تقريب منهجية الإنشاء الفلسفي للجذع والسنة1، مع تطبيقات

منهجية الإنشاء الفلسفي للجذع والسنة1، مع نموذج تطبيقي

أولا، فقرة موجهة لزملائي الأساتذة، أما التلاميذ، فيمكنهم الانتقال مباشرة إلى قراءة الفقرة الموالية
أقتسم معكم اليوم هذه الاجتهاد ويتعلق بكيفية تدريس تلامذة الجذع والسنة الأولى منهجية الإنشاء الفلسفي.. :icon_bounce:
لماذا؟ لأنني اعتقد أنه إضافة إلى الكتابة الجزئية التي يفترض ان يتمرس بها تلامذة هاتين السنتين، لابد لهم من اكتشاف الإنشاء ككتابة تركيبية، ولكن بطريقة مختلفة طبعا عن الطريقة التي سيكتشفونها بها في السنة الختامية (قبل أن تجتاح عقولهم مقولات المواقف المؤيدة والمواقف المعارضة!)
ثم إن الكتابة الجزئية شيء والكتابة الكلية شيء آخر ! فإنجازات التلاميذ وتعثراتهم تُظهر جيدا أننا باقتحامنا لعالم الإنشاء الفلسفي ككتابة كلية تركيبية، نقفز فقزة كيفية وليس فقط قفزة كمية، وهذا ما يفسر حيرة تلامذة السنة الختامية الذين يظهرون كمن أخذ على حين غرة :icon_eek: ، وكأن تمارين السنيتن السابقتين لم ينجحا في تهدئة روعهم وتوجيه بوصلتهم.. وأن الإنشاء الفلسفي “فن سري خاص” شبيه إلى حد كبير بفنون الخيميائيين !
تكمن فكرتي باختصار في أنه ينبغي لمنهجية الإنشاء أن تعرض أولا بصيغة تبسيطية على أساس أن يتم تدقيق هذه الصيغة مع تقدم التلاميذ في دراسة الفلسفة.
وكما ستلاحظون، فقد ارتأيت أن أبدا حقا من البداية، متسائلا مع تلامذتي عن “ماالإنشاء الفلسفي أولا؟” وقد كان هذا التساؤل خير مثال لما نطالبهم به في منهجية الإنشاء: أي الاشتغال على دلالات المفاهيم !!!!
ملاحظة تقنية أخيرة للزملاء الكرام: تمت أولا دراسة مضمون الجزء الأول الذي أعرضهم عليكم اليوم مع التلاميذ بطريقة تفاعلية، قبل طباعته وتوزيعه عليهم بعد انتهاء الحصة؛ أما الجزء الثاني الذي سأنشره في مشاركة مقبلة، فقد طبع ووزع عليهم ليشتغلوا عليه في منازلهم تمهيدا لدراسته في القسم

أولا-تعريف الإنشاء الفلسفي:
ربما كنت واحدا من الذين تستهويهم الفلسفة أو ينخرطون في النقاشات الشفوية داخل القسم، ولكن عليك أن تعلم أن تقييم واختبار قدراتك الفلسفية –وخصوصا في الامتحان الوطني- يتم من خلال عمل مكتوب تنجزه على شكل كتابة مقالية نسميها الإنشاء الفلسفي، فما الإنشاء الفلسفي؟
إنه أولا “إنشاء” وثانيا “فلسفي”
أ-معنى كونه إنشاءا: الإنشاء في اللغة يعني البناء، لذلك نسمي المباني بالمنشآت. والبناء كما تعلم يحتاج إلى مواد أولية، وتصميم ومراحل للإنجاز.
فالمواد الأولية هنا هي ثقافتك العامة والمعارف الفلسفية والمهارات المنهجية والأساليب اللغوية التي تتوفر عليها
والتصميم هو تلك البنية الثلاثية التي نسميها المقدمة- عرض-خاتمة، وهو أيضا الخطة التي ستعالج من خلالها الموضوع المطروح عليك لكي تخرج في النهاية بنتيجة ما.
ما ينبغي أن ننتبه إليه هو إن الذي يستنسخ ما هو موجود أصلا في الدرس أو الملخص ولا يبذل أي مجهود في بناء الموضوع وانتقاء المعلومات وترتيب الفقرات مثله مثل ذلك الذي يراكم الرمل بجانب الحصى والإسمنت بجانب الآجر والماء ..دون خلط وتصميم معتقدا أنه قد أنجز إنشاءا أي بناءا !! كذلك لا يمكن أن نضع المواد كيفما اتفق بل لابد من تصميم وخطة.

والإنشاء في اللغة يعني أيضا الخلق والابتكار مصداقا لقوله تعالى: “هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم”
بمعنى أن لا إنشاء دون شيء من الإبداع.ولايمكن أن “ننقل” أو ننسخ الإنشاء من مكان ما. لو سئلت اسئلة مباشرة، مثل: ما هو تعريف الأنا الأعلى؟ لكان الجواب طبعا جاهزا موجودا في مكان ما! بيد أن الإنشاء دائما ابتكار لشيء غير موجود ! صحيح ان مواده موجودة سلفا، لكن إنشاءنا ينسق بين هذه المواد ويقدمها بصورة مبدعة !
ب-معنى كونه فلسفيا: لكنك تعلم من جهة أخرى أنك مطالب في المواد الدراسية الأخرى بإنجاز إنشاءات. فما الذي يميز إنشاءنا عن غيره؟ يتميز بكونه فلسفيا. وفلسفي لا تعني أنك مطالب بأن تكتب مثل أرسطو أو ابن رشد، بقدر ما تعني أن عليك أن تبرهن عن بعض القدرات الفلسفية مثل
-الحرص على تسلسل الأفكار واحترام الروابط المنطقية وعدم الوقوع في التناقض؛
-عدم التوقف عند ظاهر الموضوع أو القضية، والسعي إلى الكشف عن خلفيات الأمور وبواطنها؛
-الاستخدام الدقيق للكلمات ومحاولة تعريفها لتغدو مفاهيم لا مجرد مفردات نحسب معناها واضحا في حين أنه ضبابي وغير واضح في أذهاننا. ولعلك ترى كيف وقفنا عند كلمة “إنشاء” نفسها وتعمقنا ففي فهم دلالاتها !
-النقد والتساؤل والشك ومساءلة الحقائق عوض الاكتفاء بقبول الأفكار، ومحاولة والدخول في جدل وحوار حتى مع الفلاسفة أنفسهم؛
-دعم أفكاري بحجج واستدلالات لتحظى بموافقة عقل القارئ واقتناعه
– لإقحام ذاتي في الإنشاء عوض الاختباء وراء أقوال الفلاسفة وفقرات الملخص. لأن التفلسف يقتضي العودة إلى الذات. أضف إلى ذلك أن القضايا الفلسفية تهمني وتخاطبني في المقام الأول مثل الرغبة، الوعي، الحق، العنف، المجمتع..

ثانيا-صيغ الإنشاء وأنواعه
اعلم أنك مطالب في فروض المراقبة المستمرة وفي الامتحان الوطني بكتابة إنشاءات فلسفية تختلف في ما بينها من حيث موضوع الانطلاق. فهناك:
-صيغة النص للتحليل والمناقشة:إنشاء فلسفي نكتبه انطلاقا من نص يقترح علينا (حوالي عشرة أسطر) مذيلا بسؤال: حلل وناقش
-صيغة القولة المذيلة بسؤال: إنشاء فلسفي نكتبه انطلاقا من قولة (من سطر إل ثلاث أسطر) تقترح علينا مذيلة بسؤال مثل: حلل هذه القولة وبين قيمتها..
-صيغة السؤال الإشكالي المفتوح: إنشاء فلسفي نكتبه جوابا على سؤال مباشر يطرح علينا. مثلا: هل يمكن تبرير العنف؟

رغم اختلاف هذه الصيغ الثلاثة، فإن بينهما قواسم مشتركة يجدر بك أن تعرفها منذ البداية
القاسم المشترك الأول هو المقدمة. كيفما كان الموضوع الذي ننطلق منه، فلابد لإنشائنا من مقدمة تتضمن:
-تمهيدا، وظيفته إشعار القارئ بوجود مشكلة أو غموض أو مفارقة أو تناقض تستدعي طرح الإشكال
-طرح الإشكال من خلال سؤال أو مجموعة من الأسئلة المترابطة

القاسم المشترك الثاني هو الخاتمة أو التركيب. كيفما كان الموضوع الذي ننطلق منه، فلابد لإنشائنا من خاتمة نلخص فيها بإيجاز نتائج التفكير الذي قمنا به في العرض وكذا الخلاصة التي خرجنا بها بعد أن فكرنا في الموضوع وقلبناه من مختلف الأوجه.

إذا كانت الصيغ الثلاثة تخضع لنفس المقتضيات والمطالب فيما يتعلق بالمقدمة والخاتمة، فإنها تختلف فيما بينها عندما يتعلق الأمر بالعرض، وسنخصص حديثنا الآن لصيغة النص للتحليل والمناقشة، مركزين على العرض فحسب.

ثالثا-صيغة الإنشاء المكتوب انطلاقا من نص للتحليل والمناقشة.
يتكون العرض في هذه الحالة من تحليل ومناقشة.
التحليل: الهدف من التحليل هو فهم النص وتفسيره، و للتحليل عدة أشكال ويمكن أن ننظم تحليلنا بطرق مختلفة، المهم أن نبرهن أثناء التحليل على حسن فهمنا للنص وفي مايلي تنظيم مقترح للعرض:
-تحديد الأطروحة؛
-تتبع لحظات تشكل هذه الأطروحة داخل النص؛
-الإشارة في نفس الوقت إلى الأساليب الحجاجية لأن تشكل الأطروحة يتم طبعا ضمن كتابة حجاجية؛
-الوقوف كلما دعت الضرورة عند أهم مفاهيم النص والتوسع في دلالالتها. دلالتها السيفقية أو دلالتها العام بحسب ما يقتضيه المقام.
المناقشة: للمناقشة هدفان:
– تطوير أفكار النص و
– الحكم على قيمته أطروحته ودعواه.
ونقوم فيها بالعمليات التالية كلها أو بعضها:
أ-الحكم على قيمة أطروحة النص وأفكاره من حيث أهميتها ويسمى هذا التثمين. وفيها نسعى أيضا إلى تطوير أفكار النص وإظهار المعاني والنتائج والفوائد النظرية أو العملية المترتبة عن الأخذ بما جاء به صاحب النص..
ب-الحكم على قيمة أطروحة النص وأفكاره من حيث حدودها و ويسمى هذا بالنقد. كتناقضها مع الواقع أو إغفالها لجوانب عالجتها مواقف فلسفية أخرى…

رابعا-نموذج تطبيقي.
لمساعدتك على فهم واستيعاب التوجيهات السابقة، سنشتغل الآن على نموذج تطبيقي. وستلاحظ ان ما سنقوم به وما يسمى تحليلا ومناقشة للنص لايختلف كثيرا عما نقوم به في الفصل الدراسي عند اشتغالنا على النصوص
تأمل النص التالي:
“كل البشر، بمن فيهم البلهاء، قادرون على التأليف بين مفردات مختلفة، ليركبوا منها كلاما يجعلون به أفكارهم مفهومة. و على العكس من ذلك، فما من حيوان آخر مهما كان كاملا و مهما نشأ نشأة سعيدة، يستطيع أن يفعل ذلك. و هذا لا ينشأ عن نقص في الأعضاء، لأن المرء يرى و الببغاء تستطيع أن تنطق ببعض الكلمات مثلنا، ولكنها مع ذلك لا تستطيع أن تنطق مثلنا، أي (أن تنطق) نطقا يشهد بأنها تعي ما تقول، في حين أن الذين ولدوا صما و بكما، فحرموا الأعضاء التي يستخدمها غيرهم للكلام مثل حرمان الحيوان أو أشد، اعتادوا أن يستنبطوا من تلقاء أنفسهم بعض إشارات يتفاهمون بها مع من يجدون فرصة لتعلم لغتهم. و هذا لا يشهد أن للحيوان من العقل أقل مما للإنسان، بل يشهد بأنه ليس للحيوان عقل مطلقا. فإننا نشهد أن معرفة الكلام لا تحتاج إلا إلى قدر قليل جدا من العقل…. و لا ينبغي أن يخلط بين الكلام و بين الحركات الطبيعية التي تعبر عن الانفعالات، و يمكن أن تجيد تقليدها الآلات كما تقلدها الحيوانات”. حلل وناقش

قبل أن نحرر موضوعنا في صيغته النهائية على شكل مقدم-عرض خاتمة، لابد من إنجاز بعض العمليات التمهيدية في مرحلة المسودة. وقبل المسودة، لابد من قراءة متأنية ومتكررة للنص من أجل فهم وتمثل أفكاره واسنتتاج أطروحته واستدعاء مكتسباتنا المعرفية التي لها علاقة بموضوع النص او إشكاليته..
وهذا مثال:
1-العمل التحضيري في المسودة:

يتبع ..

ودمتم محبين للحكمة :warda:

Facebooktwitterredditmailby feather

تعليقاتكم وتفاعلاتكم

تعليقات وملاحظات

0 تعليق على “تقريب منهجية الإنشاء الفلسفي للجذع والسنة1، مع تطبيقات”

  1. المرجو تفسير هده القولة (الواقع ان ميادين العلم المختلفة قد بدات كلها بوصفيها استطلاعا فلسفيا )

  2. جزاكم الله خيرا ولدي اقتراحا يتضمن سؤالا وهو هل ينطبق الانشاء الفلسفي على موضوع في فلسفة القانون؟ ارجو التوضيح إذا سمحتم
    واليكم جزيل الشكر والسلام عليكم

  3. بالنسبة لسؤال الأخت خديجة من ليبيا
    نعم في الهيكل العام، تنطبق منهجية الإنشاء الفلسفي على سؤال في فلسفة القانون، ينبغي فقط تكييف هذه المنهجية قليلا لتتناسب مع خصوصية المادة الدراسية ومستوى الطالب

  4. المرجوا من صاحب الموقع ان يدلي بالتصحيح فانا شبه حائرة في ما يتعلق بتحديد الاشكاليةUnsure
    فقد مضى على الموضوع اكثر من 3 اشهرCrying

اترك رداً على fatma إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *