أرشيف التصنيف: نصوص

نصوص لدرس الغير – من هو الغريب؟؟

نص: من هو الغريب؟؟!!

من نصوص الأنثبربولوجيا الكولونيالية حول المغرب

إشكال النص: من هو الغريب؟ هل الغريب هم الأهالي البسطاء المحملقون في الرحالة الأوروبي؟ أم هو الرحالة الأوروبي الذي حل فجأة بين ظهرانيهم؟

اانتبه تقديم النص:
النص مقتطف من كتاب “مراكش” لإدموند دوتي Edmond Doutté ، عالم اجتماع وانثربولوجي فرنسي اشتغل بالتدريس في المدرسة العليا للآداب بالجزائر، وقام بعدة رحلات استكشافية في المغرب إبان الفترة السابقة على الحماية. والكتاب في الحقيقة وصف إثنوغرافي مفصل مع تحليلات سوسيولوجية وانثربولوجية لرحلة قادت دوطي من الدار البيضاء إلى مراكش في 25 مارس 1901. من مؤلفات دوطي: “ملاحظات حول الإسلام المغاربي” ، ” السحر في المغرب”
اانتبه
أهمية النص من الناحية الديداكتيكية
وتكمن أهمية النص، من الناحية الديداكتيكية، في:

  • خاصيته الإستفزازية للمتعلم ( المغربي)، فهو يقدم نموذجا لإنسانين/ حضارتين يدرك كل منهما الآخر بوصفه غريبا. لكنه أيضا يتضمن أحكاما حول الذات الجماعية للمتعلم ( المغاربة في بداية القرن العشرين) صادرة عن زائر وملاحظ ودارس خارجي يحمل قدرا لابأس به من الأحكام المسبقة التي تكتسي طابع ” العلمية ” احيانا ، حول الأهالي، البدائي أو حول الإسلام؛ ومن شأن هذه الأحكام السلبية في مجملها أن تثير ” ميكانيزمات الدفاع” عن الذات عند المتعلم، فتدفعه إلى الإنخراط العقلي والوجداني للتفكير في علاقة الذات بالغير وكذا منزلة الغريب.
  • لكن، يفترض بنا في اللحظة الثانية من لحظات مقاربة النص، أن نسجل أن أحكامه بقدر ما تنصب حولنا بقدر ما تنصب حول ذلك النحن الذي لم نعد متطابقين معه على النحو الذي يصفه “دوطي”، إنه يصف جزءا من هويتنا أصبح غريبا عنا (كريستيفا…) بحكم التغيرات المتسارعة التي بدأت منذ صدمة اللقاء مع الآخر، الغرب، المستعمر… إنها إذن دينامية الهوية: إذ لم نعد نعتقد كأسلافنا أن الكفار يسكنون الجزر أو يحرثون البحر!!
النص:
رغم أن الأهالي غير متعصبين ( دينيا) ، ويبدون بعض التقدير للأوروبيين، لكنهم لايستطيعون مع ذلك إخفاء أحتقارهم العميق لهم. ومهما بلغت حفاوة الإستقبال، فإن على الزائر المسيحي الحساس أن يتحمل العيش في مناخ الإحتقار الدائم: إذا كان موقف المسلمين المسنين الميالين بطبعهم إلى التحفظ يدفعه إلى التشكك في وجود مثل هذا الإحتقار، فإن سلوك الأطفال المعروفين بعفوية الطبع والميل إلى السخرية يبدد أوهامه ويذكره بحقيقة المشاعر التي لقنهم إياها آباؤهم.
وحتى في مدينة مثل سلا، لايستطيع الأوروبي أن يتجول فيها دون أن تطرق أذنه صيحات الأطفال الساخرة، أو يقذف بالحجارة، لدرجة أن نصت معاهدة عقدت بين الأقاليم المتحدة ومدينة سلا منذ خمسين سنة على ” ألا تساء معاملة التجار (الأوروبيين) بالشتائم أو الضرب أو رمي الحجارة أو الأوحال أو أية معاملة أخرى مهينة “؛ واليوم، في سنة 1902، لم تتغير الأمور جذريا، إذ يحس الزائر بقوة أنه ” نصراني” بكل ماتحمله هذه الكلمة من معان سلبية في أذهان المسلمين شبيهة بالدلالات التي تحملها كلمة “يهودي” في أوروبا اليوم. ورغم حرص الرسول والفقهاء على اختصاص اليهود والنصاري بمنزلة متميزة عن منزلة الوثنيين، إلا أن العامة لايأبهون لهذه التمييزات – إن هم علموها – فالمسيحي واليهودي والوثني كلهم سواء في ما يثيرونه من حساسية ونفور.

علينا إذن ان نتذكر على الدوام – ونحن نسافر وسط الأهالي غير المتعلمين – أننا نمثل شيئا نجسا وأن أجسادنا نفسها تثير الإشمئزاز. ذلك أيضا هو مذهب الإسلام التقليدي: جسم المسيحي غير طاهر والوضوء واجب عقب لمسه. صحيح أن الفقهاء مالبثوا ان صححوا هذا المعتقد الموغل في البدائية فقرروا أن نجاسة المشرك التي أعلنها القرآن هي نجاسة معنوية روحية وليست مادية (…) . بيد أن العامة لايأبهون لهذه التفاصيل الفقهية، ولذلك تستمر الحوادث اليومية البسيطة والمتكررة مذكرة المسافر على الدوام أنه مجرد كافر مشرك، ولايرفع عنه هذا الإحساس إلا أن يكون شخصية مهمة أو جزءا من حاشية أو موكب شخصية مهمة.

علينا أن نميز في حذر المغاربة تجاه الأوروربيين، بين إحساسين مختلفين: كراهية الكفار وخشية الغزاة، وهما إحساسان يغذيان بعضهما بشكل متبادل. بيد أن هذا الحذر يضرب بجذوره عميقا في مشاعر الخوف المتأصل في النفس البشرية من الغريب بصفة عامة.

غالبا ماتصدم الإنسان البدائي إختلافات الأعراق والأجناس؛ ومعلوم لدينا خوف الأقوام المتوحشين من كل جديد. وقد إمتد هذا الخوف إلى المجتمعات الإسلامية نفسها من خلال الإستنكار والتحريم الذي يحيط بمفهوم “البدعة”.

يخلق الغريب لدى البدائي شعورا بالحذر واضح للعيان: يترقب شره محاولا إتقاءه، معتبرا إياه ساحرا يشتبه في أبسط حركاته. وفي المناطق النائية في المغرب، يتابع الأهالي بمزيج من القلق والتهكم حركات الأوروبي وهو يقلب أوراق كتبه، أو يتناول أدواته بإعتبارها كائنات غريبة مجهولة. لسنا في نظرهم سوى سحرة تخشى تعاويذهم.

ينتشر هذا الموقف من الغريب على نطاق واسع، فالناس في كل مكان ينسجون حول الغرباء أغرب الأساطير، وينسبون إليهم أفظع الأفعال والأوصاف: لقد سئل هاريس (1) من قبل بعض المسلمين عما إذا كان بين النصارى رجال ونساء أيضا !! كما سئل دو فوكو (2) عما إذا كان الكفار – كما يشاع- يسكنون الجزر ويحرثون البحر ! بل إن ملابسي المكونة من صدرية وسروال من القطيفة ( المخمل) كانت مصدر إستغراب الأهالي على الدوام، وتعين على مرافقي من المسلمين أن يرددوا باستمرار في وجه الأهالي المتشككين : ” راجل بحالكم”(3).
لكن مثل هذه المواقف الغريبة ليست حكرا على المسلمين إذا ما تذكرنا الأحكام والتصورات الخرقاء التي رددها أوروبيو القرون الوسطى حول المسلمين أيضا.

يحاول البدائي جاهدا استبعاد الغريب أو إقصاءه إتقاءا لشره، خصوصا إذا كان مظهره بشعا أو مقززا. وإذا عجز عن استبعاده وطرده فرض عليه نوعا من “الإغتسال والطهارة ” قبل قبوله داخل الجماعة، أو سعى إلى كسب وده بدعوته إلى الطعام بمقتضى إعتقاد مفاده أن الطعام المشترك بين الأفراد يجعل أقدارهم ومصائرهم مشتركة أيضا. ولعل في هذه المشاعر المزدوجة نحو الغريب ما يفسر طبيعة الضيافة في منطقة القبايل حيث يمتزج الكرم بالحذر ، وفي المغرب حيث يغدقون عليك من ” المونة” لكنهم يراقبونك عن بعد.

ولهذا الخوف من الغريب مقابله الموضوعي الضروري ألا وهو الخوف من السفر: فإذا كنا نخشى الغرباء الذين يحلون بين ظهرانينا، فإنا أيضا نخشى أن نسافر فنحل يوما بين ظهراني هؤلاء الغرباء انفسهم. و في ذلك تفسير لما يحفل به الإسلام من آداب وأدعية للسفر الذي تفرد له كتب الحديث بابا خاصا. أما في المجتمعات البدائية فيخضع المسافر لطقوس الإغتسال والتطهر قبل وبعد وأثناء السفر، لتحييد الأخطار الماضية أو الآتية، ومن أمثلة ذلك الماء الذي يلقى في شمال إفريقيا عن أقدام العائد من السفر. وقد شهدنا ذلك سنة 1902 ونحن نهم بمغادرة الصويرة نحو المناطق الداخلية عندما خرج أحد أقارب مرافقي وأفرع دلوا من الماء عند أقدام فرسه.

================
هوامش المترجم:
(1) Harris رحالة ومستكشف فرنسي مؤلف كتاب حول تافيلالت
(2)De Foucauld راهب، رحالة ومستكشف فرنسي جاب المغرب في أواخر القرن 19 وبدايات القرن 20 متنكرا في ثياب تاجر يهودي؛ من مؤلفاته: ” استكشاف المغرب”
(3) هكذا بالدارجة في النص الفرنسي: “Ràjel bhàlkoum”

Facebooktwitterredditmailby feather

نصوص لدرس الشخص – لماذا تكمن الهوية في الإرادة

اقرأ هنا النص الثاني لطوم ريغان:ولكن، لماذا يتعين معاملة الكائن البشري كغاية لا كوسيلة؟
اقرأ هنا نصا لجون لوك: تكمن هوية الشخص في الوعي وليس في أي جوهر، مادي او لامادي
اقرأ هنا نصا آخر لطوم ريغان:مفارقات وحدود التأسيس الكانطي لقيمة الشخص
اقرأ هنا نصا للروائي إحسان عبد القدوس:من أنا؟ أكاد أجن أو إلغاء الفرد

ثلاث نصوص لشوبنهاور من أجل الإجابة على سؤال:
لماذا تكمن الهوية في الإرادة

تقديم: لماذا يحتاج المدرس إلى الاطلاع على نصوص إضافية لشوبنهاور؟
لايوجد في "كتابي" المدرسي (منار الفلسفة) :icon_wink: نص شوبنهاور، ولكن حب الاستطلاع والرغبة في المقارنة دفعاني هذه السنة إلى إلقاء نظرة سريعة عليه حيث هو في كتاب "رحاب الفلسفة". ولكن هذه النظرة السريعة، تحولت إلى مقام طويل كلما حاولت فهم النص جيدا من أجل التمكن من إفهامه لاحقا لتلامذتي.
أعتقد أن كل مدرس فلسفة صادق مع نفسه، قد طرح حول نص شوبنهاور الأسئلة التالية:

– ولكن، لماذا يرفض شوبنهاور اعتبار الوعي أو الذاكرة مصدر هوية الشخص؟
– وإذا كان نقده هذا موجها إلى جون لوك بالخصوص، فما موقفه ياترى من التصور الديكارتي لهوية الشخص أو بالأحرى لجوهر الإنسان؟
– وقبل هذا وذاك، ما المقصود بالإرادة عند شوبنهاور؟

أسئلة لابد من الجواب عليها إن نحن رغبنا حقا في فهم نص شوبنهاور ومساعدة التلاميذ على فهمه
والحال أنه لا يمكننا للأسف فهم النص اعتمادا على النص وحده، وهذا دليل آخر يثبت – إن كان الأمر يحتاج إلى إثبات – بأن فهم نص في الكتاب المدرسي مكون من عشرين سطرا يقتضي قراءة خمسة أضعاف ها العدد من السطور ! كما يقتضي أيضا معرفة موقع النص وسياقه في الكتاب أو الفصل المقتطف منه، ومالذي كان الفيلسوف بصدده عندما وصل إلى النقطة التي نقرأها الآن في نصه؟
إن الأمر أشبه بمحاولة فهم محاضرة تعطل مكبر الصوت في الدقائق الأربع الأولى ثم عاد الجهاز للعمل طوال دقيقة ثم تعطل مرة أخرى في الدقائق الخمس الأخيرة ! يا لها من مهمة فهم مستحيلة

النصوص التالية من ترجمتي الشخصية، وقد ترجمتها عن الترجمة الأنجليزية لكتاب شوبنهاور "العالم كإرادة وكتمثل"، وبالضبط من المجلد الثالث، الفصل 19 (بعنوان: أولوية الإرادة في الوعي الذاتي ) الطبعة السادسة، لندن 1909
وفي ما يلي إحالته الكاملة:
Arthur Schopenhauer, The world as will and idea. Vol iii, Trad R. B. Haldane, and J. Kemp, Sixth edition, Kegan Paul, London 1909

النص الأول: لماذا يرفض شوبنهاور اعتبار الوعي أو الشعور أو حتى العقل مكمن الهوية الشخصية؟

نجد الجواب واضحا في الفصل 19 ، بل وسيجد القارئ الحصيف نفسه أمام أفكار لا تنسب في العادة سوى لنيتشه !!
والجواب هو أولوية الجسم/الإرداة على العقل و الفكر

النص:
تمثل الإرادة، من حيث هي الشيء في ذاته، الطبيعة الأصلية الحقيقية واللافانية للإنسان؛ ومع ذلك فهي في حد ذاتها لاواعية.ذلك أن الوعي مشروط بالعقل intellect والعقل مجرد حدث طارئ عارض في وجودنا؛ والوعي أيضا وظيفة من وظائف الدماغ، والدماغ يشكل مع الأعصاب والحبل الشوكي مجرد ثمرة، بل زائدة بالنسبة لبقية الجسم؛ لأنه لايدخل مباشرة في التكوين الأصلي [للكائن]أما وظيفته فتقتصر على خدمة حفظ البقاء من خلال ضبط العلاقة بين الجسم ومحيطه (…) بناءا عليه نستطيع القول بأن الجسم هو ظاهرة أولى أي التمظهر المباشر للإرادة، وأن العقل لايأتي إلا ثانيا عنها.الإرادة ميتافيزيقية والعقل فيزيقي،العقل مثله مثل موضوعاته ليس سوى الظاهرة بينما الإرادة هي الشيء في ذاته، (…)
تتضمن كل عملية وعي عنصرا مدرِكا وآخر مدرَكا، وينطبق ذلك ليس فقط على عملية إدراك العالم الخارجي بل على الإدراك أو الوعي الذاتي، وإلا فلن يكون وعيا، لأن الوعي معرفة والمعرفة تقتضي مدرِكا ومدرَكا. ولن يكون هناك أي وعي ذاتي مالم يكن فيه أيضا جزء مدرَك مقابل للمدرِك ومتمايز عنه (…) ولذلك فالفكر intelligence الخالص أمر مستحيل، الفكر مثل الشمس لا يمكنها أن تضيء الفضاء ما لم توجد أجسام تعكس أشعتها.وعليه فالمدرك او موضوع الإدراك في حالة الوعي بالذات ليس شيئا آخر غير الإرادة
المصدر: مذكور أعلاه، ص 411

النص الثاني: والآن ماهي هذه الإرادة ؟!

نجد الجواب في نفس الفصل الذي نحن بصدده،

النص:
ليست الإرادة مجرد الرغبة واستهداف الغاية،ولكنها أيضا السعي والجهد والتخلص والأمل والخوف والحب والكراهية، وباختصار فكل مايشكل مصدر سرائنا وضرائنا، وميلنا ونفورنا ليس سوى أحوال وتنويعات للإرادة ، تغيرات للإرادة، في حركتها أو سكونها، وهذا ما يظهر كفعل خاص من أفعال الإرادة عندما ينتشر مفعوله في الخارج. المصدر: مذكور أعلاه، ص 411

النص الثالث: ماعلاقة الإرادة بهوية الشخص؟

ومامعنى قول شوبنهاور في السطر 14 من النص الوارد في الرحاب ص 16:
"ومع ذلك، فإن هوية الشخص لايفقدها هذا الاختفاء المستمر للتذكر. إنها تتوقف على الإرادة التي تظل في هوية مع نفسها، وعلى الطبع الثابت الذي تمثله"

لنقرأ شوبنهاور مرة أخرى، حيث يظهر أن هوية الشخص لا تكمن في الإرادة وحدها في الحقيقة بل في الطبع الخلقي Character أيضا، أو لنقل إن الطبع أقوى تجل من تجليات الإرادة

النص:
يظهر الفرق التام بين الصفات العقلية والصفات الأخلاقية لاحقا في أن العقل يخضع لعدة تغيرات مع مرور الزمن، بينما تظل الإرادة والطبع على حالهما. [هنا يأتي شوبنهاور على ذكر وصف طويل ودقيق لمراحل نمو القدرات العقلية للطفل في علاقتها بالنمو الفيزيلوجي للدماغ والجسم ككل وذلك من مستواها الأدنى وصولا إلى مرحلة النضج، الأربعينات، وكيف يبدأ بعد ذلك مسلسل التدهور لنعود مع الشيخوخة إلى الحالة الأولى] هكذا تبدأ قدرات العقل المتوقفة على قدرات الجسم العضوية، تبدأ في التناقص التدريجي بشكل لا رجعة فيه. وسواء تعلق الأمر بملكة التصور أو المخيلة أو المهارة الحركية أو الذاكرة، فإنها تضعف بشكل ملحوظ، ومن ضعف إلى ضعف مع تقدم السن لتصل إلى مرحلة شبه طفلية بدون ذاكرة ونصف واعية.في حين أن الإرادة بالمقابل تظل بمنأى عن كل هذا التحول والتدهور والإنقلاب. تظل هي نفسها منذ البدء وإلى النهاية. وبخلاف المعرفة، فالإرادة لا تحتاج إلى تعلم، بل تنجح في أداء مهمتها منذ الوهلة الأولى. فالوليد الصغير تصدر عنه حركات عنيفة وغضب وصراخ؛ إنه يريد بالمعنى القوي للكلمة، رغم أنه لا يعرف بعد ماذا يريد، لأن العقل، رسول الدوافع، لم يتطور بعد. تسبح الإرادة في ظلام دامس منقطعة عن العالم الخارجي حيث توجد موضوعاتها، وهي تزمجر كسجين يضرب جدران زنزانته وقضبانها. لكن الظلام يغدو شيئا فشيئا نورا: هنا تعلن عن نفسها كل من الملامح الكونية والملامح الفردية للإرادة الإنسانية (…) ويظهر الطبع Character الذي سيستمر طيلة الحياة: الميولات الرئيسية للإرادة، والعواطف السريعة الاستثارة والأهواء المسيطرة (…)
و رغم أن القدرات العقلية يعتريها الوهن مع التقدم في السن، إلا أن الصفات الخلقية تظل على حالها: فطيبوبة القلب تجعل المسن محترما ومحبوبا رغم أن دماغه قد بدأ يظهر علامات الوهن التي تعلن مقدم الطفولة الثانية. الطيبوبة والصبر والمروءة والقناعة والصدق ومحبة الإنسان تبقى راسخة طوال العمر ولا يصيبها شيء من الوهن الملازم للشيخوخة، بل إنها تسطع في لحظات صفاء الشيخوخة كشمس الشتاء من وراء الغيوم. وفي المقابل، فإن الخبث و والبخل وقساوة القلب والخيانة والأنانية والوضاعة من كل صنف لا تضعف بدورها حتى في السنوات الأخيرة من أعمارنا. ولن نصدق بل سنسخر ممن يخبرنا أنه كان في بداية أمره خبيثا فأصبح الآن مستقيما نبيل الفكر. يتضح ذلك في روايته ثروة ناجيل مثلا، حيث أبدع والتر سكوت في تصوير بخل ذلك المرابي العجوز الذي غدا عقله عقل طفل، ومع ذلك فإن بخله وأنانيته وظلمه لم ينل منهم الزمن (…) وهكذا وفي الوقت الذي تضعف فيه كل القوى الجسمية كالعضلات والحواس والذاكرة والفهم والبديهة وخفة الدم، تظل الإرادة بمنأى عن كل انحطاط أو تغير: تظل قوة الإرادة وميولاتها على ما كانت عليه، بل إنها تزداد إصرارا مع مرور الزمن:ازدياد قوة التشبت بالحياة وبالذكريات والإنجازات الماضية
المصدر: مذكور أعلاه، ص ص: 453-457

النص الرابع: نقد شوبنهاور للتصور القائل بأن الروح أو النفس بما هي جوهر مفكر هي جوهر الإنسان

النص:
لقد وجد الفلاسفة الذين جعلوا من النفس، بوضفها ذاتا عارفة بشكل أولي وأساسي، الجوهر الميتافيزيقي، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى القول أيضا بأنها لا تتوقف عن الإدراك والمعرفة حتى في لحظات النوم العميق، مع فرق وحيد هو أننا لانستطيع تذكر نشاط النفس عند يقظتنا. ومن السهل إثبات خطا مثل هذا التصور. فالنوم واليقظة يثبتان لكل ذي عقل متحرر أن المعرفة ليست سوى وظيفة ثانوية مشروطة بالجسم مثلها مثل غيرها من الوظائف. وحده القلب لا يتوقف عن الخفقان، لأن خفقانه والدورة الدموية غير مشروطة بالأعصاب، بل هي التمظهر الأصلي للإرادة [يأتي شوبنهاور بعد ذلك على ذكر وظائف فيزيلوجية أخرى كالتنفس والهضم…]
إن النفس والتي تمثل المعرفة خاصيتها الأصلية الجذرية، تغدو في لحظة اليقظة أشبه بسمكة أعيدت إلى الماء. أما في حالة النوم، فتستعيد الحياة النباتية دورها، وتعمل الإرادة وفق طبيعتها الأصلية والأساسية، دون أن تتقص قوتها او يشوش عليها من طرف الدماغ وعملياته المعرفية، هذه الأخيرة التي تمثل وظيفة عضوية ثقيلة العبء ،وما هي بالنسبة للجسم الحي غاية بل مجرد وسيلة، لذلك تتجه كل طاقة الإرادة أثناء النوم نحو المحافظة على الجسم الحيي وأحيانا تقويته.
المصدر: مذكور أعلاه، ص ص: 462-463

أتمنى أن تساعد هذه المعطيات على فهم أفضل لنص شوبنهاور، وعلى توظيف صائب لموقفه أثناء معالجة إشكالية الشخص والهوية

Facebooktwitterredditmailby feather

نصوص لدرس الشخص- من أنا!؟ أكاد أجن أو تشظي الإنية

اقرأ هنا نصا لطوم ريغان:ولكن، لماذا يتعين معاملة الكائن البشري كغاية لا كوسيلة؟
اقرأ هنا نصا آخر لطوم ريغان: مفارقات وحدود التأسيس الكانطي لقيمة الشخص
اقرأ هنا نصا لجون لوك: تكمن هوية الشخص في الوعي وليس في أي جوهر، مادي او لامادي
وهنا ثلاث نصوص لشوبنهاور من أجل الإجابة لماذا تكمن الهوية في الإرادة

نص: من أنا!؟ أكاد أجن أو تشظي الإنية

إشكال النص: عندما أنطق بلفظة أنا، فهل أحيل على كيان واحد ام على تعددية من الكيانات! ؟ ‏

إحسان عبد القدوس تقديم النص:
قد يتساءل متسائل: كيف لنا أن نقرأ نصا روائيا في درس فلسفي؟
إن مثل هذا السؤال يتجاهل في نظرنا الوشائج العميقة بين الفلسفة والأدب كطريقتين في قول الوجود والتعبير عن الشرط الإنساني، طريقتين مختلفتين ومتنافستين أحيانا ولكن متكاملتين، وما كتابات سارتر وكامي ونجيب محفوظ وتولستوي ودوستويفسكي.. إلا غيض من فيض لتقاطع الجنسين
مثلما يتجاهل المسوغات البيداغوجية والديداكتيكية لتوظيف النصوص السردية في الدرس الفلسفي، ليس كنصوص بناء إشكالي فهذه مهمة تطلع بها نصوص الفلاسفة المكرسين، بل كنصوص للإستثمار ومتابعة التفكير وفتح آفاقه على المعيش والملموس.. والقصة التي أقدم اليوم وسيلة بيداغوجية فعالة لتحقيق مثل هذه الأهداف، إذ يمكن توجيه التلاميذ لقراءتها خارج الفصل ومناقشتها داخل الفصل بعد ذلك من أجل "اقتحام" درس الشخص وخصوصا محور الهوية الشخصية
ضمن المجموعة القصصية "قلبي وعقلي" للروائي إحسان عبد القدوس، نقرأ قصة بعنوان " إلغاء الفرد"، وهي أقصوصة صغيرة وممتعة نبهني إليها ذات يوم أحد التلاميذ…
تعرض هذه القصة القصيرة تأملات أو بالأحرى هلوسات البطل أي عبد الله عبد التواب الذي وجد نفسه ذات يوم يطرح السؤال الرهيب "من أنا!؟"
تعالج الأقصوصة القضايا التالية:
– هل الشخص واحد أم متعدد؟ يقول بطل الأقصوصة : " ليس هناك واحد إلا الله"
– صعوبة تحديد الهوية بوصفها مايحدد الشيء ويسمح بتمييزه عن غيره لأنه مامن خاصية تميز الفرد إلا ويشاطره فيها عدد قليل أو كثير من الناس؛
– حرية الشخص بالنظر إلى تعارض النوازع والرغبات بداخله! يبدو هذا الشخص وكأنه يتفرج مستسلما وهو يشاهد صراع القوى داخله؛
– الفرد مجرد وهم، لأن كل مافيه ليس سوى انعكاس للمجمتع؛
أترككم لتسمتعوا بالأقصوصة:

إلغاء الفرد1-إحسان عبد القدوس إلغاء الفرد2-إحسان عبد القدوس إلغاء الفرد3-إحسان عبد القدوس إلغاء الفرد4-إحسان عبد القدوس

Facebooktwitterredditmailby feather

نصوص لدرس الشخص- هوية الشخص، جسمه، روحه ووعيه

نص:لاتكمن هوية الشخص في أي جوهر، مادي او لامادي، وإنما تكمن في الوعي!!

إشكال النص: ما الذي يمنح للكائن البشري هويته كشخص ؟ وماذا يترتب عن هذه الهوية؟‏

النص:
ما يوحد داخل نفس الشخص أشكالا من الوجود متباعدة في الزمن، هو الوعي وليس وحدة الجوهر. فمهما كان هذا الجوهر، ومهما كانت بنيته (طبيعته) فلاوجود للشخص بدون الوعي ، وإلا فالجثة أو أية كينونة أخرى بدون وعي هي أيضا شخص بدورها
دعونا نتصور الحالتين التاليتين: الأولى حالة وعيين متمايزين دون تواصل بينهما، يحركان نفس الجسم، أحدهما يحرك الجسم نهارا والآخر ليلا؛ والحالة الثانية بعكسها أي حالة نفس الوعي يحرك جسمين مختلفين بالتناوب في أوقات متباعدة. إني لأتساءل، في الحالة الأولى، أليس الكائن الذي يدب نهارا وذاك الذي يحيا ليلا، أليسا شخصين مختلفين اختلاف سقراط عن أفلاطون؟؛ وفي الحالة الثانية، ألن نكون إزاء نفس الشخص وهو يحل في جسمين مختلفين، مثله في ذلك كمثل الرجل الذي يظل هو نفسه رغم أنه يرتدي كل مرة ملابس مختلفة
ولافائدة من الاحتجاج في الحالتين السابقين بأن هذه الأوعاء (جمع وعي) وعي واحد أو أنها مختلفة تبعا لاختلاف أو تطابق الجوهر اللامادي الذي يحمل معه الوعي عند حلوله بالجسد: وبغض النظر عن صحة أو بطلان هذه الاحتجاجات، فمن البديهي أن هوية الشخص، لاتتحدد بغير الوعي في كلتا الحالتين، سواء اقترن هذا الوعي بجوهر لامادي فردي أم لا.
وحتى لو قبلنا الرأي القائل أن الجوهر المفكر للإنسان من طبيعة لامادية بالضرورة ، فإنه يظل بديهيا مع ذلك أن هذا الشيء المفكر اللامادي يمكن أن ينفك عن وعيه الماضي (ذكرياته)أو أن يستعيده بعد ضياع ؛ والشاهد على ذلك تذكر الإنسان أحيانا لحالات شعورية ماضية طواها النسيان تماما طيلة عشرين عاما، فلنفترض أن فقدان الذاكرة على هذا النحو يتم بشكل دائم ومنتظم بحيث نفقد في النهار ذكريات الليل، ونفقد عند حلول الظلام ذكريات النهار، سنكون هنا إزاء شخصين مختلفين رغم أن لهما نفس الروح اللامادي، مثلما أننا سنحصل ، في الحالة الأولى [الواردة في بداية النص]، على شخصين مختلفين حالّيْن في جسد واحد. وعليه فالإنية لاتكمن في وحدة جوهر فرد أو جواهر متعددة بقدر ما تكمن في وحدة الوعي
دراسات في الفهم الإنساني الكتاب الثاني ، الفصل 27 الفقرة 23
المصدر: John Locke, An Essay Concerning Human Understanding, Book II, chapter 27 : Of Identity and Diversity
شذرات إضافية لإضاءة النص والمساعدة على فهمه:
مما سبق نستطيع القول بأن هوية الشخص لاتكمن في وحدة الجوهر بل في وحدة الوعي ، فلو حدث اأن تطابق وعيا كل من سقراط وعمدة كيمبووروغ، فإنهما يغدوان نفس الشخص، ولو أن ،سقراط المستيقظ لا يشاطر سقراط النائم نفس الوعي ، فإن سقراط النائم وسقراط المستيقظ ليسا نفس الشخص
نفس المرجع، الفقرة 19

 

شذرات إضافية لإضاءة النص والمساعدة على فهمه:
على أساس هذه الهوية الشخصية تنبني العدالة والثواب والعقاب
نفس المرجع، الفقرة 18

 

شذرات إضافية لإضاءة النص والمساعدة على فهمه:
لاتعاقب العدالة البشرية الأحمق على الأفعال التي ارتكبها العاقل (أي عندما كان عاقلا)، كما لا تعاقب العاقل على مااقترفه الأحمق، معتبرة إياهما شخصان متمايزان، مما يفسر التعبير المستخدم في قولنا "إن الشخص ليس هو نفسه" أو أنه "خارج نفسه" وهي تعابير تشير إلى أن الإنية قد أصابها التحول ، وأن الشخص الذي هو الإنية لم يعد داخل نفس الرجل
نفس المرجع، الفقرة 20

 

شذرات إضافية لإضاءة النص والمساعدة على فهمه:
مهما أتت الكينونة من أفعال ومهما جال بخاطرها من أفكار، وإذا لم أستطع تذكر تلك الأفكار باعتبارها أفكاري، و تلك الأفعال باعتبارها أفعالي، وعجزت عن تملكها بواسطة وعيي، فإن هذه الكيونة لانتتمي إليّ، رغم أن جزءا مني هو الذي فكر او فعل، كما لو أن هذه الأفكار قد حملها وأن تلك
الأفعال قد اتاها كائن لامادي آخر موجود مستقلا عني نفس المرجع، الفقرة 24
Facebooktwitterredditmailby feather

نصوص لدرس الشخص- مفارقات وحدود التأسيس الكانطي لقيمة الشخص

اقرأ هنا نصا آخر لطوم ريغان:ولكن، لماذا يتعين معاملة الكائن البشري كغاية لا كوسيلة؟
اقرأ هنا نصا لجون لوك: تكمن هوية الشخص في الوعي ليس في أي جوهر، مادي او لامادي
اقرأ هنا نصا للروائي إحسان عبد القدوس:من أنا؟ أكاد أجن أو إلغاء الفرد
وهنا ثلاث نصوص لشوبنهاور من أجل الإجابة لماذا تكمن الهوية في الإرادة

إشكال النص: ما الذي ينطوي عليه الكائن البشري ويشكل له هذه القيمة الأصلية ؟ ‏

tom_reganطوم ريغان Tom Regan فيلسوف أمريكي معاصر ولد في 28 نونبر 1938 بمدينة بيطسبورغ بولاية بنسيلفانيا. مهتم بموضوع "حقوق الحيوان" وهو موضوع كتابه الشهير: "قضية حقوق الحيوان"
تنتمي فلسفة طوم ريغان إلى التقليد الكانطي، لكن في حين يؤسس كانط القيمة المطلقة التي نعزوها إلى الكائنات البشرية على خاصية العقل التي تتمتع بها هذه الكائنات،فإن طوم ريغان يعتبره تأسيسا غير كاف، وحجته في ذلك أننا ملزمون باحترام القيمة المطلقة لكائنات بشرية غير عاقلة مثل الأطفال وكذا الذين يعانون من عاهات عقلية جسيمة
وعليه فإن الخاصية الحاسمة والمشتركة بين الكائنات البشرية ليست هي العقل، بل كونهم يحيون حياة يعنيهم أمرها، بحيث ان مايحدث لنا يعنينا نحن بالدرجة الأولى بغض النظر عما إذا كان يعني شخصا آخر أم لا "

النص:
من السهل تقديم نظرية أخلاقية جديدة، ولكن من الصعب تبرير أسسها وتقديم مسوغات كافية لإقناعنا بوجوب تبنيها(…)
[ينطبق ذلك على التصور الكانطي]ا فرغم مايتمتع به هذا التصور من عمق وحصافة، وبالرغم من استلهامي إياه، فإنه لايخلو من تناقضات ومفارقات بعضها في اعتقادي عويص يصعب حله؛ سأكتفي هنا بإثارة أهم هذه المفارقات من خلال السؤالين التالين: "ماهي الكائنات البشرية التي تستحق صفة الشخص؟ وماذا يترتب أخلاقيا إذا ما أجبنا على مثل هذا السؤال من منظور كانطي؟
نبدأ بالجلي الواضح: ليس كل إنسان شخصا بالمعنى الكانطي. فالبويضة المخصبة حديثا، والمرضى الذين دخلوا حالة الغيبوبة (الكوما) الدائمة يظلون بشرا، لكنهم ليسوا أشخاصا وفق التعريف الكانطي؛ ونفس الحكم ينسحب أيضا على حديثي الولادة وعلى الأطفال حتى سن معينة، تضاف إليهم كل الكائنات البشرية التي تفتقد لهذا السبب أو ذاك القدرات الفكرية التي بموجبها يعرف كانط الشخص البشري. إن هؤلاء جميعا تعوزهم الخاصية الأخلاقية المميزة للشخص، فيفقدون بالتالي الحق في الاحترام. فكيف تستطيع النظرية الكانطية إثبات خطئنا لو أننا عاملنا أحد هذه الكائنات البشرية – الذي ليس شخصا – كمجرد وسيلة!
يتضمن الجواب الذي أقدمه هنا تخليا عن التصور الكانطي للشخص كمعيار للقيمة الأصلية للكائن البشري وتعويضه بفكرة(…) "الذوات التي تستشعر حياتها".Subject-of-life دعوني أشرح لكم المقصود بذلك:
لقد أضاف وجود الإنسان الوعي إلى ظاهرة الحياة، هذه الإضافة التي لم يستطع العلم حتى اليوم تفسيرها بشكل مقنع، ومع ذلك يظل المعطى قائما: نحن لانوجد في العالم فحسب، لكننا على وعي بهذا الوجود أيضا، بل وعلى دراية بما يعتمل في "الداخل" أي في عالم المشاعر والمعتقدات والرغبات. وبهذا المعنى، فنحن أكثر من مجرد مادة حية، إننا شيء مختلف عن النبات الذي يحيا ثم يموت أيضا مثلنا. إننا ذوات حية تستشعر حياتها، كائنات لها سيرة وتاريخ biography لا مجرد جسم تدرسه البيولوجيا biology
وما يزيد اللغز غموضا هو أن هذه الحياة التي نعيشها ونختبرها هي وحدة ونظام وليست مجرد ركام وفوضى: فوراء مشاعرنا ومعتقداتنا ورغباتنا توجد وحدة سيكلوجية، بعبارة أخرى فالمشاعر لا تنتمي إلى الشخص "أ" بينما تنتمي المعتقدات إلى الشخص "ب" فيما تعود الرغبات إلى الشخص "ج".
وعلى ضوء انتماء هذا الكل إلى نفس الفرد المتمايز عن الآخرين نستطيع أن نفهم كيف تشكلت سيرتي وقصة حياتي الفريدة عبر الزمن، وكيف أن قصة حياة كل واحد منا مختلفة عن الآخر.
[أخلص إلى القول أن قيمتنا وحقوققنا نابعة من كوننا] ذواتا نحيا حياة يمكن أن تتحول للأفضل أو للأسوأ بالنسبة إلينا بشكل مستقل منطقيا عن أي تقييم لنا من قبل أي أحد آخر او اعتباره إيانا نافعين، ولا أقصد مما سبق أن الآخرين لا يستطيعون الإسهام فيء أو الانتقاص من، قيمة حياتنا . بل على العكس، إن الخيرات الكبرى للحياة (الحب، والصداقة، وعموما ، الشعور بالرفقة) وشرورها الكبرى (الكراهية والعداوة والعزلة والاغتراب) كلها تشتمل على علاقاتنا بالأشخاص الآخرين؛ فما أقصده، بدلا من ذلك، أن كوننا ذواتا نحيا حياة هي في مختلف الظروف لأجلنا لا يعتمد منطقيا على ما يفعله الآخرون أو لا ‏يفعلونه لنا . (…)
كلنا إذن متساوون من حيث قدرتنا على استشعار النعيم، وهذا مايجعل كل واحد منا مكافئا للآخر بغض النظر عن الجنس، الذكاء، الطبقة، السن، الديانة، مسقط الرأس، الموهبة أو المساهمة الاجتماعية
ومن منظور الحقوق الذي أتبناه، فإن كون االفرد "ذاتا تستشعر حياتها" هي القاعدة التي بموجبها يمتلك القيمة الأصيلة، وكل من يحقق هذا الشرط يلزمنا بواجب مباشر في معاملته باحترام، وبعبارة أخرى فنظرية الحقوق تعترف للكائنات البشرية المقصاة بموجب المعيار الكانطي – تعترف لها بحقوق أخلاقية: كالأطفال أو بصفة عامة كل كائن بشري مهما كان سنه ممن يعانون عاهات تمنعهم من أن يكونوا أشخاصا، لكنهم يحققون بامتياز شرط " الذات التي تستشعر حياتها" لأن كل واحد منهم يحيى حياة يمكن أن تتحول للأفضل أو للأسوأ بالنسبة إليه
[بيد اني مضطر للإعتراف ]بأن نظرية الحقوق التي أتيت على ذكرها لاتبدد كل الغموض، وككل نظرية تتناول المعايير الأخلاقية، فإن نظريتي تواجه تحديات جدية، بعضها مماثل للتحديات التي طرحتها على التصور الكانطي آنفا! بعض البشر ليسواأشخاصا حسب كانط، ولكن بعضهم أيضا ليس " ذاتا تستشعر حياتها" وفق نظريتي مثل البويضة المخصبة حديثا والمواليد بدون دماغ أو بوظائف دماغية تتجاوز بالكاد وظائف النخاع الشوكي
هل يعني ذلك أن هذه الكائنات البشرية لاتمتلك أي قيمة أو حق في أن تعامل باحترام؟ إن نظرية الحقوق تترك السؤال مفتوح، ذلك أني اقترحت معيار " الذات التي تستشعر حياتها" كمعيار كاف وليس كمعيار حصري . بمعنى أن الذين يتحقق فيهم هذا الشرط يحوزون قيمة أصيلة، ولكن هل هم الفئة الوحيدة التي تحظى بهذه القيمة؟ هذا سؤال تتركه نظريتي مفتوحا
المصدر:Tom Regan & Cal Cohen, The animal right debate. Rowman & Littlefield, 2001 pp:191-203
Facebooktwitterredditmailby feather

لماذا يتعين معاملة الكائن البشري كغاية لا كمجرد وسيلة

نص:لماذا يتعين معاملة الكائن البشري كغاية لا كوسيلة؟!!

إشكال النص: ما الذي ينطوي عليه الكائن البشري ويشكل له هذه القيمة الأصلية ؟ ‏

توم ريغان طوم ريغان Tom Regan فيلسوف أمريكي معاصر ولد في 28 نونبر 1938 بمدينة بيطسبورغ بولاية بنسيلفانيا. مهتم بموضوع "حقوق الحيوان" وهو موضوع كتابه الشهير: "قضية حقوق الحيوان"
تنتمي فلسفة طوم ريغان إلى التقليد الكانطي، لكن في حين يؤسس كانط القيمة المطلقة التي نعزوها إلى الكائنات البشرية على خاصية العقل التي تتمتع بها هذه الكائنات،فإن طوم ريغان يعتبره تأسيسا غير كاف، وحجته في ذلك أننا ملزمون باحترام القيمة المطلقة لكائنات بشرية غير عاقلة مثل الأطفال وكذا الذين يعانون من عاهات عقلية جسيمة
وعليه فإن الخاصية الحاسمة والمشتركة بين الكائنات البشرية ليست هي العقل، بل كونهم يحيون حياة يعنيهم أمرها، بحيث ان مايحدث لنا يعنينا نحن بالدرجة الأولى بغض النظر عما إذا كان يعني شخصا آخر أم لا "

النص:
(…) يستمر السؤال ضاغطا علينا . هل للحيوانات الحق في عدم الأذى ؟ ‏ليس هذا بسؤال يسير الإجابة. (…)
‏نبدأ بالتساؤل حول مبرراتنا للتفكير في أن الكائنات البشرية تمتلك الحق الخلقي في عدم الأذى؟ وعن ثم نمضي للتساؤل، استنادا إلى هذه المبررات، إن كان ثمة أساس للقول بأن الحيوانات تمتلك هذا الحق أيضا . دعونا الآن نرجع إلى فكرة أن الكائنات البشرية الفردية تمتلك هذا الحق وأنه، ماعدا في الحالات المتطرفة، يبز المصلحة الجماعية. لماذا ؟ ‏ما الذي في الكائن البشري لنشير إليه ونقول: "لهذا يجب عليك ألأ تؤذي الفرد حتى لو أن ذلك يفيد الجماعة؟" ‏يكمن لب الجواب، كما أرى، في الاعتقاد أن الكائنات البشرية تمتلك نوعا محددا من القيمة، القيمة الأصلية. وأقصد بذلك أن كل كائن بشري يمتلك قيمة مستقلة منطقيا عن كونه ذا قيمة لأي شخص آخر (أو بمعنى مطابق ربما، مستقلة عن كونه موضع مصلحة أي شيء آخر) .
لا أرى أي مبرر، من وجهة نظر خلقية، لاحترام شيء ما حي، لكن لا إحساس واع لديه وبالتالي لا يستطيع الشعور بأي مسرة أو ألم، متعة أو معاناة، إلا القول إنه ربما لديه إمكان لأن يصبح كائنا حاسة واعيا، على غرار الجنين. فإذا كانت الأوراق والأشجار لا قدرة لها على الشعور بالمسرة أو الألم فلماذا لا ينبغي علي انتزاع ورقة من شجرة ؟ ‏ولماذا يجب أن احترم موضعها بأكثر مما أفعل _لنسبة إلى حجر يعترض طريقي، إذا لم يكن ثمة شخص أو كائن حاس ينتفع أو يتأذى من إزالتي له؟
فالنظرة القائلة إن الكائنات البشرية تمتلك قيمة أصلية تستلزم أن نوع القيمة الممكن عزوها كما ينبغي إليهم ليس نوعا أداتيا على وجه الحصر. فالبشر يمتلكون قيمة ليس لمجرد، وليس ماداموا ملائمين لشيء ما . إن قيمتهم متميزة عن نفعهم ومهارتهم.
‏إذا صح هذا نستطيع أن نوضح، بعبارات عامة مستذكرين كانط، ما الذي تتضمنه المعاملة السيئة للكائنات البشرية. تساء معاملة البشر إذا اعتبروا ذوي قيمة فقط عندما يعززون مصالح كاشنات أخرى. إن معاملة كائن بشري على هذا النحو ينم عن الافتقار إلى احترام لائق لنوع القيمة التي يمتلكها البشر. وبعبارات كانط، إن ما له قيمة بذاته يجب أن يعامل دائما كغاية، وليس أبدا كمجرد وسيلة. ولكن، هذا هو بالضبط ما نقوم به عندما نؤذي فردا بحيث إن الآخرين ربما يحصلون على متعة أو فائدة؟ أي أننا نعامل الفرد كمجرد وسيلة، ذات قيمة بقدر ما يسهم في المصلحة الجماعية.
‏والآن، إذا قبلنا المسلمة التي فحواها أن الكائنات البشرية تمتلك قيمة أصلية نستطيع المتابعة والتساؤل عن كيفية إقحام الحقوق في الصورة. تقتحم الحقوق الصورة لأنها تستند إلى القيمة الأصلية. وبكلمات أخرى، إن الأفراد الذين يمتلكون قيمة أصلية هم الذين يمتلكون الحق في ألا تتم معاملتهم بأساليب تنكر عليهم هذا النوع من القيمة. فبدلا من ربط الحقوق بقيمة العواقب الجيدة أو السيئة على الأفراد، وبدلا من تسويغ الحقوق بالمنفعة العائدة عليهم، يتم تأسيس !لحقوق على قيمة الأفراد . وبالتالي، في حالة الحق في عدم الأذى، نقول إن الأفراد الذين يمتلكون قيمة أصلية يمتلكون الحق في عدم الأذى الذي يحول دون معاملتهم كمجرد وسيلة. إن اعتبارهم وسيلة سوف يفشل في معاملتهم وفق مقتضيات الاحترام الذي هم أهل له بمقتضى نوع القيمة التي يمتلكونها .
‏والآن، من المؤكد أن ما سبق ليس وصفا دقيقا للنظرة القائلة بأن الأفراد الذين يمتلكون قيمة أصلية يمتلكون حقوقا خلقية أساسية، خصوصا الحق في عدم الأذى. شيء واحد تم إغفاله وذو أهمية خاصة: ما الذي ينطوي عليه الكائن البشري ويشكل له هذه القيمة الأصلية ؟ ‏إن أي إجابة ستكون مدعاة للخلاف، وأي دفاع يؤازر الجواب الذي اقترحه هنا غير ممكن. ها هو الجواب الذي أقدمه: الكائنات البشرية ليسوا أحياء فحسب، إنهم يمتلكون حياة . وفوق ذلك، إننا موضوعات لحياة هي في مختلف الأحوال لأجلنا، وهذا مستقل منطقيا عن أي تقييم لنا من قبل أي أحد آخر أو اعتباره ‏لنا نافعين.
‏ولا أقصد مما سبق أن الآخرين لا يستطيعون الإسهام في، أو ‏الانتقاص من، قيمة حياتنا. بل على العكس، إن الخيرات الكبرى للحياة (الحب، والصداقة، وعموما، الشعور بالرفقة) وشرورها الكبرى (الكراهية والعداوة والعزلة والاغتراب) كلها تشتمل على علاقاتنا بالأشخاص الآخرين. فما أقصده، بدلا من ذلك، أن كوننا موضوع لحياة هي في مختلف الظروف لأجلنا لا يعتمد منطقيا على ما يفعله الآخرون أو لا يفعلونه لنا . وأعتقد أن هذه الحقيقة تقدم لنا الإضاءة التي نلتمسها . فالبشر يمتلكون قيمة أصلية لأننا بذواتنا موضوعات لحياة هي، إلى حد كبير أو قليل، ذات قيمة لنا . وبإيجاز:
إن الكائنات البشرية تمتلك قيمة أصلية لأن كل فرد، بشكل مستقل منطقيا عن مصالح الآخرين، موضوع لحياة هي في مختلف الأحوال لأجل ذلك الفرد . ونظرا لهذا النمط من القيمة الذي يمتلكه البشر، من الخطأ (أي علامة على عدم احترام وعلى انتهاك الحقوق) معاملة البشركما لو أن قيمتهم تنحصرفي كونهم مجرد وسيلة (مثلا، أن نستخدم البشر لمجرد زيادة ملذات الجماعة). وعلى الخصوص، إن إيذاء الكائنات البشرية لأجل منفعة أو متعة أي جماعة هو انتهاك لحقهم في عدم الأذى.
‏ينبثق الآن سؤال يخص إمكان تطوير هذا المحور ذاته من النقاش في حالة الحيوانات. وهذا ممكن على الأقل في حالة تلك الحيوا نات التي هي موضوعات لحياة هي لأجلهم، في مختلف الظروف، ومستقلة منطقيا عن تقييم أي أحد آخر. وليس ثمة أي شك عقلاني في أن عددا هائلا من أنواع الحيوانات يصح عليها ذلك… إنهم أيضا يمتلكون نوعا متميزا من القيمة بحكم حقهم الذاتي، ولذلك أيضا يمتلكون الحق في ألا يعاملوا بأساليب تفشل في احترام هذه القيمة. وعلى غرار البشر، لن يكون مسوغا تجاوز هذا الحق وتعريضهم للأذى لمجرد زيادة منافع أو ملذات الآخرين.
Facebooktwitterredditmailby feather

نص: أيتها الدابة! لم لا تحدثني عن سعادتك!؟

نص: أيتها الدابة! لم لا تحدثني عن سعادتك!؟

إشكال النص: ماعسى سعادة الحيوان تخبرنا بشأن سعادة الإنسان ؟ ‏

تقديم النص:
هذا نص نيتشوي جميل وممتع في آن. أما عنوانه فقد اقتسبته تقريبا من جملة واردة في النص نفسه
وقد قررت قراءته مع تلامذتي في إطار درس السعادة، ورغم أنني لا أعرف بالضبط في أي محور سأحشره !! فلا أقل من أن نستمتع بقراءته.
في النص التالي يعرض نيتشه لفكرة مألوفة لدى قارئه وهي مفهوم النسيان الذي تقدم الجينالوجيا نفسها كترياق له أو بالأحرى لمفعولاته: نسيان الأصل، الأوهام التي يحيلها النسيان إلى حقائق، نسيان التشكلات الأولى للمفاهيم والمقولات الأخلاقية…
يوجد النسيان إذن دوما في قفص الاتهام عند نيتشه. غير أنه متهم هنا كغياب! بحيث تصبح تعاسة الإنسان نتيجة مباشرة لعجزه عن النسيان، فيتحول إلى كائن يعيش دوما تحت وطأة الماضي والذاكرة ، ملتفتا إلى الوراء، غافلا عما في اللحظة والحاضر من إمكانيات السعادة
إليكم هذا النص الذي لايخلو من طرافة ! حيث تظهر مواهب نيتشه كمؤلف مسرحي حين ينسج ذلك الحوار الفلسفي العميق بين الدابة والإنسان
قطيع أغنام يرعى

النص:
تأمل القطيع الذي يمر أمامك وهو يرعى، إنه لايعرف ماحدث بالأمس وما يحدث اليوم: فهو يجري هنا وهناك ويأكل ويرتاح ثم يجري من جديد من الصباح إلى المساء وعلى مر الأيام سواء أكان مسرورا أو منزعجا: إنه مشدود إلى موثق اللحظة بحيث لا يعبر عن كآبة أو ملل. إن الإنسان لا يرى شيئا من هذا القبيل لأنه يختال أمام الدابة رغم غيرته من سعادتها هاته، فما تحياه الدابة من عدم اكتراث بالتقزز والألم، وهو مايريده الإنسان، ولكنه يريده على نحو آخر لأنه لايستطيع أن يريد مثل الدابة. وربما يخطر بباله يوما ما ام يسأل الدابة: ” لماذا لا تحدثيني عن سعادتك ولماذا تكتفين بالنظر إلي فقط؟” وتهم الدابة بالجواب والقول: ” إنني أنسى في كل مرة ما أنوي قوله”. ولكن في الوقت الذي تستعد الدابة للجواب تكون قد نسيته فتسكت، مما يثير دهشة الإنسان
ولكنه اندهش من نفسه ايضا لأنه استعصى عليه أن يتعلم النسيان فظل مشدودا باستمرار إلى الماضي، ومهما فعل ومهما ذهب بعيدا وأسرع خطاه لاحقته السلسلة دوما. إنه لأمر عجيب: فمثلما تظهر اللحظة في رمشة عين، تزول كذلك. من قبلُ كان العدم، ومن بعدُ يعود العدم.

مصدر النص: فريدريك نيتشه، تأملات غير راهنية
Nietzshe, secondes consedirations intempstives, ed. Garnier Flamarion p.p : 75-76
نقلا عن كتاب الفلسفةالسنة الرابعة-آداب (تونس) ص

Facebooktwitterredditmailby feather

نصوص لإغناء التفكير الفلسفي حول المفهوم وتوسيع آفاقه

نصوص لإغناء التفكير الفلسفي حول المفهوم وتوسيع آفاقه

texts

أحيانا لاتكون نصوص الكتب المدرسية موفية بالمطلوب، لتغطية حاجات البناء الإشكالي لمحاور الدرس…
وأحيانا يجد المرء بحكم الصدف السعيدة لقراءاته في هذاالكتاب أو ذاك، نصوصا متميزة إما بطرافة طرحها أو غنى مضامينها أو استفزازها لذهن المتعلم ووجدانه…
تجدون في هذه الصفحات بعضا من هذه النصوص، وسأرقن المزيد منها إن توفر وقت…
. وقراءة ممتعة

Facebooktwitterredditmailby feather