أرشيف التصنيف: قضايا منهجية اﻹنشاء

الفلسفة وفلسفة التلاميذ العفوية

كامل المقال من الرابط أسفله
عندما يهيمن “الموقف المدرسي” متمثلا في السكولائية والنسبوية الفجة، يغدو الغائب الأكبر هو التفكير، هو الأنا أفكر أو الديكارتية باختصار. وليس مصادفة أن تكون الديكارتية من الناحية التاريخية احتواء وتجاوزا للسكولائية والسفسطائية معا : فقد أعلن ديكارت غير ما مرة تبرمه من تلك الفلسفة النظرية التي تلقن في المدارس، في إشارة واضحة إلى السكولائية؛ كما استخدم إحدى أقوى أسلحة السفسطائية ألا وهو الشك. لكنه فعل كل ذلك ليدشن طريقة في التفلسف تنشد الحقيقة بحماس وتعتقد في إمكانية تأسيسها انطلاقا من الذات، ولهذا حيّى هوسيرل المسعى الديكارتي باعتباره المسعى الفلسفي بامتياز، مسعى العودة إلى الذات وتبرير كل الحقائق انطلاقا من حدوس الذات.
إنه لمن المؤسف حقا ألا يجد المرء أثرا للديكارتية في الفلسفة التلاميذية رغم أنها أقرب الفلسفات إلى الإنشاء الفلسفي شكلا ومضمونا : من حيث الشكل، تضع الديكارتية الفكرة تحت عنوان البساطة والوضوح، ولا تتردد في استعمال ضمير المتكلم وسرد قصة البحث عن الحقيقة كمغامرة شخصية، على نمط السيرة الذاتية؛ أما من حيث المضمون، فالديكارتية غير معنية بالعرض الأكاديمي للأقاويل الفلسفية (الذي يناسب الدراسات الجامعية بالتأكيد) إلا بقدر ما يساعد على الخروج بحكم مؤسس عقلانيا. وديكارت هو من كتب بأن « حفظ كل براهين الرياضيات لا تجعل منا رياضيين إذا بقي عقلنا عاجزا عن حل أي مسألة بنفسه، وقراءة كل استدلالات أفلاطون وأرسطو لا تجعل منا فلاسفة إذا بقي عقلنا عاجزا عن إصدار حكم راسخ في مسألة معينة. سنكون كمن تعلم ليس علوما بل تاريخ علوم. »

الفلسفة وفلسفة التلاميذ العفوية-صورة عالية الجودة
الفلسفة وفلسفة التلاميذ العفوية-صورة خفيفة سهل التحميل

Facebooktwitterredditmailby feather

معضلة المقدمة في الإنشاء الفلسفي على ضوء المذكرة159

معضلة المقدمة في الإنشاء الفلسفي على ضوء المذكرة159

إن المقدمة بوصفها إعلانا عن الموضوع، والتمهيد بوصفه مقدمة للمقدمة لهو معضلة حقيقية. وفي كل شيء يتكون ويظهر بعد أن لم يكن، نجد أن الانبثاق هو اللحظةالحرجة! في خروج الجنين من رحم أمه، في تمزيق النبتة لغلاف البذرة، في الإعلان الأول عن الحب للمحبوب..!

من الاختلاف المتوحش إلى الحوار:
مادام الفلاسفة قد اختلفوا حول تعريف الفلسفة ذاتها !! ومادمت تجد بصدد كل إشكال فلسفي رأيين متعارضين على الأقل، فكيف نعجب إن اختلف مدرسو الفلسفة في تصورهم للمنهجية، ولكفية إقدار التلاميذ على امتلاك ناصيتها وممارستها.
بيد أن هذا الحق (أي حق الفلاسفة أو مدرسي الفلسفة) ليس حقا مطلقا، إذ يقابله واجب ومسؤولية… واجب إعداد التلاميذ ليجتازوا بنجاح امتحانا وطنيا يحل فيه مصحح مجهول محل المدرس! عندها يغدو اختلافنا المُمتدح كابوسا بالنسبة للمتعلم بكل بساطة.. من هنا حاجتنا إلى توحيد أو على الأقل توضيح الرؤى لأنفسنا ولبعضنا البعض ولتلامذتنا ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين.
وهناك قضايا منهجية محددة بمثابة أوراش تنتظر منا أن ندشن التفكير فيها والتداول بشأنها، من قبيل:
-مقدمة الإنشاء الفلسفي، ماغايتها، ما وظيفتها في علاقتها بالإنشاء ككل، وماهي مكوناتها..
-مالمقصود بالتحليل، سواء كان تحليلا لنص او قولة أو لمفردات سؤال؟ وكيف للتلميذ أن ينجز مطالب التحليل عمليا…؟ وما موقفنا عمن عبارات من قبيل: تضمن نص مفهوم كذا ويعني كذا… واستعمل أسلوب كذا وأسلوب كذا…
-ما المقصود بالمناقشة؟ وما موقع ووزن ما يسمى مواقف مؤيدة وأخرى معارضة داخل مطلب المناقشة..؟
– مادور الخلاصة؟ مجرد حوصلة؟ المكان المفضل للتعبير عن الرأي الشخصي الذي يفترض اننا امتنعنا عن إبدائه أثناء العرض..؟
وبالمناسبة، فقد سبق لثلة من المدرسين التداول بشأن هذه القضايا غير ما مرة في نقاشات طويلة وخصبة شهدتها صفحات منتدى الحجاج والمقالة الحالية إنما ولدت في غمار تلك النقاشات..

نبدأ إذن كما يبدأ الإنشاء الفلسفي نفسه أي من المقدمة

1-مقدمة الإنشاء الفلسفي:

ظاهرة الصيغ النمطية:
مادفعني إلى الاشتغال على المقدمة وإيلائها كل هذه الأهمية هو ظاهرة هذه المقدمات النمطية التي تطفح بها إنشاءات التلاميذ والتي يبدو انها لقنت لهم في مكان ما، من قبل مدرس أو كتاب مدرسي رسمي او مواز..تبدأ هذه المقدمات عادة بصيغ مثل:
– يتأطر النص ضمن مفهوم كذا الذي أثار نقاشا بين الفلاسفة تناوله كل واحد منهم من زاويته الخاصة.. فماهو..إلخ
-يتأطر النص ضمن مجزوءة كذا ومفهوم كذا وبالضبط محور كذا.. فماهي أو ماهو..
– يتناول النص الذي بين أيدينا مفهوم كذا ويدل في معناه الفلسفي على كذكا وكذا.. إذن ماهو… إلخ
قبل الجكم على هذه المقدمات، يجدر بنا أن نلقي نظرة على مذكرة الأطر المرجعية رقم 159 والتي يفترض أنها تقدم لنا “إطارا مرجعيا” نمرن على ضوئه تلامذتنا على كفايات الإنشاء الفلسفي ونصحح بناءا عليها إنتاجاتهم سواء أثناء التقويم التكويني أو الجزائي

المذكرة 159، الفهم و المقدمة !
لعلكم لاحظتم ما تتضمنه مذكرة الأطر المرجعية التي تحمل رقم 159 من اللبس. إذ لا تتحدث عن مقدمة أو حتى عن طرح إشكالي، وعوض ذلك تستخدم المصطلحات والترسيمة التالية (ص7):
الفهم:
-تحديد موضوع النص؛
-تحديد الإشكال المطروح؛
-تحديد فكرة النص أو أطروحته.
التحليل:
-إعادة صياغة الإشكال من خلال أسئلته الأساسية؛
-شرح الأطروحة في علاقتها بمفاهيم النص؛
-إبراز الحجج و دورها في النص.
المناقشة:
– مناقشة أهمية الأطروحة من حيث قيمتها وحدودها
-طرح إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال الذي يثيره النص.
التركيب:
-استخلاص نتائج التحليل و المناقشة؛
– إبراز المجهود الشخصي للتلميذ.
الجوانب الشكلية:
-اللغة والأسلوب ووضوح الخط..

ولكن أين هي المقدمة !؟
ماموقع مقدمتنا في هذه الترسيمة؟! يميل بعض الزملاء إلى المطابقة بين المقدمة واللحظة الأولى في المذكرة أي “الفهم”، فيدخلون في المقدمة (التي تتجسد تيبوغرافيا في الفقرة الأولى) ضرورة “تحديد فكرة النص او أطروحته”، وبعضهم يقف حائرا أمام هذه الصيغة وبعضهم يرفضها بكل بساطة ولا يلتفت إليها، ولكن ما البديل في هذه الحالة؟
من الممكن تجاوز هذه الأشكال من الغلو، إذا ما توقفنا أصلا عن المطابقة بين “الفهم” المذكور في المذكرة و”المقدمة”: إذ أزعم أن من صاغ هذه المذكرة قد ارتكب خطأ فادحا – خصوصا وأنه يؤسس لتصور منهجي يتمتع بقوة المؤسسية (أي التأسيس) – حين قصر الفهم على اللحظات الأولى من الموضوع، وكان حريا به أن يسميه “طرحا إشكاليا”، ويسمي ما تبقى بناءا إشكاليا متكونا من تحليل ومناقشة، فتنسجم بذلك مصطلحات الإنشاء الفلسفي مع مصطلحات الدرس الفلسفي. ولم لا؟ خصوصا أن الثاني ينبغي أن يكون نموذجا حيا للأول، ويفترض في المدرس أن يقدم لتلامذته من خلال إنجازه لدرسه في ممارسته الفصلية اليومية صورة عن منهجية الإنشاء أو بالأحرى التفكير الفلسفي، لأن الإنشاء والدرس ليسا سوى تمارين في التفكير الفلسفي، وكلاهما يخضعان لنفس مطالب التفكير الفلسفي (ولكن هذا موضوع آخر يحتاج منا إلى مقالة مستقلة).
ثم إن المقدمة ليست وحدها محل البرهنة على الفهم، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بفهم “أين يقع النص في المقرر الدراسي” !! لكن جل المصححين يعلمون أن الفهم الحقيقي للنص او القولة أو السؤال إنما يتمظهر في جميع لحظات الموضوع، أي أنه كفاية مستعرضة إن صحت هذه العبارة! ولا أدل على ذلك من الأفعال المعرفية التي تندرج تحت عملية الفهم في صنافة بلوم…

بعد مشكلة المطابقة بين “الفهم” و”ألمقدمة” توادهنا مشكلة أخرى وهي مكونات المقدمة نفسها:
لا جدال في المكون الأوسط، على أساس ان المقدمة هي محل الطرح الإشكالي. ولكن يلزم مع ذلك التنبيه إلى قضية جوهرية وهي أن المقصود بتحديد الإشكال المطروح، إنما هو الإشكال المطروح في النص أو القولة وليس إشكال الدرس، وفي غالب الأحيان لا تتطابق إشكالات النص مع إشكالات الملخص، أو لنقل إن النص يطرح إشكالات الدرس بشكل مُحوّر وملتو وغير مباشر.
والآن ماذا عن العنصرين المتبقيين: تحديد موضوع النص؛ و تحديد الإشكال المطروح !؟

تحديد أطروحة النص في المقدمة !
من جهة أخرى، أتساءل: هل يمكن أن تتضمن المقدمة تصريحا بأطروحة النص أي بجواب النص على الإشكال المطروح وفق التأويل “الحرفي” للمذكرة 159؟ في هذه الحالة ألن تفقد المقدمة دورها الخطابي المتمثل في شد انتباه القارئ وتشويقه؟ أليست المقدمة محلا للطرح الإشكالي حيث يفترض ان الأمور ملتبسة، محيرة، غير واضحة أو متناقضة؟ بحيث يكون النص بأطروحته وأفكاره وكذاالأطروحات المضادة في تطابقها أو تقاطعها أوتعارضها أو تجاوزها لهذه الأطروحة.. بمثابة محاولات لرفع هذا اللبس أثناء سيرورة بناء الإشكال
التأويل أو “التخريجة” التي أقترحها هو أن ماتسميه المذكرة 159بمرحلة “الفهم” لا يطابق الفقرة الأولى من إنشاء التلميذ أي المقدمة ولايتوقف عندها، بل يمتد إلى اللحظة الأولى من العرض أي لحظة الإعلان عن أطروحة النص، فتصبح الخطاطة كالتالي:
الفهم:
-تحديد موضوع النص؛
-تحديد الإشكال المطروح؛
———————————–
العرض:
-تحديد فكرة النص أو أطروحته.
التحليل:
-إعادة صياغة الإشكال من خلال أسئلته الأساسية؛
-شرح الأطروحة في علاقتها بمفاهيم النص؛
-إبراز الحجج و دورها في النص.
المناقشة:
-مناقشة أهمية الأطروحة من حيث قيمتها وحدودها
-طرح إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال الذي يثيره النص.
—————————————
الخاتمة
التركيب:
-استخلاص نتائج التحليل و المناقشة؛
– إبراز المجهود الشخصي للتلميذ.

الجوانب الشكلية:
-اللغة والأسلوب ووضوح الخط..

بمعنى أننا سنكتفي برسم خط وهمي يمر فوق ماسمته المذكرة ” تحديد فكرة النص أو أطروحته” كي يندرج هذا المطلب ضمن العرض. وهذا ما فعله محررو المذكرة أنفسهم عند حديثهم عن منهجية التعامل مع القولة (ص8):
الفهم:
-تحديد موضوع القولة؛
-إبراز الإشكال المطروح، الصريح أو الضمني؛
-إدراك مجال السؤال المرفق بالقولة : حدوده وترابطاته .
التحليل:
-استخراج الأطروحة التي تتضمنها القولة وتفسيرها ؛
-الوقوف عند الحجاج الذي تفترضه والذي يمكن توظيفه لبنائها؛
-توظيف المعرفة الملائمة لمعالجة الإشكال المطروح .

بهذا نكون قد حللنا مشكلة تقنية ! ولكن سيعترض البعض مثلا بأن بداية العرض ليست المكان المناسب للإعلان عن أطروحة النص، التي لا ينبغي التصريح بها إلا في أعقاب لحظة التحليل على شكل إستنتاج. وهو اعتراض مقبول ينتصر للمقاربة الإستقرائية أي المرور من المفصل إلى المجمل، بيد أني لا أرى مانعا من قبول المقاربة الاستنباطية بدورها، أي الانتقال من المجمل إلى المفصل. خصوصا إذا أعقب الإعلان عن الأطروحة تساؤل يروم الاستفهام عن دواعي تبني النص لمثل هذه الأطروحة كصيغة انتقالية للشروع في تحليل أفكار النص وحجاجه..

تحديد موضوع النص: هل له من قيمتة و وظيفة؟ أم أنه بالأحرى عائق نفسي وابستملوجي؟
والآن ماذا عن المطلب الأول (تحديد موضوع النص )؟ ما قيمة أن يحدد التلميذ موضوع النص في المقدمة؟ وعندما أتساءل عن هذه القيمة، فإنما أربطها بالمعطيات التالية:
أ- يفترض أن نبدأ في المقدمة بشيء ما يكون منطلقا للاستشكال قضية النص أو القولة أو السؤال؟
ب- أن هذا التحديد يختزل عادة في التعرف على المجزوءة أو الدرس وأحيانا المحور الذي يعتقد أن قضية النص تندرج تحته
ج-عندما يُنصح التلميذ في إطار التوجيهات المنهجية للإنشاء الفلسفي، بأن يمهد للأسئلة المطروحة بإدراج النص أو القولة أو السؤال أولا ضمن مجزوءة أو مفهوم أو حتي محور، ألا يكون في هذ الحالة قد تهيأ نفسيا للإنسحاب كذات مفكرة، وعوض أن يتحمل مسؤولية الإشكال المطروح بوصفه إشكالا مطروحا عليه بشكل شخصي وخصوصا فإذا تعلق الأمر بمواضيع في الشخص اوالغير أو الدولة أو العنف أو الحق أوالواجب أ والحرية أو حتى السعادة..، ويخلي السبيل لـ “لإطار” الذي هو الدرس أو المحور او حتى المجزوءة، مادام أن المطروح عليه يتأطر وينحشر ضمن الجاهز، ضمن ما سبقت دراسته أو تدوينه أي ضمن مجزوءة وأو درس او محور !؟ أعتقد أن تأطير الموضوع ضمن مجزوءة او درس او محور لايعني عند التلميذ سوى أن الموضوع برمته مطروح على الفلاسفة، تلك الكائنات الغريبة التي تستوطن الدرس،
د- وأخيرا فإن الربط بين هذا “التأطير” أو التحديد والأسئلة التي تليه يبدو مصطنعا ومتكلفا، بل إن الوحدة منعدمة، حيث يجد المصحح نفسه أمام عنصرين لارابط بينهما: تأطير الموضوع ثم سلسلة الأسئلة التي تختتم بها المقدمة ! والمثال التالي بوضح مقصدي:

يندرج النص الذي بين أيدينا ضمن مجزوءة السياسة وبالضبط ضمن مفهوم الحق ويعالج كذا وكذا، إن ماهو أساس الحق؟ هل هو طبيعي أم ثقافي؟

من أجل تقريب وجهات النظر بيننا كمدرسي فلسفة، أرى من المناسب أن نسأل أنفسنا: مادام الأمر يتعلق بطرح إشكال وتساؤلات، فكيف تطرح الأسئلة داخل مسار الفكر الفلسفي نفسه!؟ كلنا ندرس لتلامذة الجذع المشترك أن التساؤل الفلسفي يخرج من رحم الدهشة او هو تعبير عن دهشة. فهل يشذ ميلاد السؤال الفلسفي داخل الإنشاء الفلسفي عن هذه القاعدة؟! ألا يفترض في التلميذ أن يعيد إخراج mise en scene هذه السيرورة، بحيث تبدو أسئلته ثمرة دهشة أو حيرة أمام تناقض أو التباس أو مفارقة.. فيكون طرح السؤال منتهاها الطبيعي؟
أليس المطلوب المطلوب إذن هو ان يقحم ذاته في فعل التفكير، وذلك بان يبين كيف أن إشكال النص او القولة أو السؤال يطرح نفسه علينا؟ كيف يسائلنا ويستوقفنا؟ كيف ينبثق من قلب تناقضات أو التباسات معينة يكون الإقبال على النص أوالقولة أو السؤال بمثابة توضيح لها أن بحث فيها !؟
عندما نطلب من التلميذ ان يجعل من التمهيد -وهو أول أجزاء المقدمة- موضعا للإستشكال وفرصة لتبرير وتسويغ الإشكال، فإننا بذلك لا نفعل شيئا سوى إلزامه منذ البداية بأن يتبنى المشكل المطروح او يفكر على الأقل لماذا هو مطروح، وبالمقابل فعندما نطالبه بأن يبدأ بتأطير الموضوع في مجزوءة وا درس أو حتى محور، ألا نكون بذلك قد “شرطناه” (من الإشراط) ليفكر في الموضوع داخل حدود الدرس، وكلنا يعلم جيدا أنه مامن درس أنجزه مدرس يوما ما، كان كافيا لمعاجلة موضوع إنشائي والتفكير فيه، اللهم إلا إذا كان قد صاغ درسه وهو يفكر في هذا الموضوع الإنشائي !!

ماهو البديل إذن؟ قبل صياغة اجتهادي الخاص فيما يتعلق بمقتضيات المقدمة والشروط التي ينبغي أن تستوفيها، لنلق نظرة -من باب الاستئناس-على الطريقة التي ينظّر بها الفرنسيون للمقدمة، لمادمنا قد استوحينا من الفرنسيين مبدأ تدريس الفلسفة في الثانوي مثلما استوحينا منهم دروسها وحتى مرجعياتها:

الاختيارات المنهجية في التقاليد الفرنسية:
تميل أغلب أدبيات التقليد المدرسي الفرنسي (سواء في الكتب المتخصصة في المنهجية أو التوجيهات المتضمنة في الكتب المدرسية)، إلى اختيار منهجي يتمثل في الانطلاق -في لحظة التمهيد لطرح الإشكال-من بداهة من بداهات الحس المشترك ومقابلتها بالأطروحة الفلسفية الواردة في النص أو المفترضة في السؤال من أجل خلق توتر يشرعن طرح السؤال ( وسترد أمثلة ذلك بعد قليل)
فــ ميشل غورينا مثلا في كتابه “دليل الإنشاء والتعليق على النص في الفلسفة” (وهو كتاب اصطنع فيه منهجية اسبينوزا في كتاب الأخلاق! وحاول تعقيد منهجية الإنشاء بالرجوع إلى نصوص الفلاسفة أنفسهم) وبالضبط في فصل بعنوان” قواعد من أجل طرح مشكل فلسفي”، يقترح المقتضيات المنهجية التالية (مع العلم أنني انقل لكم فقط العناوين والخلاصات دون المحاججة والتفاصيل):
تعريف رقم 1: الإنشاء الفلسفي فحص لمشكل فلسفي
تعريف رقم2: المقدمة هي ذلك الجزء من الإنشاء المخصص لطرح المشكل
القاعدة رقم1: في إنشاء فلسفي، ينبغي الاكتفاء ببحث مشكل واحد؛
القاعدة رقم2: يصاغ المشكل الفلسفي الذي يعالجه الإنشاء حصريا في المقدمة
القاعدة رقم A 3 إذا تضمن منطوق السؤال مطلبا بتعريف حد (أو مفهوم) واحد [مثلا: مامعنى حياة سعيدة؟]، فالمطلوب هو صياغة تعريف مضاد للدلالة المتداولة والبديهية للحد المقترح
القاعدة رقم B 3: إذا انطوى منطوق السؤال على حدين، فيجب أن نقيم بينهما علاقة مفارقاتية
القاعدة رقم6: لابد للمقدمة ان تتضمن: تذكيرا بدلالات الحس المشترك- أطروحة يثير تعارضها مع الحس المشترك إشكالا أو مشكلة- السؤال الناتج عن تناقض الأطروحة والحس المشترك
المرجع:Michel GOURINAT, Guide de la dissertation et du commentaire composé en philosophie. Hachette 1976 pp:32-36

المرجعية الثانية التي أحب ان نستأنس بها في نقاشنا الحالي هي كتاب جاكلين ريس “المناهج في الفلسفة”، ومن الجدير بالذكر أن كتابها هذا حافل بنماذج لإنشاءات أو لحظات من إنشاءات منجزة بالكامل في آخر كل فصل لتوضيح التوجيهات المنهجية النظرية للفصل!!
نجد في كتاب ريس القارئ أمثلة توضيحية أو تطبيقية لما أورده غورينا إضافة إلى صيغ أخرى إضافية للمقدمة. لكنها تتفق مع غورينا في مطلب “التوتر” الذي ينبغي أن يطبع التمهيد المفضي إلى طرح الإشكال، والذي يتناقض تماما مع “السرديات” التي نحث عليها تلامذتنا!! أو التي توحي بها المذكرة أعلاه عندما نقرأ فيها عبارة: “تحديد موضوع النص”
تقول ريس:
“المقدمة لحظة حاسمة يستشف منها مسار العمل الفلسفي ككل، ولكن عم تعلن المقدمة بالضبط؟”
تجيب ريس من خلال تحديد أربع وظائف للمقدمة:
-كونها مدخلا إلى التساؤل الفلسفي
-وظيفة الأشكلة
-الوظيفة المفارقاتية aporetique او إثارة المفارقات
– التلميح إلى المراحل المقبلة التي سيمر منها التفكير خلال الإنشاء، ولكن مع تجنب الإعلان المباشر والمسبق عن الجواب أو الحل

وكما ذكرت أعلاه، فجدة كتب ريس يتجلى في أنها تشفع تنظيراتها المجردة دائما بنماذج تطبيقية، وفي هذا الإطار، نقرأ تحت عنوان:
بعض المساعي التقديمية الممكنة
queleques demarches introductifs possibles
كيف نصوغ مقدمة ونؤشكل منطوق السؤال؟ [مع وعينا بمخاطر] الصيغ المصطنعة والوصفات السحرية. يمكن أن نستعرض [مع ذلك] بعض الأساليب التقديمية المفيدة للطلبة إذا ما استلهموا روحها كأرضية لمزيد من البحث والإبداع une matrice à recherches
أ-استثمار التناقضات
مثال: هل يمتلك التفكير في الموت موضوعا ما؟
مقترح مقدمة:يظهر هنا أن التفكير العقلاني للإنسان يتخد من تناهينا موضوعا له. وسواء تعلق الأمر بالموت كوفاة أو الموت في معناها المجرد بوصفها البنية المتناهية والمحدودة للفردية، يظهر أن التفكير في الموت يفكر فعلا في موضوع محدد. ولكن أليس التفكير في الموت تفكيرا في “لاشيء”، فعندما نفكر ف ي الموت يفتقد تفكيرنا هذا لكل محتوى واقعي ومحايث. ألا تنفلت الموت إن من الفعالية التأملية؟..إلخ
ب-إقامة ضرب من التعارض بين الرأي الشائع أو التمثل المشترك والمفارقة الكامنة في السؤال
-مثال: هل من الممكن أن توجد حقائق جزئية؟
مقترح مقدمة: نميل إلى الاعتقاد عامة، بأن الحقيقة كل منسجم وليس مجرد شذرات أو أجزاء غير مكتملة..إلخ

ج-استثمار التعارض بين النظريات الفلسفية: يمكن أن نطبق مبدأ التوتر والتناقض على النظريات الفلسفية ذاتها، شريطة امتلاك معرفة فلسفية دقيقة بالمذاهب، وعدم الوقوع في فخ الاستغراق في التفاصيل المعرفية منذ البداية!
مثال: هل هناك ما لا تستطيع اللغة قوله؟
نموذج مقدمة: يستفهم منطوق السؤال، من جهة، حول اللغة بوصفها وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر، أو القدرة على إخراج هذا الفكر إلى الوجود بواسطة علامات. ولكنه يوحي ضمنيا، من جهة أخرى، بوجود ما لا يمكن التعبير عنه (برغسون والمتصوفة)، وهذا ما يتعارض والتصورات الفلسفية التي تمنح الأولوية للخطاب واللغة، فهذا الذي لا تستطيع اللغة التعبير عنه وإخراجه إلى الوجود وموضعته قد لا يعدو كونه مجرد سديم حسب هيغل..إلخ

د-التنسيب التاريخي €قد يقدم السؤال نفسه كحقيقة مطلقة. فنلجأ إلى الكشف عن محدودية هذه الحقيقة، فنجعل منها موضع مساءلة ممكنة
مثال: هل يتوقف تأنسن البشر على الشغل؟
نموذج مقدمة: يدور السؤال حول الوظيفة التكوينية للشغل، ولكن هل تحمل هذه الأطروحة بداهتها في ذاتها؟ إذا بدا الشغل من جهة كإبداع وتملك للعالم من طرف الإنسان، فإنه لم ينل غير التبخيس في الكثير من المجتمعات: ألم يفضل البعض طريق التأمل؟.. إلخ

المرجع:
Jacqline Russ, Les methodes en philosophie. Armand Colin 1992 pp:114-118

نحو تحديد إجرائي لوظيفة المقدمة ومكوناتها
بعد كل ما سلف، نستطيع القول بشيء من اليقين أن :
-المقدمة هي محل الطرح الإشكالي، وهذا الإقرار شبه بداهة تحظى بالإجماع،
– أن تحديد الإشكال والتفكير في صياغته على شكل جمل استفهامية، يفترض تفكيرا لا يقل عنه إجهادا! إذ لما كان الإشكال الفلسفي لا ينبثق فجأة ولا ينقدح في الذهن على حين غرة كالوحي ولا ينبت كالفطر.. كانت هناك سيرورة للفكر تفضي إلى إكتشاف المشكل أو انبثاقه…
– يعبر عن هذه السيرورة بالمفارقة أو الإحراج أو التوتر او الدهشة..،
– وجود مثل هذه السيرورة يفرض على مقدمتنا أن تتضمن -إلى جانب الصياغة الاستفهامية للمشكل الفلسفي في متوالية من الأسئلة المترابطة- نوعا من التمهيد تكون وظيفته تبرير وتسويغ الإشكال

نستطيع إذن القول أن لمقدمة تتكون من:
أولا- تمهيد تفتتح به المقدمة من سطرين إلى أربعة أسطر (تقريبا وتبعا للحجم الكلي للإنشا الفلسفي)
ثانيا- طرح للإشكال ، في شكل جمل استفهامية تطرح في أعقاب التمهيد وهي نهاية المقدمة
غالبا ما يطرح التلاميذ الإشكال بشكل صحيح إلى حد ما، ولكنهم يفشلون فشلا ذريعا في كتابة تمهيد مناسب لهذا الإشكال المطروح

كيف نمهد؟ أو معضلة البداية والانبثاق
إن التمهيد بوصفه مقدمة للمقدمة لهو معضلة حقيقية، وفي كل شيء يتكون ويظهر بعد أن لم يكن، نجد أن الانبثاق هو اللحظةالحرجة! في خروج الجنين من رحم أمه، في تمزيق النبتة لغلاف البذرة، في الإعلان الأول عن الحب للمحبوب..! دعونا نبدأ بمثال أكثر دراماتيكية:
أريد أن اقترض مالا من صديقي، أريد أن “أسأله” مالا، قائلا: هل لك أن تقرضني بعض المال؟
ولكن قبل أن أطرح عليه هذا “الإشكال” العويص في زمن عز فيه الدرهم ، لابد من تمهيد

إذا اتبعنا التمهيدات النمطية، فهناك مقدمة جاهزة مثل:
المال مهم وكل إنسان يحتاج إليه، والعثور عليه صعب.. هل يمكنك أن تقرضني بعض المال !؟

أعترف مرة أخرى أن هذا التمهيد مقبول، ولكن هل يمكنني أن أستعمله في جميع المناسبات، سواء كنت أحتاج المال لأداوي إبني أو لأكمل دراستي أو لأسافر أو لأدفع ثمن غرامة مخالفة قانون السير ..!؟

لنأخد الحالة الأخيرة، أليس من الأفضل أن أقول لصديقي: لقد اشتريت سيارة، ولكني لازلت لاأتقن فن القيادة جيدا و لقد أكثروا من إشارات المرور في مدينتنا الصغيرة التي لاتستدعي ذلك، بحيث لم أنتبه إلى الضوء الأحمر .. وهكذا وجدت الشرطي يوقفني ويسجل لي غرامة… ألا أجد عنك مبلغ كذا وكذا لإنقاذ الموقف !؟

ما الأفضل؟ هذا التمهيد أم هذا:
المال مهم وكل إنسان يحتاج إليه، والعثور عليه صعب.. هل يمكنك أن تقرضني بعض المال !؟
صحيح أن هذه مقدمة مقبولة، وهي خير من أن أقول: “الجو ممطر والبرد قارس وهناك سيارات كثيرة تمر في الشارع، هل يمكنك أن تقرضني بعض المال !؟ :lol:
أرى بعضهم يضحك ولكن هذا مايفعله الكثير من التلاميذ للأسف الشديد بحيث لاتجد أي علاقة بين التمهيد والإشكال المطروح

إلام أريد أن أخلص؟
ما أريد قوله أن التمهيد تمليه طبيعة الموضوع أي مضمون النص
عليّ أن أقرأ النص أولا لأرى ماهو المدخل المناسب إلى إشكاليته

وهناكك مئات بل آلاف المداخل الممكنة إلى إشكالية النص
خير تمهيد هو ذاك الذي يكشف عن مفارقة أو تناقض أو صعوبة نظرية أو عملية أو لبس أو إحراج… مما يجعل طرح الأسئلة طرحا ضروريا ومشروعا لحل هذا التناقض أو لفهم هذه المفارقة، وهذه الأسئلة هي النص أ والقولة أو أسئلة السؤال المفتوح وليست أبدا أو بالضرورة أسئلة الملخص
لهذا السبب فالمقدمة هي آخر ماينبغي كتابته أثناء مرحلة التخطيط الأولي بعد أن يكون الموضوع الإنشائي شبه مكتمل في المسودة

أختم بهذا النموذج التطبيقي لمقدمة إنشاء فلسفي اقتبستها م نالكتاب المدرسي غير الرسمي منهج الفلسفة (الشعبة الأدبية ص 81)
السؤال المطروح في الفرض هو قولة مذيلة بسؤال:

يقول كارل بوبر: ينفضح خطأ التصور العلمي أثناء البحث عن الحقيقة”
إلى أي حد يستفيد العلم من أخطائه ؟

وهذه على سبيل المثال مقدمة تتكون من تمهيد (باللون الأخضر ) وطرح للإشكال (باللون الأزرق) ولنلاحظ المؤشرات اللغوية الدالة على المفارقة باللون الأحمر !!

إذا كانت ‏ المعرفة الإنسانية قد برهتن على قدرتها على إنتاج النظريات العلمية وعلى اكشافها للعديد من الحقائق في شتى مجالات العلوم الدقيقة، فإن هذا التطور العلمي الذي كان يسعى إلى الدقة والموضرعية قد كشف عن مجموعة من الأخطاء والهفوات التي سقطت فيها النظريات العلمية. هل استطاع العلم إذن تحقيق ما يسعى إليه من دقة وموضوعية ؟ وإلى أي حد تعتبر الأخطاء والأزمات التي تعترض سبيل العلم عاملا ساعدا على تطوره ونضجه ؟

أملي ان تثير هذه الأرضية نقاشا في مستوى المهام الملقاة على عاتقنا كما في مستوى انتظارات تلامذتنا وخصوصا النجباء منهم

Facebooktwitterredditmailby feather

النص، القولة والسؤال: منهجية واحدة أم ثلاث منهجيات؟

النص، القولة والسؤال: منهجية واحدة أم ثلاث منهجيات؟

لعل الكثير من زملائي المدرسين عاينوا بعض التلاميذ، الذين يختارون الإجابة على صيغة السؤال المفتوح، وهم يكتبون:
" يرى صاحب السؤال…."
أو
" يؤكد صاحب السؤال أن …"
أو:
"يتبن من تحليل و مناقشة الموقف المعبر عنه في السؤال أن.."
أو حديث التلميذ عن حجج في قولة تتكون -بالكاد-من عبارة واحدة !! :icon_scratch:

يعود سبب هذه النقائض التي نعابنها في كتابات التلاميذ إلى عدم التحديد الواضح والدقيق لما تشترك فيه وما تنفرد به كل واحدة من الصيغ الثلاث ، بحيث يبدو كما لو كان التلميذ يعالج صيغة القولة أو السؤا ل المفتوح بنفس المنطق الذي يعالج به صيغة النص للتحليل والمناقشة :icon_rolleyes:
لا أنكر وجود مقتضيات منهجية مشتركة بين الضيغ الثلاث، لكنها مقتضيات عامة جدا ولا تنفي خصوصية كل صيغة؛ووجود مثل هذه المقتضيات المشتركة، يسمح لنا بتحديد قواعد مشتركة تخضع لها المقدمة و الخاتمة، بيد أن خصوصية كل صيغة، تجعل العرض خاضعا في كل صيغة لمقتضيات ومنطق خاصين.
وسأعرض في ما يلي المقتضيات العامة المشتركة وخصوصية كل صيغة على حدة، وأختم المقال ببحث قضيتين شائكتين وهما: هل يتضمن السؤال المفتوح أطروحة؟ أي هل يمكننا الحديث أثناء معالجة السؤال عن أطروحة مؤيدة وأخرى معارضة؟ وما مشروعية الحديث عن مناقشة داخلية للقولة؟

المقتضيات المشتركة بين الصيغ الثلاث
سواء اتخد الإنشاء الفلسفي النص او القولةأو السؤال المفتوح موضوعا له، فلا مفر له من أن:
-يتضمن طرحا إشكاليا وبناءا إشكاليا ثم خلاصة
-ضرورة حضور الكفايات الفلسفية الأساسية وهي
– الأشكلة، وخصوصا القدرة على إثارة المفارقات والكشف عن الصعوبات وبناء تقابلات والنقد
-المفهمة : القدرة على تحويل الكلمات إلى مفاهيم ذات دلالة واضحة، أو تعريفها و الحفر في دلالتها وبناء علاقات بين هذه الدلالات من قبيل علاقات التقابل أو التضمن أو التقاطع أوالتفرع…؛
-المحاججة و التي تعني حرص التلميذ على دعم ما يعرضه من أفكار بأدلة وحجج عوض عرضها بشكل دوغمائي؛
– وحدة الموضوع وتنامي الفكرة طوال الإنشاء والحرص على التدرج والانتقال المنطقي السلس من فقرة لأخرى؛
– استدعاء الثقافة الفلسفية المكتسبة والتعامل معها بشكل وظيفي وفق مبدأ الملاءمة بما يشهد على الاستيعاب الجيد، بعيدا عن السردية والحشو والدوغمائية (حجة السلطة)؛
– إقحام الذات في فعل المساءلة و التفكير بشكل صادق، بحيث يظهر الإنشاء كبحث حقيقي فعلي عن حل للإشكال، عوض أن يتعامل التلميذ بقفازات بيضاء مكتفيا بتنظيم حلبة ملاكمة بين الفلاسفة؛
– تطعيم التفكير الفلسفي المجرد والشمولي (بطبيعته) بمعطيات ملموسة وجزئية من الواقع (أمثلة) أو من التجربة الشخصية الذاتية.

خصوصية كل واحدة من الصيغ الثلاث

رغم ما يوجد بين الضيغ الثلاثة من قواسم مشتركة والتي ليست في النهاية سوى المطالب والمقتضيات المشتركة لكل تفكير فلسفي، توجد مطالب خاصة بكل صيغة لا معنى لها إلا بالنسبة لهذه الصيغة أو تلك

1-النص: يتضمن النص أطروحة وحشدا من المفاهيم وعلاقات دلالية ومنطقية تربط بينها أي حجاجا، لذا يمكن الحديث عن مرحلة أولى نسميها التحليل تخصص للاشتغال على المفاهيم والحجاج ومسار تشكل الأطروحة ونمو الفكرة داخل النص..إلخ من أجل فهم النص و بناء معناه لننتهي إلى استيضاح أطروحته وتعيينها بشكل دقيق، ثم الحكم على قيمة هذه الأطروحة، وهي العملية التي نسميها "المناقشة"

2– القولة: مثل النص، تتضمن القولة أطروحة محددة، بيد أن القولة -بخلاف النص-مقيدة اولا بالسؤال المذيل لها والذي يوجه اشتغالنا على القولة، ثم إن الحجاج غائب بسبب قصر حجمها، فينصرف التحليل إلى بناء الحجاج المفترض مما يعني أيضا اضطرار التلميذ إلى توظيف المكتسبات المعرفية أو ما يمسى بـ "المواقف" منذ لحظة التحليل كمعطيات -من بين معطيات أخرى-لبناء هذا الحجاج المفترض وتسويغ ما تذهب إليه القولة أي أطروحتها!!
ثم الحكم على قيمة هذه الأطروحة وهي العملية التي نسميها – كما في صيغة النص- بــ "المناقشة"
وسأعود إلى خصوصيات صيغة القولة في آخر هذه المقالة

3- السؤال المفتوح: لايتضمن السؤال أطروحة (لأسباب سأذكرها بعد قليل)، مما يعني ان مفهوم الأطروحة يصبح عديم المعنى، وكذلك مفهوم "مواقف مؤيدة" و "مواقف معارضة". مؤيدة لأي شيء!؟ ومعارضة لأي شيء!؟ :icon_rolleyes: وبسبب غياب الأطروحة يتعذر الحديث عن شيء إسمه التحليل والمناقشة، اللهم لا إذا أفرغنا هاتين الكلمتين من مضمونيهما اللذين حددناهما أثناء حديثنا عن النص والقولة!! :icon_wink:
بعبارة أخرى فالسؤال المفتوح يقتضي عمليتبن تفضي إحداهما إلى الأخرى، أو يتم إنجازهما بشكل متداخل، وذلك أثناء الجزء المسمى بالعرض:
أ- الاشتغال على مفاهيم السؤال بهدف:
– إعادة صياغته في أسئلة محددة، والهدف هو تحويل السؤال إلى إشكال فلسفي أو الكشف عن المشكل الفلسفي الثاوي خلف السؤال؛
-استجلاء دلالات المفاهيم الواردة في السؤال و اقتراح علاقات ممكنة بين هذه المفاهيم والتي هي أجوبة ممكنة على الأسئلة المثارة
ب- استعراض هذه الأجوبة الممكنة واحدا بعد الآخر بشكل جدلي أي الحرص على إقامة حوار وجدلية بينها، عوض سردها أو رصفها بجانب بعضها البعض !
(يمكن للبعض أن يجعل المرحلة "أ" مكونا من مكونات المقدمة، فيصبح العرض مقتصرا فقط على "ب").
يتبين إذن أن لكل صيغة خصوصيات تقتضي التمييز بينها منهجيا واستخدام مصطلحات خاصة ملائمة أثناء الحديث عن منهجية كل واحدة منها

خصوصية صيغة السؤال المفتوح: هل تتضمن الأسئلة أطروحة !!

من الناحية الصورية، تختلف الأسئلة المفتوحة باختلاف أدوات الاستفهام التي تستهل بها: هل، لماذا، ماذا يعني، إلى أي حد، من.. إلخ، ولكن لنقتصر هنا على أشهر أداة مستعملة في التقاليد المدرسية المغربية، وهي "هل"
وهي أداة استفهام يطلب بها التصديق إي إثبات خبر لمبتدأ أو محمول لموضوع، ويكون الجواب "بنعم" في الإثبات و "لا" في النفي.

ولكن في جميع الأحوال، فالاستفهام ليس أسلوبا خبريا بل أسلوبا إنشائيا ! فكيف له أن يتضمن اطروحة !!؟
عندما أسأل: متى يصل القطار؟ أو هل زيد موجود؟ فأي أطروحة هنا !!؟ :icon_rolleyes: أليست الأطروحة إثباتا وتوكيدا لأمر ما أو لعلاقة أو نسبة بين شيئين !؟ فما ذا يثبت السائل هنا !؟
السؤال لايثبت شيئا اللهم إلا إذا كان سؤالا تقريريا (أي أن تدفع السائل إلى الموافقة والإقرار وهو ضد الإنكار) مثل "أليس الله بأحكم الحاكمين؟"، فهنا السائل يتبني بالفعل اطروحة أي دعوى: "ان الله هو أحكم الحاكمين" ويريد من المجيب أن يقر له بذلك. ولكن هنا يكون الاستفهام قد خرج عن "قوته الحرفية" وأفاد معنى جديدا يقتضيه المقام الحواري التداولي…

لنتأمل سؤالا مثل: هل العدالة هي احترام القوانين؟
"العدالة احترام للقوانين" هذا هو الأمر المستفهم عنه، والسائل لم يثبت النسبة بينهما، بل يسأل عن إثبات أو نفي النسبة أي العلاقة بين العدالة و احترام القوانين

إذا اتفقنا على أن السؤال لا يتضمن أطروحة، فهذا يؤازر ما ورد في ملاحظتي الأولى وهي أنه لا معنى للحديث عن " مواقف مؤيدة " و " مواقف معارضة" أثناء الاشتغال على صيغة السؤال المفتوح.

وعلى كل حال، فمذكرة الأطر المرجعية (رقم 159) تذكر في صفحتها السابعة كمكون أول من مكونات المناقشة في السؤال المفتوح، مايلي:
مناقشة الأطروحة المتضمنة احتمالا في الموضوع
فقد استخدمت أسلوب تخصيص واحتياط وهو كلمة: "احتمالا" كما أنها تحدثت عن أطروحة متضمنة احتمالا في "الموضوع" وليس في "السؤال" ولعلهم يقصدون بذلك الموضوع الإنشائي للتلميذ وليس موضوع السؤال، بدليل أنه لم يرد قبل هذه الجملة أي ذكر لكلمة "موضوع" أو " أطروحة"
بل إن المذكرة واضحة عندما تتحدث في المكون الثاني للمناقشة عن :
" طرح إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال"
مما يعني أنه قد سبق طرح إمكانيات معينة في المرحلة الأولى أي التحليل

بناءا على ما سبق،لا أفهم كيف يقال: إن السؤال يتضمن أطروحة! والبعض يمضي إلى حد القول: يتضمن السؤال أطروحة أو عدة أطروحات !
من المؤكد أن القائل لا يقصد ما يقول! ولكن في اللغة العربية متسع ليصوغ فكره بدقة حتى يقول ما يقصد. لنتأمل العبارة مرة أخرى:
"السؤال يتضمن أطروحة أو عدة أطروحات
أولا كلمة "يتضمن" في اللغة العربية تعني : يحمل أو حامل، ضِمنه، في ثناياه، بداخله… ومنها جاءت -ربما- كلمة "المضمون"
فهل السؤال يحمل في ثناياه أطروحة بهذا المعنى!؟
ثم هل ننسى بأن هؤلاء التلاميذ الذين ندرسهم الفلسفة، سبق لهم أن عرفوا في مادة اللغة العربية مايلي:
– الأساليب نوعان: خبر وإنشاء. الأول يحتمل الصدق والكذب، أما الثاني، فلا. والاستفهام واحد من الأساليب الإنشائية، بمعنى أنه لا يحتمل الصدق أو الكذب لأنه ببساطة لا يتضمن خبرا أي أطروحة
على هذا الأساس، لم لا نقول بكل بساطة:

يستدعي أو يحتمل السؤال جوابا أو عدة أجوبة، ويمثل كل جواب أطروحة فلسفية على المجيب أن يدلل عليها.

طيب. لماذا كل هذا الخلاف اللفظي؟ ولم الحرص من جانبي على دقة التعبير !؟
عندما أقول : "يستدعي"، فهو يستدعي من المجيب ! المجيب هو الذي سيقوم ببناء الجواب أو الأجوبة (تماما كما يقوم في صيغة القولة ببناء الحجاج المفترض، مع فارق مهم وهو أن القولة تتضمن فعلا وتنتصر لأطروحة في حين أن السؤال لا يكون متضمنا أو موحيا بأية أطروحة او جواب
في هذه الحالة لن ينسب المجيب -أي التلميذ- للسؤال أو صاحب السؤال أطروحة.
وأخيرا فإن المجيب لن يعتقد مثلما حدث لتلميذي اليوم الذي يبدو أنه تأثر بالأدبيات الرائجة أكثر مما تأثر بما أقوله، عندما سألني اليوم أثناء إنجاز الفرض المحروس وقد كان عبارة عن سؤال مفتوح:
"لا حاجة للمناقشة الداخلية أثناء الجواب على السؤال، سنكتفي بالمناقشة الخارجية، أليس كذلك يا أستاذ؟!"
فأجبته وأنا بالكاد أكتم غيظي :icon_rambo:: " ومن طالبك أصلا بهذه أو تلك، ثم إذا كانت داخلية، فداخل ماذا؟ وإذا كانت خارجية فخارج ماذا !؟
أعود للقول بأن:

"يستدعي أو يحتمل السؤال جوابا أو عدة أجوبة، ويمثل كل جواب أطروحة فلسفية على المجيب أن يدلل عليها، يتم عرض هذه الأطروحات واحدة عقب الأخرى بشكل جدلي أي بجعل كل أطروحة تحاور الأخرى، بطرق من طرق الحوار كالنقد أو التجاوز أو التكامل."


وبذلك نتجنب التشويش على عقول التلاميذ بحديث من قبيل: أطروحات متضمنة في السؤال! مواقف مؤيدة وأخرى معارضة! مناقشة داخلية أو خارجية…

خصوصية صيغة القولة المذيلة بسؤال والمطلب الغريب: المناقشة الداخلية للقولة!!
ملاحظة أخيرة، بخصوص القولة: يستحسن ألا نتحدث في صيغة القولة عن "مناقشة داخلية" لأن القولة تقريبا لاداخل لها !! خصوصا وأن المقصود بالمناقشة الداخلية في صيغة النص هي الحكم على وتقييم أفكار النص في ذاتها أي فقط في علاقتها بالحجاج الموظف للتدليل عليها ( قوي، ضعيف، متحيز، انتقائي، تعميم متسرع، مصادرة على المطلوب، سفسطة sophismes ..)،
بمعنى أننا "نحاسب" صاحب النص انطلاقا مما قاله هو نفسه، والحال أن القولة هي أطروحة بدون حجاج (تقريبا)، مما يعني أننا نقوم ببناء الحجاج المفترض ثم نحاكم الأطروحة التي انتهينا قبل قليل من التدليل عليها.
قد يقول قائل: وهل فقدنا عقولنا لكي نعيد بناء الحجاج المفترض وندلل على صحة الأطروحة، ثم نقوم بعد ذلك مباشرة بمحاكمتها وتقييمها وأحيانا نقدها ونقضها !!؟
والجواب هو أن ذلك يدخل ضمن ما يسمى بــ:
-القدرة على وضع الذات موضع الآخر
– القدرة على فهم مببرات الرأي الآخر حتى وإن كنت لا أتبناه
– وأخيرا القدرة على المحاججة بغض النظر عن الدعوى !! (والتي ورثها الفلاسفة عن السوفسطائيين)<

هذا ما قادني إليه اجتهادي، وككل اجتهاد، فهو يحتمل الصواب والخطأ، والنقاش وحده من يقرر ذلك

Facebooktwitterredditmailby feather

منهجية السؤال المفتوح من خلال أربع مذكرات وزارية متتالية

منهجية السؤال المفتوح من خلال أربع مذكرات وزارية متتالية

من أين يستنبط ويستقي مدرسو الفلسفة قواعد المنهجية التي يلقنونها لتلامذتهم؟
بوصفهم موظفين، فهم ملزمون بتطبيق مقتضيات المذكرات الوزارية التي يتوصلون بها من حين لآخر.
وطبعا فالمدرس لا يُمْلي على تلامذته فحوى المذكرة حرفيا، وإن كان بعضهم يفعل !! بل يقوم بترجمة هذه المقتضيات إلى منهجيات أكثر دقة وتفصيلا مستلهما في ذلك روح التفكير الفلسفي، لنقل أنهم يتصرفون هنا لا كمدرسين/موظفين بل بوصفهم مدرسين لمادة خاصة إسمها الفلسفة

لذلك، أقترح عليكم اليوم قراءة في منهجية السؤال المفتوح كما وردت في أربع مذكرات وزارية متتالية وهي:
-المذكرة رقم 127 بتاريخ 26/09/1996
-المذكرة رقم 186-04 بتاريخ 13/10/2001
-المذكرة رقم 142-04 بتاريخ 16/10/2007
-المذكرة 159 بتاريخ27/12/2007 أو مذكرة الأطر المرجعية (وهي آخر مذكرة لحد الآن)

يتضح من لائحة هذه المذكرات، أن طرح “أسئلة مفتوحة” على التلاميذ في التقاليد المدرسية المغربية ليس وليد اليوم، لعله نمط من أنماط الاختبار ، قديم قدم الفلسفة كمادة دراسية. ولكن نظرا للتغير الجذري الذي عرفته بنية البرنامج الدراسي من حيث الاختيارات البيداغوجية والتي ترجمت في تغير جذري مس المحتويات المعرفية منذ 1996 ، فقد اقتصرت -كما لاحظتم- على تتبع منهجية السؤال المفتوح في المذكرات الوزارية منذ هذا التاريخ الأخير

ستلاحظون يا رفاقي أنه لا توجد مذكرة تتحدث عن أطروحة متضمنة في السؤال ! إنها تتحدث إما عن مضامين أو عن رهان، ، باستثناء المذكرة الأخيرة التي تتحدث عن أطروحة متضمنة احتمالا في الموضوع. لاحظوا كلمة “احتمالا”، وهي تعبير حذر وصائب ! لأن بعض أدوات الاستفهام مثل “لماذا”، تجعل السؤال متضمنا بالفعل لأطروحة أو مسلمة، يُسأل عن علتها. فليت شعري، كيف استنبط رفاقي أن السؤال متضمن لأطروحة (مثلا: هل هناك طريقة واحدة لبلوغ الحقيقة؟) أو أطروحتين متضادتين (مثلا: أيهما يحكم الآخر، النظرية أم التجربة؟)، ونسبوا كل هذه الأطروحات لواضع السؤال؟ رغم أنها إما أجوبة ومواقف يدلي بها ويبنيها المجيب/التلميذ في الحالة الأولى، أو احتمالات وإمكانيات يفحصها في الحالة الثانية !!
نسبوا إلى السؤال مضمونا، وتناسوا العبارة الرشيقة الشهيرة لجرانفيل: “يفترض السؤال الفلسفي شكا مسبقا في الجواب باعتباره معرفة (…) إن السؤال الفلسفي يفترض في الواقع أن المعرفة مستحيلة أو على الأقل أن هناك معرفة مزعومة، معرفة ليست في الواقع معرفة” (كتاب الفلسفة- المملكة المغربية -طبعة 1995)
(هناك إشكالية عويصة لاينبغي إهمالها أو تحويلها إلى مسلمة ألا وهي: “هل سؤال امتحان الفلسفة سؤال فلسفي فقط لأنه مطروح في مادة الفلسفة، أم أن نوعية المعالجة والتحليل والمساءلة التي سيقوم بها المجيب/التلميذ هي ما يجعله كذلك أي سؤالا فلسفيا؟” سأناقش ذلك في فرصة أخرى)

المذكرة رقم 127 بتاريخ 26/09/1996
نقرأ في الصفحة 11:
إن التعبير عن السؤال المفتوح (أو الحر) يكون دائما تعبيرا خاصا، ولهذا الاعتبار لا يمكن الحديث عن صيغة موحدة، ومن ثم عن طريقة نمطية للمعالجة، بل إن الأمر يستلزم:
-قبل الإجابة على السؤال، تحليل السؤال نفسه للوقوف على ما يرومه وما ويوجد وراءه من خلفيات وأسس وما يحيل عليه من إشكالية ويلزم باستحضاره وإقصاءه أثناء المعالجة
-يكون على التلميذ أن يكشف رهانات السؤال بوسائله الخاصة
-أن يستجيب لمجموعة الشروط والمواصفات التي تمليها ضوابط الكتابة الإنشائية الفلسفية
– وينتظر من التلميذ أن يوظف مكتسباته المعرفية والمنهجية ليعبر من خلالها عن تفكيره الحر وعن قدرته على استكشاف المضامين الكامنة في السؤال، وعن توظيفه لتقنيات المساءلة
لاحظوا معي أنه لا حديث عن أية أطروحة أبدا، وقد جاءت هذه المذكرة- في نظري- أكثر وفاءا لروح التفلسف بدليل أنها اعترفت بالطابع الخاص المتعدد لصيغ الأسئلة وبالطابع المتعدد لإمكانيات المعالجة كما أكدت على ضرورة الوقوف عند مفاهيم السؤال والتي من شأنها أن تساعدنا على:
-تحديد الإشكال أو بالأحرى إعادة صياغته
-الكشف عن خلفيات وأسس السؤال
-تحديد ما يلزم استحضاره وإقصاؤه من ركام المعلومات والمعارف والمواقف الفلسفية التي اكتسبناها
لاحظوا كيف أنها تتحدث في الفقرة الأخيرة عن مضامين (وليس عن أطروحات) كامنة في السؤال ينبغي استكشافها !

المذكرة رقم 186-04 بتاريخ 13/10/2001

نقرأ في الصفحة 7 :

إن التعبير عن السؤال المفتوح (أو الحر) يكون دائما تعبيرا خاصا، ولهذا الاعتبار لا يمكن الحديث عن صيغة موحدة، ومن ثم عن طريقة نمطية للمعالجة، بل إن الأمر يستلزم:
-قبل الإجابة على السؤال، تحليل السؤال نفسه للوقوف على ما يرومه وما ويوجد وراءه من خلفيات وأسس وما يحيل عليه من إشكالية ويلزم باستحضاره واقصاءه أثناء المعالجة
-يكون على التلميذ أن يكشف رهانات السؤال بوسائله الخاصة
-أن يستجيب لمجموعة الشروط والمواصفات التي تمليها ضوابط الكتابة الإنشائية الفلسفية

لاحظوا كيف أن هذه المذكرة مجرد استنساخ للأولى، لكن بعد حذف الفقرة الأخيرة التي يرد فيها الحديث عن مضامين كامنة في السؤال يتعين على التلميذ استكشافها
لماذا هذا الحذف؟ هل تغير محرر المذكرة، أم أن المحرر الأول راجع نفسه؟ هل جاء الحذف نتيجة جدل داخل لجنة صياغة المذكرة !!؟
أمر الآن إلى المذكرة التي تلتها:

المذكرة رقم 142-04 بتاريخ 16/10/2007
في هذه المذكرة ستنضاف عبارة “إشكالي” إلى عبارة “مفتوح” ليصبح سؤالنا سؤالا إشكاليا مفتوحا !
نقرأ في الصفحة 7:

يجب أن يننصب عمل التلميذ، في هذه الصيغة على كتابة إنشاء فلسفي متكامل، بيين فيه فهمه للسؤال المطروح في علاقته بالبرنامج المقرر (4 نقط)، وتحليل عناصر الإشكال بارتباط مع المعرفة التي تقتضيها المعالجة (5 نقط)، ومناقشة الإشكال على ضوء الأطروحات والأفكار التي يراهن عليها السؤال المطروح (5 نقط) كما يتعين عليه صياغة تركيب لعناصر التحليل والمناقشة (3 نقط) واستيفاء الجوانب الشكلية في الكتابة الإنشائية: الأسلوبية واللغوية ( 3 نقط)

لقد ظهرت لأول مرة ما يسمى بــ فهم السؤال في علاقته بالبرنامج المقرر وخصصت لهم أربع نقط!! وهذاما ترجمه بعض أساتذة الفلسفة في ضرورة تضمن المقدمة لعبارة من قبيل: يندرج هذا السؤال ضمن درس (وفي ما بعد، مجزوءة) كذا وبالضبط في محور أو إشكالية كذا… فما هي..إلخ
كما ستظهر لأول مرة كلمة أطروحة بصيغة الجمع (أطروحات) بوصفها ما يراهن عليه السؤال، فأصبح للسؤال إذن أطروحات يراهن عليها! وهذا أمر مقبول رغم ذلك: خصوصا وأن مفهوم الرهان يعني ما نربحه أو نخسره إذا قبلنا أمرا ما أو رفضناه، أي نتائج اختياراتنا البدئية. وعليه فالسؤال يدفعنا للمراهنة على بعض الأطروحات وبحث ما يترتب عن كل مراهنة من نتائج…

المذكرة 159 بتاريخ27/12/2007 أو مذكرة الأطر المرجعية
جاءت هذه المذكرة لتضع كما يشير عنوانها إطارا مرجعيا تعاقديا يحد من احتمالات الفوضى التي قد يحلقها تعدد الكتب المدرسية (وكأن الأستاذ لاينبي درسه بغير الكتاب!)، ولأنها إطار مرجعي، فقد حددت في البداية – وهذا أمر مستحدث- مواصفات السؤال نفسه، كما حوت جدولا بحسب المكونات المفترضة للموضوع الإنشائي

مواصفات السؤال الإشكالي المفتوح:
إن التعبير عن السؤال الإشكالي المفتوح لا يتخذ صيغة نمطية واحدة، وينبغي أن يتصف السؤال الإشكالي بالوضوح والدقة، وأن يحيل على مجال إشكالي لمفهوم واحد أو أكثر، كما يمكن أن يحيل على المجال الإشكالي لمجزوءة واحدة أو أكثر.

الفهم ( 04 نقط)
إدراك موضوع السؤال وترابطاته؛
إبراز عناصر الإشكال.

التحليل (05نقط)
إعادة صياغة الإشكال وتحليل أسئلته الأساسية؛
توظيف المعرفة الفلسفية الملائمة لمعالجة الإشكال؛
البناء الحجاجي والمنطقي للمضامين الفلسفية.
المناقشة: (05نقط)
مناقشة الأطروحة المتضمنة احتمالا في الموضوع؛
طرح إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال..

التركيب: (03نقط)
استخلاص نتائج التحليل و المناقشة؛
إبراز المجهود الشخصي للتلميذ.

الجوانب الشكلية: (03نقط)
اللغة والأسلوب ووضوح الخط.

مع هذه المذكرة، انتقلنا من الحديث عن “أطروحات يراهن عليها السؤال” إلى الحديث عن ” أطروحة متضمنة احتمالا في الموضوع”!
وهكذا فقد انتقلنا من الجمع (أطروحات) إلى المفرد (أطروحة)، كما انتقلنا من “السؤال” وما يراهن عليه، إلى “الموضوع” وما يتضمنه !
فهل المقصود بالموضوع هو السؤال !!؟ أم المقصود بالموضوع هو موضوع السؤال كالنظرية أو العنف أو التاريخ !؟ أم أن الموضوع هو ما سبق للمترشح ان “وضعه” في مرحلة التحليل !!؟
وبعد كل هذا تطالب المذكرة، بطرح “إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في الإشكال”. والسؤال هو: إذا كانت “أخرى”، فما هو هذا الشيء الذي ستكون الإمكانيات الإضافية آخر بالنسبة إليه!؟
فلو كان السؤال هو: ” أيهما يحكم الآخر، النظرية أم التجربة؟”
فهل ستكون الإمكانية الأولى هي: النظرية تحكم التجربة،
والثانية : التجربة تحكم النظرية،
والأخرى: لا أحد يحكم الآخر! أو أن المشكل مطروح بشكل مغلوط وأن السؤال زائف؟ أو أنهما متظافران..إلخ

تلك هي المذكرات الأربع عرضت عليكم مضامينها وفحواها، وقد يتساءل البعض: وما الفائدة من استعراض فحوى مذكرات انتهى مفعولها ونسختها مذكرة جديدة ينبغي أن يؤخد بمقتضياتها ,هي المذكرة الأخيرة رقم 159 أو مايسمى مذكرة الأطر المرجعية !؟
اعتراض وجيه جزئيا ! ولكن هل يتناسى مدرس الفلسفة أن حقيقة الشيء -إن كانت له حقيقة- لاينفصل عن تاريخه وصيرورته؟! إذا كانت كل مذكرة تنسخ أخرى، فهل يعني ذلك أنها تخطئها وتسفّه ما حوته؟ ألا يعني ذلك أننا كنا نلقن التلاميذ الأخطاء ساعتها !؟
إن حجة النسخ إذن ضعيفة واهية. ألا يمكن -على العكس من ذلك-ان نرى في التغيرات التي شهدها تصورات اللجنة المركزية المصدرة والمحررة للمذكرات على امتداد أكثر من عقد من الزمان، شاهدا على مدى التخبط والضبابية الذي تشهدها المنهجية في مادة الفلسفة مقارنة مع مواد دراسية أخرى !؟ هذا التخبط الذي يعود في نظري إلى تجنبنا المستمر لفتح نقاش عميق حول المبررات والأسس الفلسفية لهذه المنهجية أو تلك ومدى قدرتها أو عجزها -في حالة تطبيقها من قبل التلميذ- على إنتاج إنشاءات فلسفية جيدة أو مقبولة…
أتمنى أن يكون هذا العمل مساهمة في تنظيم والحد من فوضى المنهجية الذي تعرفه ماة الفلسفة والذي ينعكس سلبا على التلميذ أثناء عملية التقويم

Facebooktwitterredditmailby feather

الكتابة الإنشائية لتلامذتنا في الامتحان الوطني: العود الأبدي لنفس الأخطاء ! !

الكتابة الإنشائية لتلامذتنا في الامتحان الوطني: العود الأبدي لنفس الأخطاء ! !

مالذي يمنع التلميذ من التفكير الفلسفي يوم الامتحان: الجهل أم الرعب أم الكسل المعرفي؟؟

أقدم بين أيديكم زملائي المدرسين أعزائي التلاميذ لائحة غير حصرية بالأخطاء التي ألفتها لكثرة ما صادفتها في كتابات التلاميذ!!! والتي يمكن تجاوزها بالقليل من التركيز وإعمال العقل عوض الاستسلام لرد فعل الفزع والاحتماء وراء الأمان الموهوم للملخص المكدس في الذهن أو في… الجيب!!ء

الهفوة الأولى
الإهمال التام للنص أو السؤال أو القولة والاحتماء وراء الأمان الموهوم للملخص:

في امتحان هذه السنة – كما في سابقاتها- لم تدم علاقة بعض المترشحين بورقة أسئلة الإمتحان – فيما يبدو – سوى بضع لحظات، اعتبرت كافية لتخمين “الدرس” أو “المحور” المقصود، ثم نحيت جانبا!!! وهكذا استنتج من اختار السؤال الأول أنه يدور حول علاقة الحقيقة بالواقع وبما ان هناك محورا في الملخص يحمل عنوانا مماثلا،فقد هرع إليه مستظهرا إياه دون ان يكلف نفسه من حين لآخر عناء الإحالة على السؤال سواء في الخلاصات المرحلية في آخر كل فقرة أو عند الخلاصة النهائية في آخر الموضوع
لم أقرأ ورقة التقط صاحبها أنفاسه في منتصف العرض ليقول : يتين مما سبق أن الحقيقي هو الواقعي ولكن… أو يقول فبي الختام: إنطلاقا من مجموع المواقف التي أتينا على ذكرها بشأن علاقة الحقيقي بالواقعي ومنزلة الواقع نخلص غلى أن..
أما من اختار النص فقد استخلص منه سريعا أنه يناقش موضوع الشخصية ، العوامل المساهمة في بنائها أو دور الشخص في بناء شخصيته ثم هرع إلى محور في الملخص يحمل عنوانا مشابها وانطلق لا يلوي على شيء حتى أدرك نهاية الموضوع…
وكان النص لايضيف إلى معرفتنا أي جديد! وكأن النص لايتضمن إشكالية أصيلة ربما لم تطرق في الملخص بشكل مقصود وهي” وحدة او تعدد الشخصية” وكأن النص لا يثير الانتباه إلى ” البعد الزمني للشخصية” وكيف أن الشخصية هي إمكانيات أو مشروع يعاش في المستقبل أكثر مما يعاش في الحاضر… وكأن النص لا ينتقد ضمنيا مقاربة العلوم الإنسانية التي تتناول الشخصية في بعدها الحاضر مثلما يتناول العلم الطبيعي موضوعاته، وكأن النص لا يتضمن مثالا عن الطالب الذي هو أنا!!! والذي و إن كان تلميذا اليوم أي في الحاضر، لكن مايفعله وهو يجتاز الامتحان الآن يلغي حقيقته كتلميذ لأنه لا يتصرف بوحي من وضعية التلمذة بل بوحي من الامكانيات المستقبلية التي يضعها نصب عينيه وكأن وكأن…
هذه كلها معطيات غنية وجديدة، أنا نفسي كمصحح أستكشفها لأول مرة في النص ، مركبة ومصاغة على هذا النحو..!! وكأني بالمترشح يخاطب النص قائلا: اخرس مكانك أيها النص المراوغ! ألا تتحدث عن الشخصية ؟ طيب، لدي الكثير في ملخصي مما أقوله عنها…بحيث يغنيني عنك !!
وكأني بالمترشح يختزل النص إلى سؤال مباشر مفاده: ” استعرض ما تعرفه عن الشخصية أو عن دور الشخص في بناء شخصيته؟!!!ء

الهفوة الثانية:
مقدمة جاهزة مسبقا: المقدمة الصالحة لجميع المواضيع لاتصلح في الواقع لأي موضوع!!

هي تلك المقدمات التي تشبه المفاتيح التي تفتح كل الأبواب pass-partout وكأن المقدمة تنتمي إلى فئة الملابس الجاهزة. وكأنها معدة قبليا ولايوحي بها النص أو السؤال بعديا، وكأنني عندما أقصد أحدهم لأقترض منه بعض المال، أقصده مسلحا بمقدمة جاهزة، عوض أن استوحي المقدمة من سياق الحديث الذي لايمكنني التنبؤ به قبليا!!ء مقدمات مثل هذه تتكرر بشكل يدعو إلى الملل بل و ” تنوم” يقظة المصحح واهتمامه بالموضوع: ” أثار موضوع …كذا وكذا… جدلا واسعا بين الفلاسفة الذين تناوله كل واحد منهم من وجهة نظره الخاصة، ترى ما هي…؟…”
للمقدمة غاية عملية وظيفية لا زخرفية: هي التمهيد للموضوع وابراز أهميته أو إثارة بعض الالتباسات أو المفارقات لتبرير طرحنا للأسئلة التي نصوغها في آخر هذه المقدمة نفسها

الهفوة الثالثة:
التغييب التام للواقع والأمثلة الحية

هل سقط المترشحون ضحية التمثل المشترك الذي يتهم الفلسفة بكونها فكرا مجردا يحلق في سماء النظريات بعيدا عن هموم الناس الحياتية؟ هذا ما ألمسه باستمرار: لا أحد من المترشحين تقريبا غامر إلقاء نظرة من نافذة قاعة الامتحان، فيضرب أمثلة من الواقع! ، لاأحد تقريبا يغامر بفتح نافذة عالمه الداخلي لكي يمزج جفاف الفكر المجرد بطراوة التجربة الذاتية الحية!!ء التي لا يعادلها في حجيتها أحيانا أي برهان أو استدلال منطقي ولا يكافئها في قوتها أي اشتشهاد من أي كتاب كما نرى عند برغسون او الفينومنلوجيين
في جوابهم على سؤال: ” هل الحقيقي هو الواقعي؟” لم يخطر ببال المترشح ذكر القاضي الذي يحث الشاهد على قول الحقيقة أي وصف الواقع كما عاينه فعلا!! لم يخطر ببالهم أيضا السراب وباقي أشكال الوهم التي وإن كانت تتمتع بكل صفات الواقعي من وجهة نظر الانطباعات الحسية الذاتية او من وجهة نظر الرغبة إلا أنها ليست حقيقية مع ذلك ولم يخطر ببالهم … ولم يخطر ببالهم…ْ

الهفوة الرابعة:
استعادة “ببغاوية” ركيكية لجمل النص

وهي أهون الهفوات: يقع فيها بعض المترشحين الذين نحمد لهم وعيهم فعلا ضرورة الاشتغال على النص ولكنهم لسبب او لآخر يعجزون عن إنتاج أي قيمة مضافة أثناء حوارهم مع النص، أقصد انهم يستعيدون جمل النص مع بعض التحوير الركيك في العبارة أحيانا؛ وعند الفراغ من هذا الواجب الإلزامي الثقيل، تطل فقرات الملخص واحدة بعد أخرة دون أي جسور أو وشائج مع ما قيل من قبل. بحيث يصبح القارئ أمام جزئين منفصلين تمام الإنفصال، لكل منهما حياته الخاصة!! بحيث يمكن حذف أحدهما او قراءته منفردا دون حرج
لقد اكتفيت بالوصف في عرضي لهذه الهفوات، أما تشخيص الأسباب واستشراف الحلول فذاك موضوع آخر سيأتي مجال تفصيله مستقلا
هذه أهم الهفوات التي استطاع نظري المتواضع ان يرصدها أضعها بين يدي زملائي للتعليق عليها أو غلإضافة إليها ولكني بالدرجة الأولى أضعها بين يديكم أعزائي المتعلمين لتجاوزها

Facebooktwitterredditmailby feather