والذي يؤكد على ” أن صلاحية الحق الطبيعي تظل قائمة، حتى لو افترضنا عدم وجود إلاه أو عدم مبالاته بشؤون البشر”
وتتابع الموسوعة قائلة:

” يقف هوبز وغروثيوس على رأس مايعرف بمدرسة الحق الطبيعي التي حاولت- في إطار المنحى العام لفلسفة الأنوار – أن تشيد نسقا حقوقيا كاملا مستنبطا عقليا من حالة طبيعة مفترضة أعقبها تعاقد اجتماعي”

ونقرأ أيضا في معجم لاروس للفلسفة ص:72 تحت مادة “حق” :

” يتقابل الحق مع الواقعي تقابل المشروع مع الأمر الواقع، ونميز بين الحق الطبيعي الذي تنتسب إليه كل النظريات التي تؤسس العلاقات الإنسانية على طبيعة الإنسان وميولاته وتطلعاته الوجدانية (روسو، فيخته) مع الحق الوضعي القائم على التقاليد والأعراف والقوانين المكتوبة”ء

بيد أن الكتاب المدرسي لايكتفي بتجاهل هذه الدلالات الأساسية لمقولة الحق الطبيعي، ولا يقف عند حد مقابلة ما يسميه “التصور الطبيعي” بــ “التصور الثقافي” على النحو الذي ذكرنا، بل يعمق الالتباس المفاهيمي فيضيف حدا ثالثا هو “التصور التعاقدي”، قبل أن يضع كل هؤلاء مقابل التصور الوضعي كما يمثله “كيلسن” والمدرسة الوضعية القانونية
لكننا بيننا سابقا بأن مايسمى “التصور الطبيعي” – وبالمعنى الذي قدم به للمتعلمين كحق القوة والغرائز العمياء -لايشير إلى موقف فلسفي أو حتى وجهة نظر داخل الفكر السياسي، فما من أحد تجرأ على الزعم بأن الحق يتأسس أو ينبغي أن يتأسس على القوة الصرفة العارية من كل تبرير ثقافي.
يبدو انه قد حدث في الكتاب المدرسي انزياح دلالي خفي من “حق القوة” إلى “الحق الطبيعي”. بالنسبة للحد الأول، فقد بين روسو جيدا ان فكرة “حق القوة” فكرة متناقضة على المستوى المنطقي و عارضة زائلة على المستوى الواقعي. ولكن روسو يستخدم مع ذلك كما سنرى لاحقا مقولة “الحقوق الطبيعية” ويستخدم نعت ” طبيعي” لوصف حقوق أساسية محايثة لماهية الإنسان لايتصور تجريده منها !!! فهل وقع روسو في التناقض؟؟!!

بعد هذا التوضيح لدلالة “الحق الطبيعي” التي تم تغييبها في درس الحق، لأسباب ايديولوجية ربما، سنحاول أن نفهم كيف نُسِب إلى كل من هوبز واسبينوزا تصور فلسفي يؤسس الحق على ماهو طبيعي بمعنى العنف والعدوان والقوة؟
الحقيقة أن ما كان عند هوبز واسبينوزا مجرد استنباط عقلي من حالة مفترضة، هي حالة الطبيعة، بما هي حالة زائلة ومدعوة إلى الزوال، وضرورة زوالها هي مقدمة منطقية للبرهنة على ضرورة التعاقد في المرحلة اللاحقة كمصدر وحيد لشرعية التنظيم الاجتماعي والسلطة السياسي، كل هذا تحول في الكتاب المدرسي إلى نظرية فلسفية قائمة توضع في مقابل نظريات أخرى. والحال كما نقرأ في
Encylopedia Universalis
تحت مادة ” حق طبيعي”، :

“تنحدر بالتدريج فعالية الحق الطبيعي، المحدد بقدرة ورغبة الفرد، إلى الدرجة الصفر بسبب حالة الصراع المعمم واللاستقرار والخوف التي ينشرها، وهنا يلتقي هوبز واسبينوزا: إذ لايمكن تصور الحق الطبيعي عندهما إلا داخل فضاء أسطوري، فضاء متخيل أكثر منه واقعي”

سنحاول، في الجزء التالي، أن نسلط بعض الضوء على الفلسفة السياسية لكل من هزبز واسبينوزا وروسو ومشكلة تصنيفها
يتبع…

Facebooktwitterredditmailby feather

مفهوم “الحق”في درس الفلسفة:عشر سنوات من الالتباس2

مفهوم “الحق”في درس الفلسفة:عشر سنوات من الالتباس
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع

الجزءالثاني: مقولتا “الحق” و “الحق الطبيعي” كما تمت معالجتهما في بعض الكتب المدرسية

قبل الخوض في المشروعية الفلسفية للتقابل الذي أقامه الكتاب المدرسي المقرر بين تصور كل من هوبز واسبينوزا من جهة و روسو من جهة أخرى، لابأس أن نعرض في البداية لنماذج من المعالجات التي خضعت لها مقولة الحق الطبيعي في بعض الكتب المدرسية مركزين بالخصوص على كتابين مدرسيين فرنسيين و ثالث مغربي.

1/

أما الكتاب المدرسي الفرنسي الأول فهو:
Parcours philosophiques, Terminal A, Nathan 1985
تأليف
Denis Huisman et autres

يقسم الدرس في هذا الكتاب عادة إلى أبواب تابثة:
pre-texte == استهلال
extrait === مقتطفات
grand texte === نصوص أساسية
leçon === الدرس

في هذا الكتاب، قدمت مقولة الحق الطبيعي على النحو التالي:

تحت باب الاستهلال :

يفتتح الدرس (الصفحتان 376 و 377) باعلان “حقوق الانسان والمواطن” للثورة الفرنسية،
مع تعليق تتخلله جملة من الأسئلة. نلخص كل ذلك كما يلي:
-من خلال ديباجته التي تستوحي نظرية الحق الطبيعي ومن خلال بنوده السبعة عشر، يكون هذا الاعلان قد حدد أهم حقوق الانسان وحقوق الأمة (…)

ثم نقرأ أسطرا بعد ذلك:
– هل الحق نقيض القوة؟ ألا يمثل بالأحرى أحد ادواتها؟

ومن خلال استعراض مختلف التناقضات التي واجهها إعلان الثورة داخليا (تعارض مصالح طبقات المجتمع الفرنسي)وخارجيا (الموقف من الرق وكونية الحق)، يطرح الكتاب الأسئلة التالية:

هل الحق طبيعي أم نتاج لمواضعة؟ هل تنحصر قيمته بالنسبة لمجتمع معين؟ أم أن هناك قانونا عادلا وأزليا تحاول القوانين الوضعية محاكاته بدرجات نجاح متفاوتة؟
ويضيف الكتاب:
– ينص إعلان 1789على أن حقوق الانسان طبيعية مقدسة وغير قابلة للتفويت، وإذا لم تكن الجمعية الوطنية تدعي بهذا الإعلان، اختراع حقوق، بل مجرد الكشف عنها و ونزع ماتراكم فوقها بسبب النسيان والجهل والاهمال،، فلأن المؤتمرين يستوحون روسو وايديولوجية الحق الطبيعي: من حيث أنهم ينيطون بالمشرع مهمة الاهتداء بالقانون الطبيعي الذي ليس شيئا آخر غير القانون الذي يمليه العقل. ومما ينص عليه هذا القانون العقلي- في المقام الأول – أنه لاحق لأحد بموجب الطبيعة في حكم شخص آخر أو السيطرة عليه

أما تحت باب ّنصوص أساسية”، فقد أورد الكتاب المدرسي المذكور نصا أساسيا بالفعل لصمويل بوفندورف من كتابه ” واجبات الانسان والمواطن”، وعلى هامشه ثمان فقرات قصيرة من الكتاب نفسه لإضاءة النص المركزي
وقد قدم الكتاب لكل ذلك على النحو التالي:

مثل باقي منظري مدرسة الحق الطبيعي، يقول الفقيه الألماني صامويل بوفندورف بوجود “قانون طبيعي سابق على كل المواضعات الخاصة” وبهذا المعنى ستكون منهجية البحث عقلية مثالية صرفة، لأن اكتشاف هذا القانون الطبيعي يتم من خلال التأمل في مكونات الطبيعة الانسانية
ومن أجل تصور القوانين أو العقد الاجتماعي الذي سيختاره البشر لو استرشدوا بالعقل وحده، يتخيل بوفندورف – شأنه في ذلك شأن غروسيوس، هوبز،لوك، روسو،…إلخ – حالة طبيعة سابقة على حالة الاجتماع، حيث يفترض أن الناس عاشوا بدون أي نوع من المؤسسات

أما تحت باب “الدرس” فقد تناول الكتاب المدرسي مفهوم الحق من خلال ثلاث محاور:الحق والأخلاق-الحق الطبيعي والحق الوضعي- الحق والسياسة

2/

أما الكتاب المدرسي الفرنسي الثاني فهو:
philosophie, Terminal A et B, Hatier 1989
تحت إسراف
Laurence HANSEN-LOVE et Florence KHODDES .

وقد تناول هذا الكتاب مفهوم الحق عبر المحاور التالية:
-ما هو حق وماهو فعلي واقعي؛
-حق القوة: حيث تمت الإحالة على كاليكليس وميكيافيلي والنقد الروسوي المعروف؛
-تعدد وتعقد مصادر الحق والتشريع؛
-القانون كقاعدة للحق؛
-القانوني والمشروع؛
– “بأي حق؟” وفي هذا المحور بالضبط نعثر على مقولة “الحق الطبيعي”.
يقول الكتاب:
” عند تصديهم لمشكلة المرجعية والتأسيس، صاغ الفلاسفة مفهوم الحق الطبيعي، ووضعوه مقابل الأنساق الاصطناعية النسبية للحق الوضعي (…) وقد شكل مفهوم الحق الطبيعي دعامة لكل الحركات الاحتجاجية ضد الانظمة القائمة (…) وهذا ماعبرت عنه ديباجة إعلان 1789 (…)

ولم يفت مؤلفي هذا الكتاب المدرسي الإشارة إلى:

” أن مفهوم الحق الطبيعي مفهوم إشكالي، فكبير الأسماك محتم عليها بحكم الطبيعة أن ياكل صغيرها (…) كما قال اسبينوزا، فهل هذا هو الحق الذي ندعي تأسيسه؟ ألا يجدر بنا أن نقول مع كيلسن بأننا لانقبل بوجود معايير محايثة للطبيعة إلا إذا جعلنا هذه الأخيرة محلا لإرادة إلاهية”

3/

أما الكتاب الثالث فهو كتاب مغربي يحمل عنوان ” دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان” أصدرته وزارة التربية الوطنية بالاشتراك مع وزارة حقوق الإنسان، وقد صدر عن مطبعة المعارف الجديدة، بدون تاريخ

رب معترض يقول: بأن ” الدليل المرجغي..” ليس “مرجعا ” فلسفيا ! نعم، ولكنه دليل أصدرته نفس الوزارة التي أصدرت الكتاب المدرسي وكلا الكتابين موجهان للمتعلم ويطمحان في المساهمة في تكوين النشء في نفس المجال ” حقوق الإنسان”.

يقول هذا الدليل في الصفحة 137:
وأصحاب الإتجاه العقلي في مدرسة ( الحق الطبيعي) وضعوا نصب أعينهم تخليص الفلسفة السياسية من تأثير الكنيسة الكاثوليكية وكذا تأسيس الحق على الإرادة والعقل البشريين. كما أنهم جميعا تقريبا يقولون بفكرة العقد الاجتماعي بل إن أصحاب المدرسة التعاقدية ( هوبز – لوك -روسو) قد استعاروا منهم الكثير من الأفكار. ولعل هذين الاتجاهين يلتقيان في جعل العقل أساس الحق، وفي إفساح المجال للإرادة والفعل البشريين، وكذا في تأسيس كل من السلطة واللمجتمع على أساس التعاقد”

أما في الصفحة 135 فنقرأ:
” وبغض النظر عن الفروق التي تفصل بين رواد نظرية العقد الاجتماعي (بوفندورف- هوبز-لوك-روسو)، فإن بالامكان إبراز بعض السمات المشتركة (…)”ء

4/ خلاصة عامة:

أين هو إذن التعارض المزعوم بين حق طبيعي، حيواني، مختزل إلى حق القوة وحق ثقافي، إنساني؟
أين نعثر على ذلك التأويل الذي انفرد به الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة، والذي تم بموجبه إعلان “إفلاس مقولة الحق الطبيعي” لصالح “حق ثقافي” ؟
ألا نلاحظ أن قيمة مقولة الحق الطبيعي في الفلسفة السياسية لاتدرك إلا بوضعها في تقابل مع أو على ضوء نظرية الحق الإلاهي أولا، ثم على محك الحق الوضعي، وكذا تيار الوضعية القانونية ممثلا في هانز كيلسن؟
هذا ما سنفصل فيه القول في الجزء الموالي من بحثنا

Facebooktwitterredditmailby feather

مفهوم “الحق”في درس الفلسفة-عشر سنوات من الالتباس1

مفهوم "الحق"في درس الفلسفة:عشر سنوات من الالتباس
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع

الجزء الأول: من المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسية: مخاطر الالتباس

تحاول هذه المقالة أن تقف – من خلال مثال ملموس- عند إشكالية " وضع المعرفة الفلسفية داخل الدرس الفلسفي"

بشيء من الكاريكاتورية الدالة، يمكن أن نزعم بأن كل ما يبقى عالقا بذهن المتعلم من نظرية الحق الطبيعي الثورية هي صورة (وفكرة) الأسماك الكبيرة وهي تلتهم الأسماك الصغيرة الواردة في الصفحة 175 من الكتاب المدرسي للفلسفة، السنة الثانية من الشعبة الأدبية!! بالإضافة إلى فكرة أخرى، مجردة وغامضة، عن الإلزام والإلتزام…

عند نقل المعرفة من المستوى " العالٍم" إلى المستوى " المدرسي"،تحدث بالضرورة أشكال متعددة من التبسيط والاجتزاء والتقطيع وإعادة بناء وترتيب للمتن المعرفي موضوع " التحويل الديداكتيكي". ولاشك ان كل مادة دراسية تعالج مشاكل التحويل بطريقة الخاصة، بيد أن التحويل الديداكتيكي في مادة الفلسفة بالذات يواجه اكثر من غيره تحديات ومحاذير كثيرة بسبب شساعة وتنوع المتن المعرفي الممتد دياكرونيا عبر تاريخ الفلسفة الطويل وسانكرونيا غبر التنوع الهائل للمذاهب والأنساق الفلسفية، يضاف إلى ذلك تعدد القراءات والتأويلات التي يخضع لها المذهب الفلسفي الواحد
نود في هذه المقالة أن نسلط الضوء على حالة " تحويل ديداكتيكي" أفضت طوال عشر سنوات – وهي مدة المقرر الدراسي الذي انتهى عمره الافتراضي هذه السنة – أفضت إلى التباسات بل وتناقضات معرفية كثيرة، حرمت الفلسفة من الاطلاع الفعلي بوظيفتها التنويرية كأحد الفضاءات المتميزة للتربية على القيم، كما فوتت على المتعلمين فرصة الخروج بتصور للحق، واضح ومفيد من وجهة نظر أخلاقيات المواطنة،

يتعلق الأمر بدرس الحق وهو الدرس الثامن في ترتيب الدروس التي يحتويها الكتاب المدرسي للسنة الثانية من سلك الباكالوريا، هذا الكتاب المدرسي الذي ينفرد عن غيره من الكتب المدرسية – الفرنسية تحديدا والتي كثيرا ماحاكى تصوراتها وترسيماتها وطريقة بنائها الإشكالي في الكثير من الدروس – انفرد عنها هذه المرة بتقديم تصور فلسفي للحق وبالأخص لمقولة " الحق الطبيغي" ،نجمله في ما يلي:
"الحق الطبيعي، كما نجده عند كل من هوبز واسبينوزا، هو ذلك الحق الذي لايراعي من الماهية الإنسانية سوى بعدها البيولوجي الحيواني أي الأهواء والغرائز ، وبناءا عليه لابد من تجاوزه بحق ثقافي يستحضر، هذه المرة، المكون العقلاني والأخلاقي كالذي عبر عنه روسو
على الأقل هذا ماانعكس بشكل مرآوي في التآليف الموازية التي تملأ الأسواق وكذا في الملخصات المدرسية التي يمكن للمرء أن يعاين صداها وهو يقوم بتصحيح اوراق المترشحين القادمة بالضرورة من مدن أو مناطق أخرى
لن يفوت القارئ الحصيف طرح الأسئلة التالية:
هل فعلا يؤسس كل من هوبز واسبينوزا الحق على ماهو طبيعي (المختزل هنا إلى القوة !) في مقابل روسو الذي يؤسسه على ماهو ثقافي (أي التعاقد)ء؟
هل يطابق هوبز واسبينوزا بين الحق الطبيعي وحق القوة والعنف والعدوان؟ والأخطر من ذلك هل ينظران لهذا الحق ويثمنانه ويرفعانه إلى مستوى المرجعية والمثل الأعلى مثلما يرفع روسو العقد الاجتماعي إلى مقام المثل الأعلى والفعل المؤسس للحق؟
ألا تنسحب عبارة "فلاسفة الحق الطبيعي" على روسو مثلما تنسحب على هوبز واسبينوزا ؟ وبالمقابل ألا ينسحب تعبير " فلاسفة العقد الإجتماعي" على هوبز واسبينوزا مثلما ينسحب على روسو؟

ومن أجل استحضار الوزن الحقيقي لمقولة الحق الطبيعي وقوتها النظرية في تاريخ الفلسفة السياسية، وكذا قوتها التحريضية الاحتجاجية في التاريخ السياسي، من خلال تصدرها لأكثر من إعلان من إعلانات حقوق الإنسان، هل ينبغي أن نقابل الحق الطبيعي بالحق الثقافي؟ أم بالحق الإلاهي اولا ثم بالحق الوضعي ثانيا؟ وإلا كيف نفهم النقد الموجه لمقولة الحق الطبيعي من طرف الوضعية القانونية؟

يتبع…

Facebooktwitterredditmailby feather

تفاصيل تحليل النص في القسم نصا هيغل ولوك

تحليل نصي لوك وهيغل- إشكالية مشروعية الدولة وغاياتها

solderreading

أقدم لكم في مايلي تجربة فصلية تتمثل في الاشتغال على محور/إشكالية مشروعية الدولة وغاياتها
يتعلق الأمر "تجربة فصلية"، والمقصود بذلك أن غايتي لا تنحصر في مقاسمتكم أيها الزملاء تحليلي للنص فقط ، بل طريقة اشتغالي على النص داخل الفصل، ومن ثم إثارة بعض المشكلات التي تعترضنا فعليا وواقعيا أثناء هذاالإشتغال.
بعبارة أخرى، لم أشأ أن أقاسمكم النتيجة، بل السيرورة والمخاض أيضا .. وهذا ما نفتقده في التبادلات التي تحدث بين الزملاء.. وليس ديداكتيك الفلسفة في النهاية سوى علما يشتغل على سيرورات التحويل والتدريس..

المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها
إشكالية المحور: مم تستمد الدولة مشروعيتها؟ ما لذي يمنح للدولة مشروعية الوجود، ومم تستمد مشروعيتها في ممارستها لسلطتها؟ لنطرح السؤال بصيغة أكثر جذرية: لِم الدولة؟ ومادامت الكثير من القيم والممارسات تستمد مبرر مشروعيتها من غايتها، فهل يمكن أن نلتمس في غايات الدولة مصدرا من مصادر مشروعيتها؟
ملاحظة: التزاما بمبدأ الوضوح مع الذات ومع التلاميذ، ينبغي تنبيه هؤلاء إلى ضرورة التمييز بين مشروعية الدولة و مشروعية النظام السياسي، مخافة أن تؤدي حصة الفلسفة إلى "تضليلهم" من خلال صرفهم عن الإشكالات الفعلية للراهن ، من حيث أن جل النقاشات الحالية والفعلية إنما تدور حول مشروعية نظام سياسي ما يملك مقاليد السلطة (مشروعية ديموقراطية، مشروعية صناديق الاقتراع، مشروعية ثورية، مشروعية تاريخية..) وليس حول مشروعية الدولة كمجموعة أجهزة تمارس سيادة ضمن مجال ترابي محدد، ولكن لا بأس: مادام المنهاج يقول مشروعية الدولة، فلتكن مشروعية الدولة !! :icon_biggrin: ومبرر ذلك شمولية الخطاب الفلسفي الذي يتناول ما هو كلي (الدولة) بخض النظر عن الخصوصي (هذا النظام السياسي أو ذاك)

الأطروحات الفلسفية المتحاورة: في تاريخ الفلسفة، تتوزع التصورات بشأن مشروعية الدولة وغاياتها ما بين نسقيين فكريين كبيرين: يمنح النسق الأول الأولوية للفرد ، وهو ما يعطينا متلف التيارات الليبرالية، بينما يحرص النسق الثاني على الجماعة ممثلة في الدولة بدءا بأفلاطون وصولا إلى ماركس مرورا بهيغل..

1- التصور الليبرالي التعاقدي لمشروعية الدولة وغاياتها
استثمار نص جون لوك (نعم، استثمار وليس تحليلا بمعنى الدراسة المنظمة. وعليه سنكتفي بالبحث في النص عن موقف أطروحة فلسفية بصدد الإشكال المطروح)
النص:
يبدو لي أن الدولة جماعة من الناس تكونت لغرض وحيد هو المحافظة على خيراتهم المدنية وتنميتها. وأنا أقصد بـ "الخيرات المدنية" الحياة، الحرية، سلامة البدن وحمايته ضد الألم، وامتلاك الخيرات الخارجية مثل: الأرض، النقود و‏المنقولات. .الخ. وواجب على الحاكم المدني أن يؤمن للشعب كله، ولكل فرد على حدة – بواسطة قوانين مفروضة بالتساوي على الجميع – المحافظة الجيدة وامتلاك كل الأشياء التي تخص هذه الحياة. وإذا أراد أحد انتهاك هذه القوانين على الرغم مما هو مسموح به وشرعي فإن تجرؤه ينبغي أن يقمع بواسطة الخوف من العقاب، والعقاب هو حرمانه من كل أو بعض هذه الخيرات التي كان من حقه، بل من واجبه، أن يتمتع بها لو لم يفعل ذلك. لكن وبما أنه لا أحد يرضى بإرادته عن حرمانه من جزء من خيراته و بالأحرى من حريته أو حياته فإن الحاكم مسلح بقوة مكونة من القوة المجتمعية [ من الأفضل القول: مسلح بالقوة المجتمعة لكل الرعايا le magistrat est armé de la force réunie de tous ses sujets ] لكل الأفراد من أجل معاقبة من ينتهكون حق الغير.
‏ويبدو لي. .أن اختصاص الحاكم يقتصر فقط على هذه الخيرات المدنية وأن حقوق السلطة المدنية تنحصر خصوصا في المحافظة على تلك الخيرات، وتنميتها خصوصا دون غيرها، ولا ينبغي أو لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمتد إلى نجاة النفوس. لأنه لا الحاكم المدني، ولا أي إنسان آخر، مكلف برعاية النفوس
المصدر: لوك، رسالة في التسامح (ضمن الكتاب المدرسي منار الفلسفة أدبي ص 128)

مفاهيم النص: (سيتم تعريف بعض هذه المفاهيم سياقيا، أما بعضها الآخر والذي يشكل – للأسف – مفتاح فهم النص فلابد فيه من معارف خارج-نصية)
الدولة: (حسب النص) جماعة من الناس تكونت لغرض وحيد هو المحافظة على خيراتهم المدنية. من تعريف الدولة، يستشف المذهب التعاقدي لصاحبه، فالدولة عقد أبرمه أفراد لحماية خيراتهم.
الخيرات المدنية: تنقسم (حسب النص) إلى خيرات :الحياة والحرية وسلامة الجسد من الأذى، وخيرات خارجية هي المنقولات والممتلكات. الفرق بينهما أن الأولى محايثة للذات بينما الأخرى موضوع تملك وتبادل وتجارة. وحيث أنه لم يسم النوع الأول من الخيرات المدنية، يمكننا تسميته –في إطار كفاية المفهمة- خيرات "ذاتية" (يبقى السؤال مطروحا لم سماها خيرات مدنية!؟ ومنه المفهوم التالي:
الحاكم المدني: (ذهب الكثير من التلاميذ إلى أن المدني هنا مقابل للعسكري :icon_biggrin: ، فرد البعض الآخر بان هذا التفسير غير مقنع، لأن هذا الحاكم سيصبح "مسلحا" :icon_rambo: إذا تابعنا قراءة النص! لنقل إن الحاكم المدني هو ممثل السطلة العليا في الدولة المكلف بتطبيق أهم بنود العقد: المحافظة على الخيرات المدنية للأفراد، والتصدي لكل اعتداء عليها. وهناك اقتران بين صفته ذه والصفة التي منحت للخيرات
التساوي: تأكيد على مبدأ المساواة بين الأفراد المبرمين للعقد
امتلاك: تشديد على حق الملكية بشكل متكرر
الحاكم مسلح: يبدو إذن أنه ليس مجرد حاكم "مدني" بالمعنى الذي فهمه التلاميذ :icon_scratch: ! فسلطة تنفيذ بنود العقد مؤازرة بقوة هي حصيلة اتحاد قوى الأفراد (يقول لوك في مكان آخر: في حالة الطبيعة لا يملك الفرد سوى قوته الخاصة، لكنه يملك في حالة الاجتماع قوة الجميع)
رعاية النفوس، نجاة النفوس: لم يفلح التلاميذ نهائيا في التفطن للمقصود من هذا المفهوم ! وأنىّ لهم ذلك إذا كان مؤلفو الكتاب المدرسي أنفسهم لم يبرهنوا حقا على فهمهم إياه كما يتضح من الخطاطة التي دبجوا بها كتابهم في الصفحة 131 !
المقصود بذلك نجاة النفوس salut des âmes من الضلال ومن الشقاء الأبدي في الآخرة، أي أن هداية النفوس إلى العقيدة الدينية الصحيحة أو القويمة ليس من اختصاص السلطة المدنية، بل هو شأن خاص فردي لا يدخل ضمن نطاق التعاقد. وإذا كانت لها من علاقة فهي ضمان حرية الاعتقاد والضمير والحيلولة دون انتهاكه من طرف الغير
وعليه فــ "المدني" هنا لا يقابل "العسكري" بل "الديني"، ومنه حديثنا عن زواج ديني يعقد في الكنيسة وآخر مدني يعقد في البلدية.

أطروحة النص: تتحدد مشروعية الدولة انطلاقا من الغاية التي أنشئت من أجلها ألا وهي الحفاظ على الخيرات المدنية من حياة وحرية وملكية دون المساس بالعقيدة الدينية.

الممتع في الحصة: :icon_biggrin:
الممتع في نظري هو الأثر الذي تتركه المعارف الفلسفية لدى المتعلم ! أي قدرتها على استفزازه ومخاطبة عالمه الذهني أو الوجداني لبيتفاعا معها بصدق وعمق
الممتع هنا تعليقان:
أحدهما لتلميذ: "لكن الدولة في المنظور الإسلامي مطالبة برعاية النفوس ومحاربة المبتدعين!" وما لبث النقاش أن أفضى إلى: أن المقصود هو منعهم من إثارة الفتنة الاجتماعية وليس إرغامهم على اعتناق عقيدة معينة ! إذ لا معنى لأن ترغم من يعتقد أن الملائكة المرافقين للإنسان إثنان إن كان هو يعتقد أنهم ثلاثة !
أضاف صاحب التعليق أن الحاكم في دولة إسلامية قد يلجأ الحالكم على التدخل في خلاص النفوس بطريقة غير مباشرة من خلال بناء المساجد..
والتعليق الثاني لتلميذة:
لماذا يقول لوك: "وإذا أراد أحد انتهاك هذه القوانين على الرغم مما هو مسموح به وشرعي فإن تجرؤه ينبغي أن يقمع بواسطة الخوف من العقاب، والعقاب هو حرمانه من كل أو بعض هذه الخيرات التي كان من حقه، بل من واجبه، أن يتمتع بها لو لم يفعل ذلك."
كيف لا يكون التمتع بالخيرات حقا فقط بل واجبا؟ كيف يمكن أن يكون تمتعي بحريتي أو بحياتي واجبا وليس مجرد حق!!؟ هل أنا مرغم وملزم بالتمتع بها مثلا؟ :icon_scratch:

سياق النص:
لم أجد داعيا للتذكير بالسياق التاريخي النص قبل الانتهاء من الاشتغال على النص، حتى لا أؤثر على هذا الأخير فيغدو مجرد تحصيل حاصل. أي مجرد تعرف على ما نعرفه "حول النص"
والهدف من التذكير بسياق النص هو بيان كيف أن الفلسفة ليست سوى خلاصة روحية لعصرها، وأن تفلسف الفيلسوف لا يبتغي في النهاية سوى قراءة الواقع وتحليله، وليس التحليق في سماء المجردات !!
يتثمل سياق النص في الحروب الدينية التي مزقت أوروبا عامة وانجلترا خاصة منذ حركات الإصلاح الديني، لذلك فتصور لوك لغايات الدولة ولمجال سيادة السلطة المدنية إنما يهدف إلى تكريس التسامح والسلم المدني/الاجتماعي

تطوير أطروحة النص
الغرض من هذه الفقرة هو تأويل أفكار النص في اتجاه يمكننا -وبنوع من السلاسة – من الانفتاح على الموقف المقبل لهيغل الذي يتلخص في أن " الفرد لا يملك من الحقيقة ولا من الموضوعية ولا من الأخلاق إلا بمقدار ما هو عضو في الدولة"
يمكن أن نستنبط من اطروحة لوك مايلي:
أ- الفرد مقدّم على الدولة
ب- تستمد الدولة مشروعيتها من غايتها المتمثلة في حماية الخيرات المدنية للأفراد
ج- الدولة مجرد وسيلة
الخلاصتان أ و ب تضعان لوك أيضا ضمن التصور الليبرالي للدولة

يطرح فهم بعض نصوص هيغل مشكلات عويصة، وفي عرضي التالي لتتمة تجربتي الفصلية ستجدون الدليل الملموس على صعوبة نصوص هيغل كما ستجدون محاولة واجتهادا لتذليل هذه الصعوبات

1- التصور الكلياني لمشروعية الدولة وغاياتها
استثمار نص هيغل (نعم، استثمار وليس تحليلا بمعنى الدراسة المنظمة. وعليه سنكتفي بالبحث في النص عن موقف أطروحة فلسفية بصدد الإشكال المطروح)

النص
إذا قمنا بالخلط ين الدولة والمجمع المدني، وإذا ما حصرنا مهمة الدولة في حماية الملكية والحرية الشخصيتين، ‏تغدو عندئذ مصلحة الأفراد من حيث هم أفراد الغاية القصوى التي اجتمعوا من أجلها ‏ومن تم أصبح الانتماء إلى الدولة أمر اختياريا. غير أن علاقة الدولة بالفرد مختلفة عن ذلك تمام الاختلاف ما دامت الدولة هي الروح الموضوعية، أما الفرد في حد ذاته فليس له من الموضوعية ولا من الحقيقة ولا من الأخلاق إلا بمقدار ما هو عضو في الدولة. إن الاجتماع في ذاته لهو نفسه المحتوى الحقيقي والهدف الحقيقي، ذلك أن مصير الأفراد يتمثل في أن يحيوا حياة جماعية. وكل مسراتهم الشخصية الأخرى ووجوه النشاط وأنماط السلوك تبدأ من فعل جوهري وكوني وتنتهي إليه.
وعند فحص هذا المفهوم في حد ذاته كان لروسو فضل وضع مبدأ لأساس الدولة: مبدأ لا يقوم على الشكل فحسب، بل يقوم كذلك من حيث وجوده في الفكر، بل هو الفكر من حيث هو إرادة. غير أنه بتصورنا للإرادة في شكلها المحدد كإرادة فردية، ‏وبتصورنا للإرادة العامة، ‏ليس كما هو الأمر بالنسبة لما هو عقلي في ذاته ولذاته، بل كإرادة مشتركة ناتجة عن مجموع الإرادات الفردية الواعية، ‏يصبح حينئذ تشارك الأفراد في الدولة تعاقدا أساسه إرادتهم العفوية ورأيهم بمثابة انتماء صريح ومباشر.

المصدر: هيغل، مبادئ فلسفة الحق (ضمن الكتاب المدرسي منار الفلسفة أدبي ص 130)

التمهيد للنص (ضرورة الربط، أثناء الانتقال من موقف لآخر)
كنا قد انتهينا في الحصة السابقة، إلى أن مشروعية الدولة مستمدة من غايتها التي وجدت من أجلها ، ألا وهي حماية الخيرات المدنية للأفراد الذاتية والخارجية، مع تشديد خاص على الملكية والحرية بما فيا حرية الضمير أو المعتقد..
حاولت أن أمهد لموقف هيغل بإثارة تساؤل مفاده: إذا كانت الدول ذات النظام أو الأيديلوجية الليبرالية تنتسب إلى لوك، فما هو يا ترى النسب أو التبرير الفكري للدول ذات المنحى الكلياني بدءا من النازية وصولا إلى دول المعسكر الشرقي سابقا؟ هل يعقل ان يستمد الكل (الدولة) مبدأه ومشروعيته من الجزء (الفرد)؟

إصلاح الترجمة:
أول ما لفتت إليه عناية التلاميذ هو إصلاح خطأ في الترجمة لن يزيد نص هيغل إلى غموضا ينضاف إلأى غموض الفكر الهيغيلي نفسه: يتعلق الأمر بجملة: ‏ومن تم أصبح الانتماء إلى الدولة ميسرا
والصواب بالرجوع إلى الأصلين الفرنسي والانجليزي هو: ‏ومن تم أصبح الانتماء إلى الدولة أمر اختياريا.
المقصود أمرا غير ضروري غير حتمي، غير جوهري، يمكن الاستغناء عنه

مقتطف من النص المقتطف:
أول تعنيف مارسته على النص هو الاستغناء عن شقه الثاني والاكتفاء بالشق الأول المكتوب بخط غليظ! بدا لي أن وقت الحصة ومعرفتي بفلسفة هيغل ومستوى استيعاب التلاميذ لاتسمح مجتمعة بالاشتغال عليه، بل لربما ستزرع بعض التشويش في أذهان التلاميذ فتبدد النزر اليسير الذي أريد لهم أن يستوعبوه بخصوص موقف هيغل من الإشكال الذي يشغلنا
أول سؤال وجهت إلى التلاميذ هو: تبدأ الفكرة الأولى في النص مع بدايته ولكن أين تنتهي بالضبط؟ :icon_scratch:

تعلمات منهجية: كفاية القراءة، أين تبدأ الفكرة وأين تنتهي؟
الغرض من السؤال هو تنمية كفاية من كفايات القراءة وهي تقطيع نص طويل إلى وحدات معنى أو أفكار بشكل سليم وتجنب بتر الأفكار أو شرح جمل لم يكتمل معناها،أي التقطيع السيئ للنص الذي يحرف المعنى بل ويقلبه أحيانا.
المستهدف أيضا هو تدريب التلاميذ وتنبيههم إلى أننا في "تحليل النص" لا نهدف إلى تحليله بمعنى تفتيته، بل النفاذ إلى أجزائه والنظر في العلاقات بينهما من أجل بناء معنى النص. ووحدات بناء معنى النص هي الأفكار وليس الجمل في حد ذاتها.
ما حدث، أن التلاميذ لم يتأخروا في إمدادي بالجواب (الصحيح) ولم أكتف بتلقي الجواب، بل إستفسرتهم عن علة الجواب، وتوصلنا إلى أن ما يحد بداية ونهاية فكرة ما داخلالنص هي اروابط المنطقية.. وكتبت جمل الفكرة الأولى على السبورة مبرزا أدوات الربط المنطقي بلون مغاير لندرك حركية الفكرة وهي تتشكل وتكتمل وكذا وحدتها العضوية. كالتالي:

الفكرة الأولى:
إذا قمنا بالخلط ين الدولة والمجمع المدني، وإذا ما حصرنا مهمة الدولة في حماية الملكية والحرية الشخصيتين، ‏تغدو عندئذ مصلحة الأفراد من حيث هم أفراد الغاية القصوى التي اجتمعوا من أجلها ‏ومن ثم أصبح الانتماء إلى الدولة أمر اختياريا. غير أن علاقة الدولة بالفرد مختلفة عن ذلك تمام الاختلاف ما دامت الدولة هي الروح الموضوعية، أما الفرد في حد ذاته فليس له من الموضوعية ولا من الحقيقة ولا من الأخلاق إلا بمقدار ما هو عضو في الدولة.

الاشتغال الصوري على النص:
بدأت مع التلاميذ اشتغالا صوريا على هذه الفقرة، بمعنى أننا لم نشغل أنفسنا كثيرا بمدلول الوحدات الجزئية والمفاهيم داخل هذه الفكرة بل بشكل بنائها ورصفها
إذا قمنا بالخلط ين الدولة والمجمع المدني —> افتراض أول، فكرة مطروحة على سبيل الافتراض. سنعرف إن كان افتراضا على سبيل الجدل (لنفتر ض جدلا) أم افتراضا من أجل الإثبات. (طبعا يطرح التلاميذ سؤالا مكتوما: مامعنى الفصل بينهما وما المجتمع المدني؟ :icon_scratch: )
وإذا ما حصرنا مهمة الدولة في حماية الملكية والحرية الشخصيتين. —> افتراض ثان ينضاف إلى الافتراض الأول. هنا ينتبه قسم كبير من التلاميذ إلى أن هيغل يلمح إلى تصور لوك الذي تعرفنا عليه سابقا.
تغدو عندئذ مصلحة الأفراد من حيث هم أفراد الغاية القصوى التي اجتمعوا من أجلها. —> استنتاج. النتيجة المترتبة عن الافتراضين: يصبح الفرد غاية، والدولة وسيلة.
‏ومن ثم أصبح الانتماء إلى الدولة أمر اختياريا. —> استنتاج ثان من الاستنتاج الأول. سيصبح الانتماء إلى الدولة غير ضروري. لماذا؟ لا نعرف بعد!. :icon_scratch:
غير أن علاقة الدولة بالفرد مختلفة عن ذلك تمام الاختلاف —> عندما نصل إلى الاستدراك (غير أن، لكن، بيد أن، والواقع..) نعلم أننا قد بلغنا منتصف الفكرة !! رفض كل الافتراضات السابقة ونتائجها. علاقة الدولة بالفرد ليس علاقة وسيلة بغاية.
ما دامت الدولة هي الروح الموضوعية. —> تفسير أو بالأحرى تعليل تفيد تقريبا معنى "لأن" . الدولة هي الروح الموضوعية. يمكننا هنا أن نستنتج "صوريا" أن الفرد هو الروح الذاتية. ولكن –سأل التلاميذ مباشرة- ما معنى الروح الموضوعية؟ :icon_scratch:
أما الفرد في حد ذاته فليس له من الموضوعية. —> تستخدم "أما" في معرض المقابلة بين مختلفين. هنا تأكدنا أن الفرد يمثل الذاتية ويحصل على من الدولة على "الموضوعية" وعلى أشياء أخرى.

الفكرة الثانية:
إن الاجتماع في ذاته لهو نفسه المحتوى الحقيقي والهدف الحقيقي، ذلك أن مصير الأفراد يتمثل في أن يحيوا حياة جماعية. وكل مسراتهم الشخصية الأخرى ووجوه النشاط وأنماط السلوك تبدأ من فعل جوهري وكوني وتنتهي إليه.
استنبطنا من الفكرة الأولى في النص لو بشكل غامض أن هيغل يقدم الدولة على الفرد. نلاحظ أن الفكرة الثانية ليست سوى توكيدا وتطويرا للفكرة الأولى:
إن الاجتماع في ذاته لهو نفسه المحتوى الحقيقي والهدف الحقيقي. —> توكيد. "الاجتماع في ذاته" رأينا في مناسبات كثيرة في دروس سابقة أن "في ذاته" تستعمل لما ينبغي أن يعتبر في ذاته بغض النظر عن علاقته بغيره. مثلا: للشخص قيمة في ذاته. الاجتامع إذن غاية في حد ذاته. كيف؟ لا نعرف بعد! :icon_scratch:
ذلك أن مصير الأفراد يتمثل في أن يحيوا حياة جماعية. —> وجد التلاميذ صعوبة في فهم "مصير".. لا أعرف إن كانت الترجمة موفقة، المقصود به قدرهم، غايتهم المرسومة سلفا وحتميا. الحياة الاجتامعية في ظل الدولة ليست مرة أخرى أمرا اختياريا، ل ضروريا لا يمكن تصور خلافه.
وكل مسراتهم الشخصية الأخرى ووجوه النشاط وأنماط السلوك تبدأ من فعل جوهري وكوني وتنتهي إليه. —> معطوفة على ماسبق. ماهو شخصي يبدأ مما هو كوني وينتهي إليه؟ كيف؟ لا نعرف بعد! :icon_scratch:

تعلمات منهجية: أنظروا !هذا مثال لما هو مطلوب منكم في الامتحان: لا نحلل الحجاج كأدوات معزولة عن المضامين الفكرية !!
سأحرص الآن على أن أبين للتلاميذ أن الاشتغال على الجانب الحجاجي او على البنية المنطقية للنص، اشتغال لا نفصل فيه بين ماهو منطقي استدلالي صوري وبين مادة التفكير أي الأفكار والمفاهيم التي يجري ربطها منطقيا والاستدلال عليها حجاجيا !. إذا كان صاحب النص يفترض: فماذا يفترض؟ وبهدف ماذا؟ إذا كان يعلل، فماذا يعلل؟ وكيف أن ما قدمه كان تعليلا بالفعل.؟ في كل مكان ، قلنا فيه: "كيف؟ لا نعرف بعد!" ينبغي الآن أن نعود إليه لنملأ الفراغ.

خلاصات أولى: ينتقد هيغل هنا التصور التعاقدي الليبرالي لأن يجعل الدولة مجرد وسيلة لخدمة الفرد وحماية حريته وملكيته. وهي اقيم التي شدد عليها لوك في النص المدروس سابقا.

من الصورة إلى المادة: الاشتغال على المفاهيم
في الواقع لم ننفذ بعد إلى مضمون النص. ولو كتب لي أحدكم مثل الكلام السابق في تحليل نص في وضعية الاختبار، فستساورني شكوك من مدى فهمه الفعلي للنص؟ لذلك فالوقوف عند البنية المنطقية والجانب الحجاجي ينبغي ان يزدوج بالاشتغال على المفاهيم
الروح الموضوعية: قمت هنا باستثمار مكتسبات التلاميذ من درس التاريخ (محور: دور الإنسان في التاريخ): الروح عدن هيغل ليست أرواحنا التي بين جوانحنا، بل ذلك المبدأ العقلي المثالي التي يحل في الأشياء والتاريخ، ويحدد نمط تطورها وتغيرها وغاياتها (يمكننا فهم هذه الروح على أنها الإرادة الإلاهية). رأينا في درس التاريخ: أن أبطال التاريخ ليسوا سوى أدوات يحقق من خلالها الروح المطلق ذاته. الدولة إذن هي هذه الروح وقد اتخذت طابعا موضوعيا (مقابل ذاتي فردي شخصي)
المجتمع المدني: المشكلة هنا أن التلميذ قد تعرف معي في بداية مجزوءة السياسة على التمييز بين لمجتمع المدني والمجتمع السياسي (الدولة وبصفة عامة الطبقة السياسية المكونة من الحاكمين الفعليين ومن الأحزاب الساعية بدورها إلى السلطة). فماذا يقصد هيغل برفضه للخلط بين المجتمع المدني والدولة؟
هنا لابد من معلومات خارج-نصية: فالمجتمع المدني عند هيغل هو كما شرحناه في بداية المجزوءة، إضافة إلى ما يلي: إنه الإطار الذي يتم داخله الإنتاج والتبادل الاقتصاديين وإشباع الحاجات الفردية، بني أفراد أو جماعات مستقلة متنافسة. والمجتمع المدني هو اللحظة الثانية التي يمر منها لفرد بعد الأسرة التي هي وحدة طبيعية تقوم على الثقة بين أعضائها، وهي وحدة معطاة نشعر بها بدلا من أن نتصورها ولا نكاد نفكر فيها: فتحت عيني فوجدت أبي وأمي وإخوتي..
والآن بأي معنى يخلط التعاقديون –في نظر هيغل- بين الدولة والمجتمع المدني؟ عندما يجعلون لهما نفس الهدف. وعندما يجعلون الدولة منبثقة من عقد ابرمه أفراد المجتمع. وكأن المجتمع يفرز الدولة أو أنه استمرارية له أو ساعدها التنظيمي…
الغاية القصوى: الغاية النهائية: غاية الغايات. هناك غايات متعدة ولكن الغاية التي تنحو نحوها مختلف الغايات هي الفرد من حيث هو فرد أي من حيث هو ذاتية. (في الواقع لم تتضح الفكرة بعد…)
لا أخلاق للفرد إلا من حيث هو عضو في الدولة: عن طريق الدولة يجاوز الفرد مستوى أفكاره ورغباته الشخصية ووجوده المحض الذي يسميه هيغل الروح أو العقل الذاتي، ويأخذ مكانته في العالم، فيتعلم بوصفه مواطنا ما هو معقول في رغباته، وهذه مرحلة الروح الموضوعي.
لا تستطيع الأخلاق التي تسعى إلى الكلية أن تصبح فعلية إلا بتجسدها في مؤسسات وقوانين كلية لا تخاطب الفرد في خصوصياتها بل كعنصر ضمن كل. واحترام الفرد لهذه القوانين يجعل منه مواطنا مجبرا على مراعاة المصلحة العامة، كما يجاوز الفرد أنانيته البدائية في إخلاصه للدولة. مثلا: إجباره على الانخراط في الجيش دفاعا عن الوطن، التضحية بحياته، والتخلي عن اهتماماته الضيقة: مهنته أو تجارته أوأسرته…
إضافة وجدتها لاحقا بعد انتهاء الدرس: فيلسوف فيثاغوري على أحد الآباء عندما سأله عن أفضل طريقة لتربية ابنه تربية أخلاقية فأجابه: اجعله مواطنا في دولة ذات قوانين صالحة!!

خلاصات ثانية: أطروحة النص وجوابه على الإشكال
تستمد الدولة مشروعيتها إذن ليس من الفرد بل من ذاتها، لأن وجودها وجود ضروري بوصفها اللحظة الموضوعية للوعي أو الروح. وغاياتها غايات أخلاقية، روحية، ومن صفاتها الكلية والضرورة. وليس الفرد غير وسيلة تتحقق من خلالها إرادة الروح، بيد أن هذه الإرادة لا يمكنها أن "تستعمل" الأفراد كأفراد، كشتات، كذاتيات، وأهواء ومصالح متناقضة.. بل كمواطنين وأعضاء في دولة.

الترابط بين المجزوءات والدروس:
– يبدو أن الروح المطلق الذي يتحقق عبر مسيرة التاريخ، إنما يتحقق من خلال عظماء وأبطال، أي من خلال دول. لم يكن هؤلاء الأبطال سوى زعماء لهذه الدول. (في نص درسناه في درس التاريخ، يستشهد هيغل بأمثلة الإسكندر، قيصر، نابليون وكلهم رجال دولة)
– يجعل هيغل قيمة الشخص/الفرد مستمدة من الدولة أي نسبية وليست مطلقة: لا حقيقة له إلا بوصفه عضوا..
هنا عدنا إلى درس الشخص، محور قيمة الشخص.. وسجلنا في الهامش هذه الفكرة، مضافا إليها قولة هيغل: " لا يكتسب الأفراد قيمة إلا عندما يمتثلون لروح شعوبهم… إن قيمتهم الأخلاقية تكمن في سلوكهم امتثالا للواجب"

سياق النص:
لننزع عن الأفكار الفلسفية طابع التجريد، لابد من ربطها أحيانا بالسياقات التاريخية التي أنتجتها. وإلا لن نفهم، لماذا يحشد لوك حججا لدعم تصور ليبرالي للدولة، ويحشد هيغل حججا لدعم تصور كلياني؟
يفسر بعض المؤرخين أولية الدولة عند هيغل بالإضافة إلى أولية لكل على الجزء، إلى واقع التخلف الذي عانته دولته ، ألمانيا مقارنة بجارتيها فرنسا التي أنجزت ثورتها السياسية وبريطانيا التي أنجزت ثورتها الصناعية وثورتها السياسية (السلمية) أيضا. ربما اعتقد هيغل أن خلاص ألمانيا يتمثل في دولة قوية وزعيم يدرك غاية التاريخ ووجهته، يوحد الجموع المشتتة ويصهرها في كلية، على غرار ما فعل نابليون، الذي شاهده هيغل يدخل مدينة Iéna يينا الألمانية، متقدما جحافل جنده، فوصفه: بـ "روح العالم وقد امتطت حصانا"!!

الممتع في الحصة:
-استطاع التلاميذ ان يفهموا على ضوء موقف هيغل طبيعة الكثير من الدول التي توصف بالكليانية، كما استحضروا معارفهم في مادة الاجتماعيات حول التصور الهيتلري لدولة يصبح فيها كل فرد لولبا في جسم الآلة الكبيرة. لامكان فيه للعاجزين.
-تساءل تلميذ ساخرا عن التناقض بين ما يقوله هيغل وما نشاهده في بعض الأفلام المصرية حيث نقرأ في أقسام الشرطة لافتة مكتوبا عليها: الشرطة (يعني الدولة) في خدمة الشعب… دولة هيغيلية بشعار لوكوي (نسبة إلى لوك) :icon_tongue:
– بما أنني ألححت على أن الفلسفة ليست في النهاية سوى الخلاصة الروحية لعصرها، وأن الفيلسوف إنما يعبر عن "الحياة" وليس عن أي شيء آخر، عن موقفه من الحياة ومن العصر والمجتمع… تساءلت تلميذة: فما الفرق إذن بينه وبين الشاعر؟ فقد رأينا في مادة اللغة العربية أن أبا نواس يعبر عن مرحلته وطرفة بن العبد عن عصره وكذلك أحمد شوقي..
وكانت فرصة للتذكير من جديد بـ "خصوصية" الخطاب الفلسفي: تعبير عن الذاتية. نعم. ولكن بلغة مفاهيمية، تستهدف الإقناع العقلي وليس التأثير الوجداني… عندها فاجأني تلميذ وهو يفتح الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة مشيرا إلى قصيدة لأحمد شوقي (ص 116، منار الفلسفة-أدبي) !! فاتفقنا على أن ن التفلسف ليس حكرا على الفلاسفة بالمعنى التقني، :icon_biggrin: ولذلك يمكنهم كتلاميذ أن تتفلسفوا ! وأن من الممكن أن نجد شيئا من التأمل الفلسفي في أجناس أدبية أخرى، بل حتى في السينما وخير دليل على ذلك الأفلام التي أشاهدها بمعيتكم من حين لآخر !!
 

أسدلنا الستار ! وهذه كواليس المسرحية:

مدة الإنجاز في القسم :ساعة ونصف ! تم استثمار كل هذا الوقت بكثافة ومتعة، وكأننا في عرض مسرحي توحد فيه الجمهور مع الممثل وتوحد الممثل مع دوره. وهذه المتعة هي التي أغرتني بمقاسمتكم التجربة
مدة كتابة وتحرير هذا المقال: قرابة ثلاث ساعات.. مع توقف من حين لآخر… (لا يدخل في حساب ذلك الوقت المستغرق لتنسيقها وتلوين الجمل والكلمات.. إلخ)
مدة تنسيقها وتلوينها: 45 دقيقة
المراجع: لم أعتمد في ما كتبته أعلاه على الذاكرة وحدها، بل على دفتر التلميذ بالدرجة الأولى، ذلك أنني عمدت إلى تصوير (فوطوكوبي) صفحتين من دفتر أحد التلاميذ لغرض كتابة هذه المشاركة. وطبعا أحصل على دفتر تلميذ من كل قسم في نهاية السنة، واحتفظ به لأستفيد السنة المقبلة من "تجربتي الفصلية" ولأعتمد عليه كجذاذة عوض الجذاذة الرسمية، لأن الدفتر هو مدونة يومية Journal لمراحل الإنجاز الفعلي للدرس في أدق تفاصيله (بالنقطة والفاصلة !!)
سر أخير: :icon_biggrin: :icon_redface:
حين بدأت تحرير هذه المشاركة، كنت أقول لنفسي: ولكن ما عساي أحدث به زملائي!؟ فالحصة لم تشهد ما يستحق النشر والاقتسام. ولكن بعد انتهائي من تحريرها الآن، تبنين لي الآن أنها انطوت على ما لم أستطع إدراكه حدسيا في الفكرة ذاتيا إلا بعد أن تموضعت أمامي الآن !! وفي هذا درس هيغيلي: إن الفكرة أو الروح لا تدرك نفسها إلابعد أن تنفض unfolding se deployer وكأنها ورق مطوي لاينكشف حجمه ومداه وأبعاده ومحتوياته إلا بعد فضه !!
وإذا بدا عرضي لتجربتي أعلاه عرضا "هيغيليا" عقلانيا منظما تمضي فيه الفكرة بثبات وصرامة عبر مراحل الجدل نحو غاية مرسومة سلفا، فالذنب ليس ذنبي بل ذنب العقل أي اللوغوس أي الخطاب المكتوب !! أما الخطاب الشفوي أي الدرس الحي، فلم يخل من منعرجات، وقفزات، ونكوص وطرق مسدودة و.. قهقهات :lol:

Facebooktwitterredditmailby feather

منزلة ” الوضعية المشكلة” في الكتاب المدرسي

منزلة “الوضعية المشكلة في الكتاب المدرسي أو في شروط الوضعية المشكلة ووظائفها البيداغوجية

أخدت بيداغوجيا الوضعية-المشكلة تتبوأ شيئا فشيئا مكانة مهمة داخل بنية الكتب المدرسية الجديدية لمادة الفلسفة، لمواكبة التغييرات التي طرأت على المناهج الدراسية والتوجهات التربوية العامة كما وردت في الكتاب الأبيض. وسنتوقف هنا عند تجربة كتاب “في رحاب الفلسفة” على أساس أن نستخلص منها ما يمكن أن يساهم في التحديد الدقيق لخصائص ووظائف الوضعية-المشكلة في درس الفلسفة

ماليس وضعية مشكلة:
بذل مؤلفوا الكتاب المدرسي (رحاب الفلسفة) بدون شك جهودا محمودة في إخراج كتاب مدرسي يراعي شكلا ومضمونا المستوى المعرفي والخصائص السيكلوجية للذين يتوجه إليهم الكتاب، ويقطع مع تصور “الأبراج العاجية” التي تمترس خلفه سلفه السابق ؛ بيد أنهم سقطوا -فيما يتعلق بالوضعية المشكلة – في نوع من التنميط الذي لامبررر له:
فقد اختزلت الوضعيات المشكلة المستهلة للدروس في صيغة نصية “عالمة” تمثلت في مقتطفات من كتب تنتمي إلى سجلات أدبية وجمالية تحتاج بدورها إلى “توسط” بيداغوجي لفهمها من قبل المتعلمين واستيعاب دلالاتها فما بالك بإدراك الاستشكالات الثاوية خلفها: إن نصوص جبرا ابراهيم جبرا ومحمد برادة وخليل المرابط وأحمد عيدون الباحث في التراث، تعني الشيء الكثير للمطلع، ولكنها “لاتقول” شيئا لمتعلمين مبتدئين، خصوصا وأنها ليست نصوصا للتحليل ترد كمثيلاتها أثناء البناء الإشكالي للمفهوم. حيث يفترض التوقف عندها وتقريب دلالاتها من أفهام المتعلمين
ومن واقع تجربتنا الفصلية المتواضعة، نستطيع أن نزعم انها لاتضع المتعلم في أية وضعية مشكلة حقيقية، ومقلقلة تستنفر مداركه وتعلماته السابقة، وتدفعه إلى الإنخراط الفعال في عملية التعلم الذاتي بحثا عن حلول للوضعية.. وبالمقابل فإن نص السفير-الرحالة ادريس العمراوي مثلا حيث يصف بكل اندهاش “البابور” أي القطار البخاري أثناء رحلته إلى باريز حوالي سنة 1867 – هذا النص يثير بالفعل نواة وضعية مشكلة لأن بإمكان المتعلم أن يتمثل الموقف ويضع نفسه مكان سلفه , وهو وفي وضعية “صدمة التقنية”!
مواصفات الوضعية المشكلة:
إن المستهدف بيداغوجيا من الوضعية المشكلة، وبكل بساطة، هو أن “تضع” المتعلم “في مشكلة” !
ولن يتأتى ذلك مثلا بنص جبرا ابراهيم جبرا وهو يصف تجربة وجودية رفيعة ينذر أن يعيشها المتعلم على الأقل بالألفاظ التي قدمت بها في النص؛ صحيح أن نص برادة يقدم تجربة “طازجة” من تجاويف الذاكرة حيث يمتزج الحنين إلى الأم بصور إيروسية، ولكن ماهي الوضعية المشكلة المقلقة والمحرجة هنا؟
إن وضعية مشكلة في الرياضيات لن تكون سلسلة معادلات رياضية عددية، وإنما على سبيل المثال، مشكلة البقال وهو يحاول أن يقسم شيئا بين زبونتين؛ وفي حصة للفيزياء عن الكتلة الحجمية، لن تكون الوضعية-المشكلة نصا من كتاب نيوتن بل وضعية نريد ان نعرف فيها الحليب المغشوش من الخالص!
أريد ان أخلص من كل ما سبق إلى انه لابد للوضعية-المشكلة:

  • أن تكون أولا – “وضعية” أي موقفا أو تجربة حياة يمكن للمتعلم بكل يسر أن يدركها في كليتها وأن يختبرها أو يتماهى مع صاحبها، وليست تأملات لأن التأملات خلاصة تجربة وليست تجربة في بعدها الخام الأول au premier degré
  • – أن تكون ثانيا “مشكلة” أي أن تكون إما مأزقا منطقيا (مفارقة) أو مأزقا سيكلوجيا (حيرة وإحراج) يطرح نفسه بإلحاح بحيث لايمكن للتلميذ ان يتخد إزاءه موقف اللامبالاة، بل يسارع إلى الانخراط في لعبة البحث عن الحل!
    ولاشيء يشحذ همة الفكر ويزعجه ويوقظه من سباته ونزوعه التلقائي إلى الكسل واللامبالاة أفضل من المفارقات والمواقف المحرجة.
Facebooktwitterredditmailby feather

الوضعية المشكلة في تدريس الفلسفة: مدخل نظري

مدخل نظري (يمكنك أيضا الإنتقال إلى النماذج التطبيقية مباشرة)

problematicSitution
ننطلق في هذه الوضعيات التعليمية المقترحة من إعتبارين أحدهما بيداغوجي يهم عملية التعلم والآخر ديداكتيكي-فلسفي يقترن بطبيعة التفكير الفلسفي نفسه.

  • فأما الإعتبار البيداغوجي فيتجلي في أهمية المعنى داخل فعل التعلم: فما لم يدرك التلميذ معنى ودلالات التعلمات فإن دافعية التلقي والإستيعاب تتضاءل ناهيك عن قدرته على التعلم الذاتي أو الإبداع: فالذات المتعلمة تبحث دائما عن نسق تفسيري يناسب الأسئلة المطروحة عندها أساسا وليس “الأسئلة المثارة –في أحسن الأحوال- عبر خدع بيداغوجية قد تدفع التلميذ إلى مواجهة جهله”، لكنها لا تولد لديه أسئلة حقيقية نابعة من انتظاراته الخاصة. إن دور المدرسة يصبح بهذا المعنى هو إثارة الدهشة والتساؤل لدى التلاميذ وذلك انطلاقا من ربطهم بمعارف حية يجدون فيها إجابات عن حيرات وأسئلة يحسون أنها نابعة من حياتهم. إن المعنى الذي نعطيه للمعارف – نحن الكبار وخصوصا المدرسين – نابع من علاقة خاصة بالمادة المعرفية، علاقة نسجت عبر تاريخ شخصي طويل من الدرس والتحصيل، فتحولت إلى علاقة عشق أو “إدمان”!! ولذلك فليس من المستغرب ألا يتطابق بالضرورة معنى المادة المعرفية لدينا مع المعنى الذي قد تكتسبه المادة المعرفية بالنسبة للتلميذ ، هذا إن اكتسبت فعلا معنى ما !! وحدهم المتعلمون يمكنهم إعطاؤها معانيهم الخاصة ويكيفونها مع انتظاراتهم، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا باستثمار هذه العلاقة الخاصة وتهيئ المتعلم ضمن وسط مساعد ومحرك للرغبة والدهشة وعبر برامج ووضعيات تترجم حقيقة ما يحتاج إليه التلاميذ ويحفزهم على العمل والإبداع (1) وإذا مااستثنينا قلة من التلاميذ الذين تجمعهم علاقة خاصة بالمعرفة بحيث تبدو لهم منشودة ومطلوبة لذاتها بسبب تاريخهم الخاص أو ثقافتهم الأسرية التي قد تثمن المعرفة لذاتها، هل يستطيع غالبية المتعلمين أن يمنحوا المعنى لمعارف تقدم لهم كنتائج نهائية مطلوبة لذاتها وليس كتجربة إنسانية نتجت عن مخاض من الأسئلة والدهشة ومغامرة البحث والرغبة في الفهم؟ لايعني ذلك إنتهاء دور الأستاذ كأحد مصادر المعرفة أو أن التلميذ مدعو أو قادر بطرقة توليدية على بناء صرح المعرفة الفلسفية من ألفه إلى يائه!!، بقدر مايعني أن تقدم له المعرفة في الوقت الذي يطلبها ويحس فعلا بالحاجة إليها من أجل فهم وضعية أو حل مشكلة.
    وبعبارة أخرى، هل أخلق لدى اللميذ رغبة حقيقية وصادقة في المعرفة عندما أدعوه في بداية الدرس إلى استعراض تمثلاته حول اللغة أو البحث عن الدلالة المعجمية للحق، في غياب وضعية مشكلة أو قضية ملحة ذات معنى ودلالة تبرر اللجوء إلى مثل هذه الأبحاث، بإعتبارها وسائل وليس غايات؟
  • أما الإعتبار الثاني فذو طبيعة ديداكتيكية-فلسفية، قائم على حقيقة بسيطة وردت عن أرسطو تقول إن الدهشة هي التي دفعت الناس أول الأمر إلى التفلسف. والدهشة إنما تكون أمام ظواهر وضمن وضعيات تمس كيان الإنسان كل وتخاطبه بإلحاح وتحد مما يخلق عنده هذا التوتر المصحوب بشيء من التضايق واللارتياح، والذي يتعين علبنا إستثماره لدفع التلميذ إلى لقاء المعرفة، هذا اللقاء الذي غالبا مايحول دونه موقفنا البرغماتي إزاء العالم.
    لنتأمل الممارسة السقراطية نفسها: متى وكيف طرق سقراط موضوع الحب مثلا في محاورة “المأدبة”؟ ألم يفعل ذلك بعد أن انتهت المأدبة وقد أكل الندماء وشربوا، فرأوا أن يلقي كل واحد منهم خطابا في حق إله الحب؟!!
    كيف طرق سقراط قضية تعريف الجمال في محاورة “هيبياس الكبرى”؟
    لقد بدأ الحديث عاديا، (281a)حول انشغلات هيبياس وأسفاره الكثيرةكممثل لمدينته لدى المدن الأخرى، وعلاقة ذلك بحدق هيبياس وفصاحته وعلمه(283a)، لينتقل إلى قضية الحكمة والتربية (284a)والممارسة السوفسطائية للتعليم مقابل أجر، والتكريم والتقدير الذي تلقاه خطبهم ، وصولا إلى التكريم الذي حظي به أحد خطابات هيبياس(286 a) حول … الجمال
    وبعبارة اخرى، فإن فحص القضايا الفلسفية وتحديد دلالات الألفاظ والمفاهيم المستخدمة، يظهر على الدوام منغرسا ضمن وضعية حياتية يحاول المتحاورون فهمها وتفسيرها. وليس لحظة معزولة تبدأ بالعبارة التالية: ” سندرس اليوم القضية <س> ، فما ذا تعني لكم <س> ياترى ؟”، وعليه فإن التحدي المطروح على مدرس الفلسفة هو كيفية إعداد مثل هذه الوضعيات التي تدهش المتعلم، وتخرجه من سبات وطمأنينة الوضوح والبداهة الظاهريين، تجعل من فعل التفكير الفلسفي فعلا ضروريا، وليس مجرد مناقشة لقضايا مجردة لايرى فيها المتعلم غير تركة فكرية حفظها تاريخ الفلسفة،، أو لائحة من المشاكل التي لايدرك غير الأستاذ منشأها ورهانها؟
    كيف عالجت التوجيهات الرسمية مثل هذه الصعوبات والتحديات؟

تتوزع لحظات الدرس الفلسفي وفق الخطاطة الرسمية إلى طرح إشكالي وبناء إشكالي؛ فأما الطرح الإشكالي فيستهل بالإشتغال على الدلالات الإجتماعية فاللغوية وصولا إلى الفلسفية التي يفترض أن تسمح عناصرها ومفارقاتها بطرح مختلف إشكاليات الدرس التي سيتولى البناء الإشكالي معالجتها الواحدة بعد الأخرى.
يبدو هذا التصور سليما ومتماسكا من الناحية النظرية لكنه يفضي إلى بعض المفارقات على المستوى العملي:
هل من المفروض مثلا أن نعلن أو نكتشف كل إشكالات الدرس في البداية إنطلاقا من التقابلات التي تتضمنها الدلالة الفلسفية، ماهي الوظيفة البيداغوجية لإثارة كل هذه الأسئلة متراكمة مجتمعة الواحدة تلو الأخرى؟ وهل يحمل مثل هذا الإجراء دلالة أو معنى في نظر التلميذ عل نحو يحثه على الإنخراط الفعلي في عملية ومغامرة التفكير الفلسفي؟
إنه إجراء يراعي منطق تعليم المادة المعرفية لامنطق التعلم، منطق المعرفة المكتملة لا منطق المعرفة وهي في طور البناء من طرف المتعلم المبتدئ. والفرضية الضمنية هنا أن المشاكل الفلسفية تثار بمناسبة التفكير في دلالة الكلمات، وليس من خلال مواجهة وضعيات الحياة اليومية وأسئلة الوجود وقلق المصير … بكامل تعقدها وراهنيتها وإلحاحها ومحاولة حلها/ فهمها. عند هذه اللحظة وفقط عندها، نقترح عليه لحلها وفهمها التوسل بمختلف آليات التفكير الفلسفي ، ومن بينها استكشاف ومساءلة معاني الألفاظ التي نفكر بواستطها في المشكلة أو الوضعية، وإضفاء بعض النسقية والتماسك والنظام على أفكارنا، وفحص معتقداتنا وتأكيداتنا، ثم إستكشاف ( والإستفادة من ) الطريقة التي فكر بها الآخرون – أي الفلاسفة – في مثل هذه الإشكالات…؛
أما الفرضية الضمنية الثانيةالتي تقوم عليها التوجيهات الرسمية، فهي أن الإشكالات الفلسفية لاتبنى، وأن معالجتها الفلسفية لاتبدأ إلا بعد القطيعة مع الدلالات المتداولة، والحال أن العمل الفلسفي – بما هو إستعمال خاص للغة الطبيعية – ليس شيئا آخر غير اشتغال مستمر على الدلالات بغية فحص مسلماتها وفرضياتها الضمنية، والتمييز بين مكوناتها،والتنقيب عن آفاق جديدة للمعنى قد تحملها..،إن فعل التفلسف إستعمال خاص للغة الطبيعية، وكثيرا ما تم بناء مواقف فلسفية كاملة إنطلافا من التمييز بين الدلالات
وكما أشار أحد المهتمين (2)، فإن الإشتغال على التمثلات أمر محمود فلسفيا ولكن ماالمستهدف من هذا الإشتغال: هل هذا التمرين أو ” التطهر” الذهني ضروري قبل الولوح إلى محراب الفكر الفلسفي؟
سنضرب هنا مثالين لإظهار إمكانية ” معالجة” الإشكال معالجة أولية دون ” الإصطدام ” مباشرة بالتحديدات الدلالية:
هل من الضروري التعرف أولا على الدلالة الفلسفية لمفهوم اللغة وضبط هذه الدلالة قبل الشروع في مناقشة خصوصية اللغة الإنسانية مقارنة بأشكال التواصل الحيواني – وهي موضوع المحور الثاني في درس اللغة – ، والحال أن تعريف اللغة هذا يتضمن من العناصر ما يثير ضمنيا مفهوم “اللغة” الحيوانية، خصوصا عندما نقرأ تعريف لاروس الوارد في الكتاب المدرسي: ” اللغة قدرة خاصة بالنوع البشري على التواصل بواسطة…” ألا يصبح التعريف مصادرة على المطلوب، فتغدو المقدمة نتيجة في حد ذاتها؟! ألا نستطيع من خلال مقارنة أنماط التواصل البشري والحيواني بناء التعريفين العام والخاص للغة أي كنسق للتواصل وكوظيفة للتعبير عن الفكر تمييزا لها عن الإستجابات الغريزية؟أنظر نموذجا تطبيقيا هنا ؟وبالتالي نبني مقهوم اللغة أثناء هذه المقارنة نفسها؟
هل ينبغي تحديد الدلالة العلمية لمفهوم الشخصية ( تعريف آلبورت في الكتاب المدرسي) كهدف في حد ذاته دون الإنطلاق من واقعة أو مشكلة أو ظاهرة ما نحتاج في فهمها إلى ضبط دلالة المفهوم، مثل ظاهرة تعدد انماط الشخصيات بتعدد الأفراد أو ظاهرة المرض النفسي أو العقلي؟ أنظر نموذجا تطبيقيا هنا
إن إلحاح مثل هذه الأسئلة هو الذي دفعنا إلى ابتكار واقتراح عدد من الوضعيات التعليمية التعلمية لجعل دراسة الإشكاليات الفلسفية حاجة شخصية أو وجودية وليس مجرد استجابة لمنطق واكراهات المؤسسة المدرسية
==========
(1) نور الدين العمارتي، التلميذ والمعنى. مجلة فكر ونقد عدد42
(2) عزيز لزرق، قراءة في الإحراجات الخفية للدرس الفلسفي. جريدة الاتحاد الاشتركي 22-04-1999

(نماذج تطبيقية هنــــــــــــــــا)

Facebooktwitterredditmailby feather

التلاميذ ومشكلة المعرفة بمذاهب الفلاسفة وجنسياتهم وعصورهم.

التلاميذ ومشكلة المعرفة بمذاهب الفلاسفة وجنسياتهم وعصورهم.. مقترحات للتعاقد حول الحد الأدنى المعرفي، أو المعلوم من الفلسفة بالضرورة

little_think

ما أهمية معرفة التلاميذ بمذاهب الفلاسفة من عقلانية وتجريبية وظاهراتية ووجودية.. وجنسياتهم من يونانية وعربية وألمانية وأمريكية.. وعصورهم من قديم ووسيط ومعاصر…؟ سنعمل على معالجة هذه الأسئلة مستلهمين تمييزا كانطيا بين “المعرفة بالتواريخ” (cognitio ex datis) و“المعرفة بالمبادئ” (cognitio ex principüs)
يعمد عدد لا بأس به من الأساتذة الجدد أثناء الحصة الأولى إلى اختبار التلاميذ بخصوص هذه المعرفة كنوع من التقويم التشخيصي يمكنهم من معرفة مستوى المتعلمين وحصيلتهم المعرفية فيبنوا على أساسها دروسهم ومستوى خطابهم
في الغالب يصعق المدرسون الجدد عندما يفاجئهم تلامذة السنة الاولى وهم يعلنن بكل براءة وغفلة أن ديكارت يوناني، وأن أرسطو فرنسي، وأن الفلسفة ظهرت في القرن 16 أو 17، وأن ابن رشد من الفلاسفة الطبيعيين الأوائل..! مثلما قد يفاجئهم تلامذة السنة الثانية بأن ديكارت تجريبي..! ويبلغ وقع المفاجأة درجة أن يعمد المدرس الجديد عن حماس وحسن نية إلى تكليف التلاميذ بتمارين “علاجية” من قبيل إحصاء وجرد أسماء فلاسفة المقرر وإنجاز ثبت بمذاهبهم وجنسياتهم وتواريخ وفياتهم..
لكن ما صدقية مثل هذا التشخيص؟ هل سيجلي فعلا تعلمات المتعلمين ويكشف النقاب عن تعثراهم؟ وهل يمكن أن نبني على نتائجه لاحقا ممارستنا التدريسية؟
أزعم أن هذا الإجراء التقويمي مفهوم ومبرر تماما بالنظر إلى وضعية المدرس الجديد وإلى المنهاج، ولكن مصداقيته كتقويم تشخيصي ليست مع ذلك بديهية.
بالنسبة لمدرس جديد لا خبرة له بالمستوى المعرفي للمتعلمين، ولا بالمضامين المعرفية للدروس التي تلقوها، أقصد الدروس كما تنجز واقعا في الفصول وليس كما هي معروضة في الكتب المدرسية، تبدو هذه الاستمارة مناسبة، ويبدو ما تقيسه موضوعيا، إذ مهما تنوعت دروس من سبقه من المدرسين، فكلهم على الأرجح قد علموا تلامذهم -بمناسبة حديث عام أو عن التقديم لنص من النصوص – أن طاليس يوناني وأن ديكارت عقلاني.. وفضلا عن ذلك فإن نظرة سريعة إلى المنهاج من طرف المدرس الجديد لا يمكنها إلا أن تزكي اختياره: ففقرتان من الفقرات الأربع المرصودة لمجزوءة الفلسفة لمستوى الجذوع ذات خلفية تاريخية واضحة (نشأة الفلسفة ثم لحظات أساسية في تطور الفلسفة)، يضاف إلى ذلك كون “القدرة على وضع المعرفة الفلسفية في سياقها التاريخي والثقافي العام” هي إحدى القدرات المنصوص عليها في المنهاج.
هذا عن المدرس الجديد والمنهاج، لكن ماذا عن الدرس الفلسفي ومنطق التعلم؟ هل السؤال في الحصة الأولى عن مذاهب الفلاسفة وجنسياتهم سيقيس لنا فعلا تعلمات المتعلمين؟ ما تعلموه أو ما يفترض أنهم تعلموه أو ما ينبغي أن يتعلموه؟ ثم هل هذه “المعرفة التاريخية” هي مبتدأ التعلم وأدناه أم منتهاه وأعلاه؟ أقصد هل استيعاب الأنساب المذهبية للفلاسفة وحقبهم التاريخية.. هل هو مما يترسخ ويكتسب معناه في نهاية التعلم ومع مرور الوقت أم ما ينبغي حفظه وترصيده منذ البداية؟ هل يمكن للتلاميذ خلال نصف أسدس واحد في مستوى الجذوع أن “يحلقوا” فوق تاريخ الفلسفة من اليونان وصولا إلى المعاصرين مرورا بالوسيطيين والمحدثين؟ ويتذكروا بعد ذلك هذا الكم من الأسماء الجديدة جدة مطلقة؟ مع العلم أن المقاربة المعتمدة في المنهاج الحالي هي مقاربة موضوعاتية-إشكالاتية، تجمع فلاسفة مختلف العصور والمذاهب بدون تمييز، لتقيم بينهم حوارا حول الإشكال، أكثر منها مقاربة تاريخية، ترصد مقاربات الإشكال متتبعة تاريخ الفلسفة ومذاهبه المتعاقبة. على سبيل المثال لا الحصر: تجد في كتاب رحاب للسنة أولى علوم الأسماء التالية على التوالي في درس الوعي: شونجو، عالم أعصاب من المذهب الاختزالي (ق21)، برغسون (ق 20) فيلسوف حدسي، راسل، رياضي ذي نزعة تحليلية (ق20)، آلان، فرويد، لاكان، ماركس..
ضمن هذه الشروط، وعندما يضع المتعلمون بداية الفلسفة في القرن 17م وينسبون ديكارت إلى التجريبيين.. فهل الخطأ هنا فظيع حقا بحيث نستنتج منه أنهم ما فقهوا البسيط والأدنى، فكيف لهم بالمعقد والأعلى؟
هل معرفة اللحظات والمذاهب أمر أولي بسيط؟ وهل سيكون مفيدا تكليفهم بالجرد واﻹحصاء لرد الفلاسفة إلى بلدانهم والوفيات إلى سنواتها واﻷعلام إلى مذاهبها..؟ ماذا تعني حقا لتلميذ سنة أولى “العقلانية النقدية” إذا رد إليها كانط؟ وماذا تعني “الفلسفة الوسيطة” إن رد إليها ابن رشد؟ هذه مقوﻻت وتبويبات واضحة لنا كمتمرسين ولكن هل لها محتوى ومضمون بالنسبة للتلاميذ؟ هل معرفتهم بأن أرسطو يوناني وأن ديكارت فرنسي وان ابن رشد من أعلام الفلسفة العربية اﻹسلامية.. هل هذه المعرفة “الصحيحة” دليل على تعلم صحيح مطمئن. ألن تكون هذه مجرد معرفة بالتواريخ كما يقول كانط!؟
مما لاشك فيه أن التوفر على تصور ذهني للخط الزمني لتاريخ البشرية هو عماد الثقافة العامة وإحدى الأهداف الاستراتيجية للمدرسة ولمختلف موادها الدراسية (حقب ما قبل التاريخ وخصوصا العصر الحجري – حقب التاريخ وخصوصا الحقبة القديمة، الوسيطة، الحديثة ثم المعاصرة)، ومما لاشك فيه أيضا أن امتلاك المتعلم لتصور ذهني للحظات الكبرى لتاريخ الفلسفة والتي توازري حقب التاريخ، فضلا عن جنسيات الفلاسفة هو أمر بالغ الأهمية لجهة استيعاب أفضل للأفكار الفلسفية، لأن دلالات هذه الأخيرة وأبعادها ورهاناتها متأتية جزئيا من شروط إنتاجها أي من السياق التاريخي والحضاري.. ولكن..
ولكن أمام شساعة تاريخ الفلسفة وتعدد أسماء أعلامه وتشعب مذاهبه وفرقه ونحله، فاﻷهم من جنسية ديكارت هو أن يعرف تلاميذ الجذع مثلا أن الشك تعليق للحكم في انتظار الدليل، وأن الشك الديكارتي علامة على رغبة في تأسيس المعرفة انطلاقا من الذات وتجاوز الموروث.. ووضع أكثر اﻷشياء بداهة موضع شك. بل هذه المعارف هي الشرط الذي سيسمح لهم بفهم وتذكر انتماء ديكارت إلى بدايات حقبة هي الحقبة لحديثة وانتهاء أخرى وهي الوسيطة؛ وعوض جنسية أرسطو حبذا لو كانوا يعرفون شيئا من الموروث المفاهيمي اﻷرسطي من قبيل العلل اﻷربعة او تمييزه بين القوة والفعل..؛ واﻷهم من معرفة كون ابن رشد ليس من الحكماء الطبيعيين هو ان يتذكر التلاميذ محاججات ابن رشد لتبرير اﻻشتغال بالحكمة والنظر العقلي بوصفه من أوجب الواجبات الشرعية المنصوص عليها في القرآن الكريم نفسه، وأن الحق ﻻ يضاد الحق، وكذا تمييزاته الشهيرة بين ما هو بالعرض وما هو بالجوهر.. وتشبيهاته اﻷشهر حول الشَرَق والعطش والسكين والتذكية..؛ واﻷهم من معرفة جنسية الحكماء الطبيعيين والمناطق التي ينحدرون منها في آسيا الصغرى، أن يحتفظ التلاميذ بالجدة والجذرية التي طبعت تفكير هؤﻻء الحكماء من قبيل رد الكثرة إلى المبدأ الواحد، الحرص على التبرير العقلاني للأجوبة، تفسير الطبيعة بالطبيعة…
إذا استعرنا لهذه المعارف إسم “معرفة بالمبادئ” أو لنقل “معرفة بالمبادئ والمفاهيم”، فمعرفة أسماء المذاهب التي ينتسب إليها الفلاسفة، جنسياتهم ووفياتهم هي “معرفة بالتواريخ”. ودون الانتقاص من هذه الأخيرة، فهي ليست حجر الزاوية في التعلم الفلسفي، وليست مما ينبغي الحرص على ترسيخه لدى المتعلم والحرص على تشخيص مدى اكتسابه لها في بداية السنة. إنها في أسوأ الأحوال معارف عاطلة من الصعب تجنيدها في سياقات أخرى. وهي لا تكتسب معناها ووظيفيتها إلا من خلال المعرفة الأخرى، المعرفة بالمبادئ والمفاهيم.
لعل هذه الخواطر تكون أرضية للنقاش حول تعاقد ممكن على ما يمكن تسميته “الحد الأدنى المعرفي”، أو المعلوم من الفلسفة بالضرورة، الملزم للمتعلمين وللمعلمين، حتى وإن اختلفت طرائق تدريس هؤلاء والبناءات الإشكالية التي يختارونها أوالنصوص التي يشتغلون عليها.

Facebooktwitterredditmailby feather

دروس الفلسفة للسنة الأولى- الرغبة

ملاحظة حول هذه الدروس والملخصات

اانتبه هذا ليس درسا! بل مجرد مواد وعناصر لبناء الدرس فالدرس هو ذلك الفعل الحي والمتجدد الذي يكون الفصل الدراسي مسرحا له، ولاوجود له خارج هذا الفضاء حيث تتفاعل الفكرة الملقاة مع ردود أفعال المتعلمين المتجلية في أسئلتهم أو في تلك الارتتسامات البادية على وجوهم، كما تتفاعل مع انتباههم ولا مبالاتهم أيضا ..!إن الدرس هو ذلك المشروع الذ لاننتهي منه أبدا..!
قراءة المزيد

 

محاور الدرس:

الوضعية المشكلة:
هل نحن الذين نمتلك مانرغب فيه أم أنه هو الذي يمتلكنا؟

المستهدف من الوضعية المشكلة
نستهدف من هذه الوضعية-المشكلة دفع المتعلم إلى التفكير في مفهوم التملك: ما نتملكه وما يتملكنا ، داخل وضعية تراجيدية حيث يتعين الاختيار بين حب البقاء وحب الذهب وصولا إلى التمييز ولو بشكل أولي حدسي بين مفاهيم “الرغبة”، “الحاجة” و “الإرادة”

لنتأمل القصة أو الموقف الحياتي التالي بغض النظر عن طبيعته الواقعية او المتخيلة:

وضعية مشكلةوضعية مشكلة: يحكى ان سفينة أوشكت على الغرق، فسارع الركاب الى رمي انفسهم في البحر طلبا للنجاة سباحة وكان بينهم مسافر أصر على ألا ينجو إلا وبصحبته ثروته من الذهب، فما كان منه الا ان أوثق جيدا صرة أو صرتين إلى خصره، ولكنه ما إن تأمل الثروة الباقية حتى بدا له بسرعة أن ما أوثقه قليل، فأضاف المزيد، ومع ذلك كان الباقي لايزال أكبر مما حمل! فأضاف المزيد ثم المزيد، وأخيرا قرر أن يلقي بنفسه في البحر إسوة بباقي المسافرين، فكان مصيره أن هوى مباشرة الى القاع السحيق وغرق بسبب ثقل وزن الذهب! المسافر الذي أصر على النجاة بصحبة الذهب

بعض أسئلة:

من أغرق الآخر؟ هل أغرق الذهب صاحبه أم أن المسافر أغرق الذهب؟ ومن كان يمتلك الآخر؟ هل امتلك المسافر الذهب فحاول ان ينجو بما يملك؟ ام ان الذهب امتلك صاحبه فهوى به الى حيث تمضي كل الأجسام الثقيلة، إلى القاع؟ وما الذي اودى بمسافرنا؟ هل الحاجة الى الذهب ام رغبته فيه؟ هل يستوي الحرص على الحياة والنجاة مع الحرص على الذهب؟ ولكن ربما قدر مسافرنا بأن حياته هي هذا الذهب! ولاقيمة لها بدون هذا الذهب الذي أفنى زهرة شبابه لجمعه، وإلا لما يخاطر “الحراكة” بحياتهم من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى؟!

اانتبه انفتاح ممكن: يمكن هنا الانفتاح على التحليل الهيغيلي الذي يتناول الرغبة باعتبارها تجاوزا للوجود المباشر والطبيعي، ولحظة من لحظات الوعي بالذات، تلك الرغبة التي يغامر فيها الفرد بحياته ليتبث أن لم يعد متشبتا بالحياة أو غارقا في الطبيعة هنـــــــا

هل تستوي الرغبة التي يستشعرها المرء لامتلاك الذهب مع الرغبة في شرب الماء عند اشتداد الحر والاحساس بالعطش مثلا؟
إذا اتفقنا على أن الميل مختلف في كلا الحالتين فلابد أن نخص كل ميل بمصطلح (مفهوم) لتمييزه عن الميل الآخر

المفهمة أو البناء المفاهيمي:

لنحاول استثمار نتائج اشتغالنا على الوضعية المشكلة من أجل تحديد دلالات المفاهيم الأساسية

  • لا شك أن الاحساس بالعطش وماشاكله من الدوافع الملحة تعبير عن نقص أو خصاص بيولوجي يتعين ازالته واشباعه لاستعادة حالة التوازن. سنسمي هذا الدافع حاجة، ويتضح أن الحاجة ملحة وضرورية وان عدم اشباعها يهدد التوازن الداخلي للكائن وحياته وبقاءه. ومن أمثلة الحاجات: الحاجة الى الأكل والشرب والنوم والحماية من ظروف الطبيعة القاسية.
  • أما الميل إلى حيازة الذهب وما شابهه من الميول فلا يحمل الطابع الغريزي للحاجات، بل هو ميل مكتسب، تساهم الثقافة في خلقه وتنميته, ونسمي هذا النوع الثاني من النزوع الرغبة، ولاتنصب الرغبات على مواضيع واقعية فحسب بل و متخيلة أيضا كما في الاستيهامات، ومن بين مواضيع الرغبات : اقتناء ألبسة الموضة، الاستجمام في البحر، الحصول على وسائل الرفاهية، التدخين لدى البعض…
    إشكال: ألا تتحول الرغبات احيانا الى مايشبه الحاجات؟ عندما تتخد طابعا ضروريا وملحا؟ كما حدث للمسافر حيث ارتفع الحرص على الذهب درجة إلحاحه إلى مستوى الحرص على الحياة. ولكن ماذا تعني حياته اللاحقة بدون ثروته؟
  • ولكن الميل الى موضوع قد يكون ميلا مصحوبا بالتصميم والمثابرة والوعي؛ وننسبه في هذه الحالة إلى الارادة. وفي الغالب، لا يظهر عمل الارادة الا في تضاد مع إلحاح الحاجة او ضعط الرغبة لذلك تعرف الارادة احيانا بانها القدرة على الاختيار بين عدة إمكانيات، اختيارا واعيا مصحوبا بتدبير وتقدير ومحاكمة عقلية للأمور.

1-من الحاجة إلى الرغبة: أو جدل الرغبة والحاجة.

تحليل نص من الحاجة الى الرغبة لصاحبته “ميلاني كلاين”
سؤل النص او اشكاله المركزي:
كيف تنبثق الرغبات عن الحاجات؟ كيف تنتهي الرغبة غير المشبعة إلى الاحباط؟ مادور الرغبة، مشبعة أو محبطة، في تشكيل الانا وتثبيته وفي تكوين الشخصية بصفة عامة؟
أطروحة النص:
شخصية الإنسان-الراشد هي حصيلة الاشباعات و الاحباطات التي تعرضت لها رغباته خصوصا الرغبة الاولية، ألا وهي الرغبة في ثدي الام
تحليل اطروحة النص
* يبدأ ارتباط الرضيع بثدي امه كتعبير عن الحاجة الى التغذية بوصفه كائنا حيا سرعان ماتتحول هذه الحاجة الى رغبة في الشعور بالحماية والأمان والتخلص من الخوف والقلق الاضطهادي والدوافع التدميرية.
ولكن القلق الاضطهادي والدوافع التدميرية خبرات نفسية لاشعورية لايطالها وعي الراشد فما بالك بوعي الرضيع الذي لم يكتمل تشكله بعد !
إن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن الحاجات البيولوجية-الجسدية تتعرض منذ البداية للإستثمار من قبل بعض الدوافع والرغبات النفسية اللاواعية في الغالب ( أنظر نص “لاكان”: ” هل الرغبة ضد الإرادة؟”)
هناك طريقتان في الارضاع: الرضاعة المقننة التي تضبط زمن الارضاع وإيقاعه اليومي؛ وهناك الرضاعة العشوائية حيث يتم إرضاع الصغير كلما احتاج أو بكى وخلافا لما يعتقد، تذهب كلاين إلى أن الطريقة الاولى تساهم أكثر من الثانية في تكوين شخصية الفرد. في الحالة الثانية، لايوجد بين الرغبة وإشباعها مسافة زمنية كافية ليعبر الرضيع بواسطة البكاء عن (ويتخلص من) جزء من القلق والتوتر والمعاناة التي يسببها مشاعر القلق الاضطهادي والدوافع التدميرية فكيف ذلك؟

بيان ذلك في الخطاطة التالية

النشاط الابداعي إذن اشباع بديل عن إشباع أصلي، أولي تعرض للحرمان، بالتالي تمثل الرغبة المحبطة طاقة محركة للنشاط الابداعي وهي مايسميه فرويد “الطاقة الليبيدية” ذات الطبيعة الجنسية او العدوانية

مفاهيم النص
يحفل النص بمجموعة من المفاهيم المنتمية الى قاموس التحليل النفسي ويوجد بين التصور الوارد في النص وتصور فرويد اكثر من نقطة تقاطع وذلك من خلال حضور مفاهيم مثل: الانا، اللاشعور، الإعلاء… سنتوقف هنا بالخصوص عند ثلاثة مفاهيم بارزة
القلق الاضطهادي: يشير هذا المفهوم عند ميلاني كلاين إلى مجموع الخبرات النفسية الناجمة عن مشاعر الألم والاحباط والتضايق التي يستشعرها الرضيع كلما عجزت الأم عن إشباع حاجاته من الغذاء أو التواصل أو الشعور بالحنان؛ يستشعر الرضيع هذا الحرمان بوصفه خطرا واضطهادا مسلطا عليه
الدوافع التدميرية: بجانب غرائز الحياة، ينطوي الليبيدو – عند الطفل كما عند الراشد – على غرائز الموت والتدمير التي لا تتحه فقط ضد أشياء العالم الخارجي و بشكل خاص ضد ثدي الأم بالنسبة للرضيع، بل ضد جسمه بالذات أيضا.
العلاقة الشيئية: (بصفة عامة) هي العلاقة التي يتحول فيها الطرف الثاني، ماليس في الأصل شيئا، إلى شيء مع مايعنيه ذلك من حيازة وتملك وتبعية لإرادة الذات ورغبتها وأهوائها؛
(في سياق النص) لأن الرضيع يحصل على ثدي أمه عند أول صرخة بكاء، يتحول الثدي، بسبب ذلك إلى مايشبه الشيء: رهن الإشارة، مستسلم، دائم الحضور، مثله مثل باقي الأشياء المؤثثة لعالم الرضيع!

الأساليب الحجاجية
الأساليب الحجاجية التي اعتمدتها “كلاين” لإثبات أطروحتها
لإثبات دعواه، توسل النص بمجموعة من الأساليب الحجاجية الاستدلالية منها والبلاغية. نذكر منهما إثنتين لعلاقتهما بالمنهج العلمي:
الملاحظة:
وردت الملاحظة في قولها: ” ولنلاحظ بهذا الصدد ونحن نتناول الطرق الجديدة في إرضاع الطفل، كيف أن بعض هذه الطرق…”
والملاحظة هي معاينة الوقائع والظواهر بالحواس الخمس او بعضها، وقد يراد بالملاحظة لا المعاينة نفسها بل الاستنتاج المستمد منها، تتجلى الملاحظة في النص عند حديث كلاين عن علاقة الرضيع بثدي أمه وكذلك طرق الارضاع.
تتميز ملاحظة الفيلسوف عن ملاحظة الحس المشترك بكونها تتخد الظواهر المعتادة المألوفة موضوعا لها، وتتجاوز مستوى تسجيل الظاهر من الوقائع بحثا عن جوهر الاشياء وعلل الاحداث.
وتكمن الوظيفة الحجاجية للملاحظة في كونها تمنح الوقائع المعروضة الصفة الواقعية ، وتبعد عنها شبهة الاختلاق أو الخيال، فترفع درجات التصديق بها من طرف القارئ أو السامع،
وتزداد قوتها الحجاجية كلما اقترنت بمرجعية أو سلطة معرفية ، كما في قولنا:”” لاحظ العلماء وجود علاقة وثيقة بين الإصابة بالسرطان والتدخين…””
ومن الجدير بالذكر، أن كلاين قد استخدمت صيغة الأمر أو الحث بقولها : ” ولنلاحظ”، بما يوحي ان الملاحظة ليست أحادية، بل مشتركة بين كلاين وقارئها !، وكأن هذا الأخير يساهم بدوره في إنتاج الملاحظة والحجة la production de la preuve””
الاستماع: ملاحظة عير مباشرة يتوسط فيها صاحب الشهادة بين الذات الدرسة وموضوع الدراسة، والاستماع واحد من اهم الاساليب العلاجية في التحليل النفسي، وهو مايعرف بتقنية الأريكة Le divan . وقد ورد الاستماع في النص عند الحديث عن شهادات الراشدين وذكرياتهم عن طريقة الارضاع التي
خلاصة: من الواضح ان علاقة الرضيع بثدي أمه تتجاوز مجرد الحاجة البيولوجية إلى الطعام لملء معدته والتخلص من ألم الجوع، إن الثدي يلخص بالنسبة للرضيع الموضوع الأول لرغباته، بل إن الطفل يعتبر ثدي أمه ومن خلاله جسدها امتدادا لجسده الخاص، وستنطبع شخصية الراشد وحرصه على امتلاك أشياءه وما يخصه بهذه العلاقة/الرغبة الأولية بثدي الأم. تاريخ الشخصية هو تاريخ “أزمات” وعقد وصراعات، بيد انها تتخد بالنسبة لــ “ميلاني كلاين” طابعا إيجابيا لأن كل صراع يتضمن بالضرورة تصور حل لهذا الصراع مثلما أوضحنا في الخطاطة.

2-الرغبة والسعادة

استشكلات أولية:
يتولد عن تحقيق الرغبة شعور بالاشباع والارتياح واللذة و…السعادة. والسعادة أحيانا هي ما نتصوره غاية لنا قبل الحصول على موضوع الرغبة؛ اما عدم اشباع الرغبة فينتج عنه شعور بالحرمان والاحباط والشقاء.
هل يمكن أن يسعد بشيء من لم يرغب فيه قبلا؟
هل يمكن للرغبة للسعادة ان تنفصل عن الرغبة ام ان السعادة ليست سوى اشباع لرغبة أي شعور بالامتلاء والاكتفاء عقب الخصاص؟

إذا كنا لانسعد إلا بعد أن نرغب، لأن السعادة والبهجة تتعاظمان كلما كانت الرغبة المتقدمة عليهما أعظم بدورها. وحيث أن الرغبة خصاص ونقص، فهل يعني ذالك ان علينا ان نشقى قبل ان نسعد ؟!!
إذا كان عدم تحقق الرغبة يورث مشاعر الحرمان والاحباط والاحساس بالشقاء الذي هو نقيض السعادة، فهل لنا أن نختار حياة بدون رغبات، حياة لايعكر صفوها إلحاح الرغبات، او على الأقل حياة ونمط عيش بالحد الأدنى من الرغبات كما تقترح علينا الفلسفة الأبيقورية؟

تحليل نص: الرغبة والابتهاج
حول النص:
يندرج هذا النص ضمن المناح الفكري السائد في القرن السابع عشر والذي تميز بالسعي لتفسير “حركات” النفس أي انفعالاتها تفسيرا طبيعيا ميكانيكيا
اشكالية النص
كيف تتولد الرغبات في النفس؟ وكيف تتولد تلك الرغبة الخاصة التي ندعوها بالهوى او الحب الشديد؟
أطروحة النص: تتولد مختلف الرغبات إما من انفعال البهجة أو النفور، وأقوى ما بتولد عن انفعال البهجة من الرغبات والميول هو الحب.

بنية النص او مراحل تشكل الاطروحة داخل النص :
أ التمييز بين انواع الرغبات تبعا للموضوعات التي تنصب عليها
ب- اختزال الرغبات المتنوعة الى رغبتين رئيسيتين: الحب والابتهاج من جهة ثم الكراهية والنفور من جهة ثانية؛
ح- جينيالوجية الرغبات: تتولد الرغبة الشديدة في الشيء بفعل تخيل وتصور مقدار اللذة والبهجة التي سنحصل عليها بحصولنا على موضوع الرغبة —< تفسير عقلاني للرغبة يرجع منشاها إلى عملية فكرية تصورية
د – تراتبية الرغبات: أقوى انواع البهجة هو الابتهاج الذي يتأتي من الكمالات التي نتصورها في شخص المحبوب بوصفه ذاتنا الأخرى.
هـ- هذه القدرة على الميل تنصب وتتوزع في العادة بين موضوعات أو مرغوبات متعددة، وفي حالات خاصة تتجه كل قدرات الميل، التي منحتنا إياها الطبيعة، نحو موضوع أو شخص واحد اعتقاد منا انه يحققق لنا منتهى الكمال الذي يمكن تصوره. في هذه الحالة تأخد الرغبة إسم “الحب”

يفسر ديكارت الحب على انه ميل شديد نحو شخص نعتقد انه ذاتنا الأخرى. وهو تصور للحب شبيه للتصور الأفلاطوني الذي يقول إن كل نفس قد انشطرت نصفين فغدا كل نصف متشوقا محبا لنصفه أو لمن يعتقد انه نصفه الثاني!

ملاحظة: أليس الإسم الملائم لهذا الميل هو ” الهوى” أو الشغف passion ؟

البنية الحجاجية في نص ديكارت
اعتمد ديكارت على عدة اساليب حجاجية لإثبات اطروحته و دعواه، نذكر منها:
تقنية القسمة: ومن أشهر أنواعها: القسمة العقلية، كقول علماء الكلام المسلمين: لايخلو الشيء الفلاني أن يكون إما كذا أو كذا
في النص : تقسيم الرغبات تبعا للموضوعات التي تنصب عليها
رد المتعدد إلى الواحد: وتصنيف الرغبات واختزال كثرتها بردها إلى أصناف قليلة العدد..
في النص : الرغبات على اختلافها ليست سوى أجناس لنوعين رئيسين الحب والكراهية أو البهجة والنفور: يكفي أن علم أن هناك أنواعا من الرغبات بقدر ماهناك من أنواع الحب والكراهية…”
تقنية السؤال الخطابي وهو السؤال الذي يعقبه مباشرة جوابه ويدخل هذا النوع من السؤال ضمن تقنيات العرض والحجاج ومن أهدافه: توجيه انتباه القارئ وإعداده لتلقي الجواب، حثه على متابعة القراءة، خلق دينامية داخلية وفضاء حواري وبوليفونية (تعدد الأصوات) عوض رتابة الصوت الواحد في العرض التقليدي. وأكثر من يستعمل هذا النوع من السؤال الخطباء والمدرسون.
في النص : فما الرغبة التي تولدها البهجة؟
ا لامثلة استعملت الامثلة لتوضيح الافكار المجردة. تكمن الاهمية الحجاجية للمثال في كونه يخاطب المخيلة ويسهل عملية حصول التصور المجرد في الذهن من ثم التصديق، لأن العلم تصور أولا ثم تصديق.
في النص : ومثال ذلك ان جمال الأزهار يحظنا على…
لو أخدنا مثلا الفضول وحب الاستطلاع…. –
أساليب بلاغية: تقدم القضايا بصيغة الاقتراح والحث دون إلزام:
في النص: لكن يكفي ان نعلم بان…
إنه من الأصوب ان نميز بين….
على عكس صيغ في نصوص أخرى ذات طابع إلزامي، مثل: من الواجب/علينا ان …/ لامناص من… /إذا كان.. يترتب عليه أن…/ إعلم أن…

السعادة واقتصاد الرغبة

تحليل النص: اللذة مبدأ الحياة السعيدة،

اشكالية النص:
..ما العلاقة بين اللذة والسعادة ؟وماهو شكل الاشباع المفضي الى حالة السعادة؟
أ طروحة النص: يقدم النص ما يمكن اعتباره ” اقتصاد اللذة” أو “اقتصاد الرغبة” يبدأ بتحليل دقيق لماهية الرغبات وحقيقتها وأصنافها ليفضي في النهاية إلى سعادة الكفاف أو لذة الحد الأدنى. وبعبارة أخرى، فاللذة تحصل أيضا عند عدم الشعور بالحاجة إلى اللذة! وذلك عند استبعاد مثيرات الألم والخصاص.
تحليل الأطروحة:
يسلك النص في سبيل لإثبات أطروحته منهج ” القسمة” ( التي رأيناها في نص ديكارت) يقسم الرغبات ومن ثم اللذات إلى:
لذات ورغبات طبيعة
رغبات ولذات عبثية، غير طبيعية: : الشهرة، التأنق في اللباس…
والطبيعية تنقسم بدورها إلى:
ضرورية؛
وغير ضرورية: كالجنس، واكل اللحوم…
والضرورية بدورها تنقسم إلى ما هو:
ضروري للسعادة؛
ضروري لتجنب آلام الجسم؛
ضروري للحياة.
وفي كل قسمة يستبعد أبيقور شقها الثاني، وصولا إلى القسمة الأخيرة: فالضروري للحياة هو مابدونه يهلك الإنسان كالأكل والشرب، و “الضروري للسعادة” يختزل – في نهاية المطاف وبعد التحليل – إلى ما يجنبنا الآلام والاضطرابات. في هذه الحالة تسكن النفس، فلا تعود تبحث عن شيء آخر للحصول على خير أكمل.
فتكمن السعادة في اشباع الحاجات الطبيعة الضرورية دفعا الالم ووصولا الى حالة السكينة او السلام الدخلي Ataraxie وهي غياب اضطربات النفس وسلامة البدن
انفتاحات ممكنة:
يقول فخر الدين الرازي: ليست اللذات الحسية في الحقيقة سوى دفع الالم، وبالفعل فالسعادة الأبيقورية ليست سعادة إشباع بل سعادة دفع للألم ومسبباته وفي مقدماتها الرغبات غير الطبيعية أو غير الضرورية

نص مكمل:
نص ” هل تكمن السعادة في قهر اللذة؟”

اطروحة النص
يمكن أن نلاحظ في النص آثارا للموقف الأفلاطوني من الرغبة والشهوة ( الذي سبقت دراسته) مضافا إليه تأثير النظام القيمي-الأخلاقي الإسلامي يميز ابن مسكويه بين اللذات الحسية الحيوانية و اللذات العقلية الشريفة الاولى تتعلق بالجسم بينما تتعلق الثانية بالنفس ومن جعل سعادته القصوى في تحصيل اللذات الحسية فقد رضى بأخس العبودية لأخس الموالي!

3- الرغبة، الوعي، الارادة والحرية

استشكالات أولية:
ما العلاقة بين الحدود المكونة للعنوان؟ بالعودة إلى مسافرنا “الغريق”، يمكن للفيلسوف أن يتساءل: هل كان مسافرنا يريد فعلا ما قام به (الحرية)؟ أم أنه كان مدفوعا بما يتجاوز إرادته (غياب الحرية)؟ ولكن السؤال عن الحرية يشترط سؤالا مسبقا عن الوعي: هل كان مسافرنا على وعي وبصيرة تامتين بطبيعة رغبته الجامحة في النجاة بصحبة الذهب؟ هل كان بمقدوره آنئد أن يجعل رغبته موضوع تأمل؟ أم ان الرغبة استبدت به فألغت كل تفكير وتدبر؟
طرح الإشكال:
هل يمكن ان نتحكم في رغباتنا؟ هل تقع الرغبة داخل مجال الارادة والوعي او خارجهما ؟

أ- الإنسان كائن راغب:

تحليل نص: الرغبة ماهية الإنسان
إضاءة: الرغية بين ديكارت واسبينوزا: الحوار بين النصين سبق أن رأينا في نص ديكارت، أن هذا الأخير يذهب الى ان التصور يخلق الرغبة اي ان تصور السعادة والبهجة والخير المتوقع من الموضوع يخلق فينا الرغبة فيه. ولكن مالذي يبعث ويحرك هذا التصور أصلا في الذهن؟
إشكال النص: هل الرغبة تابعة للتصور وصادرة عن الوعي والإرادة أم العكس؟ هل نرغب في الشيء ونشتهيه لكوننا نعتقده شيئا طيبا أم نعتبره شيئا طيبا لكوننا نرغب فيه ونشتهيه؟
أطروحة النص:
ينظر اسبينوزا الى العلاقة بين التصور والرغبة نظرة مخالفة للتصور الديكارتي: إن الرغبة هي التي تخلق التصور. لا العكس.
يقول سبنوزا: لانرغب في الشيء ونشتهيه لكوننا نعتقده شيئا طيبا بل نعتبره شيئا طيبا لكوننا نرغب فيه ونشتهيه
— إن الاعتقاد (التصور) تابع للرغبة لا العكس، بل يذهب اسبينوزا إلى حد القول بأن “الشهوة والرغبة ماهية او جوهر النفس” بمعنى ان الإنسان – جوهريا – كائن راغب
مفاهيم النص:

يكاد اسبينوزا ينفرد بأسلوب خاص في التفلسف. يتميز هذا الأسلوب بالوقوف المتكرر عند دلالة المفاهيم تعريفا وتحديدا وتمييزا. ولذلك سببان:
أ- طلب الوضوح، وهو مطلب فلسفي بامتياز: إذ لايمكن للتفكير الفلسفي أن يمضي قدما في البحث مستعملا ألفاظا وحدودا غامضة المعنى، لم تتحدد دلالتها بدقة؛ وتلك كانت عادة سقراط في جل حواراته حيث يستفهم المحاور عن دلالة المفهوم المعبر عن موضوع الحوار كالشجاعة والجمال والتقوى…
ب-التأثر بالمنهج الرياضي الهندسي، الذي يقتضي تعريف الأشكال والمتغيرات والحدود المستعملة قبل الشروع في البرهنة. ونصنا مقتبس من كتاب “الأخلاق” حيث طبق هذا المنهج لى امتداد الكتاب.
نظرا لحرص اسبينوزا نفسه على تعريف مفاهيمه، فقد تضمن النص تعاريف للمفاهيم التالية، (وسيأتي الحديث عنها في البنية المنطقية للنص)
الرغبة:
الشهوة
الإرادة
البنية المنطقية للنص:
لم تخرج البنية المنطقية عن شكل الاستدلال الرياضي-الهندسي:

الأفعال المنطقية صيغتها في النص دلالتها
تعريف تتألف ماهية النفس من أفكار تامة وغير تامة ملاحظة: تعريف وضعه اسبينوزا وضعا. بمعنى أنه لم يقم عليه دليلا، وإنما جعله مقدمة للتدليل على ما سيأتي
استنتاج أول ومن ثم فهي تبذل جهدا من أجل الاستمرار في وجودها “الوجود” هو في الحقيقة “جهد للإستمرار في الوجود”. وذلك قانون طبيعي يسري على جميع الموجودات : كل يحاول البقاء على وضعه. والنفس البشرية بدورها تبذل جهدا لحفظ الوجود أي للإستمرار في الوجود، طبيعة هذا الجهد وغايته تمليه طبيعة الأفكار التي في النفس
تذكير ولما كانت…
استنتاج ثان فهي إذن… مثلما تعي النفس أفكارها كذلك تعي جهدها
تعريف إذا تعلق الجهد ب…. سمي… إذا توقف الجهد على قدرة النفس وحدها، دون الجسم، أي أن الجهد المبذول لاتقف من ورائه مطالب الجسد، فهو إرادةا
تعريف ثان إذا تعلق الجهد ب…. سمي… إذا استهدف الجهد تسكين النفس والجسد، فهو شهوة
كل ما تتعلق به الشهوة (الدوافع البيولوجية من اكل وشرب وجنس) ضروري لحفظ وجود الإنسان وبقائه.
تعريف ثالث تتعلق الرغبة عموما بأفراد الإنسان من حيث أنهم يعون رغباتهم – تعريف: الرغبة هي الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها.
ب-الرغبة والحرية :

عودة للشق الثاني من الإشكال: هل تقع الرغبة داخل مجال الارادة والوعي او خارجهما ؟

حسب اسبينوزا فإننا نعي رغباتنا ( الرغبة هي شهوة تعي ذاتها-أنظر تعريفه السابق) لكننا لا نعي عللها الحقيقية التي تحتجب غالبا خلف علل تبريرية تمويهية
يقول اسبينوزا: “إن الناس يعون حقا أفعالهم ورغباتهم، إلا أنهم يجهلون العلل التي تجعلهم يرغبون في شيء من الأشياء”
لإثبات ذلك عمد اسبينوزا إلى مايلي:
-اولا: استدعاء مفهوم العلة الغائية، مستعينا بمثال: إن تصور مزايا الحياة المنزلية كان دافعا وغاية يرتجيها مشيد المنزل
-ثانيا: تصحيح المفهوم الشائع: إن العلة الغائية السابق ذكرها هي في الواقع علة فاعلة، وبما أن تعريف العلة الفاعلة هو مامنه يصدر الفعل، فقد جعل اسبينوزا من الرغبة – لا من صاحبها- مصدر الفعل
-ثالثا: التمييز بين العلة الأولى والعلة الجزئية :هذه الرغبة-العلة ليست علة أولى، بل مجرد علة جزئية، بمعنى أنها مسبوقة بعلل أخرى حتمت وجودها، لإذ يمكننا في هذه الحالة ان نسأل ولماذا يرغب في مزايا الحياة المنزلية؟ وهل كل من رغب في هذه المزايا شيد منزلا؟ ولماذا الآن وليس قبل أو بعد..إلخ
-رابعا: الاستنتاج بأن البشر أبعد مايكون عن إدراك العلل الحقيقية لرغباتهم، وكل مايقع عليهم نظرهم هو العلة المباشرة الجزئية، لأن كل علة معلولة لأخرى وهكذا إلى ما لانهاية، وذلك ضمن شبكة شاملة من العلل على المستوى الكوني

اانتبهملاحظة: لابد من الإشارة إلى التصور الحتمي عند اسبينوزا: كل مايقع في الكون من أحداث وكل مايعتمل في النفس من انفعالات ومايتمثله العقل من أفكار، كل ذلك إنما يحدث حدوثا خاضعا للحتمية والضرورة الكونية التي تمليها سلسلة لامتناهية من العلل، تفرضها طبيعة كل موجود
في رسالة إلى صديقه shuller يضرب اسبينوزا المثال التالي: إذا تلقى حجر دفعة من جسم آخر، فسيتحرك ويستمر في الحركة لمدة معينة بعد انتهاء تماس الجسمين، ومن المحتمل أثناء ذلك أن يتخيل الحجر – وهو منطلق الآن لوحده – وكأنه هو نفسه علة حركته! وما ذلك إلا بجهله بالعلة الحقيقية لحركته، والحقيقة عكس ذلك

بهذا تكون حدوس اسبينوزا قد سبقت كشوفات التحليل النفسي مع فرويد: وإذا كان احتجاب العلل الحقيقية عن الإدراك يرجع عند اسبينوزا إلى الجهل، فإنه عند فرويد يرجع إلى ميكانيزمات دفاعية لاشعورية: إن علل الرغبات ودوافعها تنتمي إلى سجل اللاشعور، وتحت ضغط الأنا الأعلى يصوغ الأنا مبررات تعويضية بديلة
يقول “لاكان”: حيثما توجد الرغبة يوجد اللاشعور(…) إن اللاشعور لغة توجد وراء الشعور، وهنا بالضبط تتموضع وظيفة الرغبة” نص ص 33 من الكتاب المدرسي-الشعبة الأدبية)
وما العلاج النفسي سوى مساعدة المريض على تعرية هذه الطبقات المتراكمة من التبريرات المضللة التي تحتجب خلفها الرغبات.

مثال: فالمراهق الذي يرغي في اقتناء دراجة نارية فخمة، هل يعرف بالضبط لماذا يريد تلك الدراجة؟ هل ما يرغب فيه فعلا هو الدراجة؟ أم نيل شيء من الزهو والثقة أمام أقرانه، وشيء من الإجاب من زميلاته، والشعور بالقوة بل وبالرجولة؟!
والفتاة التي عقد قرانها وفي الأيام التي تسبق ليلة الزفاف، تصلب بنوبات من الفوبيا والهيستيريا وترى في منامها بشكل متكرر القطط السوداء والعناكب… هل يتعلق الأمر بقطط وعناكب أم بمخاوف مقنعة من المجهول المرتبط في ذهنها بتلك الليلة التي تنسج حولها الثقافة الكثير من الأساطير والقليل من الحقائق؟؟!!
خلاصة: يتوهم الناس أنفسهم أحرارا في اختيار ماتقع عليه رغباتهم، وما ذلك إلا بجهلهم بالعلل الخفية لرغباتهم.
إن الرغبات مشروطة على نحو حتمي بعلل لامتناهية لايستطيع وعي الفرد الإحاطة بها مجتمعة.

نص محاور:
نص أفلاطون: ” هل يمكن إخضاع الرغبة للعقل؟
يعرض هذا النص لتصور ولتحليل يمجد العقل مانحا إياه الأولوية في مقابل الرغبة، على خلفية استبعاد تام لمفهوم اللاوعي، إنطلاقا من الثنائية التالية:
قوة عاقلة وهي مبدأ التفكير، والتفكير يمنحها امتياز الأمر والنهي ورعاية النفس بأسرها؛
قوة شهوانية لاعاقلة هي مبدأ الإنفعالات من حب وخوف وغضب وجوع وعطش
ملاحظة: في الواقع، يميز أفلاطون بين ثلاث قوى في النفس الإنسانية: عاقلة، شهوانية (الحاجات البيولوجية) وغضبية(انفعالات النفس)
تعليق: هل الإنسان كائن عاقل فحسب؟ أليس كائنا راغبا، حيث يسوس العقل الهوى لا العكس؟

نص إضافي: نص هيغل كيف يحقق سلب موضوع الرغبة وعي الذات بنفسها؟
أطروحة النص: يقدم النص تصورا جدليا (دياليكتيكيا) للرغبة، باعتبارها لحظة السلب الضروررية التي يمر منها الوعي في حركته من أجل وعي ذاته.
تحليل أطروحة النص:
يمكن صياغة مضمون النص وفق لحظات المنهج الجدلي الثلاث

الرغبة هي رغبة الذات— الأطروحة
ولكن الرغبة أيضا وأساسا رغبة “فيما سوى الذات”، في شيء آخر غير الذات: إنها خروج الذات من تطابقها مع ذاتها، اعتراف بوجود الموضوع خارج الذات وبعيدا عن متناولها—– نقيض الأطروحة
ولكن إشباع الرغبة يقتضي حتما تدمير الموضوع المرغوب فيه أي إلغاء وجوده المستقل عن الذات— التركيب

أمثلة: حصولي على الطعام الذي كنت أرغب فيه يعني أكله وإلغاءه وتمثله من طرف جسمي؛ حصولي على القميص الذي كنت أتأمله قبل قليل في واجهة متجر الألبسة، يعني انه أصبح “لي”، كان قبل قليل “ذلك القميص” والآن أصبح “قميصي”! وإلحاق “ياء” النسبة به يعني إلحاقه بي وتأكيد كينونتي وإلغاء وجوده المستقل

Facebooktwitterredditmailby feather

كتاب عوالم الفلسفة لأقسام الجذع المشترك

صدر أواخر شهر ابريل 2012 عن دار الثقافة للنشر والتوزيع، كتاب عوالم الفلسفة، متضمنا دروس الجذع المشترك في حلة جديدة تجدونه في الأكشاك والمكتبات
يمكن طلبه مباشرة من دار الثافة للنشر والتوزيع

يمكن الاطلاع على معلومات الطبعة الثانية من هنا:

https://falsafa.info/courtc2.php

هاتف (522302375 212)- 522307644 (212)
شارع فيكتور هيكو
ص.ب: 4038 الدار البيضاء ـ المغرب

أو من المكتبات التالية
=الرباط:
– . . .المكتبة الشعبية، شارع محمد الخامس
– . . . مكتبة كليلة ودمنة
– . . . مكتبة السلام، العكاري
– . . . مكتبة الأطلس، زنقة سيدي أحمد
= مكتبة الشمال بتطوان
= مكتبة المعرض، مكناس
= مكتبة شاطر، مراكش
= مكتبة المناهل الجامعية، القنيطرة
= مكتبة المعارف ،الطالعة الصغيرة
مكتبة المناهل الجامعية، شارع مولاي إدريس، فاس
= مكتبة الأمة، فاس

غلاف الكتاب المدرسي للجذع المشترك

فهرس المحتويات

كيف أصبح فيلسوفـ(ة)ـا؟ شروطٌ ستة. 5
كيف استعمل هذا الكتاب؟ 7
قواعد المنهج لحسن استثمار هذا الكتاب (للسادة الأساتذة) 9
1. جبابرة وبرق وعربة تطير يجرها تيْسان.. في البدء كانت الأسطورة 10
2. لو استطاعت الثيران والخيول الكلام..! شيء من العقل في مقابل الخيال.. 16
3. ولكن ما أصل هذا الكون؟ ماء؟ هواء؟ ذرات أم.. بداية المغامرة الكبرى للعقل.. 19
-الماء أصل الكون 19
-الهواء أصل الكون 21
– اللامتناهي أصل الكون 21
4. السلحفاة تسبق اسرع العدائين..! الفلسفة والنسقية والتقابلات المذهبية 25
التغير المستمر، (هيراقليط) 25
كل شيء ثابت (بارمنيدس) 28
5. من السماء إلى الأرض..سقراط !(دراسة مؤلَف فلسفي) 33
◌محاورة أوطيفرون: الجزء الأول◌ 33
◌محاورة أوطيفرون: الجزء الثاني ◌ 37
◌ محاورة أوطيفرون: الجزء الثالث ◌ 41
◌ محاورة أوطيفرون: الجزء الرابع ◌ 44
6. فلسفة، فيلوصوفيا..! أصل الكلمة 51
7. الفلسفة في مواجهة التحريم..! الفلسفة في بلاد الإسلام 53
8. الفلسفة في معرض الدفاع: إشكالية المثاقفة 57
الكندي 57
ابن رشد 59
9. هل بعد جميع الاتجاهات توجد اتجاهات أخرى..!؟ مقدمة في علم المنطق 63
القضايا 63
الإستدلال 65
العكس المستوي 66
القياس 67
الاستقراء 68
10. هل تساعد الفلسفة على علاج نزلة برد..!؟ الفلسفة الحديثة والعلم الظافر 70
النهضة العلمية في العصر الحديث: معالم تاريخية 70
المنهج وسر نجاح العلم 73
آمال العلم ووعوده 74
11. لماذا تخلف العرب وتقدم غيرهم!؟ انشغالات الفلسفة المعاصرة 78
12. بحثا عن كاسبر وبقية الأشباح… رفقة الفيلسوف في مغامرة الشك 82
الشك في شيء من الأشياء 82
الشك في كل الأشياء والمعارف 86
الشك في وجودي 88
13. أيتها الدابة! لِمَ لا تحدثيني عن سعادتك؟التفلسف والدهشة 90
لنجرب الدهشة، لنندهش أولا 90
لنكتشف سر هذه الدهشة 92
لنميز الدهشة عن أشباهها 93
14. لقد قلت لك: ناولني كرسيا.. الفلسفة، اللغة والمفاهيم 95
المعنى العام أو الحد الكلي 96
النوع، الجنس، الفصل والخاصة. 97
شروط التعريف 99
صحبة الفيلسوف وهو يعرّف المفاهيم 99
15. هل المصارعة غير عادلة بالنسبة للثيران؟المعضلة، المفارقة والأشكلة 103
مفارقات العدالة 103
مصدر المفارقات 105
16. العقل يحررنا من الأهواء، لكن هل..؟ الجواب الذي يتحول إلى سؤال 107
17. إحراق الضالين أحياءا.. التسامح ومشكلة الاختلاف والتعددية 112
اختلافنا عن بعضنا 112
كيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟ 113
18. هل الإنسان مُخيّر أم مُسيّر؟ الفلسفة والحِجاج 117
19. استعباد النساء التمثلات المشتركة والأحكام المسبقة 121
اﻷحكام المسبقة 121
شرنقة اليومي 123
20. وجها جانوس.. أسباب الوضعية القلقة للفلسفة في بلاد الإسلام 125
الوجه الأول: اﻻحتفاء بالفلسفة 125
الوجه الثاني: التوجس من الفلسفة ورفضها 126
21. والآن، ماذا تعني الفلسفة؟ أخيرا! مشكلة تعريف الفلسفة 127
22. انكسمندريس، فيثاغورس..لِمَ هذه الأسماء الغريبة!؟ اليونان أو الإغريق 132
أين تقع هذه اليونان!؟ 132
والآن لماذا اليونان؟ 133
هل هي معجزة؟ 134
23. كيف أقرأ نصا فلسفيا؟ خطوات القراءة الفلسفية المنهجية 136
فهرس الأعلام والنصوص والكفايات 138
تفصيل قواعد المنهج لحسن استعمال الكتاب..(خاص بالسادة الأساتذة) 140
مقتطفات من المنهاج: التوجيهات التربوية لمادة الفلسفة الخاصة بالجذوع المشتركة 143

غلاف الكتاب المدرسي للجذع المشترك

Facebooktwitterredditmailby feather