مفهوم “الحق”في درس الفلسفة-عشر سنوات من الالتباس1

مفهوم "الحق"في درس الفلسفة:عشر سنوات من الالتباس
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع

الجزء الأول: من المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسية: مخاطر الالتباس

تحاول هذه المقالة أن تقف – من خلال مثال ملموس- عند إشكالية " وضع المعرفة الفلسفية داخل الدرس الفلسفي"

بشيء من الكاريكاتورية الدالة، يمكن أن نزعم بأن كل ما يبقى عالقا بذهن المتعلم من نظرية الحق الطبيعي الثورية هي صورة (وفكرة) الأسماك الكبيرة وهي تلتهم الأسماك الصغيرة الواردة في الصفحة 175 من الكتاب المدرسي للفلسفة، السنة الثانية من الشعبة الأدبية!! بالإضافة إلى فكرة أخرى، مجردة وغامضة، عن الإلزام والإلتزام…

عند نقل المعرفة من المستوى " العالٍم" إلى المستوى " المدرسي"،تحدث بالضرورة أشكال متعددة من التبسيط والاجتزاء والتقطيع وإعادة بناء وترتيب للمتن المعرفي موضوع " التحويل الديداكتيكي". ولاشك ان كل مادة دراسية تعالج مشاكل التحويل بطريقة الخاصة، بيد أن التحويل الديداكتيكي في مادة الفلسفة بالذات يواجه اكثر من غيره تحديات ومحاذير كثيرة بسبب شساعة وتنوع المتن المعرفي الممتد دياكرونيا عبر تاريخ الفلسفة الطويل وسانكرونيا غبر التنوع الهائل للمذاهب والأنساق الفلسفية، يضاف إلى ذلك تعدد القراءات والتأويلات التي يخضع لها المذهب الفلسفي الواحد
نود في هذه المقالة أن نسلط الضوء على حالة " تحويل ديداكتيكي" أفضت طوال عشر سنوات – وهي مدة المقرر الدراسي الذي انتهى عمره الافتراضي هذه السنة – أفضت إلى التباسات بل وتناقضات معرفية كثيرة، حرمت الفلسفة من الاطلاع الفعلي بوظيفتها التنويرية كأحد الفضاءات المتميزة للتربية على القيم، كما فوتت على المتعلمين فرصة الخروج بتصور للحق، واضح ومفيد من وجهة نظر أخلاقيات المواطنة،

يتعلق الأمر بدرس الحق وهو الدرس الثامن في ترتيب الدروس التي يحتويها الكتاب المدرسي للسنة الثانية من سلك الباكالوريا، هذا الكتاب المدرسي الذي ينفرد عن غيره من الكتب المدرسية – الفرنسية تحديدا والتي كثيرا ماحاكى تصوراتها وترسيماتها وطريقة بنائها الإشكالي في الكثير من الدروس – انفرد عنها هذه المرة بتقديم تصور فلسفي للحق وبالأخص لمقولة " الحق الطبيغي" ،نجمله في ما يلي:
"الحق الطبيعي، كما نجده عند كل من هوبز واسبينوزا، هو ذلك الحق الذي لايراعي من الماهية الإنسانية سوى بعدها البيولوجي الحيواني أي الأهواء والغرائز ، وبناءا عليه لابد من تجاوزه بحق ثقافي يستحضر، هذه المرة، المكون العقلاني والأخلاقي كالذي عبر عنه روسو
على الأقل هذا ماانعكس بشكل مرآوي في التآليف الموازية التي تملأ الأسواق وكذا في الملخصات المدرسية التي يمكن للمرء أن يعاين صداها وهو يقوم بتصحيح اوراق المترشحين القادمة بالضرورة من مدن أو مناطق أخرى
لن يفوت القارئ الحصيف طرح الأسئلة التالية:
هل فعلا يؤسس كل من هوبز واسبينوزا الحق على ماهو طبيعي (المختزل هنا إلى القوة !) في مقابل روسو الذي يؤسسه على ماهو ثقافي (أي التعاقد)ء؟
هل يطابق هوبز واسبينوزا بين الحق الطبيعي وحق القوة والعنف والعدوان؟ والأخطر من ذلك هل ينظران لهذا الحق ويثمنانه ويرفعانه إلى مستوى المرجعية والمثل الأعلى مثلما يرفع روسو العقد الاجتماعي إلى مقام المثل الأعلى والفعل المؤسس للحق؟
ألا تنسحب عبارة "فلاسفة الحق الطبيعي" على روسو مثلما تنسحب على هوبز واسبينوزا ؟ وبالمقابل ألا ينسحب تعبير " فلاسفة العقد الإجتماعي" على هوبز واسبينوزا مثلما ينسحب على روسو؟

ومن أجل استحضار الوزن الحقيقي لمقولة الحق الطبيعي وقوتها النظرية في تاريخ الفلسفة السياسية، وكذا قوتها التحريضية الاحتجاجية في التاريخ السياسي، من خلال تصدرها لأكثر من إعلان من إعلانات حقوق الإنسان، هل ينبغي أن نقابل الحق الطبيعي بالحق الثقافي؟ أم بالحق الإلاهي اولا ثم بالحق الوضعي ثانيا؟ وإلا كيف نفهم النقد الموجه لمقولة الحق الطبيعي من طرف الوضعية القانونية؟

يتبع…

Facebooktwitterredditmailby feather

تعليقاتكم وتفاعلاتكم

تعليقات وملاحظات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *