أرشيف التصنيف: منهجية اﻹنشاء

كيفية إنجاز مطلب التحليل في صيغة القولة المذيلة بسؤال

كيفية إنجاز مطلب التحليل في صيغة القولة المذيلة بسؤال

أهلا بكم
هذا تدوين آخر لأجزاء من حصص أنجزتها مع تلامذتي أنشرها تعميما للفائدة..

كما هو معلوم، تُطرح عليكم يوم الامتحان ثلاث مواضيع تحتارون من بينها واحدا لتجيبوا عنه. سأركز اليوم على الموضوع الثاني وهو القولة المذيلة بسؤال، وسأركز بشكل خاص على مهارة أو مطلب التحليل
أولا، ماهي القولة؟ وبم تتميز عن النص أو السؤال:
للقولة خاصيتان:
1-الإيجاز الشديد: القولة هي عبارة فلسفية موجزة تتكون في الغالب من جملة إلى ثلاث جمل. وإيجازها يعني أن معانيها مكثفة أو شديدة التكثيف ! إنها تقول أشياءا كثيرة في كلمات قليلة !! بمعنى أن المفردة أو المفهوم الواحد يحيل على معان ودلالات وأفكار شتى (يتعين التفطن إليها وعرضها)
2- غياب الحجاج: القولة ثانيا هي عبارة عن اطروحة بدون حجاج. تتضمن موقفا فلسفيا من قضية أو إشكالية ما، لكن لم تتح لصاحبها المحاججة على أطروحته وموقفه نظرا لضيق الحيز (وعليه يتعين إعادة بناء الحجاج المفترض. كيف؟ سأخصص لذلك موضوعا مستقلا)

سأركز اليوم على الخاصية الأولى أي على خاصية الإيجاز الشديد
ماالمطلوب منك إزاء الإيجاز الشديد للقولة؟
المطلوب منك قبل أن تهرع وتسرع إلى المواقف المؤيدة والمعارضة أن تتوقف قليلا وبكل هدوء لكي “تتوسع في القولة” كما يقال، أي أن تشرحها وتكشف عن مختلف دلالالتها بحيث إذا كانت القولة تمتد على سطر أو سطرين فعليك بسطها في حوالي 10 أسطر. وهذا هو جوهر التحليل
والمعضلة هي: كيف أقوم ببسطها والتوسع يها!؟ :icon_scratch: كيف أستخرج من سطر واحد 10 أسطر !؟ :icon_eek:

لأجل ذلك، أقدم لك هذه التوجيهات المبسطة التالية لتستعين بها على إنجاز هذه المهمة
لكل مفهوم فلسفي ثلاث أنواع من الدلالات، نستحضرهاا كلها أو بعضها من أجل فهم معناه:
أ- ما يشير إليه المفهوم
ب- ما يستدعيه إما على سبيل الاقتضاء أو التلازم..
ج- ما يستبعده على سبيل التناقض
لا تفزع ! سأشرح لك ليس من خلال مثال واحد بل عدة أمثلة:

المثال الأول:
وردت في الامتحان التجريبي الذي بعثت به النيابة القولة التالية:
“لكي تبرر الدولة حقها في مطالبة الرعية بالطاعة، عليها أن تحقق لهم السعادة الدنيوية وتصون كرامتهم”
لنتوقف عند مفهوم الطاعة مثلا، ولاحظوا أننا سنستخرج منه العجب العجاب ! :icon_biggrin:
أ- ما يشير إليه المفهوم: تشير الطاعة إلى الامتثال والخضوع وتنفيذ أوامر
ب- ما يستدعيه إما على سبيل الاقتضاء أو التلازم: تستدعي الطاعة مفهوم السلطة، لاطاعة لمن لاسلطة له ! كما أن تعريف السلطة هو الصفة أو القدرة التي يملكها طرف من أجل إجبار طرف آخر على الخضوع والامتثال وتنفيذ أوامر..
تطوير محتمل أستثمره في التحليل أو المناقشة: لماذا أطيع وأمتثل؟ مامبرر الطاعة؟ أنواع المشروعية..إلخ
ج- ما يستبعده على سبيل التناقض: يستبعد مفهوم الطاعة مفاهيم العصيان، التمرد، الاحتجاج..
تطوير محتمل أستثمره في التحليل أو المناقشة: ماذا لو حدث عصيان أو احتجاج؟ ماهي أساليب الدولة لفرض الطاعة؟ هل تكتفي الدولة بمطالبة المواطنين بالطاعة أم تفرض عليهم الطاعة؟ بأية أساليب؟..إلخ

المثال الثاني:
أثناء الدرس، وبالضبط أثناء البناء الإشكالي في حور العدالة بين المساواة والانصاف، وقفنا عند قولة آلان: “مالحق؟ إنه المساواة ، ولقد ابتُكر الحق ضد اللامساواة”
لنتوقف عند مفهوم قد لا تعيرونه أي اهتمام عند تحليل الفولة ألا وهو مفهوم الابتكار (ابتُكر الحق…)
أ- ما يشير إليه المفهوم: الابتكار هو اختراع وإيجاد شيء لم يكن..
ب- ما يستدعيه إما على سبيل الاقتضاء أو التلازم: الحق الذي هو المساواة حسب آلان هو ابتكار بشري، إنتاج من إنتاجات الثقافة والعقل البشري، ظهر في فترة من الفترات ولم يكن موجودا منذ الأزل
ج- ما يستبعده على سبيل التناقض: ليست المساواة إذن معطى طبيعيا أو أوليا ! بالعكس ماهو طبيعي هو اللامساواة. الأصل هو اللامساواة بين الناس في القدرات الجسمانية (القوة، الجمال..) وفي القدراتا لعقلية… والدليل على ذلك تتمة الجملة: “ابتُكر الحق ضد اللامساواة”

المثال الثالث:
في بداية درس السعادة وفقنا على التعريف التالي:
“ألسعادة حالة إرضاء وإشباعتام للذات في كليتها، اشباعا يتسم بالديمومة..”
لنركز هنا على مفهوم “الكلية” و “ديمومة” مكتفين ب
ج- ما يستبعده على سبيل التناقض:مفهوم الكلية يستبعد الإشباعات الجزئية من قبيل لذة الظل في يوم حار أو لذة شراب أو طعام… أما مفهوم الديمومة فيستبعد أشكال الإشباع والإرضاء التي تتميز باللحظية مثل الفرح حتى وإن بلغت أحيانا درجة تفوق الوصف.. (أطير فرحا :icon_bounce: )

ملاحظة عامة: ما ذكرته سابقا تقنيات من أجل تحليل مفاهيم القولة. ولكن لابد من تنبيه مفاده أن التحليل يتم في الغالب بفضل توظيف المعرفة الفلسفية التي اكتسبناها أثناء الدرس أو دوناها في الدفتر أو قرأناها في ملخص او أي مصدر مكتوب آخر..
لايعني التحليل أن تنسى كل ما درسته في مادة الفلسفة وتتناطح مع القولة أعزلا ! ستنطحك القولة بدون شك وتلقيك أرضا !! :icon_biggrin: وستكتفي باجترار سطحي لمفردات القولة! المعرفة الفلسفة تجعل شرحنا لقولة فلسفية شرحا فلسفيا بدوره !

في المرة القادمة، سأتحدث عن البنية المنطقية للقولة.. التي ينبغي الانتباه إليها من أجل فهم سليم لأطروحة القولة

أتمنى لكم التوفيق :warda:

Facebooktwitterredditmailby feather

كيفية إنجاز مطلبي التحليل والمناقشة في صيغة السؤال المفتوح

كيفية إنجاز مطلبي التحليل والمناقشة في صيغة السؤال المفتوح

التلاميذ الأعزاء
كما هو معلوم، تطرح عليكم في الامتحان الوطني ثلاثة مواضيع تختارون من بينها موضوعا واحدا تجيبون عليه
سأركز اليوم على الموضوع الأول فقط أي السؤال الإشكالي المفتوح
وإذا كان الإنشاء يتكون من مقدمة وعرض وخاتمة، فسأتحدث اليوم بالتحديد عن العرض فقط
كنا تعرفون فالعرض هو المكان المخصص للتحليل والمناقشة
ولكن ماذا سنحلل وماذا سنناقش؟
بشيء من التبسيط سنحلل مفاهيم السؤال لكي نقف على الإشكال الذي ينطوي عليه السؤال ونستكشف مختلف دلالات والأبعاده التي يدعونا السؤال إلى التفكير فيها ثم نناقش مختلف إمكانيات الجواب/الحل التي يحتملها، وكل ذلك بشكل مندمج ومنسجم ثم نخرج في الأخير بحل للإشكال

مثال: هل هناك طريقة واحدة لبلوغ الحقيقة؟
لمعالجة هذا السؤال ينبغي الانتباه في العرض إلى قاعدتين منهجيتين:

القاعدة الأولى: استعراض مختلف الأجوبة الممكنة
أي أن أفحص مختلف الإمكانيات وأقلب الأمر على مختلف وجوهه

لكن قبل ذلك، سنقوم بتحليل مفاهيم السؤال: الطريقة يعني المنهج، الحقيقة تعني .. إلخ
وننتبه إلى أن السؤال يفترض أن بإمكاننا بلوغ الحقيقة، ويتساءل فقط عما إذا كانت الطريق إلى الحقيقة طريقا واحدا أم طرقا متعددة؟
لكن بما أن السؤال يبدأ ب "هل" وهي أداة استفهام ، ولانحتاج إلى أى تفلسف لكي نعرف أنها أداة استفهام تستدعي جوابا بالإثبات أو النفي
لكن انتبه: ليس مطلوبا منك أن تقول "نعم، هناك طريقة واحدة" أو أن تقول:" لا، هناك عدة طرق". حبذا لو كانت الأجوبة الفلسفية بهذه البساطة :icon_biggrin:
ثم إن السؤال المبتدئ بهل: يتضمن دائما نصف جملة محذوف
مثلا، لدينا سؤال: هل كنت حاضرا؟
السؤال في الواقع هو: هل كنت حاضرا أم غائبا؟
لكننا نستغني عن الشق الثاني لأنه في العادة معلوم عند السائل والمسؤول

ماذا يعني كل هذا؟ يعني أن عليك أن تتفحص كلا الاحتمالين، أي:

1- كيف تكون هناك طريقة واحدة لبلوغ الحقيقة؟ مثلا:
-مادامت الحقيقة واحدة فمن المفترض ان تون طريقة بلوغها واحدة
– إذا تعلق الأمر بالعلوم التجريبية، فطريقة بلوغها واحدة، المنهج التجريبي؛ إذا تعلق الأمر بالرياضيات والمنطق، فالطريقة هي الاستنباط
-هنا يمكننا الاستئناس بموقف ديكارت بشأن منهج اكتشاف الحقيقة: الحدس والاستنباط
– للحقيقة عن المتصوفة طريقة واحدة هي الحدس، الذوق والزهد..
باختصار إلى نظرنا إلى كل حقيقة أو كل مجال معرفي في حد ذاته، فهناك طريقة واحدة لبلوغ الحقيقة.
.. إلخ إلخ

2- كيف تكون طرق بلوغ الحقيقة متعددة ؟ مثلا:
– (بالنسبة لتلامذة الشعبة الأدبية) إذا تعلق الأمر بحقيقة الظواهر الإنسانية ، هناك على الأقل طريقتان: الفهم والتفسير
– إذا نظرنا إلى الحقيقة في تعدد أنواعها ومجالات انطباقها: تجريبية، رياضية منطقية، دينية.. فلاشك أن الطرق متعددة
– يمكننا أيضا الاستئناس بموقف كانط الذي ينكر إمكانية وجود معيار صوري وكوني للحقيقة. هناك على الأقل نوعان من الحقيقة: مادية وصورية..
.. إلخ إلخ

القاعدة الثانية: ترتيب الأجوبة الممكنة ترتيبا منطقيا
قلنا أن لدينا على الأقل جوابين محتملين على السؤال، لكن يبقى المشكل هو :
بأي إمكانية أو كما يقال بأي موقف سابدأ؟ الموقف القائل بتعدد الطرق ام القائل بوحدة الطريقة!؟ :icon_scratch:
في الواقع لست حرا في أن تبدأ بما تشاء ! :icon_biggrin:
هناك مبدأ ينبغي الالتزام به عند ترتيب الموقفين:
لو أن أباك سألك عن الظالم والمظلوم، أخوك أم أختك؟
بم ستجيب!؟
للو أنك -أيها العفريت- كنت منحازا أو متعاطفا مع أختك، من المحتمل أن تجيب أباك: أخي يقول كذا وكذا، لكن أختي تقول…
أما لو كنت -أيها العفريت- منحازا أو متعاطفا مع أخيك، من المحتمل أن تجيب أباك: أختي تقول كذا وكذا، لكن أخي يقول…
ماذا أقصد؟ أقصد أننا عادة نبدأ بالموقف الي لا نتفق معه لنعقب عليه وننتقده وربما نهدمه بالموقف الذي نعتقد أنه صائب
إذن الفيصل في ترتيب المواقف في الإنشاء الفلسفي هو النتيجة التي يريد أن تخلص إليها ايها التلميذ !!
لقد تعلمنا من نصوص الفلاسفة الذين درسنا نصوصهم أثناء البناء الإشكالي للدروس، أن الفيلسوف غالبا مايعمد أولا إلى عرض الأطروحة المنافسة، قبل ان ينتقل ثانيا إلى دحضها لكي يؤسس على أنقاضها أطروحته الخاصة. مثال نص ميرلوبونتي في درس الغير بالنسبة لمن يستعمل منكم كتاب منار الفلسة، وهو نص يبدأ هكذا: يقال أن الغير يحولني إلى موضوع وأنفيه.. إلخ

وعليه، انصح تلامذتي بما يلي:
إذا كنت أيها التلميذ لسبب او لآخر، إما لأنك تميل وجدانيا وشخصيا إلى الموقف الأول، أو لأن ما برصيدك من حجج واستدلالات على الموقف الأول أقوى مما بحوزتك فيما يخص الموقف الثاني، فعليك وجوبا أن تبدأ بعرض الموقف الثاني. لماذا؟ لأنه:
– لايعقل ان تقدم أولا الموقف الأقوى حجاجيا ثم تعترض عليه بموقف أضعف منه، بل العكس أولى!!
– يستحسن أن يكون موقفك الذي ستخلص إليه في التركيب هو نفسه آخر شيء أكدت عليه في العرض. ذلك أن الإنشاء الفلسفي في حالة السؤال المفتوح يتخذ غالبا بنية "نعم.. ولكن.." أو "لا.. ولكن..". وفي كل جملة على نمط: "نعم.. ولكن.." أو "لا.. ولكن.." يكون ما يأتي بعد الاستدراك (لكن..) أٌقوى مما قبله في السلم الحجاجي.
.
كما تلاحظون، لابد أن تحشروا وتقحموا أنفسكم في الموضوع وفي القضية التي يطرحها السؤال :icon_bounce: لا أن تظلوا مجرد متفرجين وكأن الأمر لايعنيكم
عليك أن تسأل نفسك قبل ترتيب الإمكانيات: ماذا أريد أنا شخصيا بالضبط؟ إلام أريد أن أخلص؟
ومن اجل إفهام تلامذتي وإقناعهم بهذه القاعدة المنهجية، أضرب لهم مثلا من رواية أليس Alice في بلاد العجائب، حيث تقف أليس Alice على مفترق طرق وتسأل أحد الحيوانات: رجاءا، إنني حائرة! أي طريق اختار ؟ :icon_scratch:
فيسألها: يتوقف ذلك على الوجهة التي تقصدين. إلى أين تريدين الذهاب؟
تجيب أليس: في الحقيقة، لا أعرف :icon_redface:
فيجيبها: في هذه الحالة، لايهم أي طريق تسلكين !! :icon_biggrin:
فيضحك التلاميذ !! لكنني أؤكد لهم أن الأمر ينطبق عليهم تماما. فبالمثل، إذا لم تكن أيها التلميذ تعرف إلام تريد أن تخلص، فلايهم بم تبدأ وإلى أين تنتهي !!!

أتمنى لكم التوفيق :warda:
ملاحظة: ما قدمته أعلاه مجرد تحرير وتوثيق وتدوين لمجريات جزء من حصة (حوالي 15 دقيقة) أنجزتها مع تلامذتي ذات يوم أثناء إنجاز الدرس… ربما بسبب سؤال طرحه أحد التلاميذ..

Facebooktwitterredditmailby feather

كيف أختار موضوعا من المواضيع الثلاثة يوم الامتحان الوطني؟

كيف أختار موضوعا من المواضيع الثلاثة يوم الامتحان الوطني؟

أعزائي التلاميذ
زملائي الكرام
أنجزت مع تلامذتي حصة خاصة عنوانها: كيف أختار موضوعا من المواضيع الثلاثة يوم الامتحان الوطني؟
لماذا؟
لأن النجاح في الامتحان يتوقف -كما هو معروف- على عاملين: الإعداد المعرفي والإعداد النفسي، أو بلغة الكفايات على نوعين من الكفايات: كفايات معرفية-منهجية وكفايات استراتيجية
لن نتحدث عن الإعداد المعرفي والكفايات المعرفية-المنهجية (مراجعة الدروس والملخصات، توسيع دائرة الاطلاع على كتب ومجلات، التمرن على إنجاز إنشاءات..)، بقدر ما سنقتصر على الإعداد النفسي والكفايات الاستراتيجية

لئلا تكون حرية الاختيار حرية عمياء:
يحظى تلميذ الباكالوريا في الفلسفة بفرصة ربما لايحظى بمثلها في مواد أخرى، وهي اختيار موضوع واحد من بين ثلاثة مواضيع تعرض عليه في الامتحان الوطني: سؤال إشكالي، قولة مذيلة بسرال ونص للتحليل والمناقشة.
لكن كيف يمكن لتلميذ أن يحسن الاختيار!؟
ألاحظ أحيانا أن بعض تلامذتي يخرجون من قاعة الامتحان، فأسأله عما صنع، ويلخص لي ما كتب، فأجد جوابه متواضعا وأنه اختار موضوعا ما كان ينبغي له اختياره؟ :icon_confused: وأناقشه في الموضوع الآخر لأكتشف -دون إخباره حتى لا أحبطه- بأنه كان قادرا على الكتابة فيه بشكل جيد أفضل من ذاك الذي اختاره!!
هناك إذن اختيارات سيئة ! وأخطاء بسيطة ما كان لها أن تؤثر على سنة كاملة من الإعداد المعرفي.
رأينا في درس الحرية نوعا من الحرية يمكن تسميته الحرية العمياء: وهي حرية الاختيار دون علم! اختيار نلقيه على عاتق الصدفة والحظ ، مثل من يطلب منه أن يقول هل العملة النقدية ستسقط على الوجه أم الظهر pile ou face !!؟ إنه حر في أن يختار “وجه” أو “ظهر” ولكن هناك حقا سبب وجيه لاختيار هذا أو ذاك !!؟

لكي لاتكون حرية الاختيار يوم الامتحان حرية عمياء، ينبغي الالتزام ببعض القواعد:

القاعدة الأولى: لا تكبل نفسك.
لا أدخل قاعة الامتحان وقد قررت مسبقا وقبليا أن أكتب في القولة أو النص أو السؤال، لأن هذه أسهل من تلك كما يشاع.. بهذا القرار،إنما تُضيق الخناق على نفسك :icon_pale: وتحرمها من حرية الاختيار؛

القاعدة الثانية: لا لرد الفعل القطيعي:
صحيح ان لدى الإنسان شيئا من “غريزة القطيع” بحيث يستشعر الأمان كلما وجد نفسه مع الجماعة: يمضي حيث يمضي الآخرون ويختار ما يختاره الآخرون. إذ حتى لو كان القرار خاطئا وأصاب اجماعة البلاء، فإن البلاء إذا عم هان! لكن هذا الانحياز إلى الجماعة لا يكون موقفا حكيما دائما! ولا يعقل أن اختار موضوعا من المواضيع الثلاثة وليكن النص أو السؤال أو القولة فقط لأن كل رفاقي في قاعة الامتحان قد اختاروا الكتابة فيه !!.
بالعكس، الامتحان شأن فردي، فيه يتقرر مصير الفرد وليس مصير الجماعة، لذا ينبغي أن اختار الموضوع الذي أراه الأسهل بالنسبة لي والملائم لكفاءاتي وقدراتي ومراجعاتي، لا ما يعتقده رفاقي سهلا وملائما

القاعدة الثالثة: قراءة المواضيع االثلاثة:
بالنسبة للمسالك الأدبية مثلا، يمنح المترشحون ثلاث ساعة، فلا بأس من تخصيص ربع ساعة الأولى لاستكشاف المواضع الثلاثة. 5 دقائق لكل موضوع
أقرأ السؤال الإشكالي، أتمعن في مفاهيميه، وأفكر في إمكانيات الجواب وما إذا كنت أملك معطيات معرفية تسمح لي بتقديم هذه الإمكانيات (مواقف فلسفية، استشهادات، امثلة..) وأدون كل ذلك على شكل إشارات مقتضبة في المسودة
أقرأ القولة ، أتمعن في مفاهيمها، والتقابلات التي تستدعيها وأحدد أطروحتها، وأسأل نفسي: هل أملك معطيات معرفية (مواقف فلسفية، استشهادات، امثلة..) تسمح لي بشرح القولة وتبرير موقفها ثم مناقشته وفحصه وأدون كل ذلك على شكل إشارات مقتضبة في المسودة
أقرأ النص وهذه هي المهمة الأصعب، أحدد المفاهيم الأساسية، وأضع افتراضا أوليا حول أطروحته، وأحسب جيدا عدد جمل النص التي أستطيع فعلا فهمها وتلك الذي لم أفهم منها شيئا. وأسأل نفسي: هل أملك معطيات معرفية (مواقف فلسفية، استشهادات، امثلة..) تسمح لي بشرح جمل النص وأفكاره وأدون كل ذلك على شكل إشارات مقتضبة في المسودة

القاعدة الرابعة: لكل صيغة ما لها وما عليها
اعلم أنه لا توجد صيغة سهلة! ليس صحيحا أن النص أسهل من القولة أو أن السؤال أسهل من النص..كلا. فلكل واحدة من الصيغ الثلاثة جوانب سهولة وصعوبة. بمعنى أن كل صيغة تمنحني شيئا وتطالبني بأشياء

ما يقدمه السؤال المفتوح: الإشكالية واضحة تقريبا وهي نفسها التي يعبر عنها السؤال
ما لا يقدمه السؤال المفتوح: لا وجود لمعارف في السؤال، عليّ بناء الأجوبة الممكنة على السؤال

ما تقدمه القولة: الأطروحة واضحة تقريبا، والمفاهيم محدودة العدد
ما لاتقدمه القولة: لا تتضمن حجاجا ولاتقدم لي معطيات معرفية لتبريرها أو مناقشتها ونقدها،

ما يقدمه النص: معطيات معرفية غنية يمثل الاشتغال عليها وشرحها نصف العرض تقريبا
ما لايقدمه النص: لايتضمن النص إعلانا صريحا عن الأطروحة، بل ينبغي استنباطها من خلال تحديد شبكة المفاهيم الأساسية في النص.

القاعدة الخامسة: الاختيار عن علم
اعود إلى الإشارات والتخطيطات السريعة التي كتبتها أثناء تمعني في المواضيع الثلاث، لأحددها لموضوع الذي أحس أنني قد فهمته جيدا ولدي معطيات معرفية كافية لمعالجته (مواقف فلسفية، استشهادات، امثلة..)
مع العلم أن تفاصيل وأفكارا أخرى لن تحضر إلى الذهن إلا بعد الشروع في الكتابة في المسودة

نصائح أخيرة: موضوع سهل وموضوع ضعب . كيف !!؟
نعلم جيدا -كمدرسين- أن أول سؤال يطرحه التلميذ على نفسه عند قراءته لنص الموضوع يوم الامتحان هو: في أي درس وربما في أي محور يتحدث الموضوع؟ :quoi:
لذلك نستطيع أيضا كمدرسين أن نقول
بالنسبة للنص
الموضوع الأسهل هو:
– عندما يعالج النص بشكل مباشر إشكالية سبق تناولها في الملخص، ويتضمن تقريبا فكرة واحدة يقوم يتكرارها طوال النص. (نقول عنه إنه نص يتضمن وحدة إشكالية)
وأصعب نص هو الذي يتضمن مفاهيما كثيرة متنوعة يعجز معها الذهن عن التقاط الخيط الناظم أو الفكرة العامة (مثال: أنظر النص الثاني في المسابقة الوطنية للإنشاء 2010،) أو يتضمن جملا وتعابير كثيرة نعجز عن فهمها وشرحها بأسلوبنا شخصي وضرب أمثلة لتوضيحها

بالنسبة للسؤال:
– عندما يعالج السؤال بشكل مباشر إشكالية سبق تناولها في الملخص (مثال: هل القيام بالواجب نفي للحرية؟) محور الواجب والإكراه، أليس كذلك !؟ :icon_biggrin:
وان أصعب سؤال هو الذي يتطلب من التلميذ:
– تفكيرا شخصيا (مثال سؤال: هل تنحصر هوية الشخص وقيمته في الجسد؟)
– التركيب بين معطيات متفرقة في عدة دروس ومجزوءات (مثال: هل يقود تطور العلوم إلى إنكار قيام حقيقة نهائية؟)

بالنسبة للقولة:
أصعب قولة هي تلك التي لا نعرف بالضبط الإشكال أو التقابل الذي يحيل عليه (مثال: “إننا لانرى العالم بأعيننا بل ننظر إليه بمفاهيمنا”)
أسهل قولة هي تلك تعالج بشكل مباشر إشكالية سبق تناوله في الملخص (مثال: لايصنع التاريخ بمعزل عن إرادة الإنسان، ومع ذلك فإنه يصنع في جزء كبير منه خارج هذه الإرادة وضدها.”) دور الإنسان في التاريخ ألس كذلك !؟ :icon_biggrin:

مع متمنياتي لأعزائي التلاميذ بالتوفيق :warda:

Facebooktwitterredditmailby feather

تقريب منهجية الإنشاء الفلسفي للجذع والسنة1، مع تطبيقات

منهجية الإنشاء الفلسفي للجذع والسنة1، مع نموذج تطبيقي

أولا، فقرة موجهة لزملائي الأساتذة، أما التلاميذ، فيمكنهم الانتقال مباشرة إلى قراءة الفقرة الموالية
أقتسم معكم اليوم هذه الاجتهاد ويتعلق بكيفية تدريس تلامذة الجذع والسنة الأولى منهجية الإنشاء الفلسفي.. :icon_bounce:
لماذا؟ لأنني اعتقد أنه إضافة إلى الكتابة الجزئية التي يفترض ان يتمرس بها تلامذة هاتين السنتين، لابد لهم من اكتشاف الإنشاء ككتابة تركيبية، ولكن بطريقة مختلفة طبعا عن الطريقة التي سيكتشفونها بها في السنة الختامية (قبل أن تجتاح عقولهم مقولات المواقف المؤيدة والمواقف المعارضة!)
ثم إن الكتابة الجزئية شيء والكتابة الكلية شيء آخر ! فإنجازات التلاميذ وتعثراتهم تُظهر جيدا أننا باقتحامنا لعالم الإنشاء الفلسفي ككتابة كلية تركيبية، نقفز فقزة كيفية وليس فقط قفزة كمية، وهذا ما يفسر حيرة تلامذة السنة الختامية الذين يظهرون كمن أخذ على حين غرة :icon_eek: ، وكأن تمارين السنيتن السابقتين لم ينجحا في تهدئة روعهم وتوجيه بوصلتهم.. وأن الإنشاء الفلسفي “فن سري خاص” شبيه إلى حد كبير بفنون الخيميائيين !
تكمن فكرتي باختصار في أنه ينبغي لمنهجية الإنشاء أن تعرض أولا بصيغة تبسيطية على أساس أن يتم تدقيق هذه الصيغة مع تقدم التلاميذ في دراسة الفلسفة.
وكما ستلاحظون، فقد ارتأيت أن أبدا حقا من البداية، متسائلا مع تلامذتي عن “ماالإنشاء الفلسفي أولا؟” وقد كان هذا التساؤل خير مثال لما نطالبهم به في منهجية الإنشاء: أي الاشتغال على دلالات المفاهيم !!!!
ملاحظة تقنية أخيرة للزملاء الكرام: تمت أولا دراسة مضمون الجزء الأول الذي أعرضهم عليكم اليوم مع التلاميذ بطريقة تفاعلية، قبل طباعته وتوزيعه عليهم بعد انتهاء الحصة؛ أما الجزء الثاني الذي سأنشره في مشاركة مقبلة، فقد طبع ووزع عليهم ليشتغلوا عليه في منازلهم تمهيدا لدراسته في القسم

أولا-تعريف الإنشاء الفلسفي:
ربما كنت واحدا من الذين تستهويهم الفلسفة أو ينخرطون في النقاشات الشفوية داخل القسم، ولكن عليك أن تعلم أن تقييم واختبار قدراتك الفلسفية –وخصوصا في الامتحان الوطني- يتم من خلال عمل مكتوب تنجزه على شكل كتابة مقالية نسميها الإنشاء الفلسفي، فما الإنشاء الفلسفي؟
إنه أولا “إنشاء” وثانيا “فلسفي”
أ-معنى كونه إنشاءا: الإنشاء في اللغة يعني البناء، لذلك نسمي المباني بالمنشآت. والبناء كما تعلم يحتاج إلى مواد أولية، وتصميم ومراحل للإنجاز.
فالمواد الأولية هنا هي ثقافتك العامة والمعارف الفلسفية والمهارات المنهجية والأساليب اللغوية التي تتوفر عليها
والتصميم هو تلك البنية الثلاثية التي نسميها المقدمة- عرض-خاتمة، وهو أيضا الخطة التي ستعالج من خلالها الموضوع المطروح عليك لكي تخرج في النهاية بنتيجة ما.
ما ينبغي أن ننتبه إليه هو إن الذي يستنسخ ما هو موجود أصلا في الدرس أو الملخص ولا يبذل أي مجهود في بناء الموضوع وانتقاء المعلومات وترتيب الفقرات مثله مثل ذلك الذي يراكم الرمل بجانب الحصى والإسمنت بجانب الآجر والماء ..دون خلط وتصميم معتقدا أنه قد أنجز إنشاءا أي بناءا !! كذلك لا يمكن أن نضع المواد كيفما اتفق بل لابد من تصميم وخطة.

والإنشاء في اللغة يعني أيضا الخلق والابتكار مصداقا لقوله تعالى: “هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم”
بمعنى أن لا إنشاء دون شيء من الإبداع.ولايمكن أن “ننقل” أو ننسخ الإنشاء من مكان ما. لو سئلت اسئلة مباشرة، مثل: ما هو تعريف الأنا الأعلى؟ لكان الجواب طبعا جاهزا موجودا في مكان ما! بيد أن الإنشاء دائما ابتكار لشيء غير موجود ! صحيح ان مواده موجودة سلفا، لكن إنشاءنا ينسق بين هذه المواد ويقدمها بصورة مبدعة !
ب-معنى كونه فلسفيا: لكنك تعلم من جهة أخرى أنك مطالب في المواد الدراسية الأخرى بإنجاز إنشاءات. فما الذي يميز إنشاءنا عن غيره؟ يتميز بكونه فلسفيا. وفلسفي لا تعني أنك مطالب بأن تكتب مثل أرسطو أو ابن رشد، بقدر ما تعني أن عليك أن تبرهن عن بعض القدرات الفلسفية مثل
-الحرص على تسلسل الأفكار واحترام الروابط المنطقية وعدم الوقوع في التناقض؛
-عدم التوقف عند ظاهر الموضوع أو القضية، والسعي إلى الكشف عن خلفيات الأمور وبواطنها؛
-الاستخدام الدقيق للكلمات ومحاولة تعريفها لتغدو مفاهيم لا مجرد مفردات نحسب معناها واضحا في حين أنه ضبابي وغير واضح في أذهاننا. ولعلك ترى كيف وقفنا عند كلمة “إنشاء” نفسها وتعمقنا ففي فهم دلالاتها !
-النقد والتساؤل والشك ومساءلة الحقائق عوض الاكتفاء بقبول الأفكار، ومحاولة والدخول في جدل وحوار حتى مع الفلاسفة أنفسهم؛
-دعم أفكاري بحجج واستدلالات لتحظى بموافقة عقل القارئ واقتناعه
– لإقحام ذاتي في الإنشاء عوض الاختباء وراء أقوال الفلاسفة وفقرات الملخص. لأن التفلسف يقتضي العودة إلى الذات. أضف إلى ذلك أن القضايا الفلسفية تهمني وتخاطبني في المقام الأول مثل الرغبة، الوعي، الحق، العنف، المجمتع..

ثانيا-صيغ الإنشاء وأنواعه
اعلم أنك مطالب في فروض المراقبة المستمرة وفي الامتحان الوطني بكتابة إنشاءات فلسفية تختلف في ما بينها من حيث موضوع الانطلاق. فهناك:
-صيغة النص للتحليل والمناقشة:إنشاء فلسفي نكتبه انطلاقا من نص يقترح علينا (حوالي عشرة أسطر) مذيلا بسؤال: حلل وناقش
-صيغة القولة المذيلة بسؤال: إنشاء فلسفي نكتبه انطلاقا من قولة (من سطر إل ثلاث أسطر) تقترح علينا مذيلة بسؤال مثل: حلل هذه القولة وبين قيمتها..
-صيغة السؤال الإشكالي المفتوح: إنشاء فلسفي نكتبه جوابا على سؤال مباشر يطرح علينا. مثلا: هل يمكن تبرير العنف؟

رغم اختلاف هذه الصيغ الثلاثة، فإن بينهما قواسم مشتركة يجدر بك أن تعرفها منذ البداية
القاسم المشترك الأول هو المقدمة. كيفما كان الموضوع الذي ننطلق منه، فلابد لإنشائنا من مقدمة تتضمن:
-تمهيدا، وظيفته إشعار القارئ بوجود مشكلة أو غموض أو مفارقة أو تناقض تستدعي طرح الإشكال
-طرح الإشكال من خلال سؤال أو مجموعة من الأسئلة المترابطة

القاسم المشترك الثاني هو الخاتمة أو التركيب. كيفما كان الموضوع الذي ننطلق منه، فلابد لإنشائنا من خاتمة نلخص فيها بإيجاز نتائج التفكير الذي قمنا به في العرض وكذا الخلاصة التي خرجنا بها بعد أن فكرنا في الموضوع وقلبناه من مختلف الأوجه.

إذا كانت الصيغ الثلاثة تخضع لنفس المقتضيات والمطالب فيما يتعلق بالمقدمة والخاتمة، فإنها تختلف فيما بينها عندما يتعلق الأمر بالعرض، وسنخصص حديثنا الآن لصيغة النص للتحليل والمناقشة، مركزين على العرض فحسب.

ثالثا-صيغة الإنشاء المكتوب انطلاقا من نص للتحليل والمناقشة.
يتكون العرض في هذه الحالة من تحليل ومناقشة.
التحليل: الهدف من التحليل هو فهم النص وتفسيره، و للتحليل عدة أشكال ويمكن أن ننظم تحليلنا بطرق مختلفة، المهم أن نبرهن أثناء التحليل على حسن فهمنا للنص وفي مايلي تنظيم مقترح للعرض:
-تحديد الأطروحة؛
-تتبع لحظات تشكل هذه الأطروحة داخل النص؛
-الإشارة في نفس الوقت إلى الأساليب الحجاجية لأن تشكل الأطروحة يتم طبعا ضمن كتابة حجاجية؛
-الوقوف كلما دعت الضرورة عند أهم مفاهيم النص والتوسع في دلالالتها. دلالتها السيفقية أو دلالتها العام بحسب ما يقتضيه المقام.
المناقشة: للمناقشة هدفان:
– تطوير أفكار النص و
– الحكم على قيمته أطروحته ودعواه.
ونقوم فيها بالعمليات التالية كلها أو بعضها:
أ-الحكم على قيمة أطروحة النص وأفكاره من حيث أهميتها ويسمى هذا التثمين. وفيها نسعى أيضا إلى تطوير أفكار النص وإظهار المعاني والنتائج والفوائد النظرية أو العملية المترتبة عن الأخذ بما جاء به صاحب النص..
ب-الحكم على قيمة أطروحة النص وأفكاره من حيث حدودها و ويسمى هذا بالنقد. كتناقضها مع الواقع أو إغفالها لجوانب عالجتها مواقف فلسفية أخرى…

رابعا-نموذج تطبيقي.
لمساعدتك على فهم واستيعاب التوجيهات السابقة، سنشتغل الآن على نموذج تطبيقي. وستلاحظ ان ما سنقوم به وما يسمى تحليلا ومناقشة للنص لايختلف كثيرا عما نقوم به في الفصل الدراسي عند اشتغالنا على النصوص
تأمل النص التالي:
“كل البشر، بمن فيهم البلهاء، قادرون على التأليف بين مفردات مختلفة، ليركبوا منها كلاما يجعلون به أفكارهم مفهومة. و على العكس من ذلك، فما من حيوان آخر مهما كان كاملا و مهما نشأ نشأة سعيدة، يستطيع أن يفعل ذلك. و هذا لا ينشأ عن نقص في الأعضاء، لأن المرء يرى و الببغاء تستطيع أن تنطق ببعض الكلمات مثلنا، ولكنها مع ذلك لا تستطيع أن تنطق مثلنا، أي (أن تنطق) نطقا يشهد بأنها تعي ما تقول، في حين أن الذين ولدوا صما و بكما، فحرموا الأعضاء التي يستخدمها غيرهم للكلام مثل حرمان الحيوان أو أشد، اعتادوا أن يستنبطوا من تلقاء أنفسهم بعض إشارات يتفاهمون بها مع من يجدون فرصة لتعلم لغتهم. و هذا لا يشهد أن للحيوان من العقل أقل مما للإنسان، بل يشهد بأنه ليس للحيوان عقل مطلقا. فإننا نشهد أن معرفة الكلام لا تحتاج إلا إلى قدر قليل جدا من العقل…. و لا ينبغي أن يخلط بين الكلام و بين الحركات الطبيعية التي تعبر عن الانفعالات، و يمكن أن تجيد تقليدها الآلات كما تقلدها الحيوانات”. حلل وناقش

قبل أن نحرر موضوعنا في صيغته النهائية على شكل مقدم-عرض خاتمة، لابد من إنجاز بعض العمليات التمهيدية في مرحلة المسودة. وقبل المسودة، لابد من قراءة متأنية ومتكررة للنص من أجل فهم وتمثل أفكاره واسنتتاج أطروحته واستدعاء مكتسباتنا المعرفية التي لها علاقة بموضوع النص او إشكاليته..
وهذا مثال:
1-العمل التحضيري في المسودة:

يتبع ..

ودمتم محبين للحكمة :warda:

Facebooktwitterredditmailby feather

منهجية السؤال المفتوح من خلال أربع مذكرات وزارية متتالية

منهجية السؤال المفتوح من خلال أربع مذكرات وزارية متتالية

من أين يستنبط ويستقي مدرسو الفلسفة قواعد المنهجية التي يلقنونها لتلامذتهم؟
بوصفهم موظفين، فهم ملزمون بتطبيق مقتضيات المذكرات الوزارية التي يتوصلون بها من حين لآخر.
وطبعا فالمدرس لا يُمْلي على تلامذته فحوى المذكرة حرفيا، وإن كان بعضهم يفعل !! بل يقوم بترجمة هذه المقتضيات إلى منهجيات أكثر دقة وتفصيلا مستلهما في ذلك روح التفكير الفلسفي، لنقل أنهم يتصرفون هنا لا كمدرسين/موظفين بل بوصفهم مدرسين لمادة خاصة إسمها الفلسفة

لذلك، أقترح عليكم اليوم قراءة في منهجية السؤال المفتوح كما وردت في أربع مذكرات وزارية متتالية وهي:
-المذكرة رقم 127 بتاريخ 26/09/1996
-المذكرة رقم 186-04 بتاريخ 13/10/2001
-المذكرة رقم 142-04 بتاريخ 16/10/2007
-المذكرة 159 بتاريخ27/12/2007 أو مذكرة الأطر المرجعية (وهي آخر مذكرة لحد الآن)

يتضح من لائحة هذه المذكرات، أن طرح “أسئلة مفتوحة” على التلاميذ في التقاليد المدرسية المغربية ليس وليد اليوم، لعله نمط من أنماط الاختبار ، قديم قدم الفلسفة كمادة دراسية. ولكن نظرا للتغير الجذري الذي عرفته بنية البرنامج الدراسي من حيث الاختيارات البيداغوجية والتي ترجمت في تغير جذري مس المحتويات المعرفية منذ 1996 ، فقد اقتصرت -كما لاحظتم- على تتبع منهجية السؤال المفتوح في المذكرات الوزارية منذ هذا التاريخ الأخير

ستلاحظون يا رفاقي أنه لا توجد مذكرة تتحدث عن أطروحة متضمنة في السؤال ! إنها تتحدث إما عن مضامين أو عن رهان، ، باستثناء المذكرة الأخيرة التي تتحدث عن أطروحة متضمنة احتمالا في الموضوع. لاحظوا كلمة “احتمالا”، وهي تعبير حذر وصائب ! لأن بعض أدوات الاستفهام مثل “لماذا”، تجعل السؤال متضمنا بالفعل لأطروحة أو مسلمة، يُسأل عن علتها. فليت شعري، كيف استنبط رفاقي أن السؤال متضمن لأطروحة (مثلا: هل هناك طريقة واحدة لبلوغ الحقيقة؟) أو أطروحتين متضادتين (مثلا: أيهما يحكم الآخر، النظرية أم التجربة؟)، ونسبوا كل هذه الأطروحات لواضع السؤال؟ رغم أنها إما أجوبة ومواقف يدلي بها ويبنيها المجيب/التلميذ في الحالة الأولى، أو احتمالات وإمكانيات يفحصها في الحالة الثانية !!
نسبوا إلى السؤال مضمونا، وتناسوا العبارة الرشيقة الشهيرة لجرانفيل: “يفترض السؤال الفلسفي شكا مسبقا في الجواب باعتباره معرفة (…) إن السؤال الفلسفي يفترض في الواقع أن المعرفة مستحيلة أو على الأقل أن هناك معرفة مزعومة، معرفة ليست في الواقع معرفة” (كتاب الفلسفة- المملكة المغربية -طبعة 1995)
(هناك إشكالية عويصة لاينبغي إهمالها أو تحويلها إلى مسلمة ألا وهي: “هل سؤال امتحان الفلسفة سؤال فلسفي فقط لأنه مطروح في مادة الفلسفة، أم أن نوعية المعالجة والتحليل والمساءلة التي سيقوم بها المجيب/التلميذ هي ما يجعله كذلك أي سؤالا فلسفيا؟” سأناقش ذلك في فرصة أخرى)

المذكرة رقم 127 بتاريخ 26/09/1996
نقرأ في الصفحة 11:
إن التعبير عن السؤال المفتوح (أو الحر) يكون دائما تعبيرا خاصا، ولهذا الاعتبار لا يمكن الحديث عن صيغة موحدة، ومن ثم عن طريقة نمطية للمعالجة، بل إن الأمر يستلزم:
-قبل الإجابة على السؤال، تحليل السؤال نفسه للوقوف على ما يرومه وما ويوجد وراءه من خلفيات وأسس وما يحيل عليه من إشكالية ويلزم باستحضاره وإقصاءه أثناء المعالجة
-يكون على التلميذ أن يكشف رهانات السؤال بوسائله الخاصة
-أن يستجيب لمجموعة الشروط والمواصفات التي تمليها ضوابط الكتابة الإنشائية الفلسفية
– وينتظر من التلميذ أن يوظف مكتسباته المعرفية والمنهجية ليعبر من خلالها عن تفكيره الحر وعن قدرته على استكشاف المضامين الكامنة في السؤال، وعن توظيفه لتقنيات المساءلة
لاحظوا معي أنه لا حديث عن أية أطروحة أبدا، وقد جاءت هذه المذكرة- في نظري- أكثر وفاءا لروح التفلسف بدليل أنها اعترفت بالطابع الخاص المتعدد لصيغ الأسئلة وبالطابع المتعدد لإمكانيات المعالجة كما أكدت على ضرورة الوقوف عند مفاهيم السؤال والتي من شأنها أن تساعدنا على:
-تحديد الإشكال أو بالأحرى إعادة صياغته
-الكشف عن خلفيات وأسس السؤال
-تحديد ما يلزم استحضاره وإقصاؤه من ركام المعلومات والمعارف والمواقف الفلسفية التي اكتسبناها
لاحظوا كيف أنها تتحدث في الفقرة الأخيرة عن مضامين (وليس عن أطروحات) كامنة في السؤال ينبغي استكشافها !

المذكرة رقم 186-04 بتاريخ 13/10/2001

نقرأ في الصفحة 7 :

إن التعبير عن السؤال المفتوح (أو الحر) يكون دائما تعبيرا خاصا، ولهذا الاعتبار لا يمكن الحديث عن صيغة موحدة، ومن ثم عن طريقة نمطية للمعالجة، بل إن الأمر يستلزم:
-قبل الإجابة على السؤال، تحليل السؤال نفسه للوقوف على ما يرومه وما ويوجد وراءه من خلفيات وأسس وما يحيل عليه من إشكالية ويلزم باستحضاره واقصاءه أثناء المعالجة
-يكون على التلميذ أن يكشف رهانات السؤال بوسائله الخاصة
-أن يستجيب لمجموعة الشروط والمواصفات التي تمليها ضوابط الكتابة الإنشائية الفلسفية

لاحظوا كيف أن هذه المذكرة مجرد استنساخ للأولى، لكن بعد حذف الفقرة الأخيرة التي يرد فيها الحديث عن مضامين كامنة في السؤال يتعين على التلميذ استكشافها
لماذا هذا الحذف؟ هل تغير محرر المذكرة، أم أن المحرر الأول راجع نفسه؟ هل جاء الحذف نتيجة جدل داخل لجنة صياغة المذكرة !!؟
أمر الآن إلى المذكرة التي تلتها:

المذكرة رقم 142-04 بتاريخ 16/10/2007
في هذه المذكرة ستنضاف عبارة “إشكالي” إلى عبارة “مفتوح” ليصبح سؤالنا سؤالا إشكاليا مفتوحا !
نقرأ في الصفحة 7:

يجب أن يننصب عمل التلميذ، في هذه الصيغة على كتابة إنشاء فلسفي متكامل، بيين فيه فهمه للسؤال المطروح في علاقته بالبرنامج المقرر (4 نقط)، وتحليل عناصر الإشكال بارتباط مع المعرفة التي تقتضيها المعالجة (5 نقط)، ومناقشة الإشكال على ضوء الأطروحات والأفكار التي يراهن عليها السؤال المطروح (5 نقط) كما يتعين عليه صياغة تركيب لعناصر التحليل والمناقشة (3 نقط) واستيفاء الجوانب الشكلية في الكتابة الإنشائية: الأسلوبية واللغوية ( 3 نقط)

لقد ظهرت لأول مرة ما يسمى بــ فهم السؤال في علاقته بالبرنامج المقرر وخصصت لهم أربع نقط!! وهذاما ترجمه بعض أساتذة الفلسفة في ضرورة تضمن المقدمة لعبارة من قبيل: يندرج هذا السؤال ضمن درس (وفي ما بعد، مجزوءة) كذا وبالضبط في محور أو إشكالية كذا… فما هي..إلخ
كما ستظهر لأول مرة كلمة أطروحة بصيغة الجمع (أطروحات) بوصفها ما يراهن عليه السؤال، فأصبح للسؤال إذن أطروحات يراهن عليها! وهذا أمر مقبول رغم ذلك: خصوصا وأن مفهوم الرهان يعني ما نربحه أو نخسره إذا قبلنا أمرا ما أو رفضناه، أي نتائج اختياراتنا البدئية. وعليه فالسؤال يدفعنا للمراهنة على بعض الأطروحات وبحث ما يترتب عن كل مراهنة من نتائج…

المذكرة 159 بتاريخ27/12/2007 أو مذكرة الأطر المرجعية
جاءت هذه المذكرة لتضع كما يشير عنوانها إطارا مرجعيا تعاقديا يحد من احتمالات الفوضى التي قد يحلقها تعدد الكتب المدرسية (وكأن الأستاذ لاينبي درسه بغير الكتاب!)، ولأنها إطار مرجعي، فقد حددت في البداية – وهذا أمر مستحدث- مواصفات السؤال نفسه، كما حوت جدولا بحسب المكونات المفترضة للموضوع الإنشائي

مواصفات السؤال الإشكالي المفتوح:
إن التعبير عن السؤال الإشكالي المفتوح لا يتخذ صيغة نمطية واحدة، وينبغي أن يتصف السؤال الإشكالي بالوضوح والدقة، وأن يحيل على مجال إشكالي لمفهوم واحد أو أكثر، كما يمكن أن يحيل على المجال الإشكالي لمجزوءة واحدة أو أكثر.

الفهم ( 04 نقط)
إدراك موضوع السؤال وترابطاته؛
إبراز عناصر الإشكال.

التحليل (05نقط)
إعادة صياغة الإشكال وتحليل أسئلته الأساسية؛
توظيف المعرفة الفلسفية الملائمة لمعالجة الإشكال؛
البناء الحجاجي والمنطقي للمضامين الفلسفية.
المناقشة: (05نقط)
مناقشة الأطروحة المتضمنة احتمالا في الموضوع؛
طرح إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال..

التركيب: (03نقط)
استخلاص نتائج التحليل و المناقشة؛
إبراز المجهود الشخصي للتلميذ.

الجوانب الشكلية: (03نقط)
اللغة والأسلوب ووضوح الخط.

مع هذه المذكرة، انتقلنا من الحديث عن “أطروحات يراهن عليها السؤال” إلى الحديث عن ” أطروحة متضمنة احتمالا في الموضوع”!
وهكذا فقد انتقلنا من الجمع (أطروحات) إلى المفرد (أطروحة)، كما انتقلنا من “السؤال” وما يراهن عليه، إلى “الموضوع” وما يتضمنه !
فهل المقصود بالموضوع هو السؤال !!؟ أم المقصود بالموضوع هو موضوع السؤال كالنظرية أو العنف أو التاريخ !؟ أم أن الموضوع هو ما سبق للمترشح ان “وضعه” في مرحلة التحليل !!؟
وبعد كل هذا تطالب المذكرة، بطرح “إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال”. والسؤال هو: إذا كانت “أخرى”، فما هو هذا الشيء الذي ستكون الإمكانيات الإضافية آخر بالنسبة إليه!؟
فلو كان السؤال هو: ” أيهما يحكم الآخر، النظرية أم التجربة؟”
فهل ستكون الإمكانية الأولى هي: النظرية تحكم التجربة،
والثانية : التجربة تحكم النظرية،
والأخرى: لا أحد يحكم الآخر! أو أن المشكل مطروح بشكل مغلوط وأن السؤال زائف؟ أو أنهما متظافران..إلخ

تلك هي المذكرات الأربع عرضت عليكم مضامينها وفحواها، وقد يتساءل البعض: وما الفائدة من استعراض فحوى مذكرات انتهى مفعولها ونسختها مذكرة جديدة ينبغي أن يؤخد بمقتضياتها ,هي المذكرة الأخيرة رقم 159 أو مايسمى مذكرة الأطر المرجعية !؟
اعتراض وجيه جزئيا ! ولكن هل يتناسى مدرس الفلسفة أن حقيقة الشيء -إن كانت له حقيقة- لاينفصل عن تاريخه وصيرورته؟! إذا كانت كل مذكرة تنسخ أخرى، فهل يعني ذلك أنها تخطئها وتسفّه ما حوته؟ ألا يعني ذلك أننا كنا نلقن التلاميذ الأخطاء ساعتها !؟
إن حجة النسخ إذن ضعيفة واهية. ألا يمكن -على العكس من ذلك-ان نرى في التغيرات التي شهدها تصورات اللجنة المركزية المصدرة والمحررة للمذكرات على امتداد أكثر من عقد من الزمان، شاهدا على مدى التخبط والضبابية الذي تشهدها المنهجية في مادة الفلسفة مقارنة مع مواد دراسية أخرى !؟ هذا التخبط الذي يعود في نظري إلى تجنبنا المستمر لفتح نقاش عميق حول المبررات والأسس الفلسفية لهذه المنهجية أو تلك ومدى قدرتها أو عجزها -في حالة تطبيقها من قبل التلميذ- على إنتاج إنشاءات فلسفية جيدة أو مقبولة…
أتمنى أن يكون هذا العمل مساهمة في تنظيم والحد من فوضى المنهجية الذي تعرفه ماة الفلسفة والذي ينعكس سلبا على التلميذ أثناء عملية التقويم

Facebooktwitterredditmailby feather

الكتابة الإنشائية لتلامذتنا في الامتحان الوطني: العود الأبدي لنفس الأخطاء ! !

الكتابة الإنشائية لتلامذتنا في الامتحان الوطني: العود الأبدي لنفس الأخطاء ! !

مالذي يمنع التلميذ من التفكير الفلسفي يوم الامتحان: الجهل أم الرعب أم الكسل المعرفي؟؟

أقدم بين أيديكم زملائي المدرسين أعزائي التلاميذ لائحة غير حصرية بالأخطاء التي ألفتها لكثرة ما صادفتها في كتابات التلاميذ!!! والتي يمكن تجاوزها بالقليل من التركيز وإعمال العقل عوض الاستسلام لرد فعل الفزع والاحتماء وراء الأمان الموهوم للملخص المكدس في الذهن أو في… الجيب!!ء

الهفوة الأولى
الإهمال التام للنص أو السؤال أو القولة والاحتماء وراء الأمان الموهوم للملخص:

في امتحان هذه السنة – كما في سابقاتها- لم تدم علاقة بعض المترشحين بورقة أسئلة الإمتحان – فيما يبدو – سوى بضع لحظات، اعتبرت كافية لتخمين “الدرس” أو “المحور” المقصود، ثم نحيت جانبا!!! وهكذا استنتج من اختار السؤال الأول أنه يدور حول علاقة الحقيقة بالواقع وبما ان هناك محورا في الملخص يحمل عنوانا مماثلا،فقد هرع إليه مستظهرا إياه دون ان يكلف نفسه من حين لآخر عناء الإحالة على السؤال سواء في الخلاصات المرحلية في آخر كل فقرة أو عند الخلاصة النهائية في آخر الموضوع
لم أقرأ ورقة التقط صاحبها أنفاسه في منتصف العرض ليقول : يتين مما سبق أن الحقيقي هو الواقعي ولكن… أو يقول فبي الختام: إنطلاقا من مجموع المواقف التي أتينا على ذكرها بشأن علاقة الحقيقي بالواقعي ومنزلة الواقع نخلص غلى أن..
أما من اختار النص فقد استخلص منه سريعا أنه يناقش موضوع الشخصية ، العوامل المساهمة في بنائها أو دور الشخص في بناء شخصيته ثم هرع إلى محور في الملخص يحمل عنوانا مشابها وانطلق لا يلوي على شيء حتى أدرك نهاية الموضوع…
وكان النص لايضيف إلى معرفتنا أي جديد! وكأن النص لايتضمن إشكالية أصيلة ربما لم تطرق في الملخص بشكل مقصود وهي” وحدة او تعدد الشخصية” وكأن النص لا يثير الانتباه إلى ” البعد الزمني للشخصية” وكيف أن الشخصية هي إمكانيات أو مشروع يعاش في المستقبل أكثر مما يعاش في الحاضر… وكأن النص لا ينتقد ضمنيا مقاربة العلوم الإنسانية التي تتناول الشخصية في بعدها الحاضر مثلما يتناول العلم الطبيعي موضوعاته، وكأن النص لا يتضمن مثالا عن الطالب الذي هو أنا!!! والذي و إن كان تلميذا اليوم أي في الحاضر، لكن مايفعله وهو يجتاز الامتحان الآن يلغي حقيقته كتلميذ لأنه لا يتصرف بوحي من وضعية التلمذة بل بوحي من الامكانيات المستقبلية التي يضعها نصب عينيه وكأن وكأن…
هذه كلها معطيات غنية وجديدة، أنا نفسي كمصحح أستكشفها لأول مرة في النص ، مركبة ومصاغة على هذا النحو..!! وكأني بالمترشح يخاطب النص قائلا: اخرس مكانك أيها النص المراوغ! ألا تتحدث عن الشخصية ؟ طيب، لدي الكثير في ملخصي مما أقوله عنها…بحيث يغنيني عنك !!
وكأني بالمترشح يختزل النص إلى سؤال مباشر مفاده: ” استعرض ما تعرفه عن الشخصية أو عن دور الشخص في بناء شخصيته؟!!!ء

الهفوة الثانية:
مقدمة جاهزة مسبقا: المقدمة الصالحة لجميع المواضيع لاتصلح في الواقع لأي موضوع!!

هي تلك المقدمات التي تشبه المفاتيح التي تفتح كل الأبواب pass-partout وكأن المقدمة تنتمي إلى فئة الملابس الجاهزة. وكأنها معدة قبليا ولايوحي بها النص أو السؤال بعديا، وكأنني عندما أقصد أحدهم لأقترض منه بعض المال، أقصده مسلحا بمقدمة جاهزة، عوض أن استوحي المقدمة من سياق الحديث الذي لايمكنني التنبؤ به قبليا!!ء مقدمات مثل هذه تتكرر بشكل يدعو إلى الملل بل و ” تنوم” يقظة المصحح واهتمامه بالموضوع: ” أثار موضوع …كذا وكذا… جدلا واسعا بين الفلاسفة الذين تناوله كل واحد منهم من وجهة نظره الخاصة، ترى ما هي…؟…”
للمقدمة غاية عملية وظيفية لا زخرفية: هي التمهيد للموضوع وابراز أهميته أو إثارة بعض الالتباسات أو المفارقات لتبرير طرحنا للأسئلة التي نصوغها في آخر هذه المقدمة نفسها

الهفوة الثالثة:
التغييب التام للواقع والأمثلة الحية

هل سقط المترشحون ضحية التمثل المشترك الذي يتهم الفلسفة بكونها فكرا مجردا يحلق في سماء النظريات بعيدا عن هموم الناس الحياتية؟ هذا ما ألمسه باستمرار: لا أحد من المترشحين تقريبا غامر إلقاء نظرة من نافذة قاعة الامتحان، فيضرب أمثلة من الواقع! ، لاأحد تقريبا يغامر بفتح نافذة عالمه الداخلي لكي يمزج جفاف الفكر المجرد بطراوة التجربة الذاتية الحية!!ء التي لا يعادلها في حجيتها أحيانا أي برهان أو استدلال منطقي ولا يكافئها في قوتها أي اشتشهاد من أي كتاب كما نرى عند برغسون او الفينومنلوجيين
في جوابهم على سؤال: ” هل الحقيقي هو الواقعي؟” لم يخطر ببال المترشح ذكر القاضي الذي يحث الشاهد على قول الحقيقة أي وصف الواقع كما عاينه فعلا!! لم يخطر ببالهم أيضا السراب وباقي أشكال الوهم التي وإن كانت تتمتع بكل صفات الواقعي من وجهة نظر الانطباعات الحسية الذاتية او من وجهة نظر الرغبة إلا أنها ليست حقيقية مع ذلك ولم يخطر ببالهم … ولم يخطر ببالهم…ْ

الهفوة الرابعة:
استعادة “ببغاوية” ركيكية لجمل النص

وهي أهون الهفوات: يقع فيها بعض المترشحين الذين نحمد لهم وعيهم فعلا ضرورة الاشتغال على النص ولكنهم لسبب او لآخر يعجزون عن إنتاج أي قيمة مضافة أثناء حوارهم مع النص، أقصد انهم يستعيدون جمل النص مع بعض التحوير الركيك في العبارة أحيانا؛ وعند الفراغ من هذا الواجب الإلزامي الثقيل، تطل فقرات الملخص واحدة بعد أخرة دون أي جسور أو وشائج مع ما قيل من قبل. بحيث يصبح القارئ أمام جزئين منفصلين تمام الإنفصال، لكل منهما حياته الخاصة!! بحيث يمكن حذف أحدهما او قراءته منفردا دون حرج
لقد اكتفيت بالوصف في عرضي لهذه الهفوات، أما تشخيص الأسباب واستشراف الحلول فذاك موضوع آخر سيأتي مجال تفصيله مستقلا
هذه أهم الهفوات التي استطاع نظري المتواضع ان يرصدها أضعها بين يدي زملائي للتعليق عليها أو غلإضافة إليها ولكني بالدرجة الأولى أضعها بين يديكم أعزائي المتعلمين لتجاوزها

Facebooktwitterredditmailby feather

إنشاء فلسفي من إنجاز تلميذة لتحليل ومناقشة نص مع ملاحظات “المصحح”

إنشاء فلسفي من إنجاز تلميذة لتحليل ومناقشة نص مع ملاحظات "المصحح"

أقدم لكم في مايلي إنشاءا فلسفيا من إنجاز تلميذة يدرّسها صديقي وزميلي الأستاذ الشبة محمد، كان قد عرض إنشاء هذه التلميذة في منتدى الحجاج ، وبادرت بالتعليق عليه وإبداء بعض الملاحظات
وحيث ان ملاحظاتي لم تتوقف عند مجرد إصدار أحكام بشأن قيمة إنشاء التلميذة، بل تضمنت في الحقيقة تصوري المفصل لممقتضيات الإنشاء الفلسفي والمعايير التي أعتمدها في تصحيح إنجازات المتعلمين وتنقيطها، فقد ارتأيت نشرها هنا على موقعي الشخصي تعميما للفائدة
وغني عن البيان أننا أحوج ما نكون إلى أن ننشر على الملأ تفاصيل هذه العملية الغامضة المسماة تصحيحا، بحيث يخرج المصحح من عزلته الأنطلوجية ليقاسم الغير /المصحح الآخر تجربته، خصوصا وأن التصحيح في مادة الفلسفة يشكل مصدر قلق التلاميذ واوليائهم.. فحري بنا إذن أن ننشر تفاصيل هذه العملية "الخيمائية" العجيبة كما نمارسها، ونناقش بعضنا البعض في وجاهة طريقة التصحيح والتقويم المتبعة، وبدون هذا النشر وبدون ذلك النقاش ستظل قواعد الإنشاء الفلسفي ومعايير التصحيح عرضة للذاتية بل ولــ "السيبة" حيث كل واحد يغني على ليلاه..
أتمنى أن يجد التلاميذ في تفوق هذه التلميذة وفي أخطائها عبرة يستخلصونها، وأن يجد زملائي في ملاحظاتي مادة يستلهمونها أو ينتقدونها (الأمران سيّان) ولمن شاء الانخراط في النقاش، هاهو عنوان الموضوع في منتدى الحجاج: اضغط هنــــــــــا

إليكم الآن النص:

« إننا نكن الاحترام للأشخاص فقط ، وليس للأشياء. فالأشياء قد تثير فينا الميل نحوها بل الحب إن تعلق الأمر بالحيوانات (مثل الخيل والكلاب وغيرها)، كما قد تثير فينا الخوف كما هو الحال حيال البحر أو بركان أو حيوان مفترس، لكنها لا تثير فينا الاحترام أبدا. وهناك أمر يقترب كثيرا من الشعور بالاحترام وهو الإعجاب، والإعجاب بوصفه انفعالا أي دهشة قد يحمل أيضا للأشياء، من قبيل الجبال الشامخة أو الأشياء العظيمة أو الكثيرة أو المسافات الهائلة التي تفصلنا عن الأجرام السماوية أو قوة وسرعة بعض الحيوانات…الخ، إلا أن كل هذه الأشياء ليست من الاحترام في شيء.
وقد يكون فرد ما موضوع حب أو خوف أو إعجاب قد يبلغ حد الدهشة، إلا أنه قد لا يكون مع ذلك موضوع احترام، فمزاجه المداعب أو شجاعته وقوته ومكانته بين غيره من الناس، قد تجعلني أشعر بعواطف من قبيل الحب والخوف والإعجاب. إلا أن ما يظل غائبا هنا هو الاحترام الذي أكنه له. يقول أحد المفكرين: " أنحني أمام سيد كبير، إلا أن عقلي لا ينحني"، وأنا أضيف: " إن عقلي ينحني أمام إنسان ينتمي إلى طبقة دنيا، أجد فيه استقامة الطبع تبلغ حدا لا أجده في نفسي، وعقلي ينحني له سواء سواء أردت أو كرهت.»

حلل وناقش

• إجابة التلميذة:وقد قمت بترقيم فقرات إنشائها تسهيلا للإحالة عليها عند إبداء ملاحظاتي

[1] في حياتنا اليومية العادية نصادف ونتعرف على أشكال مجتمعية وفكرية مختلفة من الناس، فرغم تباين معتقداتهم وأعراقهم ومكانتهم يتساوون في كونهم أناس. فهل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ وهل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟ وهل أفعالنا وأفكارنا تتطابق مع بعضها البعض في علاقتها مع الآخر أم لكل منهما عمل منعزل عن الآخر ؟
إن صاحب النص ينطلق من فكرة رئيسية وهي كون الاحترام مخصص للأشخاص فقط. فماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
هذا ما سنبرزه من خلال تحليلنا للنص الذي بين أيدينا.
[2] إن ميلنا للأشياء وحبنا لها أو الخوف منها، كالحيوانات الأليفة أو المناظر الطبيعية، لا يحتم علينا احترامها في نظر صاحب النص. وقد رأى أن للاحترام رفيقا وهو الإعجاب، ورغم ذلك فإن هذا لا يعني أن كل ما نعجب به نحترمه، لأن الإعجاب ناتج عن انفعال ودهشة أما الاحترام فهو قيمة أخلاقية نابعة من الهبة في النفس. وقد ميز صاحب النص بين صنفين من الأشخاص؛ الصنف الأول ليس له في الاحترام شيئا أما الصنف الثاني فهو جدير بالاحترام.
[3] إن الصنف الأول يكون في فرد ذي مكانة اجتماعية – كأحد الملوك أو المشاهير في عصرنا الحالي – أو ذي مزاج مداعب وشجاعة وقوة، فهذا الشخص يلقى منا الحب والإقبال عليه بإعجاب ودهشة، غير أنه يبقى بعيدا عن الاحترام إذ يمكن لنا انتقاده واستبداله في أي وقت.
[4] أما الصنف الآخر، قد لا يكون بارزا داخل المجتمع ولا معروفا بين الناس لا بمكانته ولا بشخصيته لكن مع ذلك ينال منا كل أشكال الاحترام والتقدير، لأننا نجد فيه استقامة في الطبع لا نجدها في أنفسنا، كما جاء ذكره في النص على لسان أحد المفكرين الذي عزز به صاحب النص أفكاره ولخصها في هذه القولة: « إن عقلي ينحني أمام إنسان ينتمي إلى طبقة دنيا أجد فيه استقامة الطبع تبلغ حدا لا أجده في نفسي، وعقلي ينحني له سواء أردت أو كرهت ».
[5] من خلال تحليل النص نرى أن صاحبه يبرز لنا قيمة الشخص الجديرة بالاحترام، فهو يميز الشخص عن باقي الأشياء لأن الأشياء قد تكون محط إعجابنا كسيارة اشتريتها أو قطة أمتلكها، لكن قيمتها تقدر بثمن ويمكننا بيعها أو التخلص منها في أي وقت واستبدالها. لكن قيمة الإنسان تبقى ثابتة لا تقدر بثمن وهي التي تمنحه الاحترام والتقدير بغض النظر عن المكانة والشخصية. ومن هنا نرى كانط يتفق مع ما جاء به صاحب النص، فهو أيضا يرى أن قيمة الشخص لا تقدر بثمن عكس الأشياء، فهو يربط قيمة الشخص بالذات الأخلاقية أو ما سماه العقل الأخلاقي العملي. فبهذا المفهوم حثنا كانط على عدم النظر إلى الشخص كمجرد شيء يباع ويشترى في الأسواق، بل يجب تغيير نظرنا إليه لأنه ذات تملك عقلا أخلاقيا يستحق الاحترام، وعلى هذا الشخص أن يجعل لنفسه هبة وكرامة يميز بها نفسه عن غيره، فتنحني له العقول سواء أرادت أو كرهت.
[6] ولكن نرى اختلافا بسيطا بين كانط وصاحب النص يتمثل في كون صاحب النص صنف الفرد حسب ما يكنه له الآخرون، أما كانط فتكلم على أن كل من يملك عقلا واعيا أخلاقيا يجب أن يلقى الاحترام. وهذا ما جعل طوم ريغان يعيب النقص الذي جاء به كانط وذلك بإقصائه لفئات اجتماعية أخرى، وقد أعطى أمثلة: كالبويضة المخصبة والمواليد بدون دماغ والمجانين …الخ. فجاء طوم ريغان بمعيار بديل يحدد قيمة الشخص وهو ما سماه " الذات التي تستشعر حياتها".ويمكن أن أستخلص ما يعنيه في هذه العبارة في كون أن هذه الذات تمتلك وعيا مرتبطا بالزمان والمكان تستشعر به الحياة وتتطلع إلى المستقبل. فالأشخاص الغائبون عن الوعي لا يزالون متمسكين بالحياة ويتطلعون إلى مستقبل أفضل ويسترجعون الماضي. فهل هذه الفئة غير جديرة بالاحترام ؟
[7] من خلال هذا السؤال يتبين لنا نقص ما جاء به كانط ، وبهذا يجعلنا نتطلع إلى البديل الذي جاء به طوم ريغان. لكن هذا الأخير اعترف أن ما جاء به يعاني أيضا من نقص الشمولية لأنه أيضا يقصي بعض الفئات الاجتماعية، ويبقى لنا المجال مفتوحا للبحث عن بديل آخر.
[8] ومن ناحية أخرى نجد بعض الفلسفات تربط قيمة الشخص بمدى الدور الإيجابي الذي يقوم به في المجتمع، حيث نجد مثلا الفيلسوف غوسدورف يحدد قيمة الشخص في مدى تأثيره في المجتمع إذ عليه أن ينفتح على الكون وعلى الغير، وهو لا يوجد ولا يكتمل إلا بالمشاركة والتضامن والأخذ والعطاء. وفي نفس السياق ذهب راولز إلى أن قيمة الشخص تتحدد في علاقته مع الآخرين وبالتزامه بالغايات القصوى لتحقيق العدالة ونشر المبادئ المميزة لها.
[9] هكذا يربط كل من غوسدورف وراولز قيمة الشخص باندماجه في المجتمع وطبيعة علاقته بالآخرين، وهذا يجعل قيمة الشخص نسبية وعلائقية. اما كانط وطوم ريغان فهما يتحدثان عن قيمة مطلقة يمتلكها الشخص بغض النظر عن طبيعة علاقته بالآخرين.
[10] من هنا يبدو أن إشكال قيمة الشخص أثار العديد من النقاشات التي تعددت بشأنها الآراء والتصورات، لكن يبقى أكيد أن الإنسان كشخص يمتلك قيمة عليه أن يزكيها ويحافظ عليها وهي لا تخرج في نظري عن المقومات الأساسية لهوية الشخص كالإرادة والوعي والأخلاق والمسؤولية والحرية، إذ كيف يمكن أن نتحدث مثلا عن قيمة لإنسان ما لا يمتلك حريته أو لا يلتزم بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟؟

انتهى موضوع التلميذة.

• ملاحظاتي كــ "مصحح"

وسأحاول فيما يلي أن أبسط مكامن القوة في موضوع التلميذة وأظهرها أشد ما يكون الاظهار حتى تنجلي واضحة ليستلهمها تلامذتنا الآخرون، ووسأشفع كل تعليق بالتنبيه إلى بعض أوجه القصور التي هي نصيب كل عمل بشري مندرج في إطار التعلم، أملا في أن تتجاوزها هذه التلميذة مستقبلا وأن يتفطن إليه غيرها فلايقع فيها.

بصفة عامة:
تمتلك التلميذة كفايات لغوية وبلاغية لافتة للأنظار، فلغتها سليمة نحويا وتركيبيا إلا فيما نذر، وقد تجلت هذه الكفاية في سلاسة العبارة، وفي المرونة التي انتقلت بواسطتها بين الجمل والفقرات، وكذا في غياب التكرار..
كذلك يتسم موضوعها بالتنامي وبوجود خيط ناظم عصم الموضوع من التشتت والتيه والدوران ليس في حلقة بل في حلقات مفرغة..

بالنسبة للطرح الإشكالي/المقدمة/الفهم:
نأت هذه التلميذة عن تلك المقدمات المكرورة البئيسة (بندرج النص ضمن.. أو أثار مفهوم كذا جدلا..)، كتبت التلميذة:

 

في حياتنا اليومية العادية نصادف ونتعرف على أشكال مجتمعية وفكرية مختلفة من الناس، فرغم تباين معتقداتهم وأعراقهم ومكانتهم يتساوون في كونهم أناس. فهل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ وهل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟ وهل أفعالنا وأفكارنا تتطابق مع بعضها البعض في علاقتها مع الآخر أم لكل منهما عمل منعزل عن الآخر ؟
إن صاحب النص ينطلق من فكرة رئيسية وهي كون الاحترام مخصص للأشخاص فقط. فماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
هذا ما سنبرزه من خلال تحليلنا للنص الذي بين أيدينا.

– لقد انطلقت أولا من الواقع، لأن الموضوع يتيح هذه الإمكانية، وليس هناك أفضل من بدء التفلسف انطلاقا من الواقع
– اجتهدت في خلق تقابل وتوتر مشرعن لطرح الإشكال وهو التقابل بين: تمايز وتباين صفات الناس ومراتبهم ومقاماتهم، وبين واجب الاحترام الذي يفترض أن يشملهم دون تمييز !
يظهر التوتر جيدا من الناحية اللغوية في استعمالها لكلمة : "فرغم"
طرحت التلميذة الأسئلة التالية:
-هل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ و
– هل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟
– ماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
الجميل في هذه الأسئلة أنها أسئلة النص لا أسئلة الملخص ! وهذا أمر محمود، لأن أغلب التلاميذ يعتقدون ان أسئلة الملخص هي نفسها أسئلة النص، فيفرضون على النص أسئلة الملخص، أو لنقل إنم يطمسون إشكالات النص تحت ركام إشكالات الملخص.. متناسين أن علينا أن نطرح بالضبط الأسئلة المفترض أن النص يجيب عليها، وأن تحليلنا للنص يمثل بسطا لهذه الإجابة قبل محاكمتها في لحظة المناقشة..
ولا يراودني أدنى شك في أن إفلات التلميذة من هذا المنزلق البنيوي الخطير، ونجاحها في طرح أسئلة-النص عوض أسئلة-الملخص يعود إلى سلامة المنهجية التي لقنت لها، أي إلى مجهودات مدرسها !!
بيد أن السؤال المطروح في منتصف المقدمة، كان أقل توفيقا من إخوته! وقد عمدتُ إلى كتابته بلون أحمر ! جاءت صياغة السؤال غامضة، ولم توَفق التلميذة في التعبير. صحيح أنني حدست مرادها، لكن لا أنصحها بالمراهنة على قدرة المصحح على فهم مقاصد الغير!!

بالنسبة للتحليل:
لابد أولا من ملحوظة: يطلب منا كمصححين أن ننقط التحليل من 0 إلى 5 وكذلك المناقشة، ولكن كيف يعرف المصحح نهاية التحليل وبداية المناقشة !؟ يعلم كل مصحح أنه يقوم بعمل "اعتباطي" إلى حد ما وهو رسم خط وهمي يفصل بين التحليل والمناقشة داخل مايسمى بالعرض (مادام التلميذ لا يقول هذا تحليل وهذه مناقشة !)
شخصيا، ومن أجل تقويم منصف، سأعتبر الفقرات: 2، 3، 4 و 5 في موضوع التلميذة بمثابة تحليل! أما احتساب الفقرة 5 كمناقشة فسيقزم التحليل لصالح المناقشة!. صحيح أنها استدعت في الفقرة الخامسة بعض مكتسباتها المعرفية حول كانط، بيد أنها إنما فعلت ذلك في معرض تحليل النص وشرحه وتوضيح أفكاره! وهذا ما جعلها تختم الفقرة المذكورة بالإحالة مجددا على آخر جملة في النص، حيث كتبت التلميذة:

 

وعلى هذا الشخص أن يجعل لنفسه هبة وكرامة يميز بها نفسه عن غيره، فتنحني له العقول سواء أرادت أو كرهت

إن لم نعتبرها جزءا من التحليل، فلا أقل من أن نعتبرها جزءا مشتركا بين التحليل والمناقشة، أي كفقرة انتقالية، تلخص التحليل وتمهد للمناقشة
بعد هذا التنويه، أقول إن التلميذة نجحت إلى حد بعيد في فهم النص، وهو عموما نص في المتناول، وتجلى ذلك في إعادة عرض وتنظيم للمادة المعرفية للنص كما تجلت في بنيته المفاهمية، وفي مايلي أهم التمفصلات التي رصدتها في موضوعها:
إن ميلنا للأشياء وحبنا لها …وقد رأى أن للاحترام رفيقا وهو الإعجاب …وقد ميز صاحب النص بين صنفين … إن الصنف الأول … أما الصنف الآخر … من خلال تحليل النص نرى أن صاحبه… ومن هنا نرى كانط يتفق مع ما جاء به صاحب النص…
إلى جانب ذلك، تجرأت التلميذة على ضرب أمثلة من الواقع للبرهنة على فهمها للنص، حين كتبت التلميذة:

 

إن الصنف الأول يكون في فرد ذي مكانة اجتماعية – كأحد الملوك أو المشاهير في عصرنا الحالي

أو، حين كتبت:

 

لأن الأشياء قد تكون محط إعجابنا كسيارة اشتريتها أو قطة أمتلكها، لكن قيمتها تقدر بثمن ويمكننا بيعها أو التخلص منها

بصفة عامة، أعتقد أنها قالت أغلب مايمكن لتلميذ باكالوريا في الثامنة عشر من عمره أن يقوله عن مثل هذا النص، خصوصا وأن التلميذة لا تملك مفتاح النص وهو أن " شيء واحد خيّر بذاته بغض النظر عن نتائجه، يستحق الاحترام لذاته، ألا وهو الإرادة الطيبة.. وأن القانون الأخلاقي بداخل الإنسان هو الذي يرفعه فوق مرتبة الشيء أو مملكة الطبيعة"
إنما أؤاخدها لأنها لم تقف بما يكفي عند مفاهيم: الحب، الخوف، الميل، الإعجاب، الاحترام (لأن النص ليس شيئا آخر غير بنية من المفاهيم)
أحمد لها وقوفها عند مفهوم "الشيء" وقابليته للاستبدال والبيع.. وكذا وقوفها نسبيا عند مفهوم الاحترام، كتبت التلميذة:

 

أما الاحترام فهو قيمة أخلاقية نابعة من الهبة في النفس

لكن رشاقة العبارة خانتها :icon_biggrin: ، فلم تفصح عن شيء !! وكان بمقدورها أن تشرح الآحترام سياقيا داخل النص بوصفه ذلك التقدير الضروري (شئت أم أبيت) الصادر من العقل والمتجه إلى أخلاقية المرء.
لقد كفاها صاحب النص مؤونة شرح مفهوم الإعجاب، وقد اكتفت هي باستعادة شرحه حيث كتبت التلميذة:

 

لأن الإعجاب ناتج عن انفعال ودهشة

ولكن ألم يكن بمقدروها أن تحفر قليلا في مفهوم الخوف، بوصفه انفعالا ينتابنا عندما نستشعر خطرا محدقا بنا، كأن الذات مهددة بالتلاشي امام الخطر الصادر عن الموضوع المخيف أو عظمته التي قد تسحق الإنسان أحيانا كالبركان..
كذلك الأمر بالنسبة للميل والحب الذي لايعدو أن يكون هوى يجتاح النفس ويستبد بها، قد يتلاشى ذات يوم كاهتمام المرء بكلاب مدربة أو خيول أصيلة، ثم إن مانميل إليه لايحظى بتقدير وإعجاب كوني.. الكثيرون لا يميلون إلى الخيول ويكرهون الكلاب.. :icon_eek:
أما عن الإعجاب فكان حريا بها أن تتأمل فقط الأمثلة لترى أن الإعجاب شعور أمام ماهو هائل: مسافات سحيقة، كواكب، جبال شامخة… يتجاوز الذات لكنه بخلاف المخيف لايهدد بقاءنا !!
أظن أن التلاميذ، وهذه التلميذة بالضبط قادرة على مثل هذه المفهمة، لو تم لفت انتباهها إلى ذلك بشكل يجعلها تعي المطلب

المناقشة:
يمكن القول أن المناقشة هي الدابة السوداء La bete noire التي تتربص بالتلاميذ في المنعطف الثاني من إنشائهم، والواقع أنني أعذرهم: إذ كيف يمكن للمرء ان يناقش فيلسوفا يقول: الشخص البشري وحده -دون الأشياء والحيوان- جدير بالاحترام بسبب أخلاقيته !!؟
ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن للتلاميذ أحيانا بعض الحدوس واللُمع الرائعة، منها قول هذه التلميذة:

 

ولكن نرى اختلافا بسيطا بين كانط وصاحب النص يتمثل في كون صاحب النص صنف الفرد حسب ما يكنه له الآخرون، أما كانط فتكلم على أن كل من يملك عقلا واعيا أخلاقيا يجب أن يلقى الاحترام

لقد خُيّل للتلميذة أن كانط-الملخص يجعل قيمة الشخص كامنة في صفة ذاتية في الشخص، في حين ان كانط-النص يجعلها متوقفة على موقف أو شعور الغير نحو الشخص ! طبعا لقد فاتها أن القيمة تعني أصلا: "مايجعل الشيء موضوع رغبة أو تفضيل أو ..احترام من طرف غيره، تبعا لنوع القيمة !!
لقد كانت هذه التلميذة مبدعة وذكية حتى وهي تخطئ ! :icon_biggrin: سيعتبر البعض حكمي هذا متناقضا، لكن بعض الأخطاء كهذه إنما تعبر في نظري عن ذكاء وعن محاولة جدية وحريئة للفهم أو التأويل رغم غياب عناصر معرفية كافية، بسبب محدودية اطلاع التلاميذ على المتن الفلسفي.
أما ما تبقى من المناقشة، فلم تخرج فيه التلميذة عن المعهود التلاميذي، وإن كانت زلتها أهون لأنها اعتمدت سردا خفيفا مختصرا، ولم "تنزل على" فقرات الملخص بكاملها.
وهكذا، ففي ما يخص احتجاجها بطوم ريغان، كان بإمكانها أن تذكّرنا أولا أن مبرر احترام الشخص حسب النص كامن في "استقامة الطبع"، وأن تتساءل بعد ذلك، هل كل الناس يملكون استقامة الطبع، ويحق لها تبعا ذلك أن تجادل صاحب النص محتجة بمثال الأطفال والرضع والمعتوهين والبويضة.. عندها يكون استدعاء ريغان مشروعا
كان عليها لو ركزت قليلا أن تثير إحراجات كثيرة ننتهي إليها فيما لو تبنينا موقف صاحب النص، من قبيل كيفية التعامل مع المجرم الذين لم يظهر أبدا أي استقامة في الطبع !! هل يظل جديرا بالاحترام رغم ذلك!؟
ولكن مهلا !! لماذا سنحاجج دائما بإسم الفلاسفة :icon_scratch: ! لم لانجادل صاحب النص بشأن قصْره الاحترام على الشخص دون الكلاب والخيول؟! ألا نجد كلابا أوفى من البشر وخيولا أنفع من بعض بني آدم !!؟ ألا تستحق شيئا م نالاحترام بسبب ذلك !؟ لماذا سنستمر في قصر الاحترام على الكائن البشري..!؟
لهذا ألفت انتباه تلامذتي دائما إلى أن المناقشة تعني من بين ما تعني:
– إبراز أهمية النص: مالجديد الذي يعلمنا إياه !؟ وهل يسمح لنا بتناول قضايا ووقائع على نحو أفضل ؟
– الإفصاح عن النتائج المترتبة عن تبني اطروحة النص: ماذا نكسب؟ ماذا نخسر؟ ماذا يحصل لو مضينا مع صاحب النص إلى أقصى الشوط !؟

أما الفقرة رقم 8 من موضوعها، فمجرد كونها تبدأ ب " اما من جهة أخرى" وتتضمن "وفي نفس السياق.." فذلك دليل أن التلميذة قد انساقت وراء المعهود التلاميذي وأمسك الملخص بتلابييها فلم يعد الحوار قائما بين النص ومواقف أخرى، بل استحال الحوار إلى جدل بين المواقف نفسها بعيدا عن النص.
ولكنني لا أحاسبها رغم ذلك على هذه الزلة،إذ كيف يمكن للمرْ ان يجعل غوسدورف أو راولز محاورين لصاحب النص، اللهم إلا إذا فطن التلميذ -وهذا فوق طاقته- أن "استقامة الطبع" التي تحدث عنها النص تعضّد قيمة الشخص وتوجب احترامه لأنها رأس الفضائل الأخلاقية وستنعكس لامحالة على علاقته الإيجابية بالأغيار من خلال: المشاركة والتضامن والعطاء..
أو إذا فطن إلى أن بإمكاننا أن نعطي لاستقامة الطبع مضمونا سياسيا، ونخرج بها من دائرة الأخلاق إلى مجال السياسة، فتتحول إلى صفات مواطن داخل مدينة.. راولز..
ولكن هل من المعقول توقع كل هذه البهلوانيات Acrobaties الفكرية :icon_bounce: من تلميذ البكالوريا !!.

التركيب/الخاتمة:
من خلال تجربتي كمصحح، أستطيع الجزم ان قيمة الخلاصة أو التركيب تتوقف على قيمة المناقشة وليس التحليل،
جاءت خلاصة موضوعها تقليدية امتثالية conformiste لكنها مقبولة في نظري ، لأنها تدخل ضمن المعهود التلاميذي الذي نجده حتى لدى أكثرهم نجابة وتباهة، وهنا يتمثل دورنا في مدهم بنماذج يستلهمون من خلالها إمكانيات أخرى للتركيب والخلاصة..
ما كان لها أن تخلص إلى غير ذلك، مادامت لم تجادل صاحب النص بشكل جدي، ومادامت لم تحاكم أطروحته بشكل يظهر محدودية تصوره او إمكانيات تجاوزه…
ومن الطريف أن السؤال الذي ختمت به موضوعها:

 

إذ كيف يمكن أن نتحدث مثلا عن قيمة لإنسان ما لا يمتلك حريته أو لا يلتزم بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟؟

كان أولى به أن يتخد مكانه في المناقشة، في إطار تطوير أفكار النص أي استكشاف امتداداتها داخل مجالات أخرى أو تقاطعها مع إشكاليات قريبة .. وهي شكل آخر من أشكال المناقشة
وعوض أن تكتفي بطرحه في الخاتمة ليظل مفتوحا، كان حريا أن تستل قوته الاستفهامية لتفتح جبهات جديدة لمناقشة صاحب النص..

والآن وباختصار، ماهي النقطة التي يستحقها هذا الموضوع؟ ء :icon_scratch:
باختصار، ورغم كل القصور والهفوات التي سجلتها بصدد موضوع التلميذة ، إلا أن حكمي النهائي هو أن الموضوع جيد، ويستحق نقطة جيدة، ومبرري في ذلك أن كل تقويم للإنجاز التلاميذي لابد أن يراعي "الممكن التلاميذي"، والموقع النسبي للموضوع داخل مجموعة الأوراق، وحيث ان تجربتي كمصحح علمتني أن من بين 100 ورقة أصححها، أعثر في المتوسط على 8 أوراق جيدة من بينها واحدة ممتازة،فإني شبه متيقن أن ورقة هذه التلميذة ستكون من بين السبعة وربما كانت هي الورقة الثامنة المتميزة!! :icon_biggrin:

 

Facebooktwitterredditmailby feather

نماذج رائعة من كتابات التلاميذ الفلسفية

نماذج رائعة من كتابات التلاميذ الفلسفية! !

هناك شبه اجماع بين المهتمين بأن المستوى المعرفي والكفايات الثقافية والمنهجية واللغوية للتلاميذ في تدهور مستمر، ولكن من قال بأن تلميذ التعليم الثانوي اليوم قد افتقد كل أثر للحس الفلسفي؟؟
وأنا أقوم بتصحيح مواضيع المترشحين في الامتحان الوطني للباكلوريا (مادة الفلسفة) لفتت انتباهي إنشاءات فلسفية تخرج إلى حد كبير عن المستوى المألوف: أسلوبا، أفكارا ومنهجية، تعيد إلينا بعض الأمل في مستقبل الفكر الفلسفي بين الناشئة، يبدو لي أنه من حق مدرس مثل هؤلاء التلاميذ ان يفخر بهم، كما يحق علينا نحن قراءهم ان نحتفي بهم
وتقديرا مني لهذه الكتابات المجهول أصحابها، ولهذه الابداعات الغفل من التوقيع، أقترح عليكم استنساخا أمينا لأربعة او خمسة نماذج منها، تاركا لكم صلاحية الحكم والتعليق

النموذج الأول:

لقد نقلت موضوع المترشح كما هو بهفواته وزلاته إذا وجدت، والتي أخشى أن تنضاف إليها أو تختلط بها أخطاء الكيبورد التي ريما ارتكبتها عند مسك الموضوع وادخاله إلى الحاسوب!! وعلى كل، فقد عمدت هنا إلى وضع علامة (؟) أمام أي خطأ أو لبس في إجابة المترشح

أما اللون الأخضر فقد أضفته لأبرز المقاطع المضيئة في الموضوع والتي سأعود  للتعليق عليها لاحقا، وللتذكير فالمترشح ينتمي إلى الشعبة العلمية التي تدرس الفلسفة بواقع ساعتين أسبوعيا

أولا نص الموضوع الذي امتحن فيه المترشحون :

الشخصية هي المنتهى المشترك لظاهرات تتعلق بالسيكولوجيا الفردية وبالسيكولوجيا المجتمعية، داخل مجموعة من الشروط اللازمة للسلوك، إزاء المواقف الحالية
ينطبق هذا التعريف على الجانب من الأنا الذي له، من بعض الوجوه، وحدة واستقرار يشبهان الوحدة والاستقرار اللذين نطلقهما على الموضوعات، ويصبح هذا التعريف غير صالح بمجرد ما نريد أن ندخل فيه ما ليس هنا-الآن، ويجاوز :” الحاضر:”، أي كل ما لا يمكن أن يتصف “بالحضور” ( حالا أو استقبالا) لأنه دائما يحيا، سابقا على حاضره، أي أنه يحيا في المستقبل. فللطالب مثلا، شخصية حالية هي الشخصية المحددة في ورقة هويته، والتي تملأ حقل وعيه في  “الآن”. بيد أن ائطالب يشعر بتوتر داخلي، أي بقوة تدفعه إلى “الشخصية” التي يرمي لأن يصبحها، وهذه الشخصية – النزوع ليست حدا نهائيا؛ من الممكن تجاوزها، لأن إمكانيات الطالب لا تعطى، برمتها، دفعة واحدة، إنها تبرز حسب تتابع تصاعدي، كسلسلة من الشخصيات يمكن تصورها. من الجائز أن تنضب إمكانيات الطالب، فيبقى دون ما كان يصبو إليه، على أن الشخصية التي يرمي إليها غاية، بالنسبة للوضع الحالي، ولو استحال تحقيقها في المستقبل. إن صح ما تقدم، جاز أن نقول بأن الشخص ليس بشخصية واحدة بل هو عدة شخصيات

حلل النص وتاقشه

يعتبر موضوع الشخصية من أهم المواضيع التي استرعت اهتمام الفلاسفة والعلوم الانسانية منذ القدم، فبدأ الخوض فيها وفي مكوناتها باعتبارها بنية دينامية تخضع لعدة تأثيرات سيكلوجية واجتماعية

والنص الذي بين أيدينا يندرج ضمن موضوع الشخصية وبالخصوص ضمن الشخصية بين الحتمية والحرية. ويطرح هذا الموضوع إشكالا هاما يمكن صياغته كالتالي: هل الإنسان كائن فاعل أم عنصر منفعل؟”

ويجيب عليه صاحب النص بالأطروحة التالية:”رغم أن الإنسان يخضع لعدة إكراهات نفسية واجتماعية، فإنه وباعتباره كائنا حرا ذا إرادة، يستطيع أن يتخلص من هذه الإكراهات”
إن اشكالية “الإنسان بين الحرية والحتمية” أفرزت العديد من التساؤلات التي يمكن صياغتها كالتالي: ” هل للإنسان دور في بناء شخصيته؟ أم أنه يخضع لعدة حتميات سيكلوجية وسوسيو ثقافية لايمكنه التخلص منها؟ وإلى أي حد يمكن الإتفاق مع هذين الموقفين؟

من أجل تحليل هذا النص سيكون من المنهجي، تفكيكه اولا إلى وحداته الأساسية، ويمكن الاكتفاء فقط بوحدتين أساسيتين حيث ان الوحدة الأولى يبرز فيها صاحب النص بأن الإنسان يعيش تحت ضغط إكراهات سيكلوجية واجتماعية، والوحدة الثانية، يتم نقد الموقف الذي تم عرضه في الوحدة الأولى مع إبراز مدى حدوديته (؟)ء وعدم صلاحيته في بعض الحالات

يبدأ صاحب النص بتقديم تعريف لمفهوم الشخصية حيث يعتبرهاتنظيما مركبا وبنية دينامية يتدخل في تكوينها مجموعة من العوامل السوسيو ثقافية والسيكلوجية. فالنظام النفسي والاجتماعي يؤثران بشكل كبير على شخصية الإنسان، فالانسان في مرحلة طفولته يمر عبر مراحل تلعب دورا كبيرا في تكوين شخصيته، كما أن الإنسان وباعتباره كائنا اجتماعيا بالطبع، يعيش وسط هذا المجتمع ويكتسب ثقافة هذا المجتمع ولهذا فمن الطبيعي أن يؤثر كل ذلك في بناء شخصيته.

ولكن صاحب النص ورغم تقديمه لهذا التعريف إلا انه يبرز بعد ذلك حدوديته (؟)ء حيث ان هذا التعريف لاينطبق إلا على جانب من الأنا الذي يتميز بعض وجوهه بالوحدة والاستقرار. ومن هنا يبدأ صاحب النص بانتقاد الموقف الذي يقر على أن الإنسان يخع لعدة حتميات وإكراهات سوسيوثقافية وسيكلوجية، وان الإنسان لا دخل له في تكوين شخصيته، فيؤكد صاحب النص ان هذا التعريف جد محدود، والتعريف الذي بدأ به صاحب النص غير صالح عندما يتم تجاوز الحاضر. فنحن نعلم ان الإنسان كائن ذات (؟) إرادة وحرية وأنه قادر على أن يغير حاضره ومستقبله إذا أراد ذلك فالإنسان يحيا وكله طموح وأمل في أن يغير شخصيته ويحسن منها. وعند هذا الحد يفقد مفهوم الحتمية قيمته ويصبح غير صالح لآي شيء.

ولقد اتبع صاحب النص مسارا منطقيا، مترابطا حيث انطلق من منطلق نقدي، فقام في البداية بابراز الموقف الذي يؤكد أن الإنسان كائن منفعل لادخل له في تكوين شخصيته فقام بعد ذلك صاحب النص بدحض هذا الموقف من خلال إبراز حدوديته (؟) وعدم صلاحيته، لأن الإنسان كائن ذات إرادة وحرية تصبو دائما نحو التغيير.

ولقد استند صاحب النص على مجموعة من البراهين والحجج حيث قام بتقديم مثال أبرز من خلاله عدم صلاحية موقف الحتمية، فاعتبر أن الطالب يمتلك شخصية حالية أي الشخصية التي كونتها تلك الضغوطات النفسية والاجتماعية، ولكن هذا الطالب وباعتباره كائنا بشريا يمتلك العقل، فإنه سيشعر دائما بقوة تدفعه للتغيير واالوصول إلى الشخصية التي يرمي إليها باعتبار أن امكانيات الطالب كثيرة ومتعددة، كما أن تلك الشخصية التي سيصبح عليها غير قارة، فقد يتم تغيرها أو التحسين منها هي الأخرى، لأن امكانيات الطالب جزئية |أي انها لاتعطى دفعة واحدة، بل تعطى شئا فشيئا، كما أن من الجائز أن تفشل إمكانيات الطالب فلا يصل إلى مايصبو إليه

إذن يتبين لنا من خلال هذا المثال أننا لانتكلم عن شخصية واحدة قارة وثابتة، بل إننا نتحدث عن عدة شخصيات يلحقها التغيير بفضل الإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها الإنسان
وهكذا توصل صاحب النص إلى أن الشخصية رغم انها تتعرض لعدة ضغوطات، فإنه من الجائز ان يلحقها التغيير بفضل إمكانيات الإنسان غير المحدودة باعتبار هذا الأخير ذاتا واعية ومفكرة تأمل في التغيير وتصبو إلى النجاح
إذن انطلاقا من تحليل هذا النص يتضح لنا أن الإنسان كائن فاعل يلعب دورا كبيرا في بناء شخصيته وتغييرها

ولمناقشة هذا النص يجب علينا اولا أن نبين قيمته وبعد ذلك، نبيتن المواقف المؤيدة والمواقف المعارضة له. إن النص الذي بين أيدينا حاول اقناعنا بالموقف الذي يعرضه من خلال مجموغة من الحجج. لقد قدم لنا تصورا واضحا عن دور الإنسان في بناء شخصيته وذلك بدون نسيان الضغوطات التي يتعرض لها الإنسان فيحاول صاحب النص إقناعنا بأن هذه الضغوطات تقد قيمتها بمجرد شعور الإنسان بالرغبة في التغيير نحو الأفضل والتخلص من جميع تلك القيود

لقد تعزز موقف صاحب النص بموقف سارتر الذي اعتبر أن ” الوجود سابق على الماهية” فالإنسان يولد أولا ثم بعد ذلك تتحدد ماهيته يؤكد هنا سارتر أن وجود الإنسان يعني حريته وتحمل مسؤولية اختياراته، فهو يتحدد من خلال ماسيصنعه في المستقبل أي من خلال إنجازاته المستقبلية

الفيلسوف سارتر يحمل نفس الفكرة التي يريد صاحب النص أن يبلغها أي أن الإنسان سيظل كائنا فاعلا في تكوين شخصيته لأنه بكل بساطة كائن حر ذات إرادة ورغبة في التغيير

لكن من جهة أخرى تظهر مواقف العلوم الإنسانية التي أبدت اهتماما كبيرا في طرحها لمسالة الشخصية، فهي تؤكد ان الإنسان يعيش عدة ضغوطات نفسية وسوسيوثقافية
أما النفسية، فيمثلها فرويد الذي يؤكد ان منطقة الشعور هي أهم منطقة سكلوجية توجد عند الإنسان ولقد شبه الشخصية كجبل جليد أي ان الجزء الخفي والمغمور في الماء أضخم بكثير مما هو مكشوف ويظهرفوق الماء. ولقد اعتبر ان مرحلة الطفولة مرحلة حاسمة في تكوين شخصية الإنسان، ابتداءا من المرحلة الفمية، ثم الشرجية فالقضيبية كما ان النظام النفسي يتكون من عدة مكونات وهي ثلاثة: الهو- الأنا- الأنا الأعلى
أما الهو فهو الفطري في الإنسان، يتحكم فيه مبدأ اللذة أو ما اصطلح فرويد على تسميته: مبدأ الليبيدو، هائج ولا يعرف معنى الأخلاق
الأنا: هو جزء من الهو الذي تم تعديله، وهو الذي يتحكم في تكزين الشخصية سواء كانت سوية او شاذة
الأنا الأعلى أي الضمير والأخلاق

فالإنسان إذن يتعرض لهذه الضغوطات النفسية، إذا نجح الأنا في التوفيق بين متطلبات الهو والواقع، والواقع والأنا الأعلى كانت الشخصية سوية أما إذا لم ينجح في ذلك كانت الشخصية شاذة

كما أن الإنسان وباعتباره كائن اجتماعي يتأثر بمجتمعه وثقافته من خلال التنشئة الاجتماعية أي من خلال المؤسسات الإجتماعية التي يمر بها ابتداءا من الأسرة فالشلرع والمدرسة وغير ذلك
وانطلاقا من مناقشة النص يظهر لنا أنه لايكمن إخفاء تلك الضغوطات والحتميات التي يتعرض لها الإنسان أي أنه كائن منفعل
وانطلاقا من تحليل ومناقشة النص يتبين لنا أن الصراع لا زال قائما في إشكالية الشخصية بين الحتمية والحرية، فهناك موقفان أساسيان موقف يؤكد أن الإنسان حر وفاعل في تكوين الشخصية وموقف يؤكد على أن الإنسان يتعرض لضغوطات وحتميات تجعله إنسان منفعل

وكإبداء لرأي شخصي يظهر لي أن الإنسان ورغم أنه يتعرض لتلك الحتميات فإنه كائن ذات إرادة وحرية، يستطيع ان يغير شخصيته تغييرا كاملا، والواقع هو الدليل القاطع على ذلك فكم هم الأشخاص الذين ينشئون في بيئة تتميز بصفات معينة ويحاول  التخلص من تلك الضغوطات ليكتسيوا شخصية مختلفة تماما عن الشخصية الحالية. إذن فأنا أتفق مع صاحب النص وأؤيد رأيه تماما

Facebooktwitterredditmailby feather