الشك الفلسفي في مواجهة الأشباح

من رسائل اسبينوزا الفلسفية (حول موضوع الأرواح والأشباح)

تقديم حول الرسائل وتوظيفها الديداكتيكي

من المفروض أن يكون درس الفلسفة – وهو أول درس مقرر للسنة الأولى بكالوريا (أنظر الكتاب المدرسي للسنة الأولى ،الطبعة الأولى 1995) – فرصة يلتقي فيها التلميذ لأول مرة بهذه المادة الدراسية الجديدية التي يملك عنها مسبقا عددا لابأس به من التصورات والتمثلات.
في ظل هذه الشروط يكون اللقاء الأول حاسما في رسم العلاقة المعرفية والوجدانية التي ستربط المتعلم بهذه المادة الدراسية مستقبلا.
لكن الملاحظ أن هذا الدرس – وعوض ان يكون فرصة لممارسة التفكير الفلسفي والإستئناس به وإكتشاف خصائصه على نحو إستقرائي ينتقل من الخاص والمحسوس إلى العام والمجرد، فإن المادة المعرفية وكذا النصوص التي يحفل بها الكتابب المدرسي تراهن على إختيار ديداكتيكي مغاير: فعوض الدخول في الفلسفة حسب عبارة هيدغر يتم الإكتفاء بالوقوف على عتباته، وعوض التعرف على التفكير الفلسفي وهو يشتغل En acte ، يتم الإكتفاء بخطاب ميتافلسفي لايفهمه الأستاذ إلا لأنه على إضطلاع على المتن الفلسفي الأول الذي تحاول هذه النصوص وصفه و وإبراز آليات إشتغاله…
ومن الملاحظات الصفية ذات الدلالة أن بعض التلاميذ يستعلجون أحيانا نهاية درس الفلسفة للشروع في درس الطبيعة حيث تتاح لهم للمرة الأولى ان يمارسوا او يتابعوا الأستاذ وهو يحوض بهم مغامرة التفكير الفلسفي في موضوع محدد وهو مفهوم الطبيعة عامة والطبيعة الإنسانية خاصة.
وبعبارة أخرى، هناك حضور قوي للمنهج الإستنباطي على حساب المنهج الاستقرائي: حيث نلقن التلميذ خصائص ومميزات الخطاب الفلسفي، قبل أن يتعرف على هذا الخطاب ذاته، يقرأ الميتا-فلسفة قبل الفلسفة. كأننا نعلمه قواعد لغة ما قبل أن يسمع أية جملة في هذه اللغة! ، في حين أن نظريات “بناء المعرفة” تلح على ضرورة مد المتعلم بالمعطيات والمواد و تكليفه بمهمة بنينة هذه المعطيات أو بناء قواعد إشتغالها وانتظامها ..
تقدم لنا رسائل اسبينوزا حول الأشباح والأرواح متنا فلسفيا تعليميا فريدا من نوعه من حيث أنه يقدم للمتعلم مادة التفكير الفلسفي تاركا له مهمة استخراج “صورتها” أي آليات اشتغال هذا الخطاب
تبادل اسبينوزا هذه الرسائل مع صديقه “بوكسيل” الطالب في كلية الحقوق، وقد جاءت المبادرة من هذا الأخير عندما بعث لفيلسوف أمستردام رسالة قصيرة يستفسر أو “يستفتي” حول صحة وجود الأشباح والأرواح
فيم إذن تساعد رسائل إسبينوزا الفلسفية على تجاوز هذه المعضلة؟
يتميز هذا المتن الفلسفي الفريد بالخصائص التالية:

  • — الأهمية الوجدانية للموضوع، فإذا كانت الفلسفة رغبة في المعرفة فإن هذا الموضوع الغامض والغريب insolite يوفظ هذه الرغبة ويذكيها. مستدعيا من التلميذ استثمارا وجدانيا يذكي الرغبة في التعلم.
  • — أن هذه الرسائل وعلى خلاف النص – المجتزأ بالضرورة من سياقه وهو النص الأكبر أي الكتاب – تقدم متنا مكتملا لانحتاج أبدا إلى معرفة مسبقة بسياقه.
  • — أن اسبينوزا يقدم مثالا حيا للفكر الفلسفي وهو يشتغل بدءاً من تلقي القضية مرورا بأشكلتها وصياغتها ضمن لغة ومفاهيم فلسفية، وانتهاءا بمعالجتها وفحص مختلف جوانبها وأبعادها
  • — أن هذه الرسائل تقدم بشكل ملموس مختلف حصائص التفكير الفلسفي: البناء المفاهيمي والإشتغال على اللغة من أجل التحديد الدقيق لدلالات الألفاظ والحدود دفعا لكل لبس، أشكلة القضية على نحو يقصي المعالجات السطحية المباشرة ويظهر عدم كفايتها، توظيف مختلف أشكال المحاجة والجدل بما فيها : البرهان بالخلف، الإستدلال بالمماثلة ، التهكم والسؤال الإحراجي، النقد سوا تعلق الأمر بنقد الحجاج بالسلطة أو نقد المصادر والروايات التي يسوقها مخاوره لإثبات دعواه…

تتبع خصائص التفكيير الفلسفي في الرسائل

ملاحظات متن الرسائل التمفصلات الكبرى
(1)صياغة أولية للقضية أو الإشكال: حيث يتوجه بوكسيل بأسئلته إلى الفيلسوف حول طبيعة الأرواح وخصائصها
(2) لكنه ينتبه في الأخير إلى أن اسبينوزا سينكر وجودها أصلا- حجج بوكسيل في هذه المرحلة:
(أ) السلطة المعرفية لعلماء اللاهوت والفلاسفة؛
(ب) عدد هائل من الوقائع والقصص التي يستحيل الشك فيها
من بوكسيل إلى اسبينوزا14 شتنبر 1674

سيدي المحترم،
إليك السبب الذي دفعني لمراسلتك: فقد أحببت أن أستطلع رأيك في موضوع الأشباح والأرواح، وإذا صح وجودها فكم يدوم ظهورها؟ ومارأيك في قول البعض بخلودها وقول آخرين بفنائها(1). مما جعلني في حيرة من أمري. لكن، من الأكيد ان القدماء قد اعتقدوا بوجودها، كما أن علماء الدين والفلاسفة المحدثين (أ)يعتقدون بوجود كائنات من هذا القبيل رغم اختلافهم حول ماهيتها وطبيعتها. فالبعض يرى أنها مخلوقة من مادة لطيفة شفافة، بينما يصرح آخرون أنها أرواح خالصة بدون أجسام أو مادة.
وإني لأتوقع مسبقا أنك ستخالفني الرأي في وجود الأشباح والأرواح(2) رغم هذا العدد الهائل من القصص والوقائع التي خلفها لنا القدماء والتي يستحيل الشك فيها أو إنكارها (ب). وحتى لو أقررت بوجود الأشباح والأرواح، فلاأخالك توافق أنصار العقيدة الكاثوليكية في كونها أرواح الموتى عادت تجول بيننا.
أكتفي بهذا القدر، ولاداعي أن أثقل عليك بأنباء الحرب والأخبار السيئة الأخرى المتداولة بين الناس في الآونة الأخيرة.

طرح القضية موضوع المراسلة، والتي ستغدو موضوع جدل لاحقا.
(3) شمولية الخطاب الفلسفي: ما من موضوع، شيئا ماديا كان أو فكرة، حقيقة أو وهما إلا ويتناوله التفكير الفلسفي.
(4) إعادة صياغة القضية أو الإشكال بطرقة استفهامية تذكرنا بالجهل المنهجي على شاكلة الجهل السقراطي!
(5) معرفة الشيء تقتضي تحديد ماهيته .والحواس أحد مصادر هذه المعرفة
(6)الفلسفة تحليل لأنماط التفكير والخطابات السائدة: هنا تحليل نمط التفكير المتبع لإثبات وجود الأشباح: قصة —> معطيات غامضة—> استنتاج وجود شيء ما —> اطلاق إسم الأشباح عليه!
(7) التهكم الذي يذكرنا بالتهكم السقراطي
(8) تحليل ” نفسي” لوجود الأشباح: إنها الرغبة في الشهرة والرغبة في تشكيل الأحداث وفق أهوائنا.
(9) التعامل النقدي مع مصادر المعرفة: و يتجلى هنا بوضوح كيف ينظر  الفكر الفلسفي فيما وراء الوقائع  والظواهر باحثا عن عللها الخفية
من إسبينوزا إلى بوكسيل:

لقد سرتني كثيرا رسالتك الأخيرة، فإضافة إلى كونها طمأنتني على أحوالك، فقد أثبتت انك لم تنس صديقك بعد.
من المؤكد ان كثيرا من الناس سيتشاءمون ويتطيرون، إذا علموا أن  الأشباح والأرواح هي موضوع مراسلتك لي، لكن الموضوع عندي لايخلو من أهمية، إذ لاتفيدني معرفة الحقيقة وحدها، بل أستفيد من معرفة ودراسة الأوهام والخيالات أيضا (3).
لندع جانبا البحث في ما إذا كانت الأشباح مجرد أوهام وخيالات، لأن إنكار وجودها أو حتى مجرد الشك فيه أمر مهول غير مقبول في نظرك ونظر كل أولئك الذين اقتنعوا تماما بقصص القدماء والمحدثين ورواياتهم.
صحيح إن التقدير والإحترام الكبيرين اللذين أكنهما لك يمنعاني من مناقضتك، لكنهما أيضا لايسمحان لي بمجاملتك. ولذلك فمن بين كل قصص الأشباح والأرواح التي قرأتها، أود أن تختار لي واحدة يستحيل الشك فيها، يتبين منها بجلاء وجود الأشباح والأرواح. فعلى حد علمي، لم أقرأ لأي كاتب جدير بالثقة مايثبت وجودها. ولاأعرف لحد الآن بالضبط ماعسى أن تكون هذه الأشباح (4)؟ ولم أجد أحدا قادرا على إخباري بحقيقة أمرها. من المؤكد أن ماثبت بالتجربة والحواس لابد من معرفة ماهيته (5)، وإلا فمن الصعب أن نستنتج من قصة ما وجود الأشباح. صحيح انهم يستنتجون وجود شيء ما (6). لكن من ذا لي يخبرني بماهية هذا الشيء؟ إذا أحب الفلاسفة ان يسموا مانجهله اشباحا فلا مانع عندي، فهناك مالايحصى من الأمور التي أجهلها.
وأخيرا، سيدي، أود لو أنك تشرح لي جيدا ماهية هذه الأشباح أو الأرواح:هل هي أرواح الحمقى أم الأطفال أم السذج ؟ (7) فما سمعته لحد الآن مما تتناقله الأفواه لايصدر إلا عن ناقصي العقل او معتوهين لاعن الذين يتمتعون بالحس السليم. إنها أشبه ماتكون بالسخافات وطرائف الحمقى.
وقبل الختام أدعوك إلى ملاحظة مايلي: إن الرغبة (8) هي التي تدفع الناس إلى رواية الأحداث لاكما تقع بالفعل بل كما يرغبون في أن تقع. تحذوهم رغبة خفية في أن يذيع صيتهم بين الناس من خلال قصص الأشباح والأرواح بطريقة أسهل من رواية الأمور الجادة.
لكن ماسبب ذلك ياترى؟
ليس على هذه القصص من شهود غير رواتها (9) الذين ابتكروها. فما أسهل أن يضيفوا أو يحذفوا مايروقهم دون خشية معترض أو مكذب: هكذا يخترع بعضهم قصصا ليبرر ماحصل له من فزع في أحلامه، بينما يختلق آخر مايثبت جرأته وسلطته أو رأيه بين الناس.
وبالإضافة إلى هذه الأسباب، فقد وجدت مبررات أخرى تدفعي إلى الشك في مثل هذه القصص أو على الأقل في تفاصيل وظروف حدوثها.
أكتفي بهذا القدر إلى حين أن تذكر بعض هذه القصص التي أقنعتك بإستحالة الشك قي وجود الأشباح والأرواح.

معالجة أولية للموصوع حيث تظهر بجلاء خصائص التفكير الفلسفي ومتطلباته
(10) يعتقد بوكسيل أن إنكار الفيلسوف لوجود الأشباح ليس سوى عبارة عن حكم مسبق صادر عن الشك القبلي لدى الفلاسفة.
(11) هذه المرة، يطور بوكسيل حججه :
(أ) استدلال قائم على فكرة الكمال والجمال؛
(ب) استدلال احتمالي؛
(ج) استدلال استلزام منطقي؛
(د) استدلال يستثمر معطيات فيزيائية
(12) يعود بوكسيل إلى حجاجه المفصل: القصص وشهادات المؤلفين ذائعي الصيت.
(13) تعبير بوكسيل عن شيء من الحس النقدي في تعامله مع الروايات
من بوكسيل إلى اسبينوزا:21 شتنبر 1674


لم أكن أتوقع من صديق صريح مثلك جوابا آخر غير الذي تلقيت منك. فإختلاف الرأي لايفسد للود قضية. لقد سألتني قبل أن الإفصاح عن رأيك أن أخبرك عن حقيقة هذه الأشباح. هل هي أرواح أطفال أم أرواح سذج أو مجانين؟ وأضفت أن كل ماسمعته لحد الآن لايصدر عن ذوي الحس السليم وإنما عن المعتوهين والمخبولين.
لكن تمهل .ولاتنس الحكمة القائلة بأن الأحكام المسبقة (10) تحول دون بلوغ الحقيقة. والآن، إليك الأسباب (11)التي تدعوني إلى الإعتقاد في وجود الأشباح والأرواح:

  • – أولا، وجودها ضروري لجمال الكون وكماله؛ (أ)
  • – ثانيا، لايبعد أن يكون الخالق قد أوجد مثل هذه الكائنات الروحانية، فهي أقرب إلى طبيعته من الكائنات المادية ذوات الأجسام؛ (ب)
  • – ثالثا، وكما توجد أجسام بدون أرواح، فلا يبعد أن توجد أرواح من غير أجسام؛ (ج)
  • – وأخيرا، فلاشك أن الفضاءات الشاسعة الفاصلة بيننا وبين النجوم ليست فارغة بل مأهولة ومسكونة.ومن المحتمل أن تكون الفضاءات الأعلى مسكونة بالأرواح الخالصة بينما تمتلئ الفضاءات الأدنى بكائنات من مادة لطيفة دقيقة وغير مرئية. (د)


أستنتج من ذلك وجود أشباح وأرواح من كل نوع وصنف، ربما، باستثناء الجنس المؤنث. قد لاتقنع هذه الحجج أولئك الذين يعتبرون الكون موجودا بالصدفة. فلندعها جانبا. وللنظر إلى تجربتنا اليومية، ألا تدلنا على وجود الأشباح والأرواح؟ ألا تسمع من حولك قصصا كثيرة قديمة وحديثة بشأنها؟ (12)
أنظر مثلا في كتاب بلوتاركPlutarque ستجد في كتابه ” مشاهير الرجال” كما في كتبه الأخرى قصصا كثيرة عنها. وفي كتاب “حياة القياصرة” لـــ سيتيونSétuone وفي كتاب “الأشباح” لـــفييرWeir و لافاطارLavatar . أما كادرانCadran المعروف بغزارة علمه فقد ذكر الأشباح والأرواح في بعض كتبه، وأثبت من خلال بعض التجارب أنها تراءت له ولوالديه وأصدقائه. وقد شهد ميلانكتون Melanchton المعروف بمحبته للحكمة والحقيقة وآخرون كثيرون بنفس الشيء.
وقد قص علي أحد القناصل المعروف بعلمه واتزانه أنه سمع ذات ليلة في مختبر أمه صوت عمليات تحضيرالنبيذ بنفس الطريقة التي ينجز بها نهارا حين وضعه فوق النار، وقد تكرر الحادث غير ما مرة.
هذه إذن هي الحجج التي تدعوني إلى الإعتقاد بوجود الأشباح والأرواح كما ذكرت لك. أما فيما يخص الأرواح الشريرة التي تطارد البائسين في الحياة الدنيا أو الآخرة، فإنها تخص السحرة وأعدها مجرد خرافات. إضافة إلى ذلك ستجد قصصا وحالات أخرى كثيرة في رسالة بلين الصغير إلى سورا sura ،و سيتيونSuéton في كتابه “حياة يوليوس قيصر” و فالير ماكسيم في الكتاب الأول وخصوصا الفصل الثامن؛ ثم أليساندرو أليساندري في مؤلفه “أيام الأعياد”. وكلها كتب توجد في حوزتك على ماأعتقد.
إني لاأتحدث هنا عما يرويه الرهبان والقساوسة (13) بخصوص الأرواح الشريرة أو لنقل أساطير الأشباح الكثيرة المملة كما نجد في كتاب “رؤى الأرواح” لصاحبه اليسوعي ثيووسThyaus فهؤلاء لايهدفون سوى إلى إثبات وجود المطهر Purgatoire  [ ليسنى لهم بيع صكوك الغفران]، ذلك المنجم الذي يدر عليهم ذهبا وفضة كثيرة. في حين أن المؤلفين الذين أتيت على ذكرتهم بعيدون ومنزهون عن هذه الأغراض الدنيئة ومن فهم يستحقون الثقة والإحترام.
لن أرد على كلامك المتعلق بالحمقى والسذج، بل سأكتفي بهذه الخلاصة التي أنقلها عن لافاطار من كتابه حول الأشباح والأرواح: ” إن من يتجرأ على إنكاركل هذه الشهادات المتواترة للمتقدمين والمتأخرين غير جدير بالثقة . فإذا كان التصديق المتسرع لكل من يدعي رؤية الأرواح ضربا من الحماقة، فأن الإصرار والمجازفة بتكذيب كل الروايات الصادرة عن الكتاب الموثقين هو أيضا ضرب من التهور.”

يطور بوكسيل حجاجه لإكسابه مزيدا من القوة  والصرامة والتماسك
(14) التهكم الذي يهدف إلى إظهار تهافت معتقدات الخصم
(15) تحليل حجج الخصم أو بالأحرى تفكيكها بحثا عن أسسها وافتراضاتها الضمنية.
(16) الإشتغال على المفاهيم: هنا، تحليل مفهومي الكمال والجمال,
(17) أسماء لحيوانات ومخلوقات أسطورية موغلة في الغرابة.
(18) الجهل أو التجاهل المنهجي مرة أخرى !
(19) معيار الوضوح والتميز الذي نجده أيضاعند ديكارت: المعرفة الحقة هي تلك التي نملك حول موضوعاتها أفكارا يدركها العقل بوضوح وتميز.
(20) عكس حجة الخصم أو الدفع بها إلى نتائجها القصوى لإظهار عدم تماسكها او عدم صلاحيتها او استحالة تعميمها أو تناقض ما يترتب عنها.
(21) تعامل الفكر الفسفي مع الإعتقادات المتداولة بالكشف عن فرضياتها الضمنية ،
من إسبينوزا إلى بوكسيل:( لاهاي في شتنبر 1674)

لقد سرني قولك بأن إختلاف الرأي لايفسد للود قضية، وشجعني لأعبر لك بكل صراحة عن رأيي في الحجج والروايات الكثيرة التي سقتها لتستنتج منها وجود أنواع لاتحصى من الأشباح والأرواح بإستثناء الجنس المؤنث.
وإذا كنت قد تأخرت في الرد عليك، فلأن يدي لم تقع على الكتب التي أشرت إليها بإستثناء كتابي بلين و سيتيون، بيد أني مقتنع بأني غير محتاج إلى البقية، فهم جميعا يبالغون بنفس الطريقة و يتمادون في رواية القصص العجيبة التي تملأ الناس دهشة وإبهارا.
وأنني لاأتعجب من هذه القصص بقدر ماأتعجب لهؤلاء المؤلفين ذووي العقول الراجحة والذين يستغلون بل ويسيئون استعمال كل مواهبهم لإقناعنا بمثل هذه الترهات. لكن لندع المؤلفين جانبا ولننتقل إلى صلب الموضوع مبتدءا بالخلاصة التي انتهيت إليها في رسالتك الأخيرة.
حسنا: هل أنا الذي ينكر وجود الأشباح والأرواح هو العاجز عن فهم هؤلاء الكتاب أم أنت الذي تحمل شهاداتهم أكثر مما تطيق عندما تصر على إثبات وجود الأشباح والأرواح؟
إذا كنت لاتشك أبدا في وجود أشباح وأرواح من الجنس المذكر وتستبعد وجود أشباح وأرواح من الجنس المؤنث، فهذا شك أقرب إلى الهوى منه إلى الشك الحقيقي. وإذا صح أنه رأيك بالفعل، فهو لايختلف مثلا عن إعتقاد العامة والحس المشترك بأن جنس الله مذكر لامؤنث !. وإني لأستغرب كيف أن الذين يدعون رؤية الأشباح عارية – على مايبدو- لم يحسموا الأمر فينظروا إلى أعضائها الجنسية؟ أمنعهم الخوف أم الجهل؟ (14)
حسنا، لقد جنحت إلى الدعابة المزاح (14)، ليس لعجزي عن الإستدلال، ولكن لآن إستدلالاتك بدت لي أقرب إلى الظن والتخمين منها إلى الحجج البرهانية.
ومع ذلك، دعنا نفحص حججك(15):
تقول إن ” وجودها ضروري لجمال الكون وكماله” فاسمح لي أن أوجه عنايتك سيدي إلى أن الجمال ليس صفة للموضوع الملاحظ، بقدر ما هو انطباع نابع من الملاحظ: فلو أن حدة إبصارنا كانت أقوى أو أضعف، أو لو أن تكوين أجسامنا كان مختلفا، لبدا لنا مانحسبه الآن جميلا ذميما والعكس صحيح. وإن أجمل كف لتبدو في غاية البشاعة تحت المجهر. وبالمثل تبدو بعض الأشياء جميلة رائعة عن بعد، بشعة قبيحة عن قرب. وبالتالي فالأشياء في حد ذاتها أو بالنسبة للذات الإلاهية ليس لا بالجميلة ولا بالقبيحة.
أما أولئك الذين يعتقدون أن الله قد خلق الكون ليكون جميلا، فعليهم أن يفترضوا أحد أمرين: إما أن الله قد خلق الكون ليتوافق مع رغبات الإنسان وعيونه؛ أو أن رغبات الإنسان وعيونه قد خلقت لتتوافق والكون.وكيفما كان الحال، فإني لاأستطيع أن أتصور كيف يحقق خلق الأشباح والأرواح هذه الفرضية أو تلك؟
من جهة ثانية، فالكمال أو عدم الكمال لايختلفان كثيرا عن مفهومي الجمال والقبح، وتجنبا للإطالة، دعني أسألك سؤالا واحدا: ماذا يضيف إلى كمال الكون ورونقه خلق الأشباح؟ أو هذه المسوخ الكثيرة مثل القنطورس أو الهدرة أو البعنق أو الستير أو العنقاء (17) وآلاف الترهات الأخرى؟ صحيح أن الكون سيكون أكثر زخرفا لو رتب وفق نزوات أهوائنا وزين بكل هذه الكائنات التي يحلم بها ويتخيلها دون عناء كثير من الناس وما من أحد منهم يستطيع فهمها.
تقول في حجتك الثانية: ” مادامت الأرواح ثعكس الطبيعة الإلاهية أفضل من الكائنات الجسمية، فلا يستبعد أن يكون الله قد خلقها”
إني لحد الآن أجهل فيم تعكس الأرواح الطبيعة الإلاهية أفضل من الكائنات المادية؟ (18) وكل ماأعلمه هو أنه لاوجه للمقارنة بين المتناهي وااللامتناهي، بحيث أن الفرق بين الله وأعظم الكائنات وأضخمها كالفرق بينه وبين أضعفها وأصغرها. ثم لو أني كنت أملك فكرة واضحة  (19) عن الأشباح والأرواح كتلك التي أملكها عن الدائرة أو المثلث مثلا لما ترددت في موافقتك الرأي بأنها من مخلوقات الله. بيد أن ماأجده في فكري لايختلف عما تصوره لي مخيلتي حول الهدرة والبعنق والعنقاء…فهي إذن مجرد أوهام تختلف عن الله كما يختلف الوجود عن العدم.
أما حجتك الثالثة، فليست أقل سخفا من سابقتها: لقد قلت بأنه مادام ممكنا وجود أجسام بدون أرواح، كذلك لايبعد أن توجد أرواح بدون أجسام.
لكن، أجبني رجاءا  ألا يحتمل كذلك أن نعثر على سمع أو ذاكرة أو بصر إلخ… بدون جسم لآننا نجد أجساما دون ذاكرة أو سمع أو بصر إلخ…؟ أو نجد قرصا بدون دائرة نظرا لوجود دائرة بدون قرص؟
(20)
أما حجتك الخامسة والأخيرة فمادامت لا تختلف عن حجتك الأولى، فإني أحيلك إلى جوابي على هذه الأخيرة، وأعترف لك أني حقيقة أجهل هذه الفضاءات العليا والدنيا التي تتجدث عنها اللهم إلا إذا كنت تعتبر الأرض مركز الكون (21). ولو كانت الشمس أو المشتري هو المركز لكان أحدهما هو المكان الأدنى أو الأعلى لا الأرض.
أستنتج إذن أن هذه الحجج وأمثالها لن تقنع بوجود الأشباح والأرواح إلا أولئك الذين يولون ظهورهم للعقل ويستسلمون للخرافات. والخرافة أشد أعداء العقل السليم بحيث أنها تعلي من شأن العرافين والمشعوذين لتنتقص من قدر الفلاسفة. أما بخصوص القصص والروايات، فقد سبق أن ذكرت في رسالتي السالفة أني لاأنكرها جملة وتفصيلا، بل أنكر النتائج التي تستخلص منها؛ أضف إلى ذلك أني لاأعتبرها جديرة بالثقة إجمالا خصوصا وأني أشك في بعض التفاصيل التي يروق للبعض أن يضيفها إليها من باب الزخرف لاحرصا على الحقيقة.
وكم كنت أود لو أنك إخترت من بين كل القصص التي تعرفها واحدة او إثنتين يستحيل علي الشك فيهما ويقنعاني بكل وضوح بوجود الأشباح والأرواح. أما ماذكرت من أمر ذلك القنصل فإنه في الواقع يبعث على الضحك والإستهزاء.
أكتفي بهذا القدر، لأننا لن ننتهي أبدا إذا ما شئنا أن نفحص كل مايروى عن هذه الحماقات.

الخاصية النقدية والمفاهيمية في التفكير الفلسفي، مع أمثلة لآليات الدحض والتفنيد
(22) تمييز في غاية الأهمية يقيمه بوكسيل بين منطق اليقين ومنطق الإحتمال، بين البرهان والحجاج، بين الرياضيات وقضايا الإنسان والإلاهيات.
(23) الدفاع عن الخاصية الموضوعية لصفة الجمال.
(24) هل يمكن تطبيق معيار الوضوح في مجال الميتايزيقا وما وراء الطبيعة؟
(25) الحجاج بالسلطة مرة أخرى.
من بوكسيل إلى إسبينوزا:

سيدي المحترم،
لقد تأخرت في الرد عليك بسبب مرض طارئ ألم بي فحال بيني وبين الدراسة والتأمل.أما وقد شفيت تماما الآن بحمد الله، فسأسلك نفس نهجك، وسأغض الطرف عن تهكمك واستغرابك من كل من كتب حول الأشباح.
أما عن إنكاري  أن يوجد بين الأشباح والأرواح جنس مؤنث، فذلك لأني أنكر توالدها. أما أمر شكلها وتكوينها فأدعه جانبا إذ لايهمني كثيرا في هذا المقام.
لقد طلبت مني أن أثبت لك وجود الأرواح والأشباح بحجج برهانية، لكن مثل هذه الحجج البرهانية لاتوجد في غير الرياضيات (22)، لذلك نكتفي بإستدلالات تقريبية تصبح بفضل درجة احتمالها الكبيرة أقرب ماتكون إلى الحقيقة. ولو كانت استدلالاتنا برهانية، لما أنكرها غير الحمقى أو الجاحدون، لكننا ياصديقي العزيز غير محظوظين إلى هذه الدرجة. وفي غياب البرهان، لامفر من الإستدلالات التقريبية. وهذا مايتجلى واضحا في الجدالات والخلافات والآراء التي تملأ علوم الإنسان والإلاهيات. وللسبب ذاته ظهر مايعرف بالشكاك والسوفسطائيين الذين لم يتوانوا عن الشك في جميع الحقائق: كانوا يفحصون القضية والنقيض ليستخلصوا المحتمل، وكل يعتقد مايراه حقا.
أما فبما يخص الجمال، فهناك بالتأكيد أشياء إذا ماقورنت بأخرى بدت أجزاؤها أكثر تناسبا وتناسقا (23)، وقد جعل الله العقل الإنساني ميالا إلى المتناسب منسجا معه ومبتعدا عن اللامتناسب متنافرا معه. وهذا مايحصل أيضا عند سماع الأصوات والنوتات المتناغمة أو المتنافرة، فالأذن تستطيع بكل سهولة أن تميز الأولى لما تجلبه من لذة وارتياح عن الثانية لما تسببه من تضايق وانزعاج. وبالمثل فالكامل جميل أيضا من حيث أنه لا ينقصه شيء من أجزائه، والأمثلة كثيرة لاداعي للإفاضة فيها مخافة الإطالة.
وللنظر إلى العالم باعتباره كونا أو كلا، لاأعتقد أن وجود المخلوقات اللامادية ينتقص من جماله أو كماله. أما كلامك عن السنطور والعنقاء والهيدرة فلاعلاقة له بموضوعنا. لأننا نتحدث عن الأجناس والأصناف العامة للأشياء والتي تندرج تحتها أنواع كثيرة لاحصر لها كالأبدي والمؤقت، السبب والنتيجة،المتناهي واللامتناهي، الجامدو الكائن الحي، الجوهر والعرض والجسم والروح…إلخ
أقول إن للأرواح شبها بالذات الإلاهية لأن الله روح. أما سؤالك لي عما إذا كنت أملك فكرة أو تصورا واضحا عن الأرواح والأشباح، فهو أمر مستحيل، وأسألك بدوري: ماهي فكرتك عن الله وهل هذه الفكرة واضحة في ذهنك كفكرة المثلث؟ (24) بالطبع لا، لذلك لسنا محظوظين بحيث ندرك الأشياء بطريقة برهانية قاطعة. وفي هذه الحالة، لامفر من الإكتفاء بالأحكام الإحتمالية.
بيد أني أصر بالمقابل على إمكانية وجود ذاكرة…إلخ بدون جسم مادام ممكنا وجود أجسام بدون ذاكرة…إلخ وكما توجد دائرة بدون قرص، يوجد قرص بدون دائرة. وعلى كل فإن نقاشنا لايمس هذه الموضوعات لأننا مهتمون بالأجناس الكلية العامة لابالحالات الخاصة.
وأقول بأن الشمس مركز العالم وأن النجوم الثابثة أبعد عنا من المشتري الذي هو أبعد من زحل الذي هو أبعد من المريخ وهكذا بحيث تكون بعض الأشياء في هذا الهواء اللامتناهي أقرب إلينا من أخرى، فنعتبرها أعلى أو أدنى. إنما ينتقص من قيمة الفلسفة من ينكرون وجود الأرواح والأشباح لامن يقرون بوجودها، فالفلاسفة القدماء والمحدثون مقتنعون بوجودها. ذلك مانقرؤه عند بلوتاركPlutarque في كتابيه ” حياة الفلاسفة ” و “عبقرية سقراط” ، وذلك ماأجمع عليه أيضا الفيثاغوريون والرواقين والأفلاطونيون والمشائيون أتباع أرسطو وأمبيدوكل Empedocle … أما المحدثون فلا أحد منهم ينكر وجودها.(25)
ومن العبث أن ترفض شهادات كل هؤلاء الحكماء والفلاسفة والمؤرخين وتنعتهم بالسخف وقلة العقل كعامة الناس. وإذا تأملنا أجوبتك أنت بدورك، فلا نجد فيها مايقنع، بل إنها لاتمس صميم الموضوع ولاتتضمن أي إثبات.

الرد على الإعتراضات، والتمييز بين منطق الإحتمال ومنطق اليقين: الفلسفة كفكر حواري
(26) مبدأ الإحتمال والترجيح يسرى على شؤون الحياة العملية لا على تأملات الفكر التي تظل دائما خضعة لمقتضيات منطق اليقين .
(27) الفلسفة كبحث عن الحقيقة.
(28) التمييز بين الفكرة الواضحة والصورة والواضحة، الأولى للعقل والثانية للمخيلة.
(30) الحرص على  وضوح اللغة والمفاهيم المستعملة.
(31) رفض الحجاج بالسلطة حتى لو كانت سلطة المعلم الأول أو أستاذه!! إنه رفض لكل السلط غير سلطة العقل نفسه، الذي يتوجب استخدامه بشكل شخصي.
(32) الخلاف أو الجدال الفلسفي حول قضية جزئية خاصة هو في الواقع خلاف فلسفي حول مبادئ أعم مثل معيار الحقيقة أو مصدرها أو منهج بلوغها… فوراء الخلاف القائم هنا حول وجود أو عدمه، يمتد خلاف منهجي أعمق يطال معيار الحقيقة نفسه وقيمة الروايات والسلطة المعرفية للمؤلفين، وحدود العقل ومكر المخيلة…
من اسبينوزا إلى بوكسيل:( لاهاي 1674)

لقد بادرت مسرعا بالرد على رسالتك، لأني لو تأخرت لأجلت الأمر يوم بعد آخر وهكذا إلى أجل غير مسمى. ولاأخفيك إني انشغلت كثيرا على حالتك الصحية إلى أنه بلغني تماثلك للشفاء، فأتمنى أن تكون الآن على خير مايرام.
من الصعب جدا على شخصين يتبعان أسلوبين مختلفين في التفكير ومبادئ مختلفة أن يتفاهما بصدد موضوع حساس ومتشعب كالذي يشغلنا.
إن مجال الرسالة لايتسع لأعرض بتفصيل رأيي في الطبيعة الإلاهية أو لأجيبك على كل الأسئلة التي طرحتها كما أعترف لك أن التشكيك وإثارة الصعوبات لايعني تقديم الحجج.
صحيح أننا في شؤون الحياة نعتمد الإحتمال أكثر من البرهان (26) ، لكن من الخطأ الإعتقاد بأن تأملات الفكر لاتتعدى حدود الإحتمال بدورها، وذلك لأن الأمر يتعلق بالحقيقة لابأشباهها. وصحيح أن المرء قد يهلك إذا رفض تناول الطعام والشراب قبل الحصول على برهان قاطع يثبت فائدتهما. بيد أن الأمر مختلف فيما يتعلق بتأملات الفكر، حيث ينبغي الحرص على الحقيقة (27) لاعلى أشباه الحقيقة. فما إن نقبل بخطأ واحد يتسلل بين أفكارنا حتي تستبعه أخطاء أخرى كثيرة.
أما كون العلوم المتعلقة بالإنسان والإلاهيات حافلة بالجدالات والمنازعات، فلا يعني أن كل موضوعاتها عرضة للشك واللايقين. فلو اطلقنا العنان للشك، لكنا مثل هؤلاء المهووسين بالجدل والنقائض الذين لم يتوانوا عن الشك حتى في الحقائق الرياضية والهندسية مثل سكتوس أمبيريكوس وأصحابه الذين يبطلون كون الكل أكبر من الجزء. ويجادلون في سائر المبرهنات.
اقبل قولك بضرورة الإكتفاء بالبراهين الإحتمالية  عند تعذر البراهين القاطعة، بيد أني أشترط فيها أن تكون من الدقة بحيث يتعذر نقضها وإن كان الشك فيها يظل جائزا. لأن مايمكن نقضه يعد أقرب إلى الخطأ منه إلى الحقيقة: فلو أني أعلنت مثلا أن فلانا حي، لأني لمحته البارحة بصحة جيدة، فإني أعلن واقعة تبدو صحيحة مالم تتم مناقضتها. أما إذا تقدم من يِِؤكد أنه لمحه البارحة يقع من الوهن وأنه يعتقد بموته، فإنه بيطل كل أقوالي السالفة.
أما تخميناتك بخصوص وجود الأشباح والأرواح، فقد بينت بطلانها.بل إنها لاترقى حتى إلى مستوى الإحتمال. أما عن سؤالك : ” هل تملك فكرة واضحة عن المثلث؟” (28) فأجيب عنه بنعم.
لكن لو سألتني: هل تملك صورة واضحة عن الله كوضوح صورتك عن المثلث؟” فأجيبك بالنفي. إذ لايمكن تصور الله بالمخيلة، وإنما يدرك بالعقل فقط: أي لايمكن تخيله بل تعقله. ولابأس أن تلاحظ أني لاأعرف من الصفات الإلاهية إلا القليل، ولاأدعي معرفتها كلها ولا أغلبها. غير ان جهلي بأغلبها لايمنعني من الإحاطة ببعضها. ولذلك فحين بدأت دراسة كتاب “العناصر” لـــأقليدس ، علمت أن مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين، وأدركت هذه الخاصية بكل وضوح رغم جهلي بخصائصه الأخرى الكثيرة. بينما لاأعرف للأشباح والأرواح أية خاصية يمكن للعقل تصورها؛ باستثناء بعض الخيالات والأوهام التي يعجز الجميع عن فهمها.
إن من يسمعك تعلن أن الأشباح والأرواح التي تسكن السماوات الدنيا مركبة من مادة لطيفة شفافة، سيخالك تتحدث عن الهواء او نسيج العنكبوت أو البخار. ثم مالفرق بين القول بأن الأشباح والأرواح لامرئية وبين القول بانها غير موجودة؟ (30) اللهم إلا إذا كنت تقصد ان هذه الأشباح والأرواح تظهر للناس وتختفي حسب هواها، مما جعل مخيلة البشر عاجزة عن تفسير الأمر.
إن احتجاجك وإستشهادك بأفلاطون أو أرسطو أو سقراط لايعني لي شيئا، (31) وكم تمنيت لو انك تستشهد بـــديموقريط أو أبيقور أو لوقريتوس أو غيرهم من الفلاسفة الذريين. ولاعجب أن الذين أفاضوا في الحديث عن الكائنات الخفية والظواهر الغريبة المثيرة قد اخترعوا قصة الأشباح والأرواح لينتقصوا من قيمة ديموقريط الذي بلغ حقدهم عليه أن ألقوا كتبه في النار رغم مابذله في تأليفها من جهد وعناية تستحق المديح.
وأخيرا سيدي، أتوقف عند هذا الحد، فقد أطلت في الموضوع أكثر من اللازم، كما أني لاأريد أن أسبب لك مزيدا من الإحراج في موضوع يتعذر علينا التوافق  حوله بسبب مبادئنا المختلفة التي نتبعها.(32)

Facebooktwitterredditmailby feather

تعليقاتكم وتفاعلاتكم

تعليقات وملاحظات

0 تعليق على “الشك الفلسفي في مواجهة الأشباح”

  1. هناك من يامن بوجود الاشباح و الارواح و البعض الاخر لايامن بها.رغم ان وجودها حقيقي و قد دكر الجن في القران

اترك رداً على ghania إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *