نصوص لدرس الغير – من هو الغريب؟؟

نص: من هو الغريب؟؟!!

من نصوص الأنثبربولوجيا الكولونيالية حول المغرب

إشكال النص: من هو الغريب؟ هل الغريب هم الأهالي البسطاء المحملقون في الرحالة الأوروبي؟ أم هو الرحالة الأوروبي الذي حل فجأة بين ظهرانيهم؟

اانتبه تقديم النص:
النص مقتطف من كتاب “مراكش” لإدموند دوتي Edmond Doutté ، عالم اجتماع وانثربولوجي فرنسي اشتغل بالتدريس في المدرسة العليا للآداب بالجزائر، وقام بعدة رحلات استكشافية في المغرب إبان الفترة السابقة على الحماية. والكتاب في الحقيقة وصف إثنوغرافي مفصل مع تحليلات سوسيولوجية وانثربولوجية لرحلة قادت دوطي من الدار البيضاء إلى مراكش في 25 مارس 1901. من مؤلفات دوطي: “ملاحظات حول الإسلام المغاربي” ، ” السحر في المغرب”
اانتبه
أهمية النص من الناحية الديداكتيكية
وتكمن أهمية النص، من الناحية الديداكتيكية، في:

  • خاصيته الإستفزازية للمتعلم ( المغربي)، فهو يقدم نموذجا لإنسانين/ حضارتين يدرك كل منهما الآخر بوصفه غريبا. لكنه أيضا يتضمن أحكاما حول الذات الجماعية للمتعلم ( المغاربة في بداية القرن العشرين) صادرة عن زائر وملاحظ ودارس خارجي يحمل قدرا لابأس به من الأحكام المسبقة التي تكتسي طابع ” العلمية ” احيانا ، حول الأهالي، البدائي أو حول الإسلام؛ ومن شأن هذه الأحكام السلبية في مجملها أن تثير ” ميكانيزمات الدفاع” عن الذات عند المتعلم، فتدفعه إلى الإنخراط العقلي والوجداني للتفكير في علاقة الذات بالغير وكذا منزلة الغريب.
  • لكن، يفترض بنا في اللحظة الثانية من لحظات مقاربة النص، أن نسجل أن أحكامه بقدر ما تنصب حولنا بقدر ما تنصب حول ذلك النحن الذي لم نعد متطابقين معه على النحو الذي يصفه “دوطي”، إنه يصف جزءا من هويتنا أصبح غريبا عنا (كريستيفا…) بحكم التغيرات المتسارعة التي بدأت منذ صدمة اللقاء مع الآخر، الغرب، المستعمر… إنها إذن دينامية الهوية: إذ لم نعد نعتقد كأسلافنا أن الكفار يسكنون الجزر أو يحرثون البحر!!
النص:
رغم أن الأهالي غير متعصبين ( دينيا) ، ويبدون بعض التقدير للأوروبيين، لكنهم لايستطيعون مع ذلك إخفاء أحتقارهم العميق لهم. ومهما بلغت حفاوة الإستقبال، فإن على الزائر المسيحي الحساس أن يتحمل العيش في مناخ الإحتقار الدائم: إذا كان موقف المسلمين المسنين الميالين بطبعهم إلى التحفظ يدفعه إلى التشكك في وجود مثل هذا الإحتقار، فإن سلوك الأطفال المعروفين بعفوية الطبع والميل إلى السخرية يبدد أوهامه ويذكره بحقيقة المشاعر التي لقنهم إياها آباؤهم.
وحتى في مدينة مثل سلا، لايستطيع الأوروبي أن يتجول فيها دون أن تطرق أذنه صيحات الأطفال الساخرة، أو يقذف بالحجارة، لدرجة أن نصت معاهدة عقدت بين الأقاليم المتحدة ومدينة سلا منذ خمسين سنة على ” ألا تساء معاملة التجار (الأوروبيين) بالشتائم أو الضرب أو رمي الحجارة أو الأوحال أو أية معاملة أخرى مهينة “؛ واليوم، في سنة 1902، لم تتغير الأمور جذريا، إذ يحس الزائر بقوة أنه ” نصراني” بكل ماتحمله هذه الكلمة من معان سلبية في أذهان المسلمين شبيهة بالدلالات التي تحملها كلمة “يهودي” في أوروبا اليوم. ورغم حرص الرسول والفقهاء على اختصاص اليهود والنصاري بمنزلة متميزة عن منزلة الوثنيين، إلا أن العامة لايأبهون لهذه التمييزات – إن هم علموها – فالمسيحي واليهودي والوثني كلهم سواء في ما يثيرونه من حساسية ونفور.

علينا إذن ان نتذكر على الدوام – ونحن نسافر وسط الأهالي غير المتعلمين – أننا نمثل شيئا نجسا وأن أجسادنا نفسها تثير الإشمئزاز. ذلك أيضا هو مذهب الإسلام التقليدي: جسم المسيحي غير طاهر والوضوء واجب عقب لمسه. صحيح أن الفقهاء مالبثوا ان صححوا هذا المعتقد الموغل في البدائية فقرروا أن نجاسة المشرك التي أعلنها القرآن هي نجاسة معنوية روحية وليست مادية (…) . بيد أن العامة لايأبهون لهذه التفاصيل الفقهية، ولذلك تستمر الحوادث اليومية البسيطة والمتكررة مذكرة المسافر على الدوام أنه مجرد كافر مشرك، ولايرفع عنه هذا الإحساس إلا أن يكون شخصية مهمة أو جزءا من حاشية أو موكب شخصية مهمة.

علينا أن نميز في حذر المغاربة تجاه الأوروربيين، بين إحساسين مختلفين: كراهية الكفار وخشية الغزاة، وهما إحساسان يغذيان بعضهما بشكل متبادل. بيد أن هذا الحذر يضرب بجذوره عميقا في مشاعر الخوف المتأصل في النفس البشرية من الغريب بصفة عامة.

غالبا ماتصدم الإنسان البدائي إختلافات الأعراق والأجناس؛ ومعلوم لدينا خوف الأقوام المتوحشين من كل جديد. وقد إمتد هذا الخوف إلى المجتمعات الإسلامية نفسها من خلال الإستنكار والتحريم الذي يحيط بمفهوم “البدعة”.

يخلق الغريب لدى البدائي شعورا بالحذر واضح للعيان: يترقب شره محاولا إتقاءه، معتبرا إياه ساحرا يشتبه في أبسط حركاته. وفي المناطق النائية في المغرب، يتابع الأهالي بمزيج من القلق والتهكم حركات الأوروبي وهو يقلب أوراق كتبه، أو يتناول أدواته بإعتبارها كائنات غريبة مجهولة. لسنا في نظرهم سوى سحرة تخشى تعاويذهم.

ينتشر هذا الموقف من الغريب على نطاق واسع، فالناس في كل مكان ينسجون حول الغرباء أغرب الأساطير، وينسبون إليهم أفظع الأفعال والأوصاف: لقد سئل هاريس (1) من قبل بعض المسلمين عما إذا كان بين النصارى رجال ونساء أيضا !! كما سئل دو فوكو (2) عما إذا كان الكفار – كما يشاع- يسكنون الجزر ويحرثون البحر ! بل إن ملابسي المكونة من صدرية وسروال من القطيفة ( المخمل) كانت مصدر إستغراب الأهالي على الدوام، وتعين على مرافقي من المسلمين أن يرددوا باستمرار في وجه الأهالي المتشككين : ” راجل بحالكم”(3).
لكن مثل هذه المواقف الغريبة ليست حكرا على المسلمين إذا ما تذكرنا الأحكام والتصورات الخرقاء التي رددها أوروبيو القرون الوسطى حول المسلمين أيضا.

يحاول البدائي جاهدا استبعاد الغريب أو إقصاءه إتقاءا لشره، خصوصا إذا كان مظهره بشعا أو مقززا. وإذا عجز عن استبعاده وطرده فرض عليه نوعا من “الإغتسال والطهارة ” قبل قبوله داخل الجماعة، أو سعى إلى كسب وده بدعوته إلى الطعام بمقتضى إعتقاد مفاده أن الطعام المشترك بين الأفراد يجعل أقدارهم ومصائرهم مشتركة أيضا. ولعل في هذه المشاعر المزدوجة نحو الغريب ما يفسر طبيعة الضيافة في منطقة القبايل حيث يمتزج الكرم بالحذر ، وفي المغرب حيث يغدقون عليك من ” المونة” لكنهم يراقبونك عن بعد.

ولهذا الخوف من الغريب مقابله الموضوعي الضروري ألا وهو الخوف من السفر: فإذا كنا نخشى الغرباء الذين يحلون بين ظهرانينا، فإنا أيضا نخشى أن نسافر فنحل يوما بين ظهراني هؤلاء الغرباء انفسهم. و في ذلك تفسير لما يحفل به الإسلام من آداب وأدعية للسفر الذي تفرد له كتب الحديث بابا خاصا. أما في المجتمعات البدائية فيخضع المسافر لطقوس الإغتسال والتطهر قبل وبعد وأثناء السفر، لتحييد الأخطار الماضية أو الآتية، ومن أمثلة ذلك الماء الذي يلقى في شمال إفريقيا عن أقدام العائد من السفر. وقد شهدنا ذلك سنة 1902 ونحن نهم بمغادرة الصويرة نحو المناطق الداخلية عندما خرج أحد أقارب مرافقي وأفرع دلوا من الماء عند أقدام فرسه.

================
هوامش المترجم:
(1) Harris رحالة ومستكشف فرنسي مؤلف كتاب حول تافيلالت
(2)De Foucauld راهب، رحالة ومستكشف فرنسي جاب المغرب في أواخر القرن 19 وبدايات القرن 20 متنكرا في ثياب تاجر يهودي؛ من مؤلفاته: ” استكشاف المغرب”
(3) هكذا بالدارجة في النص الفرنسي: “Ràjel bhàlkoum”

Facebooktwitterredditmailby feather

تعليقاتكم وتفاعلاتكم

تعليقات وملاحظات

0 تعليق على “نصوص لدرس الغير – من هو الغريب؟؟”

  1. هذا النص راقنني كتيرا فبرغم من انه نص انتربولوجي ومائل الى السوسيولوجيا الا انه فصل بشكل كبير في موضوع الغريب ومثل هذه النصوص هي التي ينبغي ارادها في مقررات الفلسفة

اترك رداً على omar إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *