كل مقالات شفيق اكّريكّر

درس فلسفي بالفرنسية مع تلامذة الجذع المشترك

رس فلسفي بالفرنسية مع تلامذة الجذع المشترك

الزملاء الكرام
أقدم لكم اليوم تجربة فصلية جديدة أشبه بالمغامرة: درس فلسفي باللغة الفرنسية مع تلامذة الجذع المشترك علمي
كان الدرس باللغة الفرنسية نتيجة لحضور الحصة من قبل أساتذة أجانب من ألمانيا رغبوا في التعرف على كيفية تدريس الفلسفة في بلاد الإسلام!!. وقد حضر هؤلاء في إطار شراكة -أتشرف بإدراتها- بين ثانوية الفارابي حيث أعمل وثانوية ألمانية يعمل بها هؤلاء الأساتذة…

عنوان الدرس: En compagnie du philosophe dans l'aventure du doute
رفقة الفيلسوف في مغامرة الشك

وقد كانت لحظات الدرس كالتالي:
-قراءة نص بالفنرسية مقتبس من "المنقذ من الضلال" وكان قد سبق أن درسنا نفس النص في نسخته العربية في حصة سابقة
-مشاهدة مقاطع من فيلم "الغزالي، كيمياء السعادة"، وهي مقاطع ذات صلة وثيقة بمضمون النص (دوافع الشك، خداع الحواس، الشك في المعرفة العقلة، اسباب اضطرار الغزالي لحفظ الكتب عن ظهر قلب، اختيار طريق التصوف..)
-مناقشة

ملاحظة هامشية: كانت هذه تجربتي الأولى في إلقاء درس بالفرنسية، وقد بدا لي أن الفلسفة بالفرنسية ليست أصعب من الفلسفة بالعربية (نسبيا). في كلا الحالتين تظل الفلسفة "لغة" غامضة بغض النظر عن اللغة التي ندرس بها، إن لم نحسن تقريبها من أذهان الناشئة!

أتمنى لكم مشاهدة ممتعة ومرحبا بأية ملاحظات
 

Facebooktwitterredditmailby feather

فيديو درس تطبيقي إشكالية الحقيقة والرأي

فيديو درس تطبيقي. موضوع الحصة:إشكالية الحقيقة والرأي

حجرة الدرس هي المكان الحميمي للمدرس: نادرا ما يقبل هذا الأخير حضور أغيار معه في هذا الفضاء باستثناء التلاميذ طبعا. وحتى لو طلب منه مدرس مبتدئ الحضور من أجل الاستفادة، فسيقبل حضور هذا الضيف على مضض!! يبدو أن الأمر يحتاج إلى تحليل نفسي!
يمنح انغلاق هذا الفضاء للمدرس نوعا من العفوية والتلقائية وأيضا الثقة بل و “السيادة”. لكنه أيضا يحرمه من أهم شيء: النظرة الموضوعية النقدية للغير.. كما يحرم هذا الغير نفسه من فرصة الاطلاع والاستفادة من تجارب الآخرين.. وهكذا يجتهد كل واحد منا في إبداع درسه، لكن كل هذا المنتوج يندثر في نهر الزمن الجارف بمجرد انصرام الحصة.
أظن ان هذه أسباب كافية لكي نفتح الحدائق الخلفية ونكسر الجدران الإسمنتية السميكة لحجرة الدرس، وحيث أننا نعيش زمن تقنيات الاتصال والميلتيميديا حيث أصبح تسجيال الصوت والصورة والفيديو أسهل من إشعال عود ثقاب..! ، فلِم لا نقوم بتصوير بعض حصص دروسنا بالفيديو ونشرها عبر شبكة النت!!؟
أقدم لكم إذن هذا الفيديو الذي رفعته على يوتيوب، وتجدون فيه تسجيلا كاملا لدرس تطبيقي كنت قد أنجزته يوم 9 مارس 2011 الفارط بثانوة الفارابي أحد كورت، وحضره المشرف التربوي وحوالي 15 من السادة الأساتذة
موضوع الحصة: إشكالية الحقيقة والرأي (مساءلة تبخيس الرأي)
الدرس مقسم إلى اربعة أجزاء darss01 darss02.. إلخ
وكالعادة، مرحبا بأية ملاحظات أو تعليق. ذلك أن الدرس لايغو ملكا لصاحبه بمجرد ما ينجزه.

الجزء الأول من الدرس:

الجزء الثاني من الدرس:

الجزء الثالث من الدرس:

الجزء الرابع من الدرس:

Facebooktwitterredditmailby feather

احراق طار ق ابن زياد للسفن وحراكَة اليوم في قوارب الموت

احراق طار ق ابن زياد للسفن وحراكَة اليوم في قوارب الموت: التاريخ يعيد نفسه!؟

وضعية مشكلةوضعية مشكلة: ما العلاقة بين إحراق طارق بن زياد للسفن عند عبوره إلى إلاندلس، وحراكَة اليوم محاولين العبور إلى اسبانيا في قوارب الموت !؟؟
إليك هذا الحوار الطريف بين جد وحفيده حول تاريخ المسلمين وعلاقتهم بالغرب، والذي يمكن من خلاله أن يكتشف التلميذ بشكل بسيط، ويطرح بنفسه إشكاليات المحاور الثلاث: المعرفة التاريخية، التاريخ وفكرة التقدم، ودور الإنسان في التاريخ
 طارق والقوارب وإسبانيا
ذاك هو الشاطئ الإسباني هذا هو القارب ..!مرة ركبه المغربي طارق بن زياد واليوم يركبه المغربي المهاجر السري.لكن لماذا تمر علاقة المغربي، ماضيا وحاضرا، بذلك الشاطئ عبر عملية الحريكَ (أي الإحراق)!!؟
اانتبه م1- عوامل فشل الوضعية المشكلة: الحل المتسرع للمشكل
حيث أن الهدف من الوضعية المشكلة هو "وضع" التلميذ في "مشكلة"، فما أشبهها هنا بقنبلة ينتظر ان تحدث زوبعة ذهنية تخرج المتعلمين من لامبالاتهم وطمأنينتهم وإحساسهم بوضوح العالم و خلوه من أي جديد أو ألغاز محيرة!! باستثناء جديد التكنلوجيا وألغازها طبعا: جوال، MP4 ، دراجات نارية… والتي تبهرهم وتدهشهم وتخرجهم بالفعل من لامبالاتهم!
ولم يكن اختيار مجاز القنبلة عبثا! فانفجار القنبلة حدث يثير الاهتمام لدرجة الفزع، كما أنه يرغم المرء على "التصرف" و فعل شيء ما! وبالمثل يتعين على الوضعية-المشكلة أن تكون مثيرة فعلا للاهتمام والانتباه أولا ومحفزة على التفكير ثانيا،
ينتج عن ذلك أن المدرس مطالب -قبل بدء الحصة- بانتقاء وضعية مشكلة مثيرة للاهتمام حقا، تنطلق من معيش التلميذ وتمسه بشكل مباشر وتخاطب انشغالاته التي حتى لو حكمنا عليها بالتفاهة وأصررنا على انتشاله من شرنقتها، فلابد من مخاطبتها أولا لأنها مدخلنا الضروري إلى وجدان المتعلم المتعلم ومن ثم عقله، بحيث لا نترك له فرصة لعدم المبالاة، وهنا يتعين التمييز بين "الانشغالات العالِمة" و"انشغلات المعيش" وهكذا فالسؤال: هل توجد علاقة ثابتة بين كتلة الجسم وحجمه (الكتلة الحجمية)؟ هو انشغال عالم، انشغال ارخميدس فقط، في حين أن السؤال: كيف نعرف أن تاج الملك مصنوع من ذهب خالص هو "إنشغال معيش" أي انشغالل الملك صاحب التاج. لكن هذا لا ينفي أن هذا يقود إلى ذاك. وسنقول في هذه الحالة إن معرفة ما إذا كان تاج الملك من ذهب خالص أم مزيف هو الوضعية المشكلة؛
هذا عن دور المدرس وهو يعد الحصة وينتقي الوضعية، أما عن دوره أثناء الحصة، فيتمثل بالدرجة الأولى في الحفاظ على على أعلى درجات التوتر أثناء مسار الوضعية المشكلة
لذا أرجو ان يتجنب المدرس ما أمكن -في ما يخص الوضعية الحالية-أن تصل جماعة القسم إلى خلاصات من قبيل: "هناك تقدم في التاريخ" أو "إنها قرصنة أو جهاد بحري" أو "الرجال/الأبطال يصنعون الظروف او الظروف تصنع الرجال/الأبطال"… وإلا سنكون قد أبطلنا مفعول القنبلة بأيدينا ونقضنا غزلنا !! لأنه إن حصل ذلك، فقد تحولت الوضعية المشكلة إلى وضعية مريحة، او تحولت إلى لحظة من لحظات البناء الإشكالي حيث يتم تقديم موقف فلسفي من خلال نص كإجابة ممكنة على السؤال المفترض (طبعا، قبل مناقشته ومساءلته لاحقا للانفتاح على غيره)

2- عوامل نجاح الوضعية المشكلة:
أ-تأزيم كل جواب ممكن

لكي تكون الوضعية المشكلة وضعية-مشكلة بالفعل، على المدرس أن يحاول بكل الوسائل الممكنة البرهنة على استحالة الجواب أو تأجيله على الأقل ! ألم يقل برغسون: إن الفلسفة هي فن طرح السؤال وتأجيل الجواب باستمرار، ولا يفعل المدرس في هذه الحالة غير لعب دور سقراط: إثبات التناقضات أو الإحراجات الممكنة التي تنجم عن قبولنا بجواب المحاور !!
ينبغي أن نمنع بكل وسيلة ممكنة اللقاء الذي يحاول التلاميذ جاهدين إقامته بين السؤال وجواب ما، للتخلص من حالة التوتر التي احدتثها الوضعية المشكلة، للعودة على حالة التوازن والطمأنينة الأولى

لأجل ذلك، على المدرس أن يكون مستعدا لتأزيم أي جواب قد يقترحه التلميذ !؟ وهذا يتطلب يقظة ذهنية وحضور بديهة تستنزف الطاقة الفكرية للمدرس والتلاميذ على السواء

ب-وضوح الإشكال في ذهن المدرس
بيد أن تأدية الوضعية المشكلة لوظيفتها البيداغوجية والمتمثلة في انبثاق السؤال بشكل تلقائي وطبيعي وغير مصطنع يتوقف على مدى وضوح الإشكالات أصلا في ذهن المدرس، أقصد الإشكالات التي يفترض أن تمضي نحوها الوضعية-المشكلة، لأننا نخوض غمار حصة الوضعية المشكلة ونحن على علم مسبق بما نود طرحه والتساؤل عنه دون أن ينفي ذلك إمكانية توصل الجماعة المفكرة/جماعة القسم إلى استنتاجات وأسئلة لم تكن متوقعة، ويمكن استدماجها في الصياغة النهائية للإشكال حسب درجة ملاءمتها!
وقد يعترص علي بالقول: بأن هذه لعبة مصطنعة مادمت تعرف مسبقا إلى أين تود قيادة تلامذتك !!
وأجيب نعم، ولا إمكانية لخلاف ذلك !! لايمكن للمرء أن يحسن "قيادة العقل" مالم يعرف إلام يقود عقله! وليس ذلك بقادح في وظيفة الوضعية المشكلة، خصوصا وأن الإشكال المصاغ في النهاية لايتجسد بالضرورة في نفس العبارات والأسئلة والتراكيب في كل الأقسام التي نقوم بتدريسها، بل يتلون بشيء من المسار الخاص الذي عرفه النقاش مع كل قسم على حدة. و.. من الممكن أن تكتسب أسئلتنا التي نحمل في أذهاننا مسبقا خصوبة إشكالية غير متوقعة من قسم لآخر او من سنة لأخرى، لكن لا أحد يستطيع الادعاء بالخروج عن الإطار الإشكالي العام الذي يرسمه المنهاج أو المؤسسة

نص الحوار:

الجد: ألا تكف عن مشاهدة هذه الأفلام الوثائقية يا بني !
الحفيد: إنها مهمة جدا يا جدي ! إن هذا البرنامج مثلا يتحدث عن نشأة الكون والانفجار العظيم، وكيف كان الكون عبارة عن غاز وكيف كانت الأرض في البداية مجرد كرة ملتهبة…
الجد: ولكن كل ذلك …
الحفيد(مقاطعا): نعم، نعم ستقول إن كل ذلك موجود في الكتاب والسنة
الجد: بل وأكثر من ذلك، فهذه العلوم إنما أخدوها عن المسلمين الذين كانوا سباقين إلى دراستها في أيام مجدهم الغابر
الحفيد: الذين اخدوها عن اليونان، الذين أخدوها عن البابليين والآشوريين والفراعنة.. المهم أن كل من يأخد عن سابقه يطور ما وصل إليه ويزيد فيه
الجد: يطور؟! أي تطور هذا!؟ إنهم يسيرون نحو الهاوية
الحفيد (مبتسما) نعم ! أعرف يا جدي : الزنا، التبرج، التفكك الأسري… ولكن اعترف ولو مرة واحدة أن الإنسانية بوجه عام قد تقدمت حتى من الناحية الأخلاقية. خد مثلا إلغاء الرق، تحسين الوضع القانوني للمرأة، ثم من الناحية المادية: القضاء على بعض الأوبئة، اكتشاف لقاحات الأطفال، الحد من خطر المجاعات والكوارث الطبيعية
الجد: هذا كله صحيح، ولكنهم فرطوا في دينهم ، وقد تبعناهم في ذلك مقلدين، بحيث لو دخلوا جحر ضب لدخلناه وراءهم !! ألا ترى معي يا بني أن أفضل القرون هو قرن الرسول (ص) والصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ولن نفلح إلا بالاقتداء بهم والرجوع إليهم، أنظر إلى التاريخ تجد الأمة تتهاوى فيظهر مصلح مجدد يحيي السنة ويرفع شأن الأمة ، ثم ما تلبث أن يدب فيها التخاذل
الحفيد: نعم يا جدي ! ولكن أنت دائما تنظر إلى أحداث الماضي من زاوية خاصة فقد عرف أجدادنا أيضا الفتنة الكبرى وقتل علي وبنوه، ودخل المغول بغداد، ونصب محمد علي للمماليك مذبحة القلعة الشهيرة… ثم ألا ترى معي أن هناك تقدما أخلاقيا ودينيا رغم كل ذلك: ازدادت اعمال الخير والتبرعات، و عدد المساجد وكثرت نسخ المصحف الشريف،وكثر حفظة القرآن ودارسوه مع أن جدتي مثلا كانت بالكاد تحفظ سورتين صغيريتين من القرآن بشق الأنفس… أما عن حب المال والجشع والأنانية، فهذه سنة الله في أرضه
الجد: كلا يابني ! كان أجدادنا أقل إقبالا على الدنيا وأكثر اهتماما بالآخرة، لذلك أقبلت عليهم الدنيا وفتحت لهم مشارق الأرض ومغاربها. خد مثلا فتح الأندلس، أنظر إلى شجاعة طارق بن زياد الذي أحرق السفن حتى لايفكر جنوده في التراجع أو التخاذل!!
الحفيد: لقد تغير العالم ياجدي! لم يعد ممكنا الانتصار عليهم بحرق السفن.
الجد: نعم لأن الرجال لم يعودوا هم الرجال! لم أقل اننا سننتصر عليهم بحرق السفن ولكننا نحتاج رجالا من طراز أولئك الذين أحرقوا السفن..
الحفيد: لا أتفق معك إلا جزئيا، لأن المسألة ليست مسألة رجال، بل ظروف تتجاوز الرجال! عندما اكتشف الأوروبيون طريق رأس الرجاء الصالح استغنوا من وساطة المسلمين، وعندما اكتشفوا أمريكا تضاعفت ثرواتهم، وعندما بدأت نهضتهم اخترعوا المدفع والبارود… هل يمكن للرجال إن وجدوا أن يتحدوا كل هذه المعطيات التي ساهمت في إضعافنا وفي تقويتهم، وينتصروا على أوروبا؟
الجد: لعلك تريد القول أن الظروف لم تعد مواتية لنصرنا، بيد أن الرجال هم الذين يصنعون الظروف المواتية ويكسرون شوكة الظروف المعاندة..
الحفيد: أرى أننا سنعود مرة أخرى إلى نقاشنا الشهير، لن أجادلك أكثر (مبتسما)… بالنسبة لقصة حرق السفن، هل هناك دليل مادي على حرقه لجميع السفن؟ هل تم إنجاز تنقيب أثري في عرض البحر حيث المكان المفترض لهذه الحادثة؟ رأيت مثلا منذ أيام وفي أحد هذه البرامج الوثائقة التي لا أكف عن مشاهدتها (مبتسما) أنهم عثروا مؤخرا قبالة الساحل الإنجليزي على بقايا سفينة مغربية تعود إلى عدة قرون خلت ووجدوا أغراض البحارة وأسلحتهم بما في ذلك نقودا تحمل نقوشا عربية إسلامية، واستغرب المؤرخون كيف أن القراصنة الموريسكيين وصلوا حتى هذه النقطة!!
الجد: أولا لم تكن قرصنة، بل جهادا بحريا؛ وبالعودة إلى قصة طارق بن زياد فلا يمكن أن يتطرق إليها الشك، فقد تناقلها الرواة والمؤرخون ولا يمكن أن يجتمعوا على الكذب، ولو لم تحدث القصة أصلا ماذكروها
الحفيد: صدقت، ولعل أعمال الحفريات والتنقيب تكشف عنها يوما ما . ولكن (مازحا) ألا تلاحظ يا جدي أن حفدة طارق بن زياد لا زالوا يقتدون به في تعاملهم مع الشاطئ الإسباني؟!هم أيضا "يحْركَون" أي يحرقون، ولكن ماذا يحرقون؟!
الجد: آه منك أيها الشقي !!!
:icon_biggrin:

بعض امكانيات استثمار الحوار في أفق طرح إشكالات مفهوم التاريخ (كما يحددها المنهاج):

دفع التلميذ إلى أن يكون طرفا في الحوار بين الجد وحفيده، وذلك في مرحلتين:
أولا- استخراج وتحديد القضايا الخلافية بين الجد وحفيده مثل:
1- هل أبدع الأوروبيون في نهضتهم ام نقلوا واستغلوا ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية ماضيا؟
2- ماهو المسار الذي تمضي نحوه الحضارة العاصرة (الحضارة الغربية)؟ مسار تقدم ام انحطاط؟
3-هل الأفضل هو لحظة نمضي نحوها أم لحظة مضينا منها وعلينا استعادتها؟ هل الأفضل أمامنا أم وراءنا؟
4- هل تخلفنا يعود إلى ظروف موضوعية أم إلى غياب "الرجال" أي ضعف الإيمان والعزيمة؟
5-كيف نتحقق من بعض الوقائع في تاريخنا؟ كيف نعرف ان القصة الفلانية أو الحدث الفلاني قد وقع فعلا وبالشكل الذي يروى به اليوم؟
6-كيف نقوم بتوصيف المعارك الحربية التي شهدها الماضي بين سفن المسلمين والسفن الأوروبية؟ هل يتعلق الأمر بقرصنة أم بجهاد بحري؟
7-هل يمكن القول أن التاريخ يعيد نفسه من خلال المماثلة بين إحراق طارق بن زياد للسفن وحراكَة اليوم في قوارب الموت؟

ثانيا-مناقشة هذه القضايا الخلافية، وإبداء الرأي فيها، ومن الممكن تكوين مجموعتين من التلاميذ تضم كل مجموعة من اختار هذا لجواب او ذاك، وتحاول كل مجموعة بسط حججها ودلائلها…
ويمكن للمدرس في نهاية هذه المناقشات أو أثناءها أن يساعد التلاميذ على اكتشاف أن السؤالين 2و 3 تتعلق بمنطق السيرورة التاريخية، في أي اتجاه تمضي هذه السيرورة (محور: التاريخ وفكرة التقدم)
وأن السؤال رقم 4 ينفتح بنا على إشكالية دور الإنسان والذات في صناعة الأحداث التاريخية ومن م صناعةالتاريخ وتوجيه دفته،وهو إشكال قريب إلى حد ما من إشكال المحور الأخير في درس الشخص: الشخص بين الضرورة والحرية، والفرق الوحيد هو ان الشخص أصبح تحديدا الفاعل التاريخي (محور: دور الإنسان في التاريخ)
وأن السؤالين 5 و 6 يتعلقان بمشكلة المعرفة التاريخية؟ وشروط علمية هذه المعرفة: الدقة، الواقعية، الموضوعية، أساليب التحقق من حدث ولى وانقضى… (إمحور: شكالية المعررفة التاريخية)

Facebooktwitterredditmailby feather

الشك الفلسفي في مواجهة الأشباح

من رسائل اسبينوزا الفلسفية (حول موضوع الأرواح والأشباح)

تقديم حول الرسائل وتوظيفها الديداكتيكي

من المفروض أن يكون درس الفلسفة – وهو أول درس مقرر للسنة الأولى بكالوريا (أنظر الكتاب المدرسي للسنة الأولى ،الطبعة الأولى 1995) – فرصة يلتقي فيها التلميذ لأول مرة بهذه المادة الدراسية الجديدية التي يملك عنها مسبقا عددا لابأس به من التصورات والتمثلات.
في ظل هذه الشروط يكون اللقاء الأول حاسما في رسم العلاقة المعرفية والوجدانية التي ستربط المتعلم بهذه المادة الدراسية مستقبلا.
لكن الملاحظ أن هذا الدرس – وعوض ان يكون فرصة لممارسة التفكير الفلسفي والإستئناس به وإكتشاف خصائصه على نحو إستقرائي ينتقل من الخاص والمحسوس إلى العام والمجرد، فإن المادة المعرفية وكذا النصوص التي يحفل بها الكتابب المدرسي تراهن على إختيار ديداكتيكي مغاير: فعوض الدخول في الفلسفة حسب عبارة هيدغر يتم الإكتفاء بالوقوف على عتباته، وعوض التعرف على التفكير الفلسفي وهو يشتغل En acte ، يتم الإكتفاء بخطاب ميتافلسفي لايفهمه الأستاذ إلا لأنه على إضطلاع على المتن الفلسفي الأول الذي تحاول هذه النصوص وصفه و وإبراز آليات إشتغاله…
ومن الملاحظات الصفية ذات الدلالة أن بعض التلاميذ يستعلجون أحيانا نهاية درس الفلسفة للشروع في درس الطبيعة حيث تتاح لهم للمرة الأولى ان يمارسوا او يتابعوا الأستاذ وهو يحوض بهم مغامرة التفكير الفلسفي في موضوع محدد وهو مفهوم الطبيعة عامة والطبيعة الإنسانية خاصة.
وبعبارة أخرى، هناك حضور قوي للمنهج الإستنباطي على حساب المنهج الاستقرائي: حيث نلقن التلميذ خصائص ومميزات الخطاب الفلسفي، قبل أن يتعرف على هذا الخطاب ذاته، يقرأ الميتا-فلسفة قبل الفلسفة. كأننا نعلمه قواعد لغة ما قبل أن يسمع أية جملة في هذه اللغة! ، في حين أن نظريات “بناء المعرفة” تلح على ضرورة مد المتعلم بالمعطيات والمواد و تكليفه بمهمة بنينة هذه المعطيات أو بناء قواعد إشتغالها وانتظامها ..
تقدم لنا رسائل اسبينوزا حول الأشباح والأرواح متنا فلسفيا تعليميا فريدا من نوعه من حيث أنه يقدم للمتعلم مادة التفكير الفلسفي تاركا له مهمة استخراج “صورتها” أي آليات اشتغال هذا الخطاب
تبادل اسبينوزا هذه الرسائل مع صديقه “بوكسيل” الطالب في كلية الحقوق، وقد جاءت المبادرة من هذا الأخير عندما بعث لفيلسوف أمستردام رسالة قصيرة يستفسر أو “يستفتي” حول صحة وجود الأشباح والأرواح
فيم إذن تساعد رسائل إسبينوزا الفلسفية على تجاوز هذه المعضلة؟
يتميز هذا المتن الفلسفي الفريد بالخصائص التالية:

  • — الأهمية الوجدانية للموضوع، فإذا كانت الفلسفة رغبة في المعرفة فإن هذا الموضوع الغامض والغريب insolite يوفظ هذه الرغبة ويذكيها. مستدعيا من التلميذ استثمارا وجدانيا يذكي الرغبة في التعلم.
  • — أن هذه الرسائل وعلى خلاف النص – المجتزأ بالضرورة من سياقه وهو النص الأكبر أي الكتاب – تقدم متنا مكتملا لانحتاج أبدا إلى معرفة مسبقة بسياقه.
  • — أن اسبينوزا يقدم مثالا حيا للفكر الفلسفي وهو يشتغل بدءاً من تلقي القضية مرورا بأشكلتها وصياغتها ضمن لغة ومفاهيم فلسفية، وانتهاءا بمعالجتها وفحص مختلف جوانبها وأبعادها
  • — أن هذه الرسائل تقدم بشكل ملموس مختلف حصائص التفكير الفلسفي: البناء المفاهيمي والإشتغال على اللغة من أجل التحديد الدقيق لدلالات الألفاظ والحدود دفعا لكل لبس، أشكلة القضية على نحو يقصي المعالجات السطحية المباشرة ويظهر عدم كفايتها، توظيف مختلف أشكال المحاجة والجدل بما فيها : البرهان بالخلف، الإستدلال بالمماثلة ، التهكم والسؤال الإحراجي، النقد سوا تعلق الأمر بنقد الحجاج بالسلطة أو نقد المصادر والروايات التي يسوقها مخاوره لإثبات دعواه…

تتبع خصائص التفكيير الفلسفي في الرسائل

ملاحظات متن الرسائل التمفصلات الكبرى
(1)صياغة أولية للقضية أو الإشكال: حيث يتوجه بوكسيل بأسئلته إلى الفيلسوف حول طبيعة الأرواح وخصائصها
(2) لكنه ينتبه في الأخير إلى أن اسبينوزا سينكر وجودها أصلا- حجج بوكسيل في هذه المرحلة:
(أ) السلطة المعرفية لعلماء اللاهوت والفلاسفة؛
(ب) عدد هائل من الوقائع والقصص التي يستحيل الشك فيها
من بوكسيل إلى اسبينوزا14 شتنبر 1674

سيدي المحترم،
إليك السبب الذي دفعني لمراسلتك: فقد أحببت أن أستطلع رأيك في موضوع الأشباح والأرواح، وإذا صح وجودها فكم يدوم ظهورها؟ ومارأيك في قول البعض بخلودها وقول آخرين بفنائها(1). مما جعلني في حيرة من أمري. لكن، من الأكيد ان القدماء قد اعتقدوا بوجودها، كما أن علماء الدين والفلاسفة المحدثين (أ)يعتقدون بوجود كائنات من هذا القبيل رغم اختلافهم حول ماهيتها وطبيعتها. فالبعض يرى أنها مخلوقة من مادة لطيفة شفافة، بينما يصرح آخرون أنها أرواح خالصة بدون أجسام أو مادة.
وإني لأتوقع مسبقا أنك ستخالفني الرأي في وجود الأشباح والأرواح(2) رغم هذا العدد الهائل من القصص والوقائع التي خلفها لنا القدماء والتي يستحيل الشك فيها أو إنكارها (ب). وحتى لو أقررت بوجود الأشباح والأرواح، فلاأخالك توافق أنصار العقيدة الكاثوليكية في كونها أرواح الموتى عادت تجول بيننا.
أكتفي بهذا القدر، ولاداعي أن أثقل عليك بأنباء الحرب والأخبار السيئة الأخرى المتداولة بين الناس في الآونة الأخيرة.

طرح القضية موضوع المراسلة، والتي ستغدو موضوع جدل لاحقا.
(3) شمولية الخطاب الفلسفي: ما من موضوع، شيئا ماديا كان أو فكرة، حقيقة أو وهما إلا ويتناوله التفكير الفلسفي.
(4) إعادة صياغة القضية أو الإشكال بطرقة استفهامية تذكرنا بالجهل المنهجي على شاكلة الجهل السقراطي!
(5) معرفة الشيء تقتضي تحديد ماهيته .والحواس أحد مصادر هذه المعرفة
(6)الفلسفة تحليل لأنماط التفكير والخطابات السائدة: هنا تحليل نمط التفكير المتبع لإثبات وجود الأشباح: قصة —> معطيات غامضة—> استنتاج وجود شيء ما —> اطلاق إسم الأشباح عليه!
(7) التهكم الذي يذكرنا بالتهكم السقراطي
(8) تحليل ” نفسي” لوجود الأشباح: إنها الرغبة في الشهرة والرغبة في تشكيل الأحداث وفق أهوائنا.
(9) التعامل النقدي مع مصادر المعرفة: و يتجلى هنا بوضوح كيف ينظر  الفكر الفلسفي فيما وراء الوقائع  والظواهر باحثا عن عللها الخفية
من إسبينوزا إلى بوكسيل:

لقد سرتني كثيرا رسالتك الأخيرة، فإضافة إلى كونها طمأنتني على أحوالك، فقد أثبتت انك لم تنس صديقك بعد.
من المؤكد ان كثيرا من الناس سيتشاءمون ويتطيرون، إذا علموا أن  الأشباح والأرواح هي موضوع مراسلتك لي، لكن الموضوع عندي لايخلو من أهمية، إذ لاتفيدني معرفة الحقيقة وحدها، بل أستفيد من معرفة ودراسة الأوهام والخيالات أيضا (3).
لندع جانبا البحث في ما إذا كانت الأشباح مجرد أوهام وخيالات، لأن إنكار وجودها أو حتى مجرد الشك فيه أمر مهول غير مقبول في نظرك ونظر كل أولئك الذين اقتنعوا تماما بقصص القدماء والمحدثين ورواياتهم.
صحيح إن التقدير والإحترام الكبيرين اللذين أكنهما لك يمنعاني من مناقضتك، لكنهما أيضا لايسمحان لي بمجاملتك. ولذلك فمن بين كل قصص الأشباح والأرواح التي قرأتها، أود أن تختار لي واحدة يستحيل الشك فيها، يتبين منها بجلاء وجود الأشباح والأرواح. فعلى حد علمي، لم أقرأ لأي كاتب جدير بالثقة مايثبت وجودها. ولاأعرف لحد الآن بالضبط ماعسى أن تكون هذه الأشباح (4)؟ ولم أجد أحدا قادرا على إخباري بحقيقة أمرها. من المؤكد أن ماثبت بالتجربة والحواس لابد من معرفة ماهيته (5)، وإلا فمن الصعب أن نستنتج من قصة ما وجود الأشباح. صحيح انهم يستنتجون وجود شيء ما (6). لكن من ذا لي يخبرني بماهية هذا الشيء؟ إذا أحب الفلاسفة ان يسموا مانجهله اشباحا فلا مانع عندي، فهناك مالايحصى من الأمور التي أجهلها.
وأخيرا، سيدي، أود لو أنك تشرح لي جيدا ماهية هذه الأشباح أو الأرواح:هل هي أرواح الحمقى أم الأطفال أم السذج ؟ (7) فما سمعته لحد الآن مما تتناقله الأفواه لايصدر إلا عن ناقصي العقل او معتوهين لاعن الذين يتمتعون بالحس السليم. إنها أشبه ماتكون بالسخافات وطرائف الحمقى.
وقبل الختام أدعوك إلى ملاحظة مايلي: إن الرغبة (8) هي التي تدفع الناس إلى رواية الأحداث لاكما تقع بالفعل بل كما يرغبون في أن تقع. تحذوهم رغبة خفية في أن يذيع صيتهم بين الناس من خلال قصص الأشباح والأرواح بطريقة أسهل من رواية الأمور الجادة.
لكن ماسبب ذلك ياترى؟
ليس على هذه القصص من شهود غير رواتها (9) الذين ابتكروها. فما أسهل أن يضيفوا أو يحذفوا مايروقهم دون خشية معترض أو مكذب: هكذا يخترع بعضهم قصصا ليبرر ماحصل له من فزع في أحلامه، بينما يختلق آخر مايثبت جرأته وسلطته أو رأيه بين الناس.
وبالإضافة إلى هذه الأسباب، فقد وجدت مبررات أخرى تدفعي إلى الشك في مثل هذه القصص أو على الأقل في تفاصيل وظروف حدوثها.
أكتفي بهذا القدر إلى حين أن تذكر بعض هذه القصص التي أقنعتك بإستحالة الشك قي وجود الأشباح والأرواح.

معالجة أولية للموصوع حيث تظهر بجلاء خصائص التفكير الفلسفي ومتطلباته
(10) يعتقد بوكسيل أن إنكار الفيلسوف لوجود الأشباح ليس سوى عبارة عن حكم مسبق صادر عن الشك القبلي لدى الفلاسفة.
(11) هذه المرة، يطور بوكسيل حججه :
(أ) استدلال قائم على فكرة الكمال والجمال؛
(ب) استدلال احتمالي؛
(ج) استدلال استلزام منطقي؛
(د) استدلال يستثمر معطيات فيزيائية
(12) يعود بوكسيل إلى حجاجه المفصل: القصص وشهادات المؤلفين ذائعي الصيت.
(13) تعبير بوكسيل عن شيء من الحس النقدي في تعامله مع الروايات
من بوكسيل إلى اسبينوزا:21 شتنبر 1674


لم أكن أتوقع من صديق صريح مثلك جوابا آخر غير الذي تلقيت منك. فإختلاف الرأي لايفسد للود قضية. لقد سألتني قبل أن الإفصاح عن رأيك أن أخبرك عن حقيقة هذه الأشباح. هل هي أرواح أطفال أم أرواح سذج أو مجانين؟ وأضفت أن كل ماسمعته لحد الآن لايصدر عن ذوي الحس السليم وإنما عن المعتوهين والمخبولين.
لكن تمهل .ولاتنس الحكمة القائلة بأن الأحكام المسبقة (10) تحول دون بلوغ الحقيقة. والآن، إليك الأسباب (11)التي تدعوني إلى الإعتقاد في وجود الأشباح والأرواح:

  • – أولا، وجودها ضروري لجمال الكون وكماله؛ (أ)
  • – ثانيا، لايبعد أن يكون الخالق قد أوجد مثل هذه الكائنات الروحانية، فهي أقرب إلى طبيعته من الكائنات المادية ذوات الأجسام؛ (ب)
  • – ثالثا، وكما توجد أجسام بدون أرواح، فلا يبعد أن توجد أرواح من غير أجسام؛ (ج)
  • – وأخيرا، فلاشك أن الفضاءات الشاسعة الفاصلة بيننا وبين النجوم ليست فارغة بل مأهولة ومسكونة.ومن المحتمل أن تكون الفضاءات الأعلى مسكونة بالأرواح الخالصة بينما تمتلئ الفضاءات الأدنى بكائنات من مادة لطيفة دقيقة وغير مرئية. (د)


أستنتج من ذلك وجود أشباح وأرواح من كل نوع وصنف، ربما، باستثناء الجنس المؤنث. قد لاتقنع هذه الحجج أولئك الذين يعتبرون الكون موجودا بالصدفة. فلندعها جانبا. وللنظر إلى تجربتنا اليومية، ألا تدلنا على وجود الأشباح والأرواح؟ ألا تسمع من حولك قصصا كثيرة قديمة وحديثة بشأنها؟ (12)
أنظر مثلا في كتاب بلوتاركPlutarque ستجد في كتابه ” مشاهير الرجال” كما في كتبه الأخرى قصصا كثيرة عنها. وفي كتاب “حياة القياصرة” لـــ سيتيونSétuone وفي كتاب “الأشباح” لـــفييرWeir و لافاطارLavatar . أما كادرانCadran المعروف بغزارة علمه فقد ذكر الأشباح والأرواح في بعض كتبه، وأثبت من خلال بعض التجارب أنها تراءت له ولوالديه وأصدقائه. وقد شهد ميلانكتون Melanchton المعروف بمحبته للحكمة والحقيقة وآخرون كثيرون بنفس الشيء.
وقد قص علي أحد القناصل المعروف بعلمه واتزانه أنه سمع ذات ليلة في مختبر أمه صوت عمليات تحضيرالنبيذ بنفس الطريقة التي ينجز بها نهارا حين وضعه فوق النار، وقد تكرر الحادث غير ما مرة.
هذه إذن هي الحجج التي تدعوني إلى الإعتقاد بوجود الأشباح والأرواح كما ذكرت لك. أما فيما يخص الأرواح الشريرة التي تطارد البائسين في الحياة الدنيا أو الآخرة، فإنها تخص السحرة وأعدها مجرد خرافات. إضافة إلى ذلك ستجد قصصا وحالات أخرى كثيرة في رسالة بلين الصغير إلى سورا sura ،و سيتيونSuéton في كتابه “حياة يوليوس قيصر” و فالير ماكسيم في الكتاب الأول وخصوصا الفصل الثامن؛ ثم أليساندرو أليساندري في مؤلفه “أيام الأعياد”. وكلها كتب توجد في حوزتك على ماأعتقد.
إني لاأتحدث هنا عما يرويه الرهبان والقساوسة (13) بخصوص الأرواح الشريرة أو لنقل أساطير الأشباح الكثيرة المملة كما نجد في كتاب “رؤى الأرواح” لصاحبه اليسوعي ثيووسThyaus فهؤلاء لايهدفون سوى إلى إثبات وجود المطهر Purgatoire  [ ليسنى لهم بيع صكوك الغفران]، ذلك المنجم الذي يدر عليهم ذهبا وفضة كثيرة. في حين أن المؤلفين الذين أتيت على ذكرتهم بعيدون ومنزهون عن هذه الأغراض الدنيئة ومن فهم يستحقون الثقة والإحترام.
لن أرد على كلامك المتعلق بالحمقى والسذج، بل سأكتفي بهذه الخلاصة التي أنقلها عن لافاطار من كتابه حول الأشباح والأرواح: ” إن من يتجرأ على إنكاركل هذه الشهادات المتواترة للمتقدمين والمتأخرين غير جدير بالثقة . فإذا كان التصديق المتسرع لكل من يدعي رؤية الأرواح ضربا من الحماقة، فأن الإصرار والمجازفة بتكذيب كل الروايات الصادرة عن الكتاب الموثقين هو أيضا ضرب من التهور.”

يطور بوكسيل حجاجه لإكسابه مزيدا من القوة  والصرامة والتماسك
(14) التهكم الذي يهدف إلى إظهار تهافت معتقدات الخصم
(15) تحليل حجج الخصم أو بالأحرى تفكيكها بحثا عن أسسها وافتراضاتها الضمنية.
(16) الإشتغال على المفاهيم: هنا، تحليل مفهومي الكمال والجمال,
(17) أسماء لحيوانات ومخلوقات أسطورية موغلة في الغرابة.
(18) الجهل أو التجاهل المنهجي مرة أخرى !
(19) معيار الوضوح والتميز الذي نجده أيضاعند ديكارت: المعرفة الحقة هي تلك التي نملك حول موضوعاتها أفكارا يدركها العقل بوضوح وتميز.
(20) عكس حجة الخصم أو الدفع بها إلى نتائجها القصوى لإظهار عدم تماسكها او عدم صلاحيتها او استحالة تعميمها أو تناقض ما يترتب عنها.
(21) تعامل الفكر الفسفي مع الإعتقادات المتداولة بالكشف عن فرضياتها الضمنية ،
من إسبينوزا إلى بوكسيل:( لاهاي في شتنبر 1674)

لقد سرني قولك بأن إختلاف الرأي لايفسد للود قضية، وشجعني لأعبر لك بكل صراحة عن رأيي في الحجج والروايات الكثيرة التي سقتها لتستنتج منها وجود أنواع لاتحصى من الأشباح والأرواح بإستثناء الجنس المؤنث.
وإذا كنت قد تأخرت في الرد عليك، فلأن يدي لم تقع على الكتب التي أشرت إليها بإستثناء كتابي بلين و سيتيون، بيد أني مقتنع بأني غير محتاج إلى البقية، فهم جميعا يبالغون بنفس الطريقة و يتمادون في رواية القصص العجيبة التي تملأ الناس دهشة وإبهارا.
وأنني لاأتعجب من هذه القصص بقدر ماأتعجب لهؤلاء المؤلفين ذووي العقول الراجحة والذين يستغلون بل ويسيئون استعمال كل مواهبهم لإقناعنا بمثل هذه الترهات. لكن لندع المؤلفين جانبا ولننتقل إلى صلب الموضوع مبتدءا بالخلاصة التي انتهيت إليها في رسالتك الأخيرة.
حسنا: هل أنا الذي ينكر وجود الأشباح والأرواح هو العاجز عن فهم هؤلاء الكتاب أم أنت الذي تحمل شهاداتهم أكثر مما تطيق عندما تصر على إثبات وجود الأشباح والأرواح؟
إذا كنت لاتشك أبدا في وجود أشباح وأرواح من الجنس المذكر وتستبعد وجود أشباح وأرواح من الجنس المؤنث، فهذا شك أقرب إلى الهوى منه إلى الشك الحقيقي. وإذا صح أنه رأيك بالفعل، فهو لايختلف مثلا عن إعتقاد العامة والحس المشترك بأن جنس الله مذكر لامؤنث !. وإني لأستغرب كيف أن الذين يدعون رؤية الأشباح عارية – على مايبدو- لم يحسموا الأمر فينظروا إلى أعضائها الجنسية؟ أمنعهم الخوف أم الجهل؟ (14)
حسنا، لقد جنحت إلى الدعابة المزاح (14)، ليس لعجزي عن الإستدلال، ولكن لآن إستدلالاتك بدت لي أقرب إلى الظن والتخمين منها إلى الحجج البرهانية.
ومع ذلك، دعنا نفحص حججك(15):
تقول إن ” وجودها ضروري لجمال الكون وكماله” فاسمح لي أن أوجه عنايتك سيدي إلى أن الجمال ليس صفة للموضوع الملاحظ، بقدر ما هو انطباع نابع من الملاحظ: فلو أن حدة إبصارنا كانت أقوى أو أضعف، أو لو أن تكوين أجسامنا كان مختلفا، لبدا لنا مانحسبه الآن جميلا ذميما والعكس صحيح. وإن أجمل كف لتبدو في غاية البشاعة تحت المجهر. وبالمثل تبدو بعض الأشياء جميلة رائعة عن بعد، بشعة قبيحة عن قرب. وبالتالي فالأشياء في حد ذاتها أو بالنسبة للذات الإلاهية ليس لا بالجميلة ولا بالقبيحة.
أما أولئك الذين يعتقدون أن الله قد خلق الكون ليكون جميلا، فعليهم أن يفترضوا أحد أمرين: إما أن الله قد خلق الكون ليتوافق مع رغبات الإنسان وعيونه؛ أو أن رغبات الإنسان وعيونه قد خلقت لتتوافق والكون.وكيفما كان الحال، فإني لاأستطيع أن أتصور كيف يحقق خلق الأشباح والأرواح هذه الفرضية أو تلك؟
من جهة ثانية، فالكمال أو عدم الكمال لايختلفان كثيرا عن مفهومي الجمال والقبح، وتجنبا للإطالة، دعني أسألك سؤالا واحدا: ماذا يضيف إلى كمال الكون ورونقه خلق الأشباح؟ أو هذه المسوخ الكثيرة مثل القنطورس أو الهدرة أو البعنق أو الستير أو العنقاء (17) وآلاف الترهات الأخرى؟ صحيح أن الكون سيكون أكثر زخرفا لو رتب وفق نزوات أهوائنا وزين بكل هذه الكائنات التي يحلم بها ويتخيلها دون عناء كثير من الناس وما من أحد منهم يستطيع فهمها.
تقول في حجتك الثانية: ” مادامت الأرواح ثعكس الطبيعة الإلاهية أفضل من الكائنات الجسمية، فلا يستبعد أن يكون الله قد خلقها”
إني لحد الآن أجهل فيم تعكس الأرواح الطبيعة الإلاهية أفضل من الكائنات المادية؟ (18) وكل ماأعلمه هو أنه لاوجه للمقارنة بين المتناهي وااللامتناهي، بحيث أن الفرق بين الله وأعظم الكائنات وأضخمها كالفرق بينه وبين أضعفها وأصغرها. ثم لو أني كنت أملك فكرة واضحة  (19) عن الأشباح والأرواح كتلك التي أملكها عن الدائرة أو المثلث مثلا لما ترددت في موافقتك الرأي بأنها من مخلوقات الله. بيد أن ماأجده في فكري لايختلف عما تصوره لي مخيلتي حول الهدرة والبعنق والعنقاء…فهي إذن مجرد أوهام تختلف عن الله كما يختلف الوجود عن العدم.
أما حجتك الثالثة، فليست أقل سخفا من سابقتها: لقد قلت بأنه مادام ممكنا وجود أجسام بدون أرواح، كذلك لايبعد أن توجد أرواح بدون أجسام.
لكن، أجبني رجاءا  ألا يحتمل كذلك أن نعثر على سمع أو ذاكرة أو بصر إلخ… بدون جسم لآننا نجد أجساما دون ذاكرة أو سمع أو بصر إلخ…؟ أو نجد قرصا بدون دائرة نظرا لوجود دائرة بدون قرص؟
(20)
أما حجتك الخامسة والأخيرة فمادامت لا تختلف عن حجتك الأولى، فإني أحيلك إلى جوابي على هذه الأخيرة، وأعترف لك أني حقيقة أجهل هذه الفضاءات العليا والدنيا التي تتجدث عنها اللهم إلا إذا كنت تعتبر الأرض مركز الكون (21). ولو كانت الشمس أو المشتري هو المركز لكان أحدهما هو المكان الأدنى أو الأعلى لا الأرض.
أستنتج إذن أن هذه الحجج وأمثالها لن تقنع بوجود الأشباح والأرواح إلا أولئك الذين يولون ظهورهم للعقل ويستسلمون للخرافات. والخرافة أشد أعداء العقل السليم بحيث أنها تعلي من شأن العرافين والمشعوذين لتنتقص من قدر الفلاسفة. أما بخصوص القصص والروايات، فقد سبق أن ذكرت في رسالتي السالفة أني لاأنكرها جملة وتفصيلا، بل أنكر النتائج التي تستخلص منها؛ أضف إلى ذلك أني لاأعتبرها جديرة بالثقة إجمالا خصوصا وأني أشك في بعض التفاصيل التي يروق للبعض أن يضيفها إليها من باب الزخرف لاحرصا على الحقيقة.
وكم كنت أود لو أنك إخترت من بين كل القصص التي تعرفها واحدة او إثنتين يستحيل علي الشك فيهما ويقنعاني بكل وضوح بوجود الأشباح والأرواح. أما ماذكرت من أمر ذلك القنصل فإنه في الواقع يبعث على الضحك والإستهزاء.
أكتفي بهذا القدر، لأننا لن ننتهي أبدا إذا ما شئنا أن نفحص كل مايروى عن هذه الحماقات.

الخاصية النقدية والمفاهيمية في التفكير الفلسفي، مع أمثلة لآليات الدحض والتفنيد
(22) تمييز في غاية الأهمية يقيمه بوكسيل بين منطق اليقين ومنطق الإحتمال، بين البرهان والحجاج، بين الرياضيات وقضايا الإنسان والإلاهيات.
(23) الدفاع عن الخاصية الموضوعية لصفة الجمال.
(24) هل يمكن تطبيق معيار الوضوح في مجال الميتايزيقا وما وراء الطبيعة؟
(25) الحجاج بالسلطة مرة أخرى.
من بوكسيل إلى إسبينوزا:

سيدي المحترم،
لقد تأخرت في الرد عليك بسبب مرض طارئ ألم بي فحال بيني وبين الدراسة والتأمل.أما وقد شفيت تماما الآن بحمد الله، فسأسلك نفس نهجك، وسأغض الطرف عن تهكمك واستغرابك من كل من كتب حول الأشباح.
أما عن إنكاري  أن يوجد بين الأشباح والأرواح جنس مؤنث، فذلك لأني أنكر توالدها. أما أمر شكلها وتكوينها فأدعه جانبا إذ لايهمني كثيرا في هذا المقام.
لقد طلبت مني أن أثبت لك وجود الأرواح والأشباح بحجج برهانية، لكن مثل هذه الحجج البرهانية لاتوجد في غير الرياضيات (22)، لذلك نكتفي بإستدلالات تقريبية تصبح بفضل درجة احتمالها الكبيرة أقرب ماتكون إلى الحقيقة. ولو كانت استدلالاتنا برهانية، لما أنكرها غير الحمقى أو الجاحدون، لكننا ياصديقي العزيز غير محظوظين إلى هذه الدرجة. وفي غياب البرهان، لامفر من الإستدلالات التقريبية. وهذا مايتجلى واضحا في الجدالات والخلافات والآراء التي تملأ علوم الإنسان والإلاهيات. وللسبب ذاته ظهر مايعرف بالشكاك والسوفسطائيين الذين لم يتوانوا عن الشك في جميع الحقائق: كانوا يفحصون القضية والنقيض ليستخلصوا المحتمل، وكل يعتقد مايراه حقا.
أما فبما يخص الجمال، فهناك بالتأكيد أشياء إذا ماقورنت بأخرى بدت أجزاؤها أكثر تناسبا وتناسقا (23)، وقد جعل الله العقل الإنساني ميالا إلى المتناسب منسجا معه ومبتعدا عن اللامتناسب متنافرا معه. وهذا مايحصل أيضا عند سماع الأصوات والنوتات المتناغمة أو المتنافرة، فالأذن تستطيع بكل سهولة أن تميز الأولى لما تجلبه من لذة وارتياح عن الثانية لما تسببه من تضايق وانزعاج. وبالمثل فالكامل جميل أيضا من حيث أنه لا ينقصه شيء من أجزائه، والأمثلة كثيرة لاداعي للإفاضة فيها مخافة الإطالة.
وللنظر إلى العالم باعتباره كونا أو كلا، لاأعتقد أن وجود المخلوقات اللامادية ينتقص من جماله أو كماله. أما كلامك عن السنطور والعنقاء والهيدرة فلاعلاقة له بموضوعنا. لأننا نتحدث عن الأجناس والأصناف العامة للأشياء والتي تندرج تحتها أنواع كثيرة لاحصر لها كالأبدي والمؤقت، السبب والنتيجة،المتناهي واللامتناهي، الجامدو الكائن الحي، الجوهر والعرض والجسم والروح…إلخ
أقول إن للأرواح شبها بالذات الإلاهية لأن الله روح. أما سؤالك لي عما إذا كنت أملك فكرة أو تصورا واضحا عن الأرواح والأشباح، فهو أمر مستحيل، وأسألك بدوري: ماهي فكرتك عن الله وهل هذه الفكرة واضحة في ذهنك كفكرة المثلث؟ (24) بالطبع لا، لذلك لسنا محظوظين بحيث ندرك الأشياء بطريقة برهانية قاطعة. وفي هذه الحالة، لامفر من الإكتفاء بالأحكام الإحتمالية.
بيد أني أصر بالمقابل على إمكانية وجود ذاكرة…إلخ بدون جسم مادام ممكنا وجود أجسام بدون ذاكرة…إلخ وكما توجد دائرة بدون قرص، يوجد قرص بدون دائرة. وعلى كل فإن نقاشنا لايمس هذه الموضوعات لأننا مهتمون بالأجناس الكلية العامة لابالحالات الخاصة.
وأقول بأن الشمس مركز العالم وأن النجوم الثابثة أبعد عنا من المشتري الذي هو أبعد من زحل الذي هو أبعد من المريخ وهكذا بحيث تكون بعض الأشياء في هذا الهواء اللامتناهي أقرب إلينا من أخرى، فنعتبرها أعلى أو أدنى. إنما ينتقص من قيمة الفلسفة من ينكرون وجود الأرواح والأشباح لامن يقرون بوجودها، فالفلاسفة القدماء والمحدثون مقتنعون بوجودها. ذلك مانقرؤه عند بلوتاركPlutarque في كتابيه ” حياة الفلاسفة ” و “عبقرية سقراط” ، وذلك ماأجمع عليه أيضا الفيثاغوريون والرواقين والأفلاطونيون والمشائيون أتباع أرسطو وأمبيدوكل Empedocle … أما المحدثون فلا أحد منهم ينكر وجودها.(25)
ومن العبث أن ترفض شهادات كل هؤلاء الحكماء والفلاسفة والمؤرخين وتنعتهم بالسخف وقلة العقل كعامة الناس. وإذا تأملنا أجوبتك أنت بدورك، فلا نجد فيها مايقنع، بل إنها لاتمس صميم الموضوع ولاتتضمن أي إثبات.

الرد على الإعتراضات، والتمييز بين منطق الإحتمال ومنطق اليقين: الفلسفة كفكر حواري
(26) مبدأ الإحتمال والترجيح يسرى على شؤون الحياة العملية لا على تأملات الفكر التي تظل دائما خضعة لمقتضيات منطق اليقين .
(27) الفلسفة كبحث عن الحقيقة.
(28) التمييز بين الفكرة الواضحة والصورة والواضحة، الأولى للعقل والثانية للمخيلة.
(30) الحرص على  وضوح اللغة والمفاهيم المستعملة.
(31) رفض الحجاج بالسلطة حتى لو كانت سلطة المعلم الأول أو أستاذه!! إنه رفض لكل السلط غير سلطة العقل نفسه، الذي يتوجب استخدامه بشكل شخصي.
(32) الخلاف أو الجدال الفلسفي حول قضية جزئية خاصة هو في الواقع خلاف فلسفي حول مبادئ أعم مثل معيار الحقيقة أو مصدرها أو منهج بلوغها… فوراء الخلاف القائم هنا حول وجود أو عدمه، يمتد خلاف منهجي أعمق يطال معيار الحقيقة نفسه وقيمة الروايات والسلطة المعرفية للمؤلفين، وحدود العقل ومكر المخيلة…
من اسبينوزا إلى بوكسيل:( لاهاي 1674)

لقد بادرت مسرعا بالرد على رسالتك، لأني لو تأخرت لأجلت الأمر يوم بعد آخر وهكذا إلى أجل غير مسمى. ولاأخفيك إني انشغلت كثيرا على حالتك الصحية إلى أنه بلغني تماثلك للشفاء، فأتمنى أن تكون الآن على خير مايرام.
من الصعب جدا على شخصين يتبعان أسلوبين مختلفين في التفكير ومبادئ مختلفة أن يتفاهما بصدد موضوع حساس ومتشعب كالذي يشغلنا.
إن مجال الرسالة لايتسع لأعرض بتفصيل رأيي في الطبيعة الإلاهية أو لأجيبك على كل الأسئلة التي طرحتها كما أعترف لك أن التشكيك وإثارة الصعوبات لايعني تقديم الحجج.
صحيح أننا في شؤون الحياة نعتمد الإحتمال أكثر من البرهان (26) ، لكن من الخطأ الإعتقاد بأن تأملات الفكر لاتتعدى حدود الإحتمال بدورها، وذلك لأن الأمر يتعلق بالحقيقة لابأشباهها. وصحيح أن المرء قد يهلك إذا رفض تناول الطعام والشراب قبل الحصول على برهان قاطع يثبت فائدتهما. بيد أن الأمر مختلف فيما يتعلق بتأملات الفكر، حيث ينبغي الحرص على الحقيقة (27) لاعلى أشباه الحقيقة. فما إن نقبل بخطأ واحد يتسلل بين أفكارنا حتي تستبعه أخطاء أخرى كثيرة.
أما كون العلوم المتعلقة بالإنسان والإلاهيات حافلة بالجدالات والمنازعات، فلا يعني أن كل موضوعاتها عرضة للشك واللايقين. فلو اطلقنا العنان للشك، لكنا مثل هؤلاء المهووسين بالجدل والنقائض الذين لم يتوانوا عن الشك حتى في الحقائق الرياضية والهندسية مثل سكتوس أمبيريكوس وأصحابه الذين يبطلون كون الكل أكبر من الجزء. ويجادلون في سائر المبرهنات.
اقبل قولك بضرورة الإكتفاء بالبراهين الإحتمالية  عند تعذر البراهين القاطعة، بيد أني أشترط فيها أن تكون من الدقة بحيث يتعذر نقضها وإن كان الشك فيها يظل جائزا. لأن مايمكن نقضه يعد أقرب إلى الخطأ منه إلى الحقيقة: فلو أني أعلنت مثلا أن فلانا حي، لأني لمحته البارحة بصحة جيدة، فإني أعلن واقعة تبدو صحيحة مالم تتم مناقضتها. أما إذا تقدم من يِِؤكد أنه لمحه البارحة يقع من الوهن وأنه يعتقد بموته، فإنه بيطل كل أقوالي السالفة.
أما تخميناتك بخصوص وجود الأشباح والأرواح، فقد بينت بطلانها.بل إنها لاترقى حتى إلى مستوى الإحتمال. أما عن سؤالك : ” هل تملك فكرة واضحة عن المثلث؟” (28) فأجيب عنه بنعم.
لكن لو سألتني: هل تملك صورة واضحة عن الله كوضوح صورتك عن المثلث؟” فأجيبك بالنفي. إذ لايمكن تصور الله بالمخيلة، وإنما يدرك بالعقل فقط: أي لايمكن تخيله بل تعقله. ولابأس أن تلاحظ أني لاأعرف من الصفات الإلاهية إلا القليل، ولاأدعي معرفتها كلها ولا أغلبها. غير ان جهلي بأغلبها لايمنعني من الإحاطة ببعضها. ولذلك فحين بدأت دراسة كتاب “العناصر” لـــأقليدس ، علمت أن مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين، وأدركت هذه الخاصية بكل وضوح رغم جهلي بخصائصه الأخرى الكثيرة. بينما لاأعرف للأشباح والأرواح أية خاصية يمكن للعقل تصورها؛ باستثناء بعض الخيالات والأوهام التي يعجز الجميع عن فهمها.
إن من يسمعك تعلن أن الأشباح والأرواح التي تسكن السماوات الدنيا مركبة من مادة لطيفة شفافة، سيخالك تتحدث عن الهواء او نسيج العنكبوت أو البخار. ثم مالفرق بين القول بأن الأشباح والأرواح لامرئية وبين القول بانها غير موجودة؟ (30) اللهم إلا إذا كنت تقصد ان هذه الأشباح والأرواح تظهر للناس وتختفي حسب هواها، مما جعل مخيلة البشر عاجزة عن تفسير الأمر.
إن احتجاجك وإستشهادك بأفلاطون أو أرسطو أو سقراط لايعني لي شيئا، (31) وكم تمنيت لو انك تستشهد بـــديموقريط أو أبيقور أو لوقريتوس أو غيرهم من الفلاسفة الذريين. ولاعجب أن الذين أفاضوا في الحديث عن الكائنات الخفية والظواهر الغريبة المثيرة قد اخترعوا قصة الأشباح والأرواح لينتقصوا من قيمة ديموقريط الذي بلغ حقدهم عليه أن ألقوا كتبه في النار رغم مابذله في تأليفها من جهد وعناية تستحق المديح.
وأخيرا سيدي، أتوقف عند هذا الحد، فقد أطلت في الموضوع أكثر من اللازم، كما أني لاأريد أن أسبب لك مزيدا من الإحراج في موضوع يتعذر علينا التوافق  حوله بسبب مبادئنا المختلفة التي نتبعها.(32)

Facebooktwitterredditmailby feather

المجرم الذي أصبح تقيا

المجرم الذي أصبح تقيا: أو كيف نطرح إشكاليات درس الشخص إنطلاقا من وضعية مشكلة حياتية

 

   
وضعية مشكلة: لو أن أحدهم كان سكيرا، قاطع طريق، فظا غليظ القلب، ثم تاب- بقدرة قادر – فأصبح من أتقى الأتقياء، يفيض قلبه رحمة ويداه عطاءا وعيناه دمعا !! فهل نحن أمام نفس الشخص أم لا ؟ وماذا تعني عبارة "نفس الشخص"؟
لنتخيل وضعية أخرى: شخصا يهيم حبا بشخص آخر،لاتبارح صورته مخيلته ليل نهار، يسعد بقربه ويشقى بالبعد عنه، ثم حدث أن خبا هذا الحب لسبب أو لآخر، أو تعلق الهوى بمحبوب جديد وكأن شيئا لم يكن ! هل نحن هنا أمام نفس الشخص قبل الإنقلاب العاطفي وبعده؟
ألم تقل أم كلثوم في أغنية " ثورة الشك":
أكاد أشك في نفسي لأني أشك فيك وأنت مني!
ومرة أخرى: ماذا تعني عبارة "نفس الشخص"؟
  المجرم الذي أصبح تقيا!
اانتبه ملاحظات ديداكتيكية أولية:1- موجز الحصة:
يقتصر نص الوضعية-المشكلة البدئية التي سيعرضها المدرس على تلامذته على مايلي:
لو أن أحدهم كان سكيرا، قاطع طريق، فظا غليظ القلب، ثم تاب- بقدرة قادر – فأصبح من أتقى الأتقياء، يفيض قلبه رحمة ويداه عطاءا وعيناه دمعا !!
وبعد عرض الوضعية وشرحها جيدا بأسلوب يبتغي التشويق والإثارة، أتقدم بأول سؤال:
هل نحن أمام نفس الشخص أم لا ؟

 

 

 

 

1- عوامل فشل الوضعية المشكلة: الحل المتسرع للمشكل
حيث أن الهدف من الوضعية المشكلة هو "وضع" التلميذ في "مشكلة"، فما أشبهها هنا بقنبلة ينتظر ان تحدث زوبعة ذهنية تخرج المتعلمين من لامبالاتهم وطمأنينتهم وإحساسهم بوضوح العالم و خلوه من أي جديد أو ألغاز محيرة!! باستثناء جديد التكنلوجيا وألغازها طبعا: جوال، MP4 ، دراجات نارية… والتي تبهرهم وتدهشهم وتخرجهم بالفعل من لامبالاتهم!
ولم يكن اختيار مجاز القنبلة عبثا! فانفجار القنبلة حدث يثير الاهتمام لدرجة الفزع، كما أنه يرغم المرء على "التصرف" و فعل شيء ما! وبالمثل يتعين على الوضعية-المشكلة أن تكون مثيرة فعلا للاهتمام والانتباه أولا ومحفزة على التفكير ثانيا،
ينتج عن ذلك أن المدرس مطالب -قبل بدء الحصة- بانتقاء وضعية مشكلة مثيرة للاهتمام حقا، تنطلق من معيش التلميذ وتمسه بشكل مباشر وتخاطب انشغالاته التي حتى لو حكمنا عليها بالتفاهة وأصررنا على انتشاله من شرنقتها، فلابد من مخاطبتها أولا لأنها مدخلنا الضروري إلى وجدان المتعلم المتعلم ومن ثم عقله، بحيث لا نترك له فرصة لعدم المبالاة، وهنا يتعين التمييز بين "الانشغالات العالِمة" و"انشغلات المعيش" وهكذا فالسؤال: هل توجد علاقة ثابتة بين كتلة الجسم وحجمه (الكتلة الحجمية)؟ هو انشغال عالم، انشغال ارخميدس فقط، في حين أن السؤال: كيف نعرف أن تاج الملك مصنوع من ذهب خالص هو "إنشغال معيش" أي انشغالل الملك صاحب التاج. لكن هذا لا ينفي أن هذا يقود إلى ذاك؛
هذا عن دور المدرس وهو يعد الحصة وينتقي الوضعية، أما عن دوره أثناء الحصة، فيتمثل بالدرجة الأولى في الحفاظ على على أعلى درجات التوتر أثناء مسار الوضعية المشكلة
لذا أرجو ان يتجنب المدرس ما أمكن -في ما يخص الوضعية الحالية-أن تصل جماعة القسم إلى خلاصات من قبيل: "هناك تقدم في التاريخ" أو "إنها قرصنة أو جهاد بحري" أو "الرجال/الأبطال يصنعون الظروف او الظروف تصنع الرجال/الأبطال"… وإلا سنكون قد أبطلنا مفعول القنبلة بأيدينا ونقضنا غزلنا !!
إذا كان الأمر كذلك، فقد تحولت الوضعية المشكلة إلى وضعية مريحة، او تحولت إلى لحظة من لحظات البناء الإشكالي حيث يتم تقديم موقف فلسفي من خلال نص كإجابة ممكنة على السؤال المفترض (طبعا، قبل مناقشته ومساءلته لاحقا للانفتاح على غيره)
3- عوامل نجاح الوضعية المشكلة: أ-تأزيم كل جواب ممكن
ينتج عن ذلك أنه ولكي تكون الوضعية المشكلة وضعية-مشكلة بالفعل، على المدرس أن يحاول بكل الوسائل الممكنة البرهنة على استحالة الجواب أو تأجيله على الأقل ! ألم يقل برغسون: إن الفلسفة هي فن طرح السؤال وتأجيل الجواب باستمرار، ولا يفعل المدرس في هذه الحالة غير لعب دور سقراط: إثبات التناقضات أو الإحراجات الممكنة التي تنجم عن قبولنا بجواب المحاور !!
ينبغي أن نمنع بكل وسيلة ممكنة اللقاء الذي يحاول التلاميذ جاهدين إقامته بين السؤال وجواب ما، للتخلص من حالة التوتر التي احدتثها الوضعية المشكلة، للعودة على حالة التوازن والطمأنينة الأولى

لأجل ذلك، على المدرس أن يكون مستعدا لتأزيم أي جواب قد يقترحه التلميذ !؟ وهذا يتطلب يقظة ذهنية وحضور بديهة تستنزف الطاقة الفكرية للمدرس والتلاميذ على السواء
ففي الحالة التي نحن بصددها الآن: هل نحن أمام نفس الشخص؟ ينتظر أن يقول التلاميذ: نعم ! نفس الشخص.
على المدرس ان يشكك في هذا الجواب ويؤزمه ويكشف عن المفارقات التي تترب عنه، وبينين أن هناك دلائل كثيرة تدعو إلى الاعتقاد أننا لسنا في الواقع أمام نفس الشخص !! :quoi:
وبالمثل لو افترضنا أن "الله ضْربهم" :quoi: وقالوا: "لسنا أمام نفس الشخص !"
هنا لاينبغي أن يّسقط في يد المدرس، بل عليه أن يدعم الرأي القائل: "إننا لانزال أمام نفس الشخص" … :icon_biggrin:

ب-وضوح الإشكال في ذهن المدرس
بيد أن تأدية الوضعية المشكلة لوظيفتها البيداغوجية والمتمثلة في انبثاق السؤال بشكل تلقائي وطبيعي وغير مصطنع يتوقف على مدى وضوح الإشكالات أصلا في ذهن المدرس، أقصد الإشكالات التي يفترض أن تمضي نحوها الوضعية-المشكلة، لأننا نخوض غمار حصة الوضعية المشكلة ونحن على علم مسبق بما نود طرحه والتساؤل عنه دون أن ينفي ذلك إمكانية توصل الجماعة المفكرة/جماعة القسم إلى استنتاجات وأسئلة لم تكن متوقعة، ويمكن استدماجها في الصياغة النهائية للإشكال حسب درجة ملاءمتها!
وقد يعترص علي بالقول: بأن هذه لعبة مصطنعة مادمت تعرف مسبقا إلى أين تود قيادة تلامذتك !!
وأجيب نعم، ولا إمكانية لخلاف ذلك !! لايمكن للمرء أن يحسن "قيادة العقل" مالم يعرف إلام يقود عقله! وليس ذلك بقادح في وظيفة الوضعية المشكلة، خصوصا وأن الإشكال المصاغ في النهاية لايتجسد بالضرورة في نفس العبارات والأسئلة والتراكيب في كل الأقسام التي نقوم بتدريسها، بل يتلون بشيء من المسار الخاص الذي عرفه النقاش مع كل قسم على حدة. و.. من الممكن أن تكتسب أسئلتنا التي نحمل في أذهاننا مسبقا خصوبة إشكالية غير متوقعة من قسم لآخر او من سنة لأخرى، لكن لا أحد يستطيع الادعاء بالخروج عن الإطار الإشكالي العام الذي يرسمه المنهاج أو المؤسسة.
أما الإشكال الذيأضعه نصب عيني فهو:
هل هناك جوهر يظل ثابتا رغم تغيرات الجسم وأحوال النفس وانفعالاتها؟ هل أنا اليوم هو نفسه الذي كان قبل عشرين سنة؟ هل أنا الآن "شيء" واحد أم متعدد بحكم تعددية مايجيش بداخلي المتعددات والمتناقضات؟
إذا كان الجواب بــ "نعم" فما هذا "الواحد فيّ"؟ وماهذا الذي يظل تابثا رغم التغيرات؟ أي أين تكمن هوية الشخص؟ وإذا كان الجواب بــ "لا"، فما هي هذه الهويات أو الكيانات التي تسكنني التي ما فتئت أتوهمها كيانا واحدا !؟

5- ملاحظة أخيرة حول وصفي لما شهدته حجرة الدرس
لاشك أن حصة الوضعية-المشكلة هي حصة نشاط سيكو/سوسيو-معرفي؛ وعليه، فطبيعة التفاعلات التي تستثيرها الوضعية والمفعولات الناجحة أو الفاشلةالتي قد تحدثها لاتنفصل بدورها عن المناخ السيكو/سوسيو-معرفي الذي يكون القسم مسرحا له..وعلى ذكر المسرح، فإنجاز هذه الحصة التي أقدم لكم أدناه وقائعها يحتاج مني دوما إلى إعادة ابتكارها من جديد مع كل قسم وفي كل سنة، إنها أشبه بنص مسرحي ينبغي إخراجه دوما بديكوره وإكسوسواراته وسيناريوه و … بالكثير من الارتجال
,غني عن البيان أنني حاولت بقدر ما تسمح به مواهبي القصصية المتواضعةأن يكون أمينا ما أمكن للمجريات "النموذجية" للحصة، أقول "النموذجية" لأن الحصة أنجزت مع ثلاثة أقسام (ومع عدد أكبر طبعا طيلة السنوات الماضية) بأشكال مختلفة نسبيا وبدرجات نجاح وإمتاع متفاوتة
كما أنوه إلى أن هذه الحصة هي أول ما أبدأ به الدرس قبل أي شيء آخر أي قبل أي حديث لا عن الشخص ولا عن الدرس او إشكالاته
وأخيرا فما أنقله لكم أدناه لايعكس تنوع مداخلات التلاميذ ومداخلاتي ، لأنني لا أذكر كل ماقالوه وكل ما قلته

وقائع الحصة:

-المدرس: أرجو الانتباه! وأن تصغوا إلى حكاية غريبة أود أن أقصها عليكم (صمت قصير ، ثم..)
لنفترض أن أحدهم كان سكيرا، قاطع طريق، فظا غليظ القلب، ثم تاب- بقدرة قادر – فأصبح من أتقى الأتقياء، يفيض قلبه رحمة ويداه عطاءا وعيناه دمعا !!
(طبعا مع تفاصيل أخرى حول حياته الإجرامية السابقة.. وحياته الجديدة.. :icon_biggrin: من أجل خلق الإثارة والانتباه.. )
هل نحن أمام نفس الشخص أم إزاء شخص مختلف كليا عن صديقنا السكير الأول !؟
– التلاميذ (مباشرة على شكل رد فعل): طبعا نحن أمام نفس الشخص !
-المدرس: مالذي يجعلكم تعتقدون ذلك !؟ مالذي بقي في هذا المؤمن التقي من ذلك المجرم الحقير !؟
– التلاميذ ( إجابات كثيرة محتملة.. من بينهما): لأنه هو نفسه !
لأنه نفس الهيئة أو الجسد،
-المدرس: كيف "هو نفسه" !؟ ثم هل مايجعل الشخص هو نفسه هو بقاء جسده !؟ (هنا أكون قد صرحت بأول سؤال له علاقة بإشكالنا، ولكن دون أن أثير انتباههم إليه كثيرا) ولكن ماذا لو خضع لعملية تجميل؟ ما وجه الشبه بينك انت الآن وبين الطفل الصغير ذي السنتين؟ هل تستطيع خالتك التي لم ترك منذ أن كان عمرك سنتين أن تتعرف عليك اليوم؟
– التلاميذ: بالتأكيد ، لا
-المدرس: فلم قلتم إن المؤمن التائب مؤخرا هو نفسه المجرم السابق؟ مالذي بقي من مجرم الأمس في مؤمن اليوم؟ وقبل ذلك دعونا نعقد الأمور أكثر. سيقال لخالتك: هذا هو ابن أختك، فتستغرب لكنها في النهاية ستقبل، ماذا يعني ذلك؟
– التلاميذ:( لايبدو عليهم انهم فهموا السؤال !؟ :icon_confused: والخطأ خطئي طبعا)
-المدرس: على ماذا اعتمدَت في تقرير أنك أنت هو الذي كان؟ على أي أساس قررت أنك أنت اليوم هو الذي رأتك وانت رضيع؟
– التلاميذ: على كلام أمي وأبي
-المدرس: حسنا، إذن الآن عندما نسأل عن المؤمن التائب او المجرم السابق، بالمناسبة ، لا أعرف ماذا سنسميه؟ أهو المجرم السابق أم المؤمن التائب
– التلاميذ (بعضهم) :المؤمن التائب، (والبعض الآخر): المجرم السابق
(هنا دخلنا في دوامة أخرى، لايهمني طبعا الجواب، في غمرة النقاش، "قذفتهم" بالسؤال التالي:)
-المدرس: أم أنه "المجرم" وكفى بالنسبة لرجال الشرطة الباحثين عنه، أم انه "المؤمن" وكفى بالنسبة لأهل المدينة الذين حل بين ظهرانيهم مؤخرا والذين لايعرفون عنه غير استقامته ونبله
– التلاميذ: زادت الحيرة أكثر، وتوزعوا الآن بين أربعة مواقف :quoi:
-المدرس: إذن لكي أحدد ما إذا كنت "أنا هو أنا" ؟ لايتعلق الأمر بي أنا فقط، بل هناك عدة مرجعيات
– التلاميذ: أنا، الآخرين،
-المدرس: وهناك وثائق إثبات الهوية أيضا!! حسنا لهذا السبب تذكروا أننا سنصل إلى درس عنوانه "الغير"، والآن أجيبوني بالله عليكم: هل نحن امام نفس الشخص ام لا؟
– التلاميذ:( يظهر عليم انهم أصبحوا أكثر حذرا بعضهم قد يطلب رأيك، وسواء طلبوه أو لم يطلبوه، فإنني أبادر إلى قول مايلي:)
-المدرس: حسنا يا إخوان (وفعلا أنديهم دائما بــ "يا إخوان") ! يظهر لي أنه لايزال نفس الشخص (تتهلل أسارير التلاميذ) إنما .. آه !! إنما المشكلة عندي هو ماهذا الذي لايزال فيه هو هو !؟ إذا سمينا هذه ال" هو هو" هويته، فأين تختبئ هويته يا ترى !؟ :icon_scratch: لأنه لايمكن أن نستأمن جسده على هويته !؟
– التلاميذ: (أحيانا): روحه (وأحيانا أخرى، بسبب وجود مكررين للسنة) ذاكرته
(وحتى لو لم يتحدث أحدهم عن ذاكرتهم، فإنني أدفعهم الى التفكير في معطى الذاكرة الذي لاشك أنه ليس غريبا عنهم، لكنه قد لايخطر ببالهم)
-المدرس: حسنا وروحه هذه أين توجد؟ في أظافره؟ في السيالة العصبية واإشارات الكهرمغناطيسية التي تجري في الدماغ كما رأينا في السنة الأولى العام الماضي !؟
(نقاش، بحث، ..)
(يحدث أن بعض التلاميذ يتحدثون عن ثبات "شخصيته"، وهذه هي الفرصة المواتية للوقوف مع التلاميذ على مفهوم الشخص وتمييزه عن مفهوم الشخصية، لأنني لا أكره شيئا قدر كرهي لطريقة : درسنا اليوم هو الشخص فما معنى شخص؟ أيي طريقة درسنا اليوم X فماذا تعني X ، لأن البحث عن دلالة كلمة ليس غاية في حدذاته، ثم لماذا سيقبل التلاميذ معك على تعريف الكلمة!!؟ الأفضل ان يتم تعريفها عندما تظهر الحاجة إلى تعريفها)
أما بالنسبة لذاكرته أتفق معكم، ولكن ماذا لو فقد ذاكرته؟ ألن يظل هو نفسه بالنسبة لأمه !؟
أحد التلاميذ (ذات سنة): بمعنى إذا فقد هذا المجرم ذاكرته فلن يعود نفس الشخص، إذن الهوية تكمن في الذاكرة،
-المدرس: رأي صائب على مايبدو، بمعنى لو افترضنا أنهما مجرمان وليس واحدا، اشتركا في اقتراف نفس الجرائم لنفترض ان أحدهما فقد ذاكرته والآخر لايزال يتذكر، كيف سيتعامل القانون معهما!؟
– التلميذ السابق نفسه: سيخلي سبيل فاقد الذاكرة!! ولكن في هذه الحالة سنعاقب الآخر ليس لأنه فعل بل لأنه لايزال يتذكر !!!!!
-المدرس: اصبت وهذه معضلة أخرى من معضلات العدالة البشرية، ولكن دعنا من العدالة والمحاكم وقل لي: هل نحن امام نفس الشخص؟ ثم هذا السؤال هل يمكن صياغته بعبارة أعم؟ ألا ترون أنني سألتكم في البداية هل نحن أمام نفس الشخص، ثم مالبثت أن سألتكم…
– التلاميذ: مالذي بقي فيه ثابتا؟
-المدرس: إذن هل يمكن إعادة صياغة هذا السؤال بعبارة أعم؟
(المهم استكشاف قدرتهم على صياغة سؤال من قبيل: مالذي يجعل من شخص ما هو هو ؟ أو أين تكمن هويته)
-المدرس: دعونا نعقد الأمور أكثر
– التلاميذ: أوليست معقدة بما فيه الكفاية؟
-المدرس: على كل حال استمعوا: لنفترض أن سفينة لنقل الركاب، تعمل في البحر منذ أربعين عاما.. وطيلة هذه المدة، كلما اهترأت قطعة خشب، استبدلناها بقطعة جديدة، وهكذا … وهكذا دواليك على امتداد الشهور والفصول والأعوام… إلى أن جاء يوم استبدلنا فيه آخر قطعة مهترئة من الجيل القديم
السؤال الآن: بعد عملية الاستبدال الأخيرة، ألا نزال أمام نفس السفينة، هل يمكن لمسافر أن يقول: آه هذه السفينة التي ركبتها قبل 10 أو 20 أو 30 سنة !!؟
– التلاميذ (ولكن هذه المرة بتررد وبنبرة غير واثقة): نعم إنها نفس السفينة، نفس الشكل
-المدرس: ونفس القطعة المعدنية التي تحمل إسم السفينة
تلميذ: ونفس المحرك
-المدرس: لماذا قلت نفس المحرك
– التلميذ: لأنه روح السفينة مايحركها
-المدرس: جيد! ولكن انتبه، أعتقد أن المحرك بدوره قد حصل له ما حصل لقطعالخشب فقد استبدلت أجزائه ربما،
ثم لو أننا نزعنا هذا المحرك العتيد، و"زرعناه" في جوف سفينة أخرى، فهل ستصبح السفينة الأولى هي الثانية !؟
– التلاميذ: لا
-المدرس: إليكم الآن أخير التوابل لتعقيد الأمر:
– التلاميذ: (ينتظرون)
-المدرس: لو أننا كنا، كلما استبدلنا قطعة مهترئة، وعوض أن نرميها نقوم بحفظها في مخزن Depot ، سنحصل في الأخير على ركام هو مجموع خشب السفينة من الجيل الأول
في هذه الحالة، أين هي السفينة، هل هي الراسية الآن في الميناء ام ذلك الحطام الذي يمكن لمهندس متاحف ان يركبه ويقيم به أود السفينة مثلما فعلوا مع سفن الصين القديمة أو سفينة الفرعون !؟
– التلاميذ: (تفرقوا شيعا ! البعض يعتقد ان) السفينة التي ركبناها هي الراسية (وهناك من يعتقد انها) هي مجموع الحطام !!!
-المدرس: (وبعد هدوء الزوبعة): دعونا من السفن والخشب، ولنعد إلى مجرمنا السابق أو مؤمننا التائب أو لست أدري.. أجيبوني: هل هو الآن "مؤمن" أم "مؤمن-مجرم" أم "مجرم" ؟ ألم تبق في نفسه ذرة من المجرم!؟ هل هو الآن واحد ام متعدد !!؟
– التلاميذ أو بالأحرى بعض التلاميذ: كما رأينا في السنة الماضية عند فرويد، نحن مسكونون نبثلاثة، حتى وإن كنا نبدو واحد
-المدرس: اصبت
إلخ…
إلخ..
-المدرس: والآن دعونا نستجمع أفكارنا: ماهي الأسئلة التي أجهدنا البحث عن جواب لها لحد الآن
– التلاميذ: هل نحن امام نفس الشخص؟
-المدرس: صحيح، ولكن لاتسوا باقي الأسئلة
إن لم يتذكروا، وهذا مستبعد، ما على المدرس سوى تذكيرهم ببعض المحطات المحددة في النقاش السابق، ليمكنوا من تذكر الأسئلة التي كنا بصدد معالجتها (ألم يقل أفلاطون: المعرفة تذكر والجهل نسيان :icon_wink: !!؟)
في النهاية نتفق على ان الأسئلة التي كانت تشغلنا هي:
هل هناك شيء ما يظل تابثا في الشخص ؟ وإذا كان لكل شيء ماهية وهوية تخصه بها يتميز عن غيره ففيم تتحدد هوية الكائن البشري/الشخص؟ مالذي يمنح الشخص هويته التي يستشعرها على امتداد الزمان وتغيرات أحوال النفس والجسد؟ هل تكمن الهوية في الجسد أم الذاكرة ام ماذا؟ وهل تحيل هذه الهوية على كيان واحد أم كيانات متعددة لايجمع بينها سوى وهم الوحدة؟

أخيرا أرجو أن يقرأ الحوار أعلاه على أنه مجرد نص، لايكتسب الحياة إلى من فعل الأداء، أنا نفسي عندما أقرأه الآن، أدرك ان هذا الحوار يخون تلك الحيوية التي كانت حجرة الدرس مسرحا لها.

ولكن حسبي أو أكون وفقت في نقل ولو جزء بسيط لما كانت حجرة درسي مسرحا له، ولاشك أنني لم أنقلها كما هي حرفيا وأنى لي ذلك اللهم إلا إذا تحولت إلى جهاز كاميرا أو مسجل صوتي :icon_biggrin:
يبدو سردي كما لو أن الحصة كانت تمضي في طريق معبدة بل قل في طريق سيار !! للأسف الشديد لم أستطع إعادة سرد قصص المآزق والطرق المسدودة التي كنا نرتادها من حين لآخر، ولحظات الصمت والفوضى عوض الزوبعة الذهنية، ولكن على العموم يمكن القول أن الإطار النموذجي للحصة هو ما حكيتهم لكم، لأنني لم أخترعه الآن من خيالي :icon_wink:
كل ما أتمناه أن يشكل هذا البوح قدوة حسنة لكي يتجرأ زملائي المدرسون للقيام بالمثل !! أو على الأقل لنقد التجربة أي قراءتها

Facebooktwitterredditmailby feather

أيها الرجل الذي لا يدرك مني سوى جسدي

شكالية الغير في أغنية ماجدة الرومي “كن صديقي”

أو قصة الصداقة المستحيلة بين الرجل والمرأة !!

 اانتبه ماذا ؟!! شريط غنائي في حصة الفلسفة؟

ذللك بلا شك هو السؤال المكتوم الذي يتبادر إلى ذهن التلاميذ كل سنة وأنا أخبرهم بتخصيص الحصة المقبلة للإستماع إلى شريط غنائي.ولاشك أن هذا السؤال ينطلق بدافع الفكرة الشائعة عن جدية التفكير الفلسفي من حيث جدية بل”تجهم ” المفهوم وصرامة الحجاج: فحصة الفلسفة فضاء للفهم والتذكر والإستدلال والحجاج، وليس للتذوق الجمالي، فمابالك بالإستمتاع والطرب، مادة تخاطب العقل والمنطق لا الوجدان أو الحساسية!!ء.ء
. والتلاميذ إزاء هذا الإقتراح فئتان: فئة متحمسةاعتقادا منها أنها فرصة ناذرة ل “النشاط” والخروج من روتينية الحصص؛ وفئة ثانية متشككة تكاد تكتم ريبها وشكها في العلاقة الممكنة أو الإستفاذة المحتملة من الغناء والطرب في الفلسفة !
 شفيق اكَريكَر

!

ملاحظات ديداكتيكية أولية:

للحصة هدف رئيسي وهدفان جانبيان: فأما الهدف الأساسي فيتمثل في دفع التلميذ إلى التفكير إشكاليا في علاقة الذات بالغير: ضرورتها، رهاناتها، دلالاتها وصعوباتها ، الأمال المعقودة عليها وخيبات الأمل الناجمة عنها؛ وكل ذلك إنطلاقا من وضعية مشكلة حقيقية تستوقفه وتسائله بشكل حميمي وشخصي….
أما الهدفان الجانبيان فأولهما: التربية الجمالية، ونقصد بها تربية الذوق الفني والتدرب على الإصغاء ومحاولة التقاط عناصر الجمال في العمل الغنائي ( كلمات، لحنا وأداءا… )؛ وثانيهما تربية وجدانية، تتمثل في مساعدة التلميذ/ المراهق على التفكير   في تجربته الشخصية وفي طبيعة علاقاته وإندفاعاته وانجذابه نحو الجنس الآخر على الخصوص ونحو الغير بصفة عامة.
ملاحظة أخيرة تتمثل في اننا وإن كنا على المستوى المعرفي نستعمل هذا الحامل السمعي البصري لإثارة بعض إشكاليات الغير، إلا أننا نلتقي عرضا بإشكالات تنتمي إلى دروس أو موضوعات أخرى،

القصيدة كما تغنيها ماجدة الرومي

كم جميل لو بقينا أصدقاء
ان كل امرأة تحتاج الى كف صديق
كن صديقي…
هواياتي صغيرة و اهتماماتي صغيرة
وطموحي ان أمشي ساعات معك
تحت المطر…
عندما يسكنني الحزن و يبكيني الوتر.
كن صديقي…
أنا محتاجة جدا لميناء سلام
و أنا متعبة…
من كل قصص العشق و أخبار الغرام
فتكلم…
لماذا تنسى حين تلقاني نصف الكلام
ولماذا تهتم بشكلي و لا تدرك عقلي
كن صديقي…
ليس في الأمر انتقاص للرجولة
غير ان الشرقي لا يرضى بدور
غير أدوار البطولة

القصيدة كما كتبتها سعاد الصباح:

كن صديقي
كم جميلاً لو بقينا أصدقاء
إن كل امرأة تحتاج أحيانا إلى
صديق
و كلام طيب تسمعه
و إلى خيمة دفء صنعت من كلمات
لا إلى عاصفة من قبلات
فلماذا يا صديقي ؟
لست تهتم بأشيائي الصغيرة
و لماذا .. لست تهتم بما يرضي النساء ؟
كن صديقي
إني احتاج أحيانا لأن أمشي على
العشب معك
و أنا أحتاج أحيانا لأن أقرأ ديواناً من شعر معك
و أنا كامرأة يسعدني أن أسمعك
فلماذا أيها الشرقي تهتم بشكلي؟
و لماذا تبصر الكحل بعيني
و لا تبصر عقلي؟
إني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار
فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار ؟
و لماذا فيك شيء من بقايا شهريار
كن صديقي
ليس في الأمر انتقاص للرجولة
غير أن الرجل الشرقي لا يرضى بدور
غير أدوار البطولة!
فلماذا تخلط الأشياء و ما أنت
العشيق؟
إن كل أمراة في الأرض تحتاج إلى
صوت ذكي.. وعميق
و إلى النوم على صدر بيانو أو كتاب
فلماذا تهمل البعد الثقافي
و تعنى بتفاصيل الثياب؟
كن صديقي
انا لا أطلب أن تعشقني العشق الكبير
(لا أطلب أن تبتاع لي يختاً و تهديني قصورا وتمطرني عطراً فرنسياً)*
و تعطيني مفاتيح القمر
هذه الأشياء لا تسعدني
فاهتماماتي صغيرة .. و هواياتي صغيرة
و طموحاتي هو أن أمشي ساعات و ساعات معك
تحت موسيقى المطر
و طموحي هو أن أسمع في الهاتف صوتك
عندما يسكنني الحزن ويضنيني الضجر.
كن صديقي
فأنا محتاجة جدا لميناء سلام
و أنا متعبة من قصص العشق
و الغرام
و أنا متعبة من ذلك العصر الذي
يعتبر المرأة تمثال رخام
فتكلم حين تلقاني
لماذا الرجل الشرقي ينسى
حين يلقى امرأة نصف الكلام؟
و لماذا لا يرى فيها سوى قطعة حلوى
و زغاليل حمام
و لماذا يقطف التفاح من أشجارها
ثم ينام؟!

الإستماع إلى الأغنية:

 استمـــــــــع:  mp3

الإشتغال والإستثمار الديداكتيكي للأغنية:

الدلالات المستخلصة والأسئلة المثارة مقاطع القصيدة/الأغنية
ملاحظات وامتدادات ممكنة
لماذا هذه الرغبة البسيطة الغريبة؟ المشي ساعات تحت المطر؟ ألا ينبئ ذلك عن رغبة أو لذة طفلية تم كبتها استجابة لمبذأ الواقع والمعايير الإجتماعية للسلوك والنظافة؟ وعليه فاستحضار الطفولة يوازيه استحضار تلك البراءة المميزة للعلاقات بين الجنسين قبل بلوغهم المرحلة التناسلية.. هواياتي صغيرة و اهتماماتي صغيرة
وطموحي ان أمشي ساعات معك
تحت المطر…
قراءة فرويدية للرغبة
جانب من العالم النفسي الداخلي للذات. هل يمكن ياترى للغير أن ” يدرك” الحزن الساكن في أعماق الذات أو  هذا البكاء الذي يحدثه الوتر؟ الوتر غير مبك في حد ذاته،  المبكي هو  تداعي المشاعر الذي يثيره… عندما يسكنني الحزن و يبكيني الوتر. مقدمات لإثارة إمكانية معرفة الغير لاحقا
إذا قرأنا   الصداقة على أنها   ميناء السلام المنشود،  فهل يجعل ذلك من أنواع العلاقات الأخرى وخصوصا العشق محيطات للحرب؟! أنا محتاجة جدا لميناء سلام
و أنا متعبة…
من كل قصص العشق و أخبار الغرام
يعرف كانط الصداقة على انها عاطفة تجمع بين المودة والإحترام، قارن ذلك مع مايميز العشق من نزوع إلى الإستئثار والتملك والإستحواد على الموضوع، نقول: ملك أو أسر قلبه…!
بناءا على السؤال اللاحق، يمكن القول أن الرجل يستحضر نصف الكلام المتعلق بجسدها، وينسى نصف الكلام المتعلق بعقلها أو لنقل علمها الداخلي بأحزانه وهواياته الصغيرة… لماذا تنسى حين تلقاني نصف الكلام هل ينسى أم يتناسى؟ قارن مع السؤال اللاحق
هنا نعثر على بؤرة القصيدة، وعلى جوهر إشكالية الغير: إدراكه للذات كجسم ، كامتداد يفرض نفسه على الحواس. و ” عجزه” عن إدراك العالم الداخلي للغير الممتنع الإدراك نظرا لطبيعته الداخلية الحميمية نفسها. ولماذا تهتم بشكلي و لا تدرك عقلي بالعودة إلى درس الشخصية، لابد ان نتساءل: هل الرجل لايريد أم أنه لايستطيع، هل يتعلق الأمر بإصرار مسبق على ” تشييئ ” المرأة أم بوقوعه ضحية إشراطات سيكو-فيزيولوجية ( دوافع الليبيدو والغرائز عموما )، وإشراطات سوسيو-ثقافية ( التنشئة الإجتماعية، القيم الذكورية ومفهوم الرجولة والفحولة). قارن مع المقطع التالي.
نعثر هنا على  جواب الشاعرة على السؤال السابق: إن قيم المجتمع الشرقي ومفهومه للرجولة، تصور الصداقة على أنها دور ثانوي ينتتقص من الرجولة وأبعد مايكون عن البطولة التي لاتتحقق إلا من خلال دور المحبوب والمعشوق ( روميو )! كن صديقي…
ليس في الأمر انتقاص للرجولة
غير ان الشرقي لا يرضى بدور
غير أدوار البطولة
دور الشخص في بناء شخصيته، وتأثير الإشراطات والحتميات السوسيو ثقافية.

كيف تساعدنا القصيدة على طرح إشكاليتنا الخاصة، إشكالية الغير ؟

تبدأ القصيدة بطلب ورجاء وتتنتهي بما يشبه خيبة الأمل.
ولكن لماذا الحاجة إلى الصديق / الغير ؟ ألا يكفي المرأة إدراكها لذاتها كعقل ووعي؟ إما انني عاجز عن إدراك ذاتي ووعيي إلا بمساعدة الغير، فيكون الغير بمثابة وسيط بيني وبين نفسي؛  أو ان هذا الإدراك لايبلغ درجة اليقين بدون شهادة الغير و ” تواطئه” واعترافه ؟
إذا كانت هذه المرأة على علم ومعرفة بتعبها و أحزانها وإهتماماتها الصغيرة، لأن الذات العارفة تتطابق مع موضوع المعرفة في فعل الحدس او الإدراك الباطني المباشر، فكيف للغير / الرجل أن ينفذ إلى كل هذه التفاصيل الحميمية؟ ألا يتوجب علينا المرور أولا عبر جسم الغير وملامحه الخارجية؟  هل من سبيل غير هذه  العلامات الخارجية الصادرة عن الغير نفسه؟ وفي حالة غياب هذه المعرفة لسبب أو لآخر، ألا تتحول المرأة في هذه الحالة إلى مجرد شئء في أعين الرجل؟
ماتأثير ذلك على وعينا بذاتنا؟
بأي معنى تتيح الصداقة المنشودة تجاوز هذه المفارقات؟

وأخيرا، هذه صورة التقطتها خِلسة في أواخر أكتوبر 2010 فيما كان التلاميذ “مستغرقين” بكل معاني الكلمة .. يستمعون إلى الأغنية من المذياع وفي نفس الوقت يتابعون كلمات الأغنية التي وزعتها عليهم في أوراق مطبوعة عند بداية الحصة..

اي حصة كنت أعرض فيها للتلاميذ فيلم الغزالي-كيميائي السعادة

Facebooktwitterredditmailby feather

الحرية – مجزوءة الأخلاق

لا تجد كالحرية كلمة دلت على معان مختلفة كما يقول مونتيكسيو، ويتجسد ذلك في الأبعاد الكثيرة للحرية
سنتناول الحرية في هذا الملخص من زاويتين أو بعدين فقط:
– البعد الميتافيزيقي للحرية؛
– البعد السياسي الملموس للحرية.
أما عن البعد الأخلاقي للحرية، فلتراجع درسالواجب وخصوصا المحور الأول (الواجب والإكراه)
أما عن البعد أو التناول العلمي للحرية، فأنظر المحور الثالث من درس الشخص ( الحتميات النفسية والاجتماعية الشارطة للشخص التي كشفت عنها العلوم الإنسانية)
– أما عن البعد التاريخي للحرية، فيرجى الرجوع إلى درس التاريخ وخصوصا المحور الثالث: دور الإنسان في التاريخ

المحور الأول: الحرية بين الإرادة والحتمية أو البعد الميتافيزيقي للحرية.

ملحوظة:يسمى هذا البعد ميتافيزيقيا لأنه يتناول الحرية بشكل مجرد من حيث المبدأ العام لا في وضعية محددة ومخصوصة، أي حرية ذات من حيث أنها تتمتع بالإرادة.

مفاهيم لابد من استيعاب دلالتها قبل المضي قدما:
الحتمية:
وجود علاقات ضرورية ثابتة في الطبيعة توجب ان تكون كل ظاهرة من ظواهرها مشروطة بما يتفدمها او يصحبها من الظواهر الأخرى، وأن كل حادث يسبقه سبب يحتم وجوده على نحو دون آخر؛ والحتمية بالمعنى الفلسفي مذهب يرى ان جميع حوادث العالم وبخاصة أفعال الإنسان، مرتبطة ببعضها ارتباطا محكما
الإرادة و حرية الاختيار:
حرية الاختيار :libre arbitre القدرة على الاختيار بين أحد المقدورين أو اتصاف الإرادة بالقدرة على الفعل دون التقيد بأسباب خارجية. وهذا يدل على وجود تلازم بين معاني الحرية واللاتعين واللاحتمية، وإذا سلمنا بحرية الاختيار، وجعلناها مقصورة على الأحوال التي تتساوى فيها الأسباب المتعارضة، حصلنا على معنى آخر للحرية وهو حرية اللامبالاة وقد عرفوها بقولهم: هي القدرة على الاختيار من غير مرجح

طرح الإشكال:

الحرية خاصية موجود خالص من القيود، عامل بإرادته أو طبيعته، وتقابلها مفاهيم القيد والحتمية والضرورة والخضوع والعبودية. والإنسان يستشعر في نفسه أحيانا القدرة على الاختيار والترجيح أو فعل الشيء أو الامتناع عنه بإرادته، لكنه يعلم من جهة أخرى أن لحوادث العالم الطبيعي نظاما عِليّا حتميا لا مكان فيه للصدفة أو العبث، أفلا تخضع حرية اختياره لعلل وأسباب تشرطها بدورها؟ هل الحرية هي الاستقلال عن المحددات والحتميات أم مجرد وعي بها؟ كيف يستقيم القول بحرية الإرادة مع القول بحتمية الحوادث؟

معالجة الإشكال:

1- الإرادة بوصفها علة أولى وابتداءا مطلقا

الحرية أولا هي حرية الإرادة بوصفها مصدر الفعل الحر. والإرادة أن يشعر الفاعل بالغرض الذي يريد بلوغه، وأن يتوقف عن النزوع إليه توقفا مؤقتا، وأن يتصور الأسباب الداعية إليه، و الأسباب الصادة عنه وأن يدرك قيمة هذه الأسباب، ويعتمد عليها في عزمه، وأن ينفذ الفعل في النهاية أو يكف عنه. وقدرته على الاختيار بين التنفيذ والكف هي جوهر الإرادة، أو ما يسمى بــ “حرية الاختيار” وهي القول أن فعل الإنسان متولد من إرادته. قال بوسييه Bossuet: “كلما بحثت في أعماق نفسي عن السبب الذي يدفعني إلى الفعل لم أجد فيها غير إرادتي”، بمعنى أن اختبار حرية الإرادة يتم في الغالب عن طريق استبطان داخلي للنفس اعتمد عليه ديكارت بدوره ليعلن أنه يجد في نفسه حرية الاختيار أو إرادة لا يماثلها شيء في لا محدوديتها بل هي الدليل على أن الإنسان على صورة الله ومثاله؛ ويعرف ديكارت الإرادة بأنها القدرة على فعل الشيء او الامتناع عنه، إثبات أو نفي ما يعرض للذهن من أفكار أو تصورات بمحض الاختيار دون الإحساس بضغط من الخارج يملي هذه أو تلك. وقد اختبر ديكارت لا محدودية حرية الإرادة في فعل الشك الذي أقدم عليه! ذلك أنه وجد في نفسه القدرة على رفض كل الحقائق والشك في كل المعارف التي تشبثت بنفسه منذ الطفولة… بل إن الخطأ أوضح صور حرية الإرادة: فنحن لا نخطئ إلا لكوننا أحرارا لأن الخطأ ناجم عما تتمتع به الإرادة من قدرة على الحكم بشيء لا تتوفر بصدده على الدلائل الكافية من العقل.

2- حرية الإرادة وهم ناتج عن جهل بسلسلة الحتميات
يقوم التصور الديكارتي على فرضية مفادها أن الإنسان مملكة داخل مملكة الطبيعة، مستقل عن سلطانها. وهو ما ترفضه كل فلسفات الحتمية التي تنطلق من وجود علاقة سببية ضرورية بين حوادث العالم بما في ذلك الحوادث النفسية (الرغبات، الأفكار، الاختيارات…) التي هي بدورها معلولات لأسباب خارجية، فحوادث العالم الخارجي عند ابن رشد مثلا تجري على نظام محدود ترتيب منضود لا تخرج عنه، والإرادة والأفعال لا تتم إلا بموافقة الأسباب الخارجية، لأن أفعالنا ناتجة عن تلك الأسباب الخارجية، وكل معلول إنما يكون عن أسباب محدودة ومقدرة، يكون بالضرورة محدودا ومقدرا بدوره. ومثال ذلك أن أنه إذا ورد علينا أمر مشتهى من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار، مثلما أنه إن ورد أمر مكروه من خارج كرهناه وهربنا منه بالضرورة
ولكن من أين ينبع هذا الإحساس الداخلي القوي بالحرية رغم ذلك !؟
ينطلق اسبينوزا في جوابه على هذا السؤال من نفس ما انطلق منه ابن رشد، وهو أن كل شيء كيفما كان محدد بعلة خارجية تتحكم في وجوده وفعله باستثناء الجوهر أو الله الذي هو علة وجوده، فلا يتصرف إلا وفق الضرورة التي تمليها طبيعته، أما بقية الموجودات وخصوصا البشر، فإن الحرية التي يتفاخرون بامتلاكها لا تعدو أن تكون وهما ناتجا عن الجهل: أي عن وعيهم برغباتهم وجهلهم بالعلل التي تجعلهم يرغبون في شيء من الأشياء.
لا وجود إذن لفعل حر بمعنى فعل لاعلة له تحدده، والحرية الوحيدة الممكنة هي وعي هذه الضرورة، والتصرف وفق الطبيعة الجوهرية للإنسان أي الطبيعة العاقلة، لذلك قيل إن الحرية هي الحد الأقصى لاستقلال الإرادة العالمة بذاتها المدركة لغاياتها. وقيل أيضا إن الحرية هي علية النفس العاقلة. ومعنى ذلك أن الفاعل الحر هو الذي يقيد نفسه بعقله وإرادته، ويعرف كيف يستعمل ما لديه من طاقة وكيف يتنبأ بالنتائج وكيف يقرنها ببعضها البعض وكيف يحكم عليها ، فحريته ليست مجردة من كل قيد ولا هي غير متناهية، بل هي تابعة لشروط متغيرة توجب تحديدها وتخصيصها

فقرة انتقالية من المحور الأول إلى المحور الثاني:

لقد أخطأ الثراث الفلسفي عند مقاربته لإشكالية الحرية من خلال مفاهيم الإرادة والاختيار والحتمية حسب حنا آرندت : فبدل توضيح هذه الإشكالية، عمل على نقلها من حقلها الأصلي أي مجال التجربة الإنسانية و مجال السياسة إلى مجال داخلي يتمثل في الإرادة، وبذلك أذيبت الحرية ضمن بقية القضايا الميتافيزيقية كالزمان والعدم والنفس… والحال أنه من غير الممكن أن نختبر الحرية ونقيضها أثناء الاستبطان أي ذلك الحوار الذي يجري بيني وبين ذاتي والذي تتولد من خلاله القضايا الفلسفية والميتافيزيقية الكبرى

المحور الثاني: الحرية والقانون أو البعد السياسي للحرية

طرح الإشكال:
رأينا مع حنا آرندت في معرض نقدها للتناول الميتافيزيقي للحرية: إننا لا نعي الحرية في إطار علاقتنا بذواتنا، بل في خضم تفاعلنا مع الغير. إذا صح ذلك، ألن يكون وجود هذا الغير في حد ذاته حدا من حريتي بفعل القانون الذي ينظم علاقتي به؟ إذا كانت الحرية نقيضا للقيود والموانع، فكيف لها أن تتعايش مع القانون الذي هو مرادف لفكرة القيود؟

معالجة الإشكال:

1-القانون كشرط لوجود الحرية ( ما ينبغي أن يكون)

قد يحلم الواحد منا بحرية مطلقة دون حدود، يفعل بواسطتها ما يشاء دون قيد من مجتمع أو قانون، بيد أننا ننسى بأن وجودنا الطبيعي نفسه يقتضي الخضوع لقوانين ! مثل قوانين الفيزياء كالجاذبية وقوانين البيولوجيا كاندثار الخلايا؛ ثم إن هذا الحلم يتضمن تناقضا غالبا ما لا يعييه صاحبه: صحيح أن كل فرد يتمتع خارج القانون أو المجتمع المدني بحرية كاملة – كما يقول توماس هوبز – لكنها حرية غير مجدية، لأنها في الوقت الذي تمنحنا امتياز فعل كل ما نهواه، تمنح الآخرين بدورهم قوة إيذائنا كما يريدون.
إذن فلا وجود قطعا لحرية بدون قوانين. بل إن وجود قوانين يخضع لها الجميع هو الذي يضمن الحرية للفرد والشعب معا. سيكون للشعب الحر رؤساء، لا مفر من ذلك فهذا مما تقتضيه ضرورات التنظيم والعيش الجماعي المشترك ولكن لن يكون له أسياد، كما قال روسو، إنه يخضع للقوانين، وللقوانين وحدها، وبفضل قوة القانون لا يخضع للبشر. وحيث أن القانون تعبير عن الإرادة العامة، فإنني عندما أخضع للجميع، فأنا في الواقع لا أخضع لأي أحد، وإنما أخضع لكيان معنوي أنا نفسي جزء منه. وإذا كان الخضوع للقانون يحد من سلطاننا وقدراتنا، فقد كشف مونتيكسيو عن النزوع الدفين الذي يسكن كل ذي سلطة أو قدرة ألا وهو الميل إلى الشطط في استعمال قدرته وسلطته، وسيسترسل في ذلك إلى أن يلاقي حدودا. لابد إذن للحرية من حدود. والحرية كما قال مونتيكسيو هي حق فعل كل ما تبيحه القوانين، ولا يمكن للحرية أن تقوم في الدولة على غير القدرة على فعل ما يجب أن نريده وعلى عدم الإكراه على فعل ما لا يجب أن نريده.

2- القانون والدولة كإلغاء للحرية: نموذج الأنظمة الكليانية ( ما هو كائن)

لا وجود قطعا لحرية بدون قوانين. هذا المبدأ هو خلاصة المواقف السابقة التي التي اتخدت من الديمقراطية وحقوق الإنسان رهانا لها. ومن المفارقات أن الاستبداد والطغيان يستعمل بدوره مبدأ ضرورة القانون لوجود الحرية من أجل إلغاء هذه الأخيرة بحجة أن السلم أثمن من الحرية، وأن الغاية القصوى لوجود القانون نفسه هو حماية السلم من الحرية التي تهدده بفوضاها. وقد رد روسو ساخرا ذات مرة على من يدعي أن تقليص الحرية يهدف إلى الحفاظ على السلم والأمن: نعم، سنحصل على السلم والهدوء ولكنه هدوء المقابر !
يكمن سر هذه المفارقة في أن علاقة القانون بالحرية تقوم على نوع من المقايضة عبر عنها بنيامين كونسطان بقوله: “يقبل كل فرد التضحية بجزء من ثروته على شكل ضرائب لسد النفقات العمومية والتي يكون هدفها ضمان تمتعه بما تبقى من ثروته بسلام، و بنفس الشكل يقبل المرء التضحية بجزء من حريته لضمان ما تبقى منها، ولكن إن اكتسحت الدولة كل مجال لحريته فلتن يعود للتضحية معنى، كأنها تطالبه بدفع كل ثروته ! إن المذهب القائل بالامتثال اللامحدود للقانون في عهد الاستبداد والانقلابات الثورية قد أضر بالناس أكثر مما أضرت بهم الأخطاء والضلالات الأخرى”
و هذا المذهب الذي حذر منه كونسطان في بدايات القرن 19 تجسد في القرن العشرين في ظاهرة الأنظمة الشمولية الكليانية التي تصفها حنا آرندت بالظاهرة الفريدة غير المسبوقة في كتابها ” أصول الكليانية”: تعمد هذه الأنظمة الاستبدادية إلى اعتقال رعاياها وحبسهم داخل بيوتهم الضيقة، مانعة بذلك ميلاد حياة عمومية، لا يمكن للحرية أن تتجلى بدونها، مستعملة من أجل ذلك الدعاية والأيديولوجيا والتأطير المذهبي لتحول المواطن إلى مجرد رقم نكرة، إلى فرد داخل الجمع homme de masse

قد يقال أن الحرية تظل مع ذلك رغبة أو إرادة أو طموحا يسكن أفئدة الناس، بيد أن الحرية و قبل أن تكون صفة للفكر أو سمة من سمات الإرادة، فإنها أولا وقبل كل شيء وضع للإنسان الحر. لا يوجد في نظر آرندت سوى شكل وحيد للحرية وهي الحرية الملموسة في العالم: حرية التنقل و الخروج من المنزل والالتقاء بالغير

Facebooktwitterredditmailby feather

الواجب – مجزوءة الأخلاق

 

ملاحظة تقنية (موجهة -ربما- لزملائي المدرسين) : تم الاعتماد في الدرس ومن ثم في هذا الملخص على نصوص فلسفية من الكتب المدرسية الثلاث ومن مصادر أخرى إضافية
وقد حاولت قدر الإمكان أن أعكس في هذا الملخص سيرورة الدرس المنجز في القسم،
نتوقف في البداية عند تعريف الواجب، ليس لأن تعريف الواجب مدخل إلى الدرس، فالدرس بأكمله بمثابة تعريف للواجب في تعالقه مع مفاهيم أخرى، ولكن لأن من مقتضيات دراسة قضية ما امتلاك تصور أولي حول دلالة المفردة المعبرة عن القضية…
يعرفه جميل صليبا في معجمه الفلسفي (ج2 ص 541-542)كالتالي: ” الواجب ما تقتضي ذاته وجوده اقتضاءا تاما” بيد أن هذا تعريف عام يشمل المنطق والأنطلوجيا معا، أما التعريف الخاص الأقرب إلى مجزوءة الأخلاق فهو: ” الواجب بوجه عام هو الإلزام الأخلاقي الذي يؤدي تركه إلى مفسدة… والواجب بوجه خاص قاعدة عملية معينة، أو إلزام محدد يتعلق بموقف إنساني معين كواجب الموظف في أداء عمله”
ونضيف مع إيريك فايل بأن الواجب يشكل المقولة الأساسية والوحيدة للأخلاق

المحور الأول: الواجب والإكراه

طرح الإشكال:

الواجبات كثيرة: أسرية، دينية، عرفية، وطنية، مهنية… وما إن يذكر الواجب، أو يتم تذكيرنا به وهذا هو الغالب، حتى يتبادر إلى ذهننا الإلزام والإكراه. وفي اللغة: وجب الشيء إذا ثبت ولزم؛ والواجب هو ما يقابل الجائز والممكن. وحيث أن الذات خاضعة لدوافع شتى، فإن ضرورة الواجب تنقلب إكراها وينقلب تصورها إلى أمر نسميه بالأمر الأخلاقي. بيد أن الواجب، من جهة أخرى، لا يُتصور دون حرية: فحرية الفاعل الأخلاقي هي التي نرتب عليها واجباتها، ولامعنى للواجب بالنسبة لحجر ساقط خاضع لقوانين حتمية و حيوان أعجم تقوده الغريزة!!
الإكراه إذن خاصية محايثة للواجب والحرية شرطه! فكيف نجمع بينهما؟ وإذا كان الواجب إكراها، والواجبات كثيرة، ألن يجعل ذلك من حياتنا جحيما لا يطاق ومعاناة للإكراه المستمر؟ وحيث أن الواجب يشكل المقولة الأساسية والوحيدة للأخلاق، فأي قيمة لهذه الأخلاقية التي ترزح تحت الإكراه وتتعارض مع أخص خصائص الإنسان أي الحرية؟ وبعبارة أخرى: هل المصالحة بين الواجب والحرية ممكنة؟

معالجة الإشكال:
ملاحظة: يتفق أغلب الفلاسفة على أن الواجب (الأخلاقي) لا يخلو من إكراه، فهو ليس فعلا تلقائيا عفويا، ليس غريزة أو رد فعل! وتنحصر المشكلة عندها في إعادة التوفيق بين الواجب والحرية

1-الحل الكانطي: الواجب إكراه يحقق استقلالية الإرادة

يقر كانط بأن “الضرورة الأخلاقية هي إكراه أي إلزام وكل فعل مؤسس عليها، يجب أن نتمثله بوصفه واجبا، وليس مجرد طريقة للفعل نرغب فيها الآن أو قد نرغب فيها مستقبلا”
فالواجب إذن إكراه بل قهر يمارسه العقل العملي على الميولات، لكنه إكراه حر لأنه يخلص الإرادة من ضغط وإلحاح هذه الميول ،فلا تخضع إلا لنفسها أو للواجب من حيث هو واجب. فتغدو بذلك إرادة طيبة حقا.
يرى كانط أن الإنسان حينما يخضع للقوانين التي يمليها الواجب الصادر عن العقل، فإنه حر مادام لا يخضع سوى لتشريعه الخاص، فهو يمنح نفسه قانونها في حين تتلقى الموجودات المادية قانونها من خارج على شكل حتمية طبيعية. لذلك تنص إحدى الأوامر المطلقة الكانطية على وجوب التصرف كما لو كنت مشرع القانون؛ ولما كان هذا الأمر كونيا، فإن الفرد يشارك بذلك في مملكة الإرادة بوصفها مملكة للحرية. هذه الإرادة التي تتميز بالاستقلال الذاتي، لأنها تشرع لنفسها في استقلال عن أية شروط أو غايات خارجية،
ولفهم الشرط الأخير لابد أن نميز – مع كانط – بين نوعين من الأوامر الأخلاقية؛ أوامر أخلاقية شرطية يتوقف أداؤها على النتائج التي المتوقعة منها كاللذة أو السعادة أو تقدير الآخرين.. أو أية منفعة أخرى، فتكون الواجبات في هذه الحالة مجرد وسائل لتحقيق غايات معينة؛ كأن نقول الصدق من أجل أن نكسب ثقة الناس؛ والنوع الثاني هو الأوامر الأخلاقية القطعية أو المطلقة، وهي تلك التي تنظر إلى الأفعال في ذاتها لا من حيث النتائج المترتبة عنها: كأن نقول الصدق دائما احتراما للواجب نفسه.
إذن فالقيام بالواجب من حيث هو واجب هو عين الحرية لأنه يخلص الإرادة من ضغط الميولات الحسية ولا يرهن غاياتها ودوافعها بالنتائج المترتبة عن الفعل الأخلاقي. ولكن هل تتوجه الأخلاق والواجبات الكانطية إلى الإنسان الواقعي، أم إلى صورة مجردة ومثالية للإنسان !؟

2- دوركايم: الواجب اكراه خارجي لكنه يتحول إلى موضوع رغبة
يتفق دوركايم مع كانط بأن الواجب يحمل قدرا من الإلزام والإكراه، لكنه لا يقتنع بالحل الكانطي لمشكلة الإكراه والمتمثل في تحويل الواجب إلى أمر مطلق وغير مشروط، بحيث نقوم بالواجب امتثالا للواجب، ذلك أنه من المستحيل حسب دوركايم السعي نحو هدف نكون فاترين تجاهه ولا يحرك حساسيتنا، وهكذا يجب أن نقبل بقسط من أخلاق اللذة لنفسر كيف أننا نشعر بنوع من الرضي والإغراء أثناء قيامنا بواجبات تحددت خارجنا وقبلنا.
وبعبارة أخرى، ففي الوقت الذي يعترف فيه دوركايم أن الوقائع الاجتماعية ومن أهمها الواجبات تتميز بالخارجية والقسر، لا يفوته أن يلاحظ أن الفاعل الاجتماعي لا يعي هذا الإكراه أو القسر المسلط عليها لأن الواجبات تحولت إلى موضوع رغبة، وعلى سبيل المثال، فالمقبل على الزواج مطالب بتنظيم طقوس الزواج والزفاف بطريقة معينة مفروضة ، ولكن الفاعل يتماهى مع الدور بحيث يصبح في امتثاله شيء من الرضي و اللذة والمتعة ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن انتعال الحذاء الذي كان بالنسبة للطفل الصغير واجبا ثقيلا، فتحول لاحقا إلى موضوع رغبة واستمتاع، بل انضافت إلى قيمته الاستعمالية قيمة جمالية! أو ذاك الذي يهب في زمن الحرب بكل حمية وحماس للتطوع في الجيش امتثالا لواجب الوطنية… وغيرها من الأمثلة التي تظهر امتزاج الواجب بالرغبة وتطابقه أحيانا مع العواطف الشخصية، ولذلك يقول دوركايم في كتابه قواعد المنهج السوسيولوجي: “إنني حين أؤدي واجب كأخ أو زوج او مواطن … أقوم بأداء واجبات خارجية حددها العرف والقانون وعلى الرغم من أن هذه الواجبات لا تتعارض مع عواطفي الشخصية (…) إن هذه الضروب من السلوك والتفكير لا توجد خارج شعور الفرد بل تمتاز أيضا بقوة آمرة قاهرة هي السبب في أنها تفرض نفسها على الفرد شاء أم أبى. حقا إني لا أشعر بهذا القهر حين أستسلم له بمحض إرادتي”
ينتج عن ذلك صفتان للواجب الأخلاقي: الصفة الأولى هي الإلزام لكن الصفة الثانية الملازمة له هي كونه موضع رغبة

خلاصة:

: إن الواجب الناتج عن الأمر الأخلاقي الكانطي المطلق ليس إذن إلا مظهرا مجردا من مظاهر الواقع الأخلاقي يغفل المظهر الملموس لهذا الواقع الذي ينكشف بالتحليل السوسيولوجي، لا مجرد التأمل العقلي. وبذلك فموقف دوركايم يختلف عن موقف كانط اختلاف المقاربة السوسيولوجية المنصتة إلى دروس الوقائع عن المقاربة الفلسفية المتسمة غالبا بنظرة تجريدية تقتضيها شمولية المنظور الفلسفي

المحور الثاني: الوعي أو الحس الأخلاقي

طرح الإشكال:
يمكن للأخلاق أن “تتموضع” في الخارج، فتكون موضع خطب ووعظ، كما يمكن تدوينها بالحبر على الأوراق أو بالنقش على الحجر، لكنها توجد قبل هذا وذاك على شكل وعي تمتلكه الذات به تميز بين الخير والشر وتضفي صبغة أخلاقية على أفعالها أو أفعال غيرها. ويبدو هذا الوعي الأخلاقي حسا داخليا عميقا على شكل ضمير أخلاقي أو صوت منطلق من أعماق النفس، يأمر وينهى، يؤنب و ويرضى.. هل يعني ذلك أن الحس الأخلاقي غريزة منقوشة في جبلة الإنسان ومن ثمة خالدة ولازمنية، ام أنه ظاهرة إنسانية كباقي الظواهر لها نشأة وتاريخ؟ وبعبارة مختصرة: ما مصدر الحس الأخلاقي؟

معالجة الإشكال:

1-الحس الأخلاقي فطري مطبوع في الجبلة-روسو

في إطار فلسفة الأنوار ونزعتها الإنسية الرامية إلى جعل الإنسان الفرد مرجعا لكل القيم بما فيها القيم الأخلاقية، يندرج التصور الروسوي الذي يرجع الحس الأخلاقي إلى مبادئ فطرية خالدة مطبوعة في الجبلة. وقد عبر كانط عن فطرية الوعي الأخلاقي في قولته الشهيرة التي استلهم فيها روسو: “شيئان يملآن القلب إعجابا متجددا متزايدا: السماء المرصعة بالنجوم فوقي والقانون الأخلاقي بداخلي”
يقول روسو إذن بوجود مبدأ فطري للعدالة والفضيلة في أعماق النفس البشرية، تقوم عليه رغم مبادئنا الشخصية أحكامنا التي نصدرها على أفعالنا وأفعال الغير فنصفها بالخيرة أو الشريرة.
لا ينكر روسو بأن الأحكام الأخلاقية مكتسبة وخارجية المصدر، لكن الإحساس الذي بموجبه نقدر ونقوم هذه الأفكار يظل فطريا، ثم إن هذا الوعي الأخلاقي أحاسيس وجدانية وليس أحكاما عقلية، إذ لو انتظرت الأخلاق نشوء التفكير العقلي لهلكت البشرية!! ويتصل هذا الإحساس بغريزتين أو عاطفتين أصيلتين هما حب الذات التي يحفظ الفرد بقاءه؛ ثم الشفقة التي تتجه إلى حفظ النوع إذ تمنع المرء من إلحاق الأذى بالغير مجانا أو رؤية الكائنات الحاسة تتألم. وقد ظلت هاتان الغريزتان مرشدتا الإنسان الوحيدتين طيلة حالة الطبيعة استغنى بهما عن القوانين و الأخلاق والفضيلة.
إن الوعي أو الحس الأخلاقي ليس فطريا فحسب، بل خالد وأزلي وصائب على الدوام، ولذلك يخاطبه روسو قائلا: ” أيها الوعي ! أنت أيتها الغريزة الإلهية الخالدة، والمرشدة المضمونة لإنسان جاهل ومحدود النظر، أيتها الغريزة المعصومة في تمييزها بين الخير والشر”
ومن المنطقي أن يخلص روسو إلى فطرية الضمير الأخلاقي مادام ينظر إلى الإنسان ككائن طيب بالطبيعة شرير بالاجتماع الذي أفقده براءته و طيبوبته الأصليتين. ولكن ألا يسقط هذا التصور في اللاتاريخية من خلال تجاهله لنسبية الوعي الأخلاقي وللظروف التاريخية والعوامل الاجتماعية التي تقف وراء نشأة هذا الوعي؟ وهي العوامل التي تشدد عليها كل من المقاربتين الفرويدية والماركسية للوعي الأخلاقي.

2- نشوء الحس الأخلاقي وتاريخيته:

من الصعب القبول بفطرية الضمير الأخلاقي انطلاقا من التحليل الفرويدي، لأن الفطري هو “الهو” الذي يمثل الشكل الأصلي للجهاز النفسي كما يظهر عند الميلاد، وهو المادة الأولية للتمييزات اللاحقة. وهذا الهو يخضع فقط لمبدأ اللذة ويجهل تماما مبدأ الواجب الذي هو عنوان الضمير الأخلاقي. لذلك لا يمكننا الحديث عن ضمير أخلاقي قبل ظهور الأنا الأعلى التي ينتج عن اصطدام الأنا بالقيم والضوابط الأخلاقية للمحيط الاجتماعي.
وبنمو الوعي الأخلاقي يظهر الإحساس بالذنب وأشكال التوتر والقلق الذي تتولد في النفس نتيجة التعارض القائم بين متطلبات الأنا الأعلى وميولات الأنا المدفوع بالهو. كما أن الأشكال المرضية الدالة على قسوة الأنا الأعلى وسلطته كالسوداء والمازوشية والوسواس… هي أيضا مؤشرات على ضمير أخلاقي لكنه ضمير متضخم.
إذا كان فرويد يقدم مقاربة لنشوء الضمير الأخلاقي الفردي كانعكاس للوعي الأخلاقي للمجتمع، فإن الماركسية تفسر كيف ينشأ هذا الوعي على مستوى المجتمع نفسه. وبما أنه جزء من البنية الفوقية، فإنه لن يكون غير انعكاس للبنية التحتية أي لمستوى معين من تطور قوى الإنتاج، لذلك تحمل الأنظمة الأخلاقية بدون شك مدلولا طبقيا فتصبح جزءا من الأيديلوجية وظيفتها تبرير الهيمنة وتزييف الوعي الاجتماعي.
لكل مرحلة من مراحل التطور الاقتصادي نظريات أخلاقية مطابقة لها. وعلى سبيل المثال، فانطلاقا من اللحظة التي تطورت فيها الملكية الفردية للأشياء المنقولة صار لزاما على المجتمعات أن تعرف الأمر الأخلاقي القائل: ” لا تسرق” ولكن لا معنى لهذا الأمر في مجتمع تغيب عنه الملكية الخاصة كما في المشاعية البدائية ! كما يقول انجلز؛ كما أن أمرا باحترام الملكية الفكرية للأعمال الفنية لا معنى له إلا عندما تتحول الأعمال الفنية إلى سلع خاضعة لقوانين الإنتاج والتسويق.
على هذا الأساس يرفض انجلز كل رأي مزعوم يحاول فرض نظام أخلاقي دوغمائي كيفما كان باعتباره قانونا خالدا ، ثابتا ونهائيا يعلو على التاريخ.

المحور الثالث: الواجب والمجتمع

طرح الإشكال:
مادام المجتمع هو منبع الواجبات ومصدر القوة التي تصاحبها، فهل ينتج عن ذلك أن واجباتنا مقتصرة على أبناء مجتمعنا أو جماعتنا التي لقنتنا لائحة واجباتنا، و أن الواجبات نسبية ومحلية، أم أن الواجبات كونية و أننا ملزمون بواجبات تجاه الإنسانية جمعاء الحاضرة والمقبلة أي تجاه الأجيال القادمة بدورها ؟ ألا تتعارض واجباتنا والتزاماتنا تجاه جماعتنا ومجتمعنا مع واجباتنا والتزاماتنا تجاه الإنسانية

معالجة الإشكال:

1- الواجب صوت المجتمع

إذا كان الإنسانية قد مالت إلى تفسير القوة الآمرة الرهيبة لصوت الواجب الذي يتردد مجلجلا بداخل الفرد تفسيرا أسطوريا يربطه بكائنات علوية، فإن صوت الواجب والضمير عند دوركايم ليس شيئا آخر غير صوت المجتمع الذي هو كائن معنوي يتجاوز الأفراد ويؤثر فيهم ويحيى داخل ذواتهم، ويمارس عليهم نوعا من القهر والإكراه الخفي. إن المجتمع بهذا المعنى ، هو جزء لا يتجزأ من الذوات الفردية التي لا تستطيع أبدا الانفصال عنه؛ فهو الذي بث فيها تلك المشاعر والمعايير التي تمنح بالضرورة لقواعد السلوك الفردي صفة الإكراه المميزة للإلزام الأخلاقي كما تحدد لها واجباتها الأخلاقية، أي ما ينبغي عليها فعله وما يجب تجنبه. لكن إذا كان الواجب يرتبط بالمجتمع و بإكراهاته، فإنه بذلك يسقط في الانغلاق والنسبية؛ مادام أن لكل مجتمع خصوصيته الثقافية والحضارية التي تميزه عن باقي المجتمعات. كما أن الواجب في هذه الحالة من شأنه أن يؤدي نوع من الصدام الحضاري، والصراع الفكري والأخلاقي بين الأمم والشعوب. وهذا صحيح إلى حد ما، فالأمر الأخلاقي “لا تقتل!” غالبا ما يفقد صلاحيته إذا تعلق الأمر بفرد من خارج الجماعة التي لقنت للفرد هذا الأمر. وهناك ثقافات تجيز صراحة لأفرادها قتل أو استعباد أو التنكيل بمن لا ينتمون إلى الجماعة! ولذلك يقول داروين: “تعد الأفعال لدى المتوحشين وربما كذلك لدى الإنسان البدائي خيرة أو شريرة فقط إذا كانت تؤثر بوضوح في حسن حال القبيلة -وليس النوع البشري أو العضو الفرد في القبيلة. تتفق هذه النتيجة مع اعتقاد فحواه أن الحس الخلقي في منبته مشتق من الغرائز الاجتماعية، لأن كليهما يرتبط أولا وحصريا بالمجتمع”. وبالمثل فإن شعور المرء بالشفقة وبوجوب الإحسان للفقير يختلف حسبما إذا كان هذا الأخير من ذوي القربى أو من نفس المجتمع أو فردا في مجتمع مخالف لي في الملة أو العرق او اللغة. ولكن، وفي ظل مناخ العولمة الاقتصادية والثقافية وتحول الكوكب إلى قرية صغيرة بفضل ثورة وسائل الاتصال، وتوحد مصائر البشرية والكوكب… ألم يعد ملحا التشديد على الطابع الكوني للواجبات الأخلاقية وإخراجها من انغلاقها لتنفتح على القيم والواجبات الإنسانية حفظا لمصالح البشرية؟

2- واجباتنا نحو الإنسانية والكوكب والأجيال القادم

كيف يمكن أن نرتقي بالأخلاق إلى مستوى الكونية ونخرجها من انغلاقها لتنفتح على القيم والواجبات الإنسانية؟ لا يكاد هذا السؤال يطرح بالنسبة لأخلاق على الطراز الكانطي، فالواجبات بالتعريف كونية تتخذ الإنسانية موضوعا لها في شخص كل فرد على حدة. ولكن المطلب الكانطي يشكل في الحقيقة تحديا كبيرا لمفهوم الواجب نفسه، فهذا الأخير يحمل آثار أصله – أي المجتمع – ويتقوقع بالضرورة داخل حدوده. وإذا كان المجتمع وبعد جهد جهيد قد استطاع أن ينتزع من الفرد سلوكا غيريا نحو أبناء الجماعة كما يقول فرويد، فكيف له أن يطمع في مطالبته بسلوك غيري يشمل الإنسانية جمعاء !؟
ومع ذلك، يبدو أن كونية الواجبات لم تعد مجرد مطلب نظري في الفلسفة الأخلاقية، بل غدت ضرورة حيوية ملحة تشغل غير الفلاسفة بدورهم: فالتهديدات البيئية والاجتماعية والسياسية أصبحت تتجاوز حدود دولة أو مجتمع أو جيل، مما دفع جون راولز مثلا إلى أن يفرد لواجباتنا تجاه الأجيال القادمة حيزا داخل نظريته حول العدالة. يقول راولز: ” من البديهي أنه إذا كان على الأجيال القادمة أن تستفيد، فإن على الشركاء أن يتفقوا على مبدأ توفير يضمن لكل جيل أن يتلقى ما يستحق من سابقيه، كما أن عليه أن يلبي بطريقة منصفة متطلبات لاحقيه. ومن أجل تحقيق توفير عادل، يتعين على الشركاء أن يتساءلوا عن الكمية التي يقبلون بتوفيرها في كل مرحلة من مراحل النمو [لمصلحة الأجيال القادمة]”
هناك إذن واجب على أفراد الجيل الحالي يقتضي التوفير أي عدم الإسراف و استنزاف كل الموارد المتاحة جريا وراء مستويات من الرفاهية لا تعرف الحدود لأن من شأن ذلك أن يغامر بمستقبل الأجيال القادمة.
ثم إن الواجبات تجاه الإنسانية لا تقتصر على المحافظة على البيئة الطبيعية الكوكب التي هي ملك مشترك لسكانه ولأجياله، بل المحافظة أيضا على تراثه، وهذا ما تجلى في تعيين مواقع أثرية أو طبيعية كتراث إنساني من طرف اليونسكو.

Facebooktwitterredditmailby feather

الحق والعدالة – مجزوءة السياسة

المحور الأول: الحق بين الطبيعي والثقافي

طرح الإشكال:

ما الذي يشرعن ويبرر إعلان الحرية أو المساواة أو غيرها حقا من حقوق الإنسان؟ أيرتبط ذلك بإرادة المشرعين والقوانين الوضعية أم لأنها حقوق محايثة للطبيعة الإنسانية؟ وبعبارة أخرى، يمكن تأسيس وتأصيل الحق خارج كل ثقافة وتشريع ومواضعة أم أن الحق يظل نسبيا بنسبية القوانين الوضعية التي تجسده على أرض الواقع؟

معالجة الإشكال:

1- بحثا عن مرجعية كونية مؤسسة للحق: فكرة الحق الطبيعي

أ- تمهيد: لماذا تأسيس الحق على ما هو طبيعي؟
لقد لوحظ على الدوام أن الحق المستمد مما هو ثقافي يسري عليه ما يسري على الثقافة من تنوع واختلاف باختلاف المجتمعات والحقب التاريخية، مما دفع باسكال أن يكتب ذات مرة ساخرا: “يا لبؤس العدالة التي يحدها نهر ! أفكار صائبة هنا، خاطئة وراء جبال البرانس” هنا بالضبط تكمن الأهمية النظرية لمقولة الحق الطبيعي التي تؤصل للحق في الطبيعة وفي الطبيعة الإنسانية خاصة، بشكل مستقل عن الثقافة وإرادة المشرعين، لأن الطبيعة مرجع كوني و سابق منطقيا وزمنيا على المجتمع والثقافة..

ب- معلومات إضافية: ثلاث نماذج لفلسفات الحق الطبيعي:
قدم هوبز واحدة من أهم صياغات نظرية الحق الطبيعي في كتابه التنين، حيث عرَّفه بأنه الحرية التي لكل إنسان في أن يتصرف كما يشاء في إمكاناته الخاصة للمحافظة على طبيعته وحياته الخاصة، وأن يفعل كل ما يرتئيه نظره وعقله ناجعا لذلك. وعليه فالحق الطبيعي أو حق الطبيعة هو الحق في الحياة والحق في المحافظة عليها والحرية المطلقة في حماية الوجود البيولوجي والدفاع عنه.
ونجد عند جون لوك التعبير الأكثر وضوحا عن الأساس المنهجي العام لنظريات الحق الطبيعي إذ يقول:” حالة الطبيعية هي حالة الحرية الكاملة للناس في تنظيم أفعالهم والتصرف بأشخاصهم وممتلكاتهم … وهي أيضا حالة المساواة (…) إذ ليس هناك حقيقة أكثر بداهة من أن المخلوقات المنتمية إلى النوع والرتبة نفسها المتمتعة كلها بالمنافع نفسها التي تمنحها الطبيعة وباستخدام الملكات نفسها، يجب أيضا أن يتساوى بعضهم مع بعض”
أما روسو فيقول في كتابه “أصل التفاوت بين الناس”: ” إن التنازل عن الحياة أو الحرية وأيا كان الثمن هو إهانة للطبيعة والعقل، ولكن على افتراض إمكان التصرف الإنسان في حريته كما يتصرف في ماله، فإن الفرق يظل بينا جدا … أن الحرية، إذ هي هبة من الطبيعة وقد وهبت لهم بصفة كونهم بشرا، … وهكذا فمادام إنشاء العبودية يقتضي إكراه الطبيعة بالشدة والعنف، فقد وجب أيضا أن تغير الطبيعة لتأييد هذا الحق: والفقهاء الذين قضوا بكل وقار بأن ولد العبد يولد عبدا، كان معنى قضائهم هذا أن الإنسان لا يولد إنسانا”

ج- حقوق الإنسان الطبيعية أساس حقوقه المدنية:
تؤكد نظريات الحق الطبيعي على وجود حقوق أساسية محايثة لطبيعة الإنسان مثل الحياة والحرية والمساواة، بوصفها حقوقا سابقة على كل اجتماع أو مواضعة نسبية مشروطة ثقافيا أو تاريخيا، و لا يمكن تصور الإنسان كإنسان بدونها. ورغم ما نلاحظه من إختلاف بين منظري الحق الطبيعي في فهم الطبيعة الإنسانية وكذا حالة الطبيعة، إلا أنهم يتبعون نفس الإجراء المنهجي المتمثل في تجريد الإنسان من كل المحددات الثقافية والتاريخية من أجل استنباط حقوق محايثة لطبيعته؛ ثم إن هذا الإختلاف يتلاشى، لأن نظريات الحق الطبيعي تتحول في النهاية إلى نظرية للعقد الإجتماعي ذلك أن تأسيس الحق على ما هو طبيعي، لا يعني استبعاد الثقافة والاجتماع والتعاقد، فإذا كانت الطبيعة تعطي للحق مصدره ومشروعيته، فإن التعاقد هو الذي يضمن استمراريته. وواضح أن الإحالة على “الطبيعة” هنا لايعني سوى تأسيس الحق على مرجعية سابقة على كل مرجعية تاريخية: فالطبيعة سابقة على كل ثقافة وحضارة، على كل مجتمع ودولة، وبالتالي ، فهي مرجعية كلية مطلقة، ومن ثَمّ فالحقوق التي تتأسس عليها هي حقوق كلية مطلقة كذلك

2- الحق الوضعي: حق نسبي بنسبية مبادئه

رغم القوة النظرية والجاذبية التي تتمتع بها نظرية الحق الطبيعي، إلا أن البعض لا يرى في مرجعية الطبيعة سوى مفهوم إفتراضي يفتقد إلى الإجماع حول مضمونه: إذ يبدو أن البشر عرفوا على الدوام أشكالا من التنظيم مَهْما كانت بدائية بسيطة، مما يشكك في حالة الطبيعة المستخدمة كفرضية للإستنباط الحقوق الطبيعية؛ إضافة إلى صعوبة تحديد محتوى الطبيعة الإنسانية الذي تعرض في القرن العشرين للمراجعة سواء من طرف العلوم الإنسانية أو الفلسفة الوجودية. مما يجعل الإجماع حول مبادئ عقلانية كونية أمرا مستبعدا، لأن هذه المبادئ نفسها تتجاهل المحددات الثقافية النسبية. ألا ينبغي بالأحرى الحديث عن الحق في بعده النسبي الثقافي؟
تأسيسا على هذه الملاحظات، لاترى الوضعية القانونية في أطروحة الحق الطبيعي سوى إنشاءات ميتافيزيقية لاتحقق شروط العلمية كما تفهمها الإبستملوجيا الوضعية الملتزمة بأحكام الواقع (ماهو كائن) لابأحكام القيمة (ماينبغي أن يكون). وهكذا فالحق عند هانز كيلسن مثلا لايستمد قوته ومصدره إلا من القوانين التي تبلوره وتحتم العمل به، لأن القانون يقول الحق تبعا للإختيارات والأولويات بما يعكس خصوصية المجتمع وتطوره التاريخي وبما يترجم موازين القوى داخل البنية الإجتماعية وهي موازين ديناميكية متغيرة بتغير التشكيلات الإجتماعية. ومن وجهة نظر فقه القانون والدراسة العلمية، فلا وجود لحق أو عدالة خارج القانون الوضعي الذي يوفر قوة الإلزام الضرورية لتحويل الحق إلى واقع معيش مستعينا بالمؤسسات التنفيذية والقضائية.

معلومات إضافية (ملخص نص هانز كيلسن من كتابه نظرية خالصة في الحق):
تترتب عن هذه المقاربة نتيجتان: الأولى هي إستبعاد كل حديث عن الحق في بعده الأخلاقي المثالي المُعوِّل على الإلتزام الذاتي للفرد، والحرص على ألا يدعي النص القانوني صفة الإطلاقية بإشهاره للصفة الأخلاقية. فالقانون والأخلاق دائرتان منفصلتان. لأن القانون نسق تراتبي من القواعد التي تستمد قيمتها من هذا النسق لا من مرجعية متعالية مفارقة؛ تترتب عن ذلك عضويا نتيجة ثانية، وهي استحالة المفاضلة بين الأنظمة القانونية، لعدم وجود معيار أسمى يسمح بالمفاضلة: فقد يعتبر أحدهم النظام الليبرالي عادلا والشيوعي ظالما إعتمادا على معيار الحرية الفردية، في حين يغدو النظام الليبيرالي ظالما والشيوعي عادلا من منظور الأمان الإجتماعي ! ولكن مالسبيل للمفاضلة بين الحرية والأمان الإجتماعي؟ لاسبيل للمفاضلة حسب كيلسن إلا اعتمادا على معايير سيكلوجية ذاتية لاتحظى بأي إجماع، إذ يصعب الإجماع على معايير بديهية للعدل والكرامة والحق.
المصدر: الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة-الشعبة الأدبية-طبعة 1996 ص 192

3- خلاصة نقدية: إذا كانت العدالة هي المثل الأعلى للحق، فإنها لا تختزل إلى القوانين الوضعية

من منظور الوضعية القانونية، يصبح الحق وضعيا متجذرا في الثقافة بمحدداتها الإجتماعية والإقتصادية والتاريخية، غير مطلق بل نسبي بنسبية هذه المحددات. ولكن إلى أي حد يمكن المضي في المطابقة بين الحق والقانون الوضعي، أي بين المشروع والقانوني؟ يرى ليو ستراوس أن رفض فكرة الحق الطبيعي يعني أن كل حق فهو وضعي من صنع المشرعين ومحاكم مختلف البلدان، لكن وجود قوانين وقرارات جائرة كقوانين المستعمر والطغاة، يلزم عنه وجود معيار للعدل والظلم يستقل عن الحق الوضعي ويسمح بتقييمه. وقديما أعلن شيشرون أنه ما لم يقم الحق على الطبيعة فإن جميع الفضائل ستتلاشى، لأننا لانملك قاعدة غير الطبيعة لتمييز حَسَنِ القوانين عن قبيحها.
يتبين مما سبق أن الحق قيمة مركبة شأنها شأن باقي القيم الأساسية التي تحكم الفاعلية البشرية: فهو طبيعي وثقافي، كوني ونسبي في نفس الوقت. طبيعي كوني لأنه يمس الماهية الإنسانية، ويخاطب الإنسان بما هو إنسان؛ وثقافي نسبي لأن بتحوله من فكرة ومبدأ إلى واقع معيش يتجذر في القيم والمؤسسات والتاريخ الخاص بهذا المجتمع أو ذاك.

المحور الثاني: العدالة كأساس للحق

أنظر الفقرة السابقة وكذا المحور الموالي

المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف

طرح الإشكال:

للعدالة عدة معان، يعرفها المعجم الفلسفي لجميل صليبا كالتالي:”المبدأ المثالي او الطبيعي او الوضعي الذي يحدد معنى الحق… وتنقسم إلى عدالة تبادلية قائمة على أساس المساواة؛ وعدالة توزيعية تتعلق بقسمة الأموال والكرامات بين الأفراد بحسب ما يستحقه كل واحد منهم” ونستخدمها هنا كمرادفة للحق، منظورا إليه من حيث تعلقه لا بالذات في فرديتها، بل في علاقتها بأقرانها داخل جماعة بشرية ما من حيث كونهم ذوات حقوقية متكافئة ومتماثلة. وبهذا المعنى ولذلك قيل بأن العدالة تهدف إلى خلق المساواة بين هذه الذوات، ولكن هل الجميع متساوون فعلا؟ إذا كانوا متساوين في الاعتبار القانوني فعل هم متساوون في المواهب والحهد المبذول؟ بعبارة أخرى هل يمكن للعدالة كمساواة أن تنصف جميع أفراده؟ وماذا نقصد بالإنصاف أولا؟

في الوقت الذي تهدف فيه المساواة إلى تحقيق التماثل والتكافؤ الرياضي بين الأفراد بغض النظر عن اختلافاتهم وتفاوتاتهم محاولة طمس هذه االتفاوتات أو تحييدها، فإن الإنصاف يهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه مراعيا بذلك مبدأ الاستحقاق، أي أنه يسعى إلى مكافأة التفاوتات من جهة ، أو الحد من الهوة التي قد تنتج عنها من جهة أخرى.

معالجة الإشكال:

1- العدالة كمساواة

إذا كانت أغلب الدساتير والإعلانات والنظم الأخلاقية المعاصرة تنص اليوم وبصراحة على المساواة الاعتبارية لجميع أفراد النوع الإنساني كحق طبيعي، فإن هذا الاعتراف الذي يبدو اليوم بديهيا، لم يكن كذلك في الماضي: إذ اعتبر المواطن أفضل من الأجنبي، والرجل أسمى من المرأة والأطفال، والسيد أرقى من العبد
ولذلك يقول الفيلسوف الفرنسي آلان Alain: “ما الحق؟ إنه المساواة (…) لقد ابتكر الحق ضد اللامساواة. والقوانين العادلة هي التي يكون الناس أمامها سواسية، نساءا كانوا أم رجالا أو أطفالا أو مرضى أو جهالا. أما أولئك الذين يقولون إن اللامساواة من طبيعة الأشياء، فهم يقولون قولا بئيسا”
وبعبارة أخرى، فجوهر العدالة يكمن في هذه الحالة في التماثل والمساواة بل في المساواة الرياضية A=B
ومن أمثلة ذلك: المساواة أمام القضاء، تكافؤ الحظوظ في نيل المناصب، الترشح والتصويت، المساواة بين الرجل والمرأة…
وليس من الغريب أن يستأثر مبدأ المساواة بجاذبية خاصة بحيث رفعته الكثير من الحركات النضالية كمطلب وأيديولوجيا تعبوية، ولكن المآل الفاشل لتجربة الأنظمة الاقتصادية الاشتراكية في إصرارها على تحقيق نوع من المساواة واللاطبقية، من خلال سياسة توحيد الأجور وتقزيم الملكية الخاصة لدرء الفورارق والتي أدت إلى إبطال حوافز الإنتاج والابتكار وإضعاف القدرة التنافسية… هذا الفشل يدعونا إلى التفكير مجددا في مدى ملاءمة المساواة كمثل أعلى للعدالة

2-العدالة كإنصاف

يتضح مما سبق أن فكرة المساواة تتضمن مبدءا عاما وبسيطا بساطة العلاقات الرياضية كما يرى إرنست بلوخ، ولكنها لا تنشغل بمدى قدرة الناس على الاستفادة الفعلية من مبدأ المساواة، وباحتمال أن ينتج عن تطبيق المساواة خلاف المقصود أي الظلم أو خراب النظام!

لذلك يرى جون راولز –بناءا على فرضية الوضعية الأصلية وحجاب الجهل – أن نظاما عادلا لابد يقوم على مبدأي المساواة واللامساواة معا: المساواة في الحقوق والواجبات الأساسية، واللامساوة الاجتماعية والاقتصادية، مثل اللامساواة في الثرورة والسلطة
بيد أن اللامساواة لا تكون عدلا وإنصافا إلا إذا استوفت شرطا وحققت غاية. فأما الشرط فهو استفادة الأقل حظا من ثمار هذه الثروة والسلطة، بواسطة مبدأ تكافؤ الفرص في لإمكانية جمع الثروة أو تبوأ المناصب كما يتجلى ذلك أيضا في دولة الرعاية من خلال تقديم خدمات ومساعدات اجتماعية للذين يعيشون الإقصاء على هامش نظام الرخاء لهذا السبب أو ذاك. وأما الغاية، فهي ضمان التعاون الإرادي والعمل المشترك من أجل الرخاء، ضمن ما يسميه راولز بالنظام المنصف للتعاون الاجتماعي.
نقول إذن أن الإنصاف – بخلاف المساواة- يهدف إلى مراعاة الفروق والتفاوتات وعدم طمسها أو تجاهلها إما بهدف مكافأة المجدين والمستحقين وتشجيع المنافسة، أو مساعدة الأقل حظا ونصيبا. وقد سبق لأرسطو في كتاب “الأخلاق إلى نيقوماخوس”، أن ذهب إلى “أن العدالة مساواة، ولكن فقط بين المتكافئين؛ واللامساواة عدالة ولكن بين غير المتكافئين”. ولكن ما مصدر عدم تكافئهما؟ أن الاستحقاق والتميز قد يدين بالفضل للانتماء الاجتماعي والرأسمال الرمزي أو المادي الذي يجد بعض المحظوظين أنفسهم مزودين به دون غيرهم وهم يخوضون غمار المنافسة مع الأنداد.
يختلف الإنصاف عن المساواة على مستوى آخر كما يختلف العام عن الخاص. يقول أرسطو: “تتجلى الطبيعة الخاصة للإنصاف في تصحيح القوانين كلما بدت هذه الأخيرة غير كافية بسبب عموميتها” ويدخل في هذا الإنصاف ما يسمى مثلا بــ “الاجتهاد القضائي” الذي يترك للقاضي في بعض الأحيان فرصة تكييف القوانين وفق ظروف النازلة ومستجدات العصر أو إعمال مبدأ الإنصاف عند سكوت النص القانوني؛ كما يدخل في باب الإنصاف أيضا “الميز الإيجابي” مثل تخصيص نسب مئوية من مقاعد المجالس النيابية للنساء، لأن تطبيق المساواة أظهر أن النساء ولأسباب سوسيوثقافية وتاريخية لا يستطعن أن يحرزن على أكثر من عشر المقاعد رغم أنهن يشكلن عدديا نصف المجتمع !
إذا كان الإنصاف فضيلة للمؤسسات لتجاوز عيوب المساواة، فإن الإحسان Charité هو تلك الفضيلة المطلوبة من الفرد عندما لاتفلح إجراءات المساواة والانصاف معا

Facebooktwitterredditmailby feather